الاثنين، 28 يناير 2013

أنا وأنتم والرفيق "تويتر"

مقاله تم نشرها في جريدة بوابة الشرق القطريه 28-01-2013
بقلم: عماد أحمد العالم



العزيز تويتر جعل منا جميعاً حكماء وأدباء.... قادة ومعارضة....مفكرين وفلاسفة ومبدعين....ثوريين ويسارا....إخوانا وسلفيين....تقاة ومتحررين, لكنه حتى اللحظة لم ينجح في أن يجعل منا قوماً موحدين, بل على العكس زاد من فرقتنا, وإن جمع البعض تحت مظلةٍ واحدة, إلا أنه خلق الآلاف منها!.
منذ بزوغ فجر التغريد (وأقصد هنا إطلاق الموقع) على يد جاك دورسي يوليو العام 2006 وأنا أنأى بنفسي عنه, وأعتبره والمتوترين لعنةً أصابت الأمة وشغلتها وخربت شبابها وصباياها, بل إني كنت من التطرف أن كنت أحرض أمي الغالية أن تدعو على كل من يغرد أثناء الاجتماعات العائلية وعلى جواله أو محموله بالخراب والحمى.....!, ولكن وإذا بي بعد فترة وبالتحديد منذ شهرين....أصاب بالعدوى!, ولا يفارق تويتر بالي إلا قبل النوم وأثناء الدوام....وحتى إن استيقظت يوماً من نومي لعطشٍ أو أرق....فأول ما تقع يداي عليه هو هاتفي "الذكي", لأقلبه سريعاً وإحدى عيني مغمضتين والأخرى آيلةٌ للسقوط, لأرى أحدث ما قاله من أتبعهم أو تعليقاتهم على ما غردت به سابقاً.
شغلتنا يا "تويتر" وعذراً إن قلت "هبلتنا", فليس من المستغرب أن تجلس بجوار غريبٍ في مقهى....تراه وحيداً إلا من جوال يمسكه بيده, تتغير ملامح وجهه تباعاً....لحظات يضحك حتى ترى صف أسنانه.... فأعلم حينها أنه قد قرأ نكتة, وأخرى يبتسم بثقة....فأعلم حينها أن تغريدته قد عمل لها عدد لا بأس به من "الريتويت" أو تسابق محبوها لوضعها كمفضلة. قد يرفع كفه لأعلى....فأتوقع أنه إما انتصر في نقاش أو نجح وأصدقاؤه في عمل "سبام" جماعي لأحد مخالفيهم الرأي.
على تويتر فقط....نحن ديموقراطيون ومتفهمون ونصراء للمرأة ومتواضعون ومتدينون, لا ننبس إلا بحسن القول ولا نتفوه برذالة, بل على النقيض نكون محبين للخير وللبشرية, دعاةً للإصلاح لا قضاةً للعقاب. نقطرُ رهفاً ودماثة, متفهمين وعقلانيين, إن ناقشت الرجل منا بموضوع عن المرأة....تجده ولا هدى شعراوي في حماسه لتحريرها والدعوة لحقوقها, لكنك إن بحثت خلفه ورأيت ما يدور في منزله مع زوجته أو أخواته, تجد حرب داحس والغبراء, وديكتاتورية الحجاج وأنانية الاستعمار وهمجية التتار....فالمرأة برأيه أمام الآخرين....نصفه الزكي العبق, المخلوقة الرقيقة والرومانسية....هي الهوى والأحلام, علاقته معها قائمة على الشورى والندية والوصال والمحبة!, لكنه كما قلت لكم سابقاً وعلى أرض الواقع لا الإنترنت....ذكر طاووس لا ترى أول خياله من آخره!
هذا التناقض بين الباطن والظاهر عادةً ما يلقي بظلاله على شخصية "المتوتر"....وحتى لا ينكشف أمره, تراه يلقي بستارٍ من السرية المطلقة على لقبه وما يغرد به, بل إن البعض حريص ألا يعمل "فولو" لأيٍ من أهل بيته أو أصدقائه, خوفاً من أن يفضحه أحدهم أمام الأتباع أو تشتكي منه أخت أو زوجة, فاض بها الكيل إما من غزواته ونزواته أو إهماله وتجاهله.
في السياسة شأنه كما الأنثى, فإن كان معارضاً....ستجد منه جلدا وصلابة وتحديا, أما إن كان من "الربع أو الجماعة"....فهو خطيب مفوه ومتحمس, أو ببساطة "مطبل" وعازف على النوتة وراقص على الوتر.
على مدار الأيام الماضية, وبعد أن أقفل أو عُلق حسابي على تويتر لسببٍ لا أعلمه, أو قد أعلمه....لكني لا أرغب بإخباركم عنه.....المهم أني قد عشت كالهائم على وجهه, فلا التلفزيون ومتابعة برامجه ترضيني, ولا شقاوة أطفالي ولعبهم تغضبني أو تضحكني, ولا دعوات أصدقائي لمشاركتهم فنجان قهوة في مقهى قريبٍ من منزلي أغرتني كما اعتدت سابقاً, شيءٌ ما كان ينقصني.... مسبباً "نمنمة" يدي وتشتت فكري وسرحاني....والذي أدركته العزيزة زوجتي بفطرتها الأنثوية, وابنتي بغريزتهما الطفولية....فرق لهم حالي, وأوصوني أن أنسى حسابي القديم ومعه المائة وسبعون متابعاً الذين جمعتهم بعرق قلمي بعد شهرين من التغريد والنقاش. واسوني بأني قادرٌ على استعادتهم واستقطاب آخرين, بل من الممكن أن أكون من ذوي الأربع والخمس أصفار إن عدلت من نفسي قليلاً وكنت أكثر مرحاً وحكمةً ورقةً, وابتعدت عن الأدب والسياسة والكتابة, والنقاش فيما يُغضب لما يضحك, حينها سأكون محبوباً "تويترياً" وفي كل تغريدة مسروقة (عفواً منقولة) سيزيد عدد أتباعي, ولي أن أتخيل كم ابتسامة سأرسم على الشفاه, وكم من ضحكة سيقهقه بها حزين أوتعيس مكتئب...., لكني وكما يقول المثل "العرق دساس", في جلافة ونكد وحنين للحزن والغم ودائماً ما أطرق باب ما يتعسني وكأني ولدت لأكون عربياً متعباً بعروبته, فيما هي غافلة بمشاهدة مسلسل تعلم نهايته, أو مباراة كرة مملة لكنها محلية يعتريها التعصب ولعب الحواري, وفي نهايتها وبعد يومٍ من انتهائها, تطل عليك الصحف القومية بتحليلاتها للأعجوبة الكروية.
تمضي الساعات ونحن نسعد كل يوم بأمرٍ نشغلُ به أنفسنا ونرفه به أرواحنا ونفضفض فيه لبعضنا البعض دون أن نظهر على حقيقتنا ونعيش بأرض الواقع بدون فيس بوك وواتس أب وتويتر!
 
 

المصدر: http://userarticles.al-sharq.com/ArticlesDetails.aspx?AID=14348

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...