الأحد، 20 يناير 2013

تعريفات سياسيه

مقاله تم نشرها في جريدة بوابة الشرق القطريه 18-01-2013

بقلم: عماد أحمد العالم

 
عامة ما تنتشر مصطلحات سياسية بعينها في مراحل الهيجان السياسي، أياً كان ثورياً أو حتى عبر المعارضة الوطنية أو الصورية أو الاعتصامات الفئوية. في جميعها يتحول الأغلبية المتسلقة إلى لغويين وعلماء للكلمة، فيخرجون علينا بعباراتٍ مستحدثة تصبح حديث الشارع وفحوى نقاشاته، ترددها الألسن، فيظن متلقيها أننا أُمة ولدت وفي دماغها تثور الكلمة لتخرج معبرةً عن نبض شعبها!؛ لكنها بالعكس لا تعدو أن تكون شبيهةً بالتحسن الطفيف الذي يحدثه مفعول حبتين بنادول عقب صداعٍ شديد!، والسبب أننا أفرغنا الكلمات من معناها فأمست كالريح الصرصر العاتية، لا تبقي ولا تذر، لا تلقح زهرة ولا تجلب مطراً ولا تلطف الجو ليكون نسيماً منعشاً، بل تدمر كل ما يقف أمامها.
مثلاً ما معنى تسميتهم لكل من هو ملتزم دينياً أو موجه عقائدياً " بالإسلام السياسي"، وهل العلماني أو الليبرالي مؤمن ولكن المسلم "كافر سياسياً"، لم يوصف الإسلام بلقبٍ استحدثوه له وهو براءٌ منه. الإسلام كتعريف بسيط: هو صفة وعمل لكل مناحي الحياة، والسياسة جزءٌ منها، فكيف نلصق الأصل بالفرع ونستثنيه عن قواعده!
الكنيسه منذ الأزل كانت مسيسة ولعبت أدواراً سياسية في الثورات والإقطاعيات، فهل كانت تلقب بالمسيحية السياسية!، وهل لُقبت البوذية والهندوسية بذلك أيضاً!، الديانة الوحيدة التي سيست ولكن بعد أن حرفت هي اليهودية، طوعها رجالات الدين بحيث يكون المذهب هو المُحفز والمؤطر للفكر، وعلى أساسه قام الفكر الصهيوني الاستعماري الاستبدادي وما زال عبر فكرة الشعب المختار؛ الذي ليس إلا مغضوبا عليه ومطرودٌ من رحمة الله!
هناك فرق بين الأحزاب الإسلامية ومسمى الإسلام السياسي الذي تطرقت إليه سابقا، ففي الأولى تكون الأيديولوجية الدينية أساساً تقوم عليه مبادئ الحزب، وكل رؤاه ومفاهيمه تدور حوله؛ أما في الثانيه فتكريس لتصنيف الإسلام وفصله عن العامة وإلحاقه بالخاصة.
النظام الحزبي عامةً ما يكون أحد ثلاثة فروع: فإما اليسار وما ينطوي تحته من لينينية وماركسية وشيوعية واشتراكية والخضر والسلام الآن والوسط واليمين الذي عادةً ما يكون مزيجا من الانتماء الديني المحافظ والقوى القومية....، وفي كلا الاتجاهين نجد أقصى اليمين واليسار.
مصطلحات وجمل أخرى صمت آذاننا من كثرة ما سمعناها؛ أحدها إلصاق لقب السلفية بجماعات دينية وأشخاص بعينهم بناءً على المظهر والفكر، وفي ذلك ضيمٌ واضح لبقية المسلمين؛ فأنا وجيراني وأصدقائي أتباعٌ لمذهب السلف الصالح، الذي بكل وضوح ليس حكراً على أحد! ولا يجوز إقصاء عامة المسلمين منه طالما كانوا من أهل السنة والجماعة.
التيارات ذات الأيديولوجية الفكرية الأخرى كالليبرالية والعلمانية والمدنية تختلف مع الدينية في المبدأ وصفة التشريع ومرجعيته، ففي حين ألغت الأولى الدين من الحياة العامة والدولة واعتمدت الفكر الإنساني البحت واجتهاداته لبناء القواعد والأسس؛ اعتمدت الأحزاب الإسلامية الدين كمرجع لجميع جوانب الحياة، وبناءً عليه صاغت دساتيرها ووضعت نظرتها لشكل الدولة وقوانينها.
التيارات الإسلامية (المسماة) بالوسطية كالإخوان مثلاً، تنكر استثناءهم من لقب سلفيين، وتلقي باللائمة على بعض التيارات التي استأثرت باللقب وجعلته حكراً عليها وروجت له بالمظهر المتميز عن الآخرين، حتى باتوا مميزين في طريقة حوارهم ولبسهم وحديثهم؛ وهذا ما أجده مأخذاً عليهم، لما قد يترتب عليه من عدم انصهارٍ مع المجتمع دون تمييز أو فئوية، وتمحور الأتباع فقط حول قياداتهم دون تحرير للعقل أو تقبل للآخر في بعض الأحيان؛ وبالطبع لا تعمم الصورة.
ثورات الربيع العربي تفاعلت شعبياً وتم تهييج المشاعر فيها بعبارات "الحرية والكرامة والعدل وارحل" و يا شباب شوفوا الشاشة قناة سبا غشاشة"، "بعد مبارك ياعلي وقبل القذافي ياعلي"، و dégage، و"التشغيل استحقاق، يا عصابة السراق" إلا أن ما نسمعه كل يوم في مظاهر الإحتجاج والاعتصام. وما يصحبها من شعارات باتت ترددها الحناجر دون أن يعي البعض معناها ولا مفادها. وإنما كلمات مصفوفة وملحنة. ذات وقع غنائي يثير الرغبة في الغناء والإنشاد.
سارع البعض لجمع هذه العبارات ونشرها من باب الاحتفاء بالثورة أو الترفيه. لكن لو صدقت النية لغربل الكاتب ما لايراه مناسبا. فبعضها صنعه ساسة. وروج لها من هم مدفوعٌ لهم لترديدها. فأمست عبارات ثورية يساء استغلالها في الباطل ورمزاً للثورة المضادة.
اشتهر المفهوم الحزبي والانتماء إليه من خمسينيات القرن المنصرم حتى منتصف التسعينيات. فمع انهيار الاتحاد السوفيتي وخمول الحرب الباردة وانتشار ثقافة الرأسمالية الاقتصادية وما تبعها من العولمة وقوانين منظمة التجارة العالمية بدأت الشعوب والنخب تتصالح مع الحاكم المستبد. وبدأ الفكر السياسي السلمي التصالحي لا التصادمي كما كان عليه سابقاً. مما سهل اختراقه وأفول نجمه. فنتج عن ذلك عقود الديكتاتورية والاستبداد التي حكمت وأفسدت. حتى قامت عليها ثورات الربيع العربي بتلقائية وغضب عارم. نتجت عن إحراق شاب مقهور لنفسه. فزلزل عروشاً ظنت أنها مخلدة. فإذا بها الآن إما مقتولة أو هاربة أو مسجونة. والبقية تتبع ما لم يتعظ من هم في السلطة. ويغيروا إستراتيجية حكمهم. فلو تخلصوا قليلاً من التفرد وأتبعوه بمشاركة. مع تعديل للدستور ولجم الأجهزة الأمنية القمعية وقليل من حرية الكلمة والتعبير لاختلف الواقع أو تأجلت الثورة بضع سنين على الأقل.
 

المصدر: http://userarticles.al-sharq.com/ArticlesDetails.aspx?AID=14260

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...