الأربعاء، 23 أكتوبر 2013

الدعوة وطرق الاحتساب

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الشرق السعوديه 23-10-2013



في حديثٍ مقتضب مع عامل إندونيسي بسيط وملتزم دينياً، حتى أنك تخاله عربياً من إتقانه لغتَنا، حدثني أن بلاده لقرنٍ مضى أو يزيد كانت غير مسلمة، دخل الإسلام إليها عن طريق التجار الزائرين، خصوصاً العرب الحضارم منهم.
استطاع أولئك التجار، الذين كان غرضهم التجارة في الترحال أساساً، أن يدخلوا شعوب دول تقع في أقاصي آسيا، الإسلام دون مجهود دعوي يذكر، ولا مدعوم من دول أو جهات، وإنما بجهد شخصي أساسه معاملة حسنة، لم يبتكروها، بل عملوا بها بسبب اقتدائهم بحبيبنا ورسولنا -محمد صلى الله عليه وسلم-. إن أردت النجاح، فعليك أن تعمل حرفياً بمعادلة بسيطة جداً: ابتسامتك في وجه الآخرين التي تعد صدقة، إلى جانب عملك بالقول «الدين المعاملة»، وليس فقط أن تسم نفسك بمظهر مميز وتكشيرة وحديث بالعربية الفصحى، واهتمام بالفروع وترك الأصول، وتخويف الناس وترهيبهم بدلاً من ترغيبهم واكتساب ثقتهم وتعاطفهم. إضافة إلى ذلك ينبغي العزف على وتر اللبنة الطيبة بداخلهم، لا تخوينهم وإساءة الظن بهم، والتعدي على خصوصيتهم، والافتراض، بغير الجزم، ارتكابهم لجرم، أو إخفائهم بين ثنايا ما يستخدمون ما قد يُعدُّ معصية ولا أقول كبيرة!.
لم تنجح حملات المسيحيين في التنصير بإفريقيا وآسيا إلا بسبب ما يفعله المنصرون لاجتذاب الأتباع من التعامل بتواضع، والوجود في أماكن الأحداث والأزمات، والسعي لتقديم المساعدة للمعوزين، ومسح دمعتهم، وإطعامهم بأيديهم.
في المقابل وعلى غرار دُعاة من أمتنا (ولا أقول جميعهم بل بعضهم)، تُفرش لمَنْ يسمون بالدُّعاة منهم (ولا أظنهم بما يتصرفون كذلك) الأبسطة. فيما الفرد منهم بكامل هندامه، يُخاطب جموعاً جوعى فاغرة الأفواه لينذرها بالعذاب والعقاب، وفي ختام جولته الدعوية، تُفرش له الموائد ويركب بعدها سيارة، ذات دفع رباعي، ليقضي ليلته الدعوية الأولى في فندق «خمس نجوم» يقيم فيه!.
لدى عديد من دعاتنا المسلمين، وبكل أسف، مفهوم خاطئ عن الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي يُعد جزءاً من عقيدة كل مسلم، وفيه خير بطرقٍ عدة للاستنكار، أبسطها أن يستنكر المنكر في نفسه إن لم تسنح له الظروف بأن يدعو للحق ويُنهى عن الخطأ. والظروف هنا قد لا تكون ضعفاً جسدياً أو قلة حيلة، وإنما تحكيم للموقف واختيار لأي الطرق الدعوية أنسب؛ فالقوة لم تكن ولن تكون يوماً سلاح المسلم بالنصح فقط، بل يوازيها مفعول القول الحسن وأخذ الأشخاص على مقدار فهمهم، ومحاولة استمالة الجزء الخير في قلب كل مسلم مهما كان مذنباً وعاصياً.
باختصار ما ينقصنا تطبيقٌ حرفي للآية الكريمة «ادعُ إلى سبيلِ ربِّكَ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ وجادلهم بالتي هيَ أحسن».


المصدر: جريدة الشرق السعوديه: http://www.alsharq.net.sa/2013/10/23/977337

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...