الجزيرة الثقافية 18-04-2025
عماد العالم
لكلاسيكيات الأدب من روايات خالدة طعم خاص من الصعب أحيانا إدراك سبب تعلقنا بها وتوافق الآراء في الغالب على عظمتها، وهو ما لا أرغب بسبر أسبابه هنا، بمقدار استعارة أحدها لتكون مظلة قياس على أعمال الروائي الياباني ذائع الصيت هاروكي موراكامي، الذي بدون مبالغة أحد أكثر الروائيين تأثيرا في العصر الحاضر، لا من حيث فرادته الأدبية، وهذا رأيي الشخصي؛ بمقدار كون أعماله حاليا من الأكثر ترجمة للغات الأخرى، فضلا عن كونها الأكثر مبيعا في سوق الكتاب، الذي لم أقتنع يوما أن الأكثر توزيعا فيه وانتشاراً، بحكم الضرورة، هو الأفضل كقيمة أدبية.
موراكامي الذي قرأت له أكثر من عمل، وإن كان من أبرزها، كافكا على الشاطئ والغابة النرويجية؛ ما زال يبدو لي، وقد أكون مخطئا، ليس أكثر من نسخة تجارية حسنة السرد، ضخمة الحجم، مزهوة بلغة بليغة ووصف متقن، ولكن في نفس الوقت مقلدة ومكررة من الوحيدة التي صنعت عظمة الروائي الأمريكي سالينجر، أي الحارس في حقل الشوفان.
يبدو بالنسبة لي تأثر موراكامي بسالينجر واضحا، وان لم أقرأ له أو أسمعها منه مباشرة؛ وخصوصا في روايته «الغابة النرويجية»، حيث تكرر ذكر «الحارس في حقل الشوفان» عرضيا أكثر من مرة، دون الخوض في تفاصيلها أو إسقاط سلوك بطلها الوحيد على الشخصية الرئيسية في رواية «الغابة النرويجية».
والمثل ينطبق على روايته «كافكا على الشاطئ»، قياسا على تكرار نموذج المراهق الشاب المتمرد دون وجهة ووضوح رؤية، والراغب في التجربة بلا هدف محدد.
هذا الزج العرضي أو المقصود بذكر رواية «الحارس في حقل الشوفان» في رواية «الغابة النرويجية»، قد يكون إشارة من موراكامي بتأثره بسالينجر من باب الامتنان الأدبي والإعجاب الشخصي، وقد يكون لاوعي موراكامي هو من قاده للزج باسم الرواية في خضم سرده. وقد يكون وهذا جائز أيضا، أن يكون ذكر اسم الرواية لا يعدو كونه ضرورة سردية اختارها الراوي لتناسبها مع ما يراه مناسبا أو يتقابل مع شخصية البطل في روايته.
أما الاحتمال الآخر الوارد جدا، هو بأن يكون هولدن كولفيلد بطل سالينجر، بات رمزًا لتمرد المراهقة، والتحول من مرحلة عمرية لأخرى، وما ينتج عنها من تيه وثورة وتمرد على الحاضر والسائد، المترافق مع انعدام الرؤية والنأي عن الالتزام الهوياتي والعلاقات، وفقدان الهوية واضطرابها، والتوق نحو العُزلة.
جميع ما ذُكر سواء اجتمعت أو أُخذت منفردة، يجعل من القراءة لموراكامي أحيانا تكرارا لسالينجر، كما يجعل منه مقلدا سواء أراد معالجة قضية حساسة روائيا، أو كان خطه الأدبي، أو كتب عما يجذب انتباه القرّاء ويُلامس شغفهم ورغباتهم ويلامس ذواتهم. وهو ما لا عيب فيه أياً كانت الاحتمالات، عدا أن الطول غير المبرر لرواياته، والسرد الْمُسهِب حد النفور، والتنميق الزائد والحشو، والوصف المبالغ فيه لحد الكمال، والذي يبدوا وكأنه مقصود لخلق صورة مثالية مكتملة المعالم لكل جزء وحدث وموقف وشكل، فضلا عن استخدام القالب ذاته أو «بارادايم» سالينجر؛ هو ما يعيب موراكامي، الذي يتوجب عليه الاقتصاد فيما ذكر لما لا حاجة منه، مع إيجاد نموذجه الخاص، لا «بارادايم» سالينجر لهولدن كولفيلد، المراهق المتمرد الذي وجد أن الفزّاعة التي يغرسها المزارعون في الحقول، والشوفان أحدها، تخويفا للطيور من إتلاف المحصول؛ هو الوصف الأقرب لهولدن كولفيلد، الذي وجد حياته عبثية في آن، وفاقد للشغف في أخرى، والوحيد وسط العالم الذي رغم حركته المتواصلة، لا يعدو أن يكون سوى سيقان متجاورة كثيفة العدد من الشوفان، الذي يقبع في منتصفه دون أي ارتباط معه، عدا استخدامه كفزاعة مزيفة غير حقيقية تظنها الطيور بشرا فتخشى الاقتراب من الحقل بسبب حركته التي تتسبب بها الرياح، بعد أن ألبسه من وثقوه بالأرض وغرسوه بها، ملابس الإنسان!
