الخميس، 26 نوفمبر 2015

مداخلة هاتفية عبر قناة ANN

مداخلة هاتفية عبر قناة ANN وحديث عن الإعلام والطئفية بتاريخ 25-11-2015

  
الجزء الأول
 
 




الجزء الثاني:




 

ألف باء النقاش والطرح

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 25-11-2015

 
 
في كل مرة يخرج أحدٌ ما برأي قد يتعدى في مفهومه وجهة النظر ليمس ثوابت عند الأغلبية، تنشب معركة طرفاها في تصرفاته أكثر تطرفاً أحيانا وغلواً من صاحب الرأي نفسه، أحدهم من جماعة "أحب الصالحين ولست منهم"، والآخر من قوم يظن العلمانية والليبرالية رداءً يلبس كما هو دون ضرورة تفصيله على المقاس المتوافق مع الأمة التي يراد منها لبسه!
 
يجب أن نسيطر على الحمية لدينا، وأن تكون ردود أفعالنا متأنية ومتزنة وغير انفعالية للرد فقط، والخروج منتصرين في معركة النقاش، وإنما لتبيان صحة وصواب ما قيل من عدمه وتفنيده، بحيث يستفيد منه العامة، وهم الفئة الأهم المغيبة في مجتمعاتنا، والأكثر تأثراً بما قيل والأسهل توجيهاً، أما أصحاب الرأي- وأستثني منهم بالطبع مثيري "فقاعات الصابون"- ففي الأغلب لا يكتبون إلا عن اقتناع بما يريدون، ومن الصعوبة أن يرتدوا عن فكرتهم التي ما كتبوها إلا بعد أن أرّقت تفكيرهم؛ ومع ذلك فالنقاش مع ما يكتبونه يجب أن يكون وفق أصوله ولمن يعرفه وبالدليل والحجة، بعيدا عن السب والشتم والأحكام المسبقة، ووفق المنطلق الكريم "وجادلهم بالتي هي أحسن".
 
يلجأ بعض الكتاب من واقع خوفهم من طرح الفكرة مباشرةً، أو بسبب أسلوبهم الذي امتهنوه في الكتابة، للطرح غير المباشر واللغة المعقدة في شرح ما يرمون إليه، فيتعمدون كتابة المقالة بأسلوب معقد لغويا، لا يخاطب العامة بل لتسجيل موقف فكري لهم ينم عن قناعاتهم، كما أن بعضهم ينتهج المواربة خلف الكلمات، ليختلف تفسيرها فتحتمل أكثر من معنى يحتمون به في حال تعرضهم للمساءلة.
 
ربما وفي سبيل الشفافية في الطرح، يُطالب البعض بأن تكون الحرية وفق المبدأ القائل: من أراد أن يكفر فليفعل، ولكن دون أن يفرض ذلك على غير شخصه، ومن أراد أن يؤمن فذلك الصواب..، لكن هل يدخل هذا الكفر تحت باب حرية الرأي التي يجب تأصيلها والوصول إليها في مجتمعاتنا العطشى لأن تمارس فيه فكرها أيا كان صوابه من خطئه!
 
التحرر الفكري والليبرالية تحترم الآخر أياً كان توجهه، والدين الحق يرفض الكهنوت، ويدعونا للتفكير وللتمعن ولتحكيم العقل وعدم انغلاقه وتقوقعه، لكن وفي نفس الوقت هناك مسلمات وغيبيات علينا إن ارتضينا هذا الدين وآمنا به أن نأخذها كما هي، ولا داعي لإرجاعها لما يمكن للعقل فهمه، وهو الذي- أي العقل البشري- تختلف قدراته من شخص إلى آخر، أما من آمن بالمادية البحتة وشاء أن تكون هي منهجه فلا يمكن إقناعه أو التعامل معه إلا وفق حججه، ويجب ألا يتم إقصاؤه طالما لم يفرض رأيه على الآخرين، فهو حر بقناعاته إن لم يُجاهر بها ويسبب ضرراً.
 
مشكلتنا بصدق هي أننا نخلط ما بين معارضتنا لبعض الآراء المتطرفة والمغالية التي تكسو نفسها برداء الدين تارة وأخرى باسم الحرية، وبين المفهوم المعتدل للدين والتدين، أي الوسطية التي يقوم عليها المنهج الحق الذي نادى به الإسلام، كما قدسية الحق الإنساني في أن يعبد من يشاء، وأن يفكر كيفما يشاء، وأن يؤمن بمن يشاء.
التصرفات الخطأ لبعض المتدينين لا تسيء للدين وإنما تسيء لهم، وكذلك "الشطحات" لبعض التحرريين لا تعني أنهم تغريبيون بشر على هيئة شياطين، الاعتدال والمنطق في الطرح واجب وإلا تحول الحوار المجتمعي إلى صراع ديكة لن يخرج منه إلا طرف واