بقلم: عماد أحمد العالم
29-06-2016
لم أُعنون مقالتي هذه " بالصارم المبين ولا السيف الممدود في الرد على عدنان ابراهيم وتفنيد آرائه" ولا "تجميع الردود العلمية الجليّة على شبهات "عدنان إبراهيم" الخفيّة"، فمثل هذه العناوين لم تعد تصلح لزمننا هذا، ولم تعد ذات وقعٍ على عقل المتلقي ليس لأنها ركيكة, ولكن لأن لكل زمانٍ لغته وبما يتماشى معه، هذا بالإضافة إلى أن الحوار يجب أن يكون وفق منهج المتلقي، وهو الذي لا أُنكر له اطلاعه ومعرفته وبلاغته وإجادته لطريقة الطرح التي اجتذبت العديد، ليس فقط لفصاحته ولكن لتطرقه لما كان في بعضٍ منه من المسلمات التي أُمر للأخذ بها كما هي والعمل دون نقاش، مع تغييبٍ للاختلاف فيها، حتى جاء عدنان ابراهيم كغيره وأعاد طرحها، وهو بما فعل لم يكن الأول ولن يكون الأخير، طالما الاجتهاد في الأحكام الشرعية قائم والإسلام على قدسيته وعظمته وكماله لم يمنع العقل من التفكير ولم يحجر عليه وإن كان حدد المسموح والممنوع والمكروه والمحبذ (وهنا يكمن أحد أسباب الخلاف)!
ابن رشد على سبيل
المثال أثيرت عليه في زمنه علامات الاستفهام التي أدت لإحراق كتبه وتضليله، فهذا العالم
مزج ما بين الفلسفة التي اتقنها وجعلها وسيلة للشرح والتطرق لبعض الأمور التي رأوا
أنها تتعارض مع الدين، ففُسق وزُندق، وكذلك انتُقد ابن سينا والجاحظ والفارابي والعديد
غيرهم، بسبب إبدائهم آراءً تتقاطع مع الدين، لكن الحال مع عدنان ابراهيم مختلف نوعاً
ما، فهو ليس بالعالم المتخصص بأحد المجالات الطبية او الرياضية أو الفيزيائية، وإنما
لنقل باحث بذل مجهودا لا بأس فيه في قراءة الكتب التي وفرت له وفرة في المعلومات بشأن
مواضيع بعينها، شهدت اختلافاً بين العلماء وأثارت فضوله، فاعتنق من الرأي ما هو أقرب
إلى نفسه، أو ربما أدعى لإثارة الجدل "أياً كان غرضه"، وتحدث بها في العلن،
لتلامس على الفور هوى فئةٍ من العرب والمسلمين بمختلف اتجاهاتها، لتلقى قبولاً لديها
وحماساً إما مرجعه أنه تحدث في المحظورات والمسلمات التي تربوا عليها والتزموا بها
على الأقل ظاهرياً أو مجبرين رغم عدم اقتناعهم بها، واستشعارهم أنها محل خلافٍ ببن
الأئمة والعلماء؛ فيما نزل وقع حديثه على الجانب الآخر مُزعجاً لما استخلصوا منه إما
بثاً للفتنة أو تطاولاً على الدين ورموزه او ضلالاً وفساداً وإشاعةً للزندقة والأفكار
الهدامة!
ما يثيره الرجل دعاني
للبحث عنه والاستماع الى محاضراته ولقاءاته العديدة التي في أغلبها ركّز على مواضيع
بعينها وتحدث عنها ونظر، واستشهد بما قرأه من مصادر مختلفة مع شرحٍ له مُسهب لوجهة
نظره. بعض المواضيع التي تطرق لها هي قنبلة دائمة الانفجار بعلم الجميع وما زالت تُستخدم
لزرع الشقاق بين طوائف المسلمين، كحديثه عن معاوية ويزيد، وقذفه للأخير تارة وحتى التلميح
بأنه ربما ابن حرام، واتهامات لأبيه صفق لها الشيعة مثلاً لأنها تتطابق مع ما يكنونه
من كره للرجلين، فيما طائفة أخرى من المسلمين تتمثل بأهل السنة ترا في معاوية صحابياً
جليلاً وأحد كتبت الوحي لا يجوز الإساءة اليه أو الذم فيه، حتى يزيد ورغم ما قيل عنه
إلا أن هناك من يُمجده ويروي مآثره.
مجرد تطرق عدنان
ابراهيم لهذا الموضوع وتبنيه وجهة نظر تتطابق مع غير طائفته ومجاهرته الرأي أوجد حالة
من النقمة عليه لحديثه في شأنٍ له اكثر من
الف وأربعمائة سنة وما زال سبباً في الفرقة والنزاع، الحديث عنه لن يُقدم أو يؤخر،
وغير مفيد أبداً، بل ما لاحظته أنه كلما حاول البعض إخماد الفتنة، خرج علينا من يشعلها
مجدداً بطرح رأيه في الحسين ويزيد ومعاوية وعلي، كما فعل قبله حسن المالكي وغيره ممن
يطلقون على أنفسهم باحثين في التاريخ!
