الثلاثاء، 20 أغسطس 2019

أجنبي ومواطن

جريدة الرؤية
16-08-2019
عماد أحمد العالم



لنقترض جدلاً أننا مواطنون بدولتنا التي نحظى فيها بكامل المزايا التي تميزنا عن باقي السكان من مختلف المِلل والأعراق الذين يمثلون الأقليات ببلدنا، فهم لا يتمتعون بوضعية المواطنة وإنما بصفة الوافدين والمقيمين الذين اختاروا وطننا للعمل لحاجتنا لهم بمقدار رغبتهم اغتنام الفرصة ليحظوا بعائد مالي مجزٍ لم يجدوه في الغالب حيث ينتمون، ومن ثم تحول مسعاهم المادي لنمط حياة تعودوا عليه فأصبح من الصعب عليهم بعد ذلك تغييره والعودة لأوطانهم، ففضلوا الغربة وبدؤوا بتكوين عائلات جيلاً بعد جيل، لكن ذلك لم يغير من حقيقة كونهم أجانب بيننا.
لنقرب الصورة أكثر، دعونا نتحدث عن بلدان أخرى بعيدة عنّا ولكنها تتشاطر معنا بكونها مقصداً للآخرين الحالمين بحياة كريمة، مثلوا بعد تواجدهم بها أقليات متعددة المشارب، ربما كان بعضهم ينتمي للدولة التي تحدثت عنها في بداية المقال، حيث كانوا بها مواطنين لكنهم حالما تركوها لأرضٍ أخرى انتفت عنهم صفة المواطنة، ليكونوا حالاتٍ لاجئة شكلت من جديد أقلية في بلاد الآخرين!.
قبل فترة من الزمن حدث معي موقف حين كنت بزيارة لأحد الدول الآسيوية الفقيرة، ففي السوق وحين كنت أتجول مع صديق وإذا بأحدهم يربت بيده على ظهري، وما إن التفت إليه حتى بادرني بسؤال فضولي باللغة العربية، إلا أنني لم أرغب بالإجابة عليه فتجاهلته ومضيت، فقاطعني معترضاً طريقي قائلاً: «صديق، أنا هنا مواطن وأنت أجنبي، لازم تحترمني»!.
صمت مجدداً ومضيت ولكن كلماته لازمتني، فقد عرّف ذاك الفضولي ومن غير قصد معنى الغريب والمواطن، وهما اللذان يُشتق منهما مفهوم الأقلية والأغلبية، فكل إنسان بوطنه مواطن، لكنه ما إن يغادره لأي غرض سواء كان سياحة أو عملاً أو زيارة، حتى يتحول لغريب أجنبي في دولة سكانها هم المواطنون وزائروها هم الغرباء أو الأجانب الذين لا ينتمون للمكان وفق المفاهيم الدارجة.
الخلاصة، قبل أن نمارس نحن البشر فوقيتنا على الآخرين بحكم تمتعنا بكينونة المواطنة في دولنا، يجب أن نعي جيداً أن هذا العالم هو أساساً عبارة عن كانتونات من الأقليات الكثيرة التي تعيش ببقع جغرافية مختلفة، متقاربة ومتباعدة.. علينا أن ندرك ألاّ أفضلية لأحدنا على الآخر، فالغريب عندنا مواطن ببلده وكذلك المواطن أقلية، وغريب في بلاد الآخرين!