بطلا موراكامي في روايتيه الغابة النرويجية وفي كافكا على الشاطئ، مراهق وشاب جامعي، تراهم يسيرون بلا رؤى، وكأنهم مصابون بالتوحد في انعزاليتهم ورفضهم السير على خطى السائد مجتمعيا، ناقمين أحيانا وانعزاليين أغلب الوقت. ترهقهم الصداقات وتكون موضع تساؤلاتهم عن مدى أهميتها ومكانتها في حياتهم. يظهر عليهم انعدام الشغف والتكرار والرتابة والروتين، وفي أحيانٍ أخرى الرغبة في التمرد وكسر القيود، وكأنهما يعكسان مذهب الوجودية الذي نظّر له سارتر وكامو ويكاد تكون آثاره معدومة في وقتنا الحاضر، حيث كان انعكاسا لحقبتي العبثية في زمن حياة مفكري فرنسا المتمردين، كثيري التساؤل والرفض في نفس الوقت.
بالطبع لا يضع موراكامي أمام القارئ نفس المشاهد، فالبيئة مختلفة، والثقافة اليابانية متباينة بشدة حد التنافر مع الثقافة الأمريكية، ولذلك يقدم دوما النسخة اليابانية لهولدن كولفيلد الأمريكي، مع أجواء نفسية يتم الزج بها لإضفاء روحانية وعمق تتناسب مع مفهوم صراع الهوية والتمرد الذي تتميز بها شخصية أبطاله، وهو الذي يبدو أحيانا موفقا، وبأخرى مبتذلا لا يتناسب مع سطحية الموقف.
ومع ذلك، يبقى هذا الرأي تحديدا يتعلق بروايات موراكامي المذكورة آنفا لا جميع أعماله الأدبية. مع إنني أجد نفسي هنا ميالاً لذكر ما يُلاحظ على موراكامي بشكل عام، من استعراضٍ فج لمقدراته اللغوية التي قد تصل حد التنميق المبالغ به والحشو، والحوارات التي لا تتماشى مع السياق، والوصف المبالغ لعناصره ومشاهده وأحداث روايته وشخوصها من غير داعٍ سوى خلق صورة لا يحتاجها النص بمقدار «أنا» موراكامي الذي تصر دوما على إظهار عظمة مخيلته الروائية. وكذلك بالطبع الطول والسرد الْمُسهِب غير المبرر في غياب الحبكة والقصة والأحداث التي تستدعي ذلك، مع إباحية فجة، ووصف جنسي خادش لا علاقة له بالحبكة الروائية، لا تبدو الغاية منها سوى الزج فيها بالنص خارج السياق لإضفاء إثارة دَرَجَ موراكامي انتهاجها كسمة باتت واضحة في الكثير من أعماله.
موراكامي الذي قرأت له أكثر من عمل، وإن كان من أبرزها، كافكا على الشاطئ والغابة النرويجية؛ ما زال يبدو لي، وقد أكون مخطئا، ليس أكثر من نسخة تجارية حسنة السرد، ضخمة الحجم، مزهوة بلغة بليغة ووصف متقن، ولكن في نفس الوقت مقلدة ومكررة من الوحيدة التي صنعت عظمة الروائي الأمريكي سالينجر، أي الحارس في حقل الشوفان.
يبدو بالنسبة لي تأثر موراكامي بسالينجر واضحا، وان لم أقرأ له أو أسمعها منه مباشرة؛ وخصوصا في روايته «الغابة النرويجية»، حيث تكرر ذكر «الحارس في حقل الشوفان» عرضيا أكثر من مرة، دون الخوض في تفاصيلها أو إسقاط سلوك بطلها الوحيد على الشخصية الرئيسية في رواية «الغابة النرويجية».
والمثل ينطبق على روايته «كافكا على الشاطئ»، قياسا على تكرار نموذج المراهق الشاب المتمرد دون وجهة ووضوح رؤية، والراغب في التجربة بلا هدف محدد.
هذا الزج العرضي أو المقصود بذكر رواية «الحارس في حقل الشوفان» في رواية «الغابة النرويجية»، قد يكون إشارة من موراكامي بتأثره بسالينجر من باب الامتنان الأدبي والإعجاب الشخصي، وقد يكون لاوعي موراكامي هو من قاده للزج باسم الرواية في خضم سرده. وقد يكون وهذا جائز أيضا، أن يكون ذكر اسم الرواية لا يعدو كونه ضرورة سردية اختارها الراوي لتناسبها مع ما يراه مناسبا أو يتقابل مع شخصية البطل في روايته.