حين يتحدث عدنان
ابراهيم عن الموسيقى وبكل أمانة أراه لم يأت بالجديد، فشخصياً أراها أمراً خلافياً
أُختلف فيه، وأميل حتى لحلال غير الماجن منها "والله اعلم"، وسبقه حتى الشيخ
عادل الكلباني الذي ارتأى حلال الغناء، فتعرض لعاصفة من النقد والتهكم، كانت شأن الاثنين
من فئة معينة ترى في الغناء والمعازف حراما حُرمةً مُطلقةً لا شك فيها ولا نقاش وأيا
كانت وطنية أو إنسانية أو عاطفية، وتعتبر عقابها عظيماً، ومارست الدعوة المستمرة لبيان شديد جُرمها وركزت عليها وفي تحريمها ردحا
من الزمن، وكانت من الموضوعات الأساسية التي ترتكز عليها دعوة البعض حتى صورت بأنها
من عظائم الذنوب، فيما وكل ما فعله "ابراهيم" هو القول أنها حلال وبل غذاء
للروح وأحد متع الحياة التي لا بد من التمتع بها، فتلقفها محبوها وعبر وسائل إعلامية
لها ثقلها، فروجوا لقوله وكأنه قدم ما لم يجرؤ أحدٌ قبله قوله أو أوضح حقيقةً غائبة،
فانتفض التيار المُحرم لها وبدأ النقاش والجدل، وانشغل متابعو السوشيال ميديا بالحديث
وتضخيمه، فتارةً يصفه أحدهم بالعلامة المُحدث المعتدل، فيما آخر لا يتردد بإطلاق لقب
"زنديق" عليه ودون حتى أن يعرف معناه، فيما آخرون قد أنشأوا "هاشتاج"
للدفاع عنه وعرض مقاطع وحوارات له، قابلها آخرون ببيانات طويلة وصفحات تشرح ضلاله وفساده
وشيطانيته، وبالطبع هلم جراً إلى معركة من التلاسن والتكفير والسب والمدح لم ولن تنهي
بعد، مع أن ما قاله يردده العديد ولكن دون أن يُلتفت اليهم، لكنه نجح من جعل نفسه خلافياً
وقادر على إثارة العواصف عقب حديثه في شأن مُكرر ومعروف وخلافي، أو ربما وجد من يدعمه
ويبرزه ويستفيد منه في التنفيس عما في نفسه وقوله دون أن يضطر لقول ذلك بنفسه إما لضعف
صوته أو خوفه!
مما لاحظته على السيد
عدنان هو تضخم الأنا عنده، وشطحات له غير قابله للتصديق كقوله في أحدها أنه وبعمر الحادية
عشر أفحم الماركسيين وأخافهم، فيما أسلم العديد على يده وهو مراهق، وكان عُرضة للقتل
والاغتيال، وتحدث الجن من قبل معه وطلبوا منه أن يدعو لهم، والقلم الذي تكسر في الحج
وعاد لما كان والرسالة التي وصلته من الله عز وجل "تحاشى وتعالى" بأن ماله
حلال، هذا عدا عن حادثة المصباح والمال الذي وجد تحت قدمه والعديد من "الخراريف"
التي يتحدث عنها ليظهر للناس كراماته التي يريدها أن تجعله من الأولياء والعلماء، الذين
لا ارى في شخصه مرشحاً ليكون أحدهم، فلا يكفي أن تكون قارئا ممتازاً ومحدثا لبقاً لتكون
عالما، فتلك صفة لا تُدرك إلا بتقديم الجديد الذي لم يُعرف قبله فقدمه واكتشفه، أما
التنظير بأمور معروفة لكنها تكتسب أهمية بسبب ما تثيره من شقاق، فلا تحتاج لعلم بمقدار
وجود الشخص المناسب وبالوسائل المتاحة الداعمة لإثارتها وخلق جدل لا ينتهي بطرحها.
مع الزوبعة المتعمدة
لبرنامج "صحوة" الذي يقدمه أحمد العرفج عبر قناة روتانا ويستضيف فيه عدنان
ابراهيم، تتكرر يوميا المجادلات المُختلقة وردود الفعل، التي كان آخرها من هيئة كبار
العلماء في السعودية وحذرت فيه من ضلالاته وسبه لبعض الصحابة ونبهت لتضخم "الأنا"
عنده وطالبت المختصين بكشفها، في تعليقٍ تمنيت الا يصدر عنها، كيلا نُعطيه أكبر من
حجمه، رغم حق الهيئة بذلك كونها أحد أهم المرجعيات الإسلامية التي يتطلع لها ليس فقط
السعوديون وإنما مسلمو العالم، فربما بما قالت ارتأت درأ فتنة أو بيان ضلالة، وقد يفعل
الأزهر كذلك، لكني من قومٍ يرون أننا أحياناً من نشعل الفتيل عبر تكبير الصغير وجعل
الحمقى مشاهير، مع إقراري بأن الأستاذ عدنان ليس بالصغير ولا الأحمق، وإنما دارس وباحث
في العلم الشرعي صوّر له هوى نفسه أموراً وجمل له آراءً بشأن مواضيع بعضها جدلي وفيها
اختلاف وأخرى لها تبعات طائفية، فتحدث عنها بأسلوبه المنمق دون أي جدوى أو فائدةٍ من
طرحها، ودون تقديم الجديد فيها، فلا هو صحح حديثا ورد عن الرسول وتتبع سنده وأبان قوته
من ضعفه، ولا هو أتى بالجديد بشأن فتاوى متباينة ولا هو أكد بالحق والصواب مظلومية
الحسين وفساد يزيد وطغيان معاوية مثلاً كما تطرق لذلك أكثر من مرة، كما أنه لم يقدم
الحل للتطرف عدا عن تكرير تلك الأسطوانة المكررة لاتهام السلفية والوهابية بأنهم نبع
التطرف والإرهاب والدعشنة، مخصصا حديثه بطائفةٍ بعينها دون أخرى ترتكب من المجازر ما
هو أسوأ من داعش كالحشد الشعبي العراقي والمليشيات الشيعية الطائفية المدعومة من طهران
والتي تنشط في العراق وسوريا، وهو بتجاهله يمنح ايران صك البراءة التي قال فيه سابقاً
بأنها ومنذ 150سنة لم تشن حربا على العرب ولم تعتدي عليهم وكأنها قوة سلام؛ عوضاً عن
تغاضيه لتشكيلها محور الارتكاز للديكتاتورية في سوريا والنظام الطائفي بالعراق والإرهابي
الحوثي باليمن، هذا فضلا عن احتلالها منذ العام ١٩٢٥ للأحواز العربية، وما تلاها من جرائمها المعروفة ووقوفها
على سبيل المثال لا الحصر خلف تفجيرات الحرم المكي، واحتلالها للجزر الإماراتية ودعمها
لمليشيات الموت في العراق وسوريا ولبنان وووووو!
لا أنكر المعجزات
ولا الكرامات، لكني أُشكك أن البعض منها قد تم اختلاقه وتهويله، لكني ودون شك موقن
أن كرامات قدوة عدنان ابراهيم كما شخصه هي من محض اختلاقه، فيصعب على التصديق أن الحلقة
الأسبوعية للشيخ عبدالقادر الجيلاني التي أشار اليها في أحد أحاديثه؛ تجاوز حضورها
المائة الف شخص، كان الجيلاني فيها يُحدثُ الجمهور وهو يجلس في الهواء مرتفعا ومتكلما
وسط بكاء الحضور واندهاشهم لهذه المعجزة الحية أمامهم.
أيغال "ابراهيم"
في إضفاء القدسية على شخصه مبالغة وصلت لحد "الهبل" الذي ينطلي فقط على
"الدراويش والسذج" المؤمنين بالخرافات لا الكرامات، وهي نقطة سوداء في سجله
وسيل من الكذبات لا يُمكن تصديقه، رغم أنه وكما يقول من دُعاة تحكيم العقل ومحاربة
الكهنوت والتقديس للشخصيات، في تناقض لا اقول بالفاخر، بل عذرا بالسطحي منه وهو يناقض
ما يُنظِّر اليه!
السيد عدنان
ابراهيم:
الوسطية لا تعني
ابدا التشكيك في المسلمات ولا اقول الخلافيات، كما أنها لا تعني اتباع اهواء النفس
في تفسير الأحكام، ولا تجعل من نفسها سلاحاً بيد دعوة أو طائفة أو فئة على حساب أُخرى؛
إنما هي تجسيد حقيقي لطبيعة الدين الإسلامي والأمة الإسلامية التي جُعلت وسطاً، أي
لا مُفرطة ولا مُتشددة، وحقيقةً لا أرى في عدنان ابراهيم ومن مثله ممثلاً لها، بل أجده
خارجاً عنها قد ضل طريقه بعد أن فقد بوصلة الصح والخطأ فيما عليه قوله والبحث فيه وتجنبه،
شأنه كمتنطعين متشددين أساءوا للدين بجلافتهم وتصلبهم واتباعهم مبدأ التحريم الدائم
والتخويف والترهيب بدلا من موازنته مع الترغيب. جميعهم أعداء للوسطية ومبتدعون كان
لهم وما زال أثر لا يُمكن انكاره في حالة الضياع الفكري والتشتت الايديولوجي الذي يُعاني
منه جزء لا بأس به، ارتأى أن يكون تابعا لأحد المتضادين دون أن يُحكم عقله ووفق ما
أحله له دينه!