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2059245/آراء/أجنبي-ومواطن

زوجة واحدة لا تكفي

جريدة الرؤية
09-08-2019
عماد أحمد العالم


عادة ما نسمع في المناسبات والمسّرات دعاء الضيف لمضيفه أو شكر أحدهم لآخر بعبارة: «بارك الله فيك وزوّجك بكراً»، وما على شاكلتها التي بمجملها دعوات ومجاملات شائعة بين العرب، وهو ما يظهر دون مواربة ثقافة ذكورية أخذت من التعدد ظاهره دون شروطه التي يستحيل تحقيقها وعلى رأسها «العدل»، الذي ورد بقول الحق: «وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ»، وبالتالي التعدد الذي لا أنفي جوازه شرعاً بل أدعوا للأخذ بشروطه والعمل بها في الحالات الخاصة جداً التي تستدعيه، حتى لا تُظلم الأنثى بسبب نزوات رجل مِزواج لا هم له إلا الجري وراء شهواته دون اعتبار لحقوق نسائه الأخريات.
الغريب أن العرب فطاحل في اللغة، ولديهم من الشعر والنثر وعبارات الشكر والثناء ما يملأ السطور، لكنهم يتجاهلونها بمجملها في مقابل ما يرضي غرورهم ويسعد الأنا لديهم، فجميعها، والحديث هنا عن عبارات الثناء، يُثاب قائلها حتى لو كانت ابتسامة توازي الصدقة بأجرها؛ ومع ذلك وبانشراح لا يخلوا من بلاهة وضحكات تتبعها قهقهات، يتم تكرير الدعوة لصاحبها بالزواج رغم عقود عمره المديدة «ودرزينة» أبنائه في المنزل إن كان كهلاً، أو حديث عهد بالزواج والذرية!
للأمانة، قلما تجد رجلاً قيلت له هذه الدعوة فرفضها، وأنّب قائلها مع دعوات بأن يديم الله عليه وزوجته المحبة والمودة، وتركه بعد ذلك بعد أن أشاح بنظره عنه متبرماً غضبان حزيناً على هذه الدعوة التي تجعل في القلب حسرة عبر أخرى غير رفيقة الدرب والعمر.لكل رجل ينظر إلى زوجته بعد عقود وسنوات من الزواج فتبادره نفسه مراودة لتكرار التجربة، أدعوه فقط لأن يتصفح ألبوم صور زواجه، وليرى كيف كانت من ينوي كسر فؤادها؛ مترفة الحسن والدلال والقدّ، لكنها وبعد الإنجاب والسهر على تربية الأبناء وتعليمهم والقيام بواجباتها تجاه زوجها ورعايته والصبر على نزقه وتغير شكله وكبر «كرشه»؛ اكتسبت بعض الوزن وازدان شعرها بالمشيب مع هالات حول العين وتجاعيد الزمان التي لم تشأ أن تخفيها بعمليات تجميل تثقل كاهله، الذي يشكو من نوئه بسبب كبر الأبناء وازدياد متطلباتهم في الحياة، لكنها جميعاً سرعان ما تختفي حين تلمع فكرة التثنية والتثليث والتربيع في مخيلته والحجة العمل بالسُنة التي تكثر سُبلها لمن أراد الاقتداء بالمصطفى الأمين!


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2058460/آراء/الساحة/زوجة-واحدة-لا-تكفي

النسوية بين المشروع والممنوع

جريدة الرؤية
02-08-2019
عماد أحمد العالم



الحديث عن النسوية هذه الأيام ليس بذي شجون وإنما بذي سجون، والتي ليست هنا بالمتعارف عليها قضبان حديدية تستخدم لنزع حرية من ينال ويستحق العقاب، وإنما سجن العقل بين مشروعية الحقوق وبلاهة المطالبة بها! إن لكل قضية عادلة منهجاً ناجحاً يفترض السير عليه، ولضمان تحقيق المطالب لا بد من أن يكون السعي لها على كثرة العوائق وفق خطوات محسوبة، ودلائل لا تقبل الدحض، وحجج تتغلب على عقود من ثقافة مجتمعية، وقبلية ذكورية مستفحلة، ومتمكنة من روح الجموع، وجزء من كينونتها التي باتت بفعل الزمن جينية من الصعب تعديلها وراثياً.
لذا لا بد من ثورة فكرية كتلك التي تَصدرها «روسو» بالعقد الاجتماعي، لتنتفض فرنسا وتثور لتغيير المفاهيم وتعلن المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، ولتحصل المرأة على الإعلان المفروض لحقوقها فلا بد من أن تبدأ ثورتها بمطالب توعوية غير تصادمية مع مجتمعاتها، وتقدم أطروحاتها برُقي فكري عقلي ومنطقي وإنساني لا يملك المقابل لها وهو «الرجل» سوى الإذعان ليس فقط بسبب القانون الذي يؤطره، وإنما الاقتناع وهو الأهم للاتباع والانقياد، دون استفزاز كالذي جربت العديد من المنضويات للنسوية اتباعه كمنهج للتعريف بمظلومية المرأة، والمطالبة بحقوقها المهضومة، وهو أمر لا بد من الإقرار به كواقع يمثل المجتمعات الشرقية بجميع أطيافها.
ليس من الذكاء مثلاً أن تتظاهر مجموعة نسائية بعري كي تلفت انتباه المجتمع للعنة الاغتصاب ولتجريمه أو زواج القاصرات، كما ليس من الحكمة مثلاً أن تُنشر مقالات مستفزة كتلك التي تتبجح كاتبتها بممارستها للجنس خارج إطار مؤسسة الزواج، أو تطالب بتعدد الأزواج، ولو كان كلا المطلبين من قبيل الاستعارة المجازية لفضح ممارسات ذكورية قلصت حقوق الأنثى بالمجتمع وسلبتها إنسانيتها وعرضتها للجور والظلم.
للجسد، سواء المرأة أو الرجل، حُرمته وعِفته، وانتهاك تلك الهالة البشرية من كلا الجنسين على حد سواء خطأ لا يخدم القضية، ‏فابتذاله بعبودية رخيصة امتهانٌ له لا يسمى «حُرية» ها هنا.
ومن المفروض بالنسوية ولكل المطالبات بحقوق المرأة أن ترفض ابتذال الجسد لأنه لا يخدم قضيتها نهائياً في مجتمعاتها وإن صفق له الآخرون، فرغم أن الحرية الشخصية لها قداستها إلا أنها ضمن الإطار المقبول مجتمعياً وليس حصراً تنفيذه على المرأة، بل الرجل كذلك الذي يتساوى معها في القوانين الوضعية والسماوية في الثواب والعقاب والحقوق والواجبات.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2057438/آراء/النسوية-بين-المشروع-والممنوع

