الأحد، 13 يناير 2013

ثقافة العمل

مقاله تم نشرها في جريدة عكاظ السعوديه 09-01-2013

بقلم: عماد أحمد العالم

 
تسعى الأمم دوما لبناء ذاتها عبر سواعد أبنائها ولكن بعد إعدادهم جيدا ليكونوا مؤهلين لدخول سوق العمل بقدرة ومعرفة وتخصص. فبعد أن تزرع فيهم ثقافة العمل، تؤهلهم ميدانيا عبر تخصيصهم لحاجات السوق ومتطلباته، وتمنحهم الرخص المناسبة لممارسة المهنة، لتقنن الانخراط وتضع الملامح المرجوة لجودة الخدمة. تشمل عملية التأهيل دراسة قدرات الشباب واتجاهاتهم وإمكانياتهم ومواهبهم، وتوجههم بشكلٍ غير مباشر وتدعمهم ليلتحقوا بما سيشكل لهم مهنة ومورد رزق. لو أخذنا كمثال الولايات المتحدة، ستجد ممارسة الحرفة فيها تمر عبر الحصول على رخصة مزاولة، فليس هناك عشوائية في تشغيل دور العمل، بل يتوجب على الفرد الحصول على سمة حكومية بالموافقة لكي يمارس المهنة، سواء كانت علمية متخصصة أو مهنية وحرفية. الحلاق لا يستطيع أن يزاول النشاط دون الحصول على شهادة من الجهة الحكومية المختصة تسمح له بذلك وفق شروط ومواصفات يتوجب عليه أن يجتازها؛ كذلك الميكانيكي والكهربائي والسمسار العقاري والسباك والنجار، وإلى آخره من الحرف الأساسية في سوق العمل؛ بل إن العديد من هذه المهن يتبع لجمعيات ونقابات تمثله وتدافع عن حقوقه وتقف معه في السراء والضراء.
دائما ما يكون الانطباع العام عن المهنة سببا في إقبال البعض عنها أو النفور منها، وتركها لتكون مشغولة من قبل العمالة الوافدة، وهذا ما نجده على الأخص في المملكة العربية السعودية. ثقافة المجتمع السعودي وإن كانت كادحة لا تعرف العيب فيما يتعلق بالعمل قبل اكتشاف النفط، تحولت لثقاقة العيب ونوء الشباب بأنفسهم عن العمل المهني وتوجههم للقطاع الحكومي المضمون والمريح كما القطاع العسكري؛ لكن مع تزايد التعداد السكاني وانخفاض نسبة الامية في المجتمع السعودي، ومع رعاية الدولة واهتمامها بالتعليم ومجانيته، دخل السوق عدد كبير من الخريجين، أقلهم من حملة الثانوية العامة عدى عن المتخصصين والمبتعثين في شتى المجالات العلمية والهندسية. المحصلة فاق العرض حجم الفرص الحكومية المتوفرة، والتي اتجهت أيضا في الاونة الأخيرة للأنظمة المتطورة كالحكومة الإلكترونية وإمكانية إجراء الخدمات عن بعد وعن طريق الإنترنت مما قلص الوظائف الحكومية المستحدثة سنويا وبالتالي اتجهت الأنظار صوب القطاع الخاص المغلق من قبل أرباب العمل، والتي تسوده صبغة ربحية بحت يبحث فيها التاجر عن معدلات الدخل العالية بأقل المصاريف والالتزامات، وهذا ما دفعه للتعلق بالعمالة الوافدة والحرص عليها، حيث تعرضه للقانون أخف حدة ومسؤولياته تجاه الضمان والتأمينات الاجتماعية والصحية والالتزامات الوطنية الأخرى. إذا هناك طرفان في اللعبة؛ رأس المال والمواطن الباحث عن عمل في ظل ضعف الجهة التي تكفل توازن التعامل المصلحي بينهما وتراعي الطرفين، وفي نفس الوقت تحفظ للعامل الوافد حقوقه وتجعل وجوده في البلد وفق نظام العرض والطلب والحاجة، وكمحصلة يحدث التوازن المنشود اقتصاديا وأمنيا واجتماعيا.
 

الرابط: http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20130109/Con20130109563024.htm

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...