أما الاحتمال الآخر الوارد جدا، هو بأن يكون هولدن كولفيلد بطل سالينجر، بات رمزًا لتمرد المراهقة، والتحول من مرحلة عمرية لأخرى، وما ينتج عنها من تيه وثورة وتمرد على الحاضر والسائد، المترافق مع انعدام الرؤية والنأي عن الالتزام الهوياتي والعلاقات، وفقدان الهوية واضطرابها، والتوق نحو العُزلة.
جميع ما ذُكر سواء اجتمعت أو أُخذت منفردة، يجعل من القراءة لموراكامي أحيانا تكرارا لسالينجر، كما يجعل منه مقلدا سواء أراد معالجة قضية حساسة روائيا، أو كان خطه الأدبي، أو كتب عما يجذب انتباه القرّاء ويُلامس شغفهم ورغباتهم ويلامس ذواتهم. وهو ما لا عيب فيه أياً كانت الاحتمالات، عدا أن الطول غير المبرر لرواياته، والسرد الْمُسهِب حد النفور، والتنميق الزائد والحشو، والوصف المبالغ فيه لحد الكمال، والذي يبدوا وكأنه مقصود لخلق صورة مثالية مكتملة المعالم لكل جزء وحدث وموقف وشكل، فضلا عن استخدام القالب ذاته أو «بارادايم» سالينجر؛ هو ما يعيب موراكامي، الذي يتوجب عليه الاقتصاد فيما ذكر لما لا حاجة منه، مع إيجاد نموذجه الخاص، لا «بارادايم» سالينجر لهولدن كولفيلد، المراهق المتمرد الذي وجد أن الفزّاعة التي يغرسها المزارعون في الحقول، والشوفان أحدها، تخويفا للطيور من إتلاف المحصول؛ هو الوصف الأقرب لهولدن كولفيلد، الذي وجد حياته عبثية في آن، وفاقد للشغف في أخرى، والوحيد وسط العالم الذي رغم حركته المتواصلة، لا يعدو أن يكون سوى سيقان متجاورة كثيفة العدد من الشوفان، الذي يقبع في منتصفه دون أي ارتباط معه، عدا استخدامه كفزاعة مزيفة غير حقيقية تظنها الطيور بشرا فتخشى الاقتراب من الحقل بسبب حركته التي تتسبب بها الرياح، بعد أن ألبسه من وثقوه بالأرض وغرسوه بها، ملابس الإنسان!
بطلا موراكامي في روايتيه الغابة النرويجية وفي كافكا على الشاطئ، مراهق وشاب جامعي، تراهم يسيرون بلا رؤى، وكأنهم مصابون بالتوحد في انعزاليتهم ورفضهم السير على خطى السائد مجتمعيا، ناقمين أحيانا وانعزاليين أغلب الوقت. ترهقهم الصداقات وتكون موضع تساؤلاتهم عن مدى أهميتها ومكانتها في حياتهم. يظهر عليهم انعدام الشغف والتكرار والرتابة والروتين، وفي أحيانٍ أخرى الرغبة في التمرد وكسر القيود، وكأنهما يعكسان مذهب الوجودية الذي نظّر له سارتر وكامو ويكاد تكون آثاره معدومة في وقتنا الحاضر، حيث كان انعكاسا لحقبتي العبثية في زمن حياة مفكري فرنسا المتمردين، كثيري التساؤل والرفض في نفس الوقت.
بالطبع لا يضع موراكامي أمام القارئ نفس المشاهد، فالبيئة مختلفة، والثقافة اليابانية متباينة بشدة حد التنافر مع الثقافة الأمريكية، ولذلك يقدم دوما النسخة اليابانية لهولدن كولفيلد الأمريكي، مع أجواء نفسية يتم الزج بها لإضفاء روحانية وعمق تتناسب مع مفهوم صراع الهوية والتمرد الذي تتميز بها شخصية أبطاله، وهو الذي يبدو أحيانا موفقا، وبأخرى مبتذلا لا يتناسب مع سطحية الموقف.
ومع ذلك، يبقى هذا الرأي تحديدا يتعلق بروايات موراكامي المذكورة آنفا لا جميع أعماله الأدبية. مع إنني أجد نفسي هنا ميالاً لذكر ما يُلاحظ على موراكامي بشكل عام، من استعراضٍ فج لمقدراته اللغوية التي قد تصل حد التنميق المبالغ به والحشو، والحوارات التي لا تتماشى مع السياق، والوصف المبالغ لعناصره ومشاهده وأحداث روايته وشخوصها من غير داعٍ سوى خلق صورة لا يحتاجها النص بمقدار «أنا» موراكامي الذي تصر دوما على إظهار عظمة مخيلته الروائية. وكذلك بالطبع الطول والسرد الْمُسهِب غير المبرر في غياب الحبكة والقصة والأحداث التي تستدعي ذلك، مع إباحية فجة، ووصف جنسي خادش لا علاقة له بالحبكة الروائية، لا تبدو الغاية منها سوى الزج فيها بالنص خارج السياق لإضفاء إثارة دَرَجَ موراكامي انتهاجها كسمة باتت واضحة في الكثير من أعماله.