أدب الصعاليك.. نماذج عربية

جريدة الرؤية
26-07-2019
عماد أحمد العالم



أن تقرأ لأدب الشُطار أو «البيكارسكية» المعروفة أيضاً بالصعلوكية فتلك مشقة تتبعها ظنون تُغالب القارئ، وهلاوس ومشاعر متناقضة من التقزز والإعجاب، إلى الاستياء والنقمة، من القهر الذي يولده الحرمان والحاجة والفقر والظلم الاجتماعي والأسري، الذي يتأثر به أفراد فينعكس على نمط حياتهم وما ستكون عليه الأيام عليهم من مشقة وضناء ستلعب دوراً أساسياً في تصرفاتهم ونمط معيشتهم.
بدأ هذا الخط الروائي النثري بإسبانيا، ومنها انتشر لأوروبا وأمريكا، وتميز اهتمام النص فيه بالطبقات الدنيا وكفاحها المستميت في سبيل حياة وبيئة قاسية مليئة بالمحن والمخاطر، والحياة المتحررة من القيم، تُروى عادة بضمير المتكلم أو الغائب، وأشبه بالسيرة الذاتية الهِجائية للمجتمع المنحاز لقيم بعينها فرقته لطبقات، المتضررة منها عادة ما تكون المهمشة والدنيا، التي لا يملك الراوي إلا انتقادها في إطار سردي وصفي ليومياتها بما فيها من معاناة وقهر وحاجة وضيم ومعيشة بلا ضوابط.
عربياً، أبرز من انتهج هذا النمط الأدبي الروائي المغربي محمد شكري، الذي يروي تفاصيل حياته في رواياته التي تمثل سيرته الذاتية ثلاثية الأجزاء (الخبز الحافي، الشُطار، وآخرها وجوه)، وأَطر فيها لأدب البائسين الحداثي، المتحرر من الضوابط الأخلاقية في الكتابة والوصف والكلمات المستخدمة، التي تطغى على البعض منها الإباحية والصراحة المطلقة بتسميته الأشياء بمسمياتها المجردة دون مواربة وتعفف، يستشعر العديد التقزز لفحشها، مصوراً مشاهد معاناته المؤلمة الواقعية بأبشع صورها، دون تجميل وبلا تلطيف تتوارى خلفه الكلمات المُميّعة والأوصاف المُبهمة المُخففة لقتامة الواقع.
محمد شكري، الذي وصف حياته بدايةً في روايته الأولى؛ بمزيج من التشرد والإجرام والانحلال، وجد لنفسه بالجزء الثاني منها (الشُطار) بصيص أمل في التعليم، الذي بدأه بالتحاقه بالمدرسة وهو في العشرين من عمره، لينتهي به الحال بعد كفاحٍ مُدرساً، ولم يمنعه وضعه الجديد من الاستمرار بنمطه القديم، والذي لم يندم عليه كما ذكر في خاتمة روايته (وجوه) وتحدث عنه بإسهاب ودونما مواربة وتجميل، والإباحية المفرطة في رواية الخبز الحافي منعتها من التواجد في العالم العربي وببلده المغرب حتى عام 2000، رغم أنها لم تنشر بالعربية إلا بعد سنوات من ترجمتها للإنجليزية والفرنسية، مثيرةً ضجة حال صدورها.
ومن أبرز كُتاب أدب الشُطار من المغرب الأقصى المتأثرين بالأدب الإسباني، منهم محمد زفزاف ومحمد الهرادي وبنسالم حميش والعربي باطما.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2056265/آراء/أدب-الصعاليك-نماذج-عربية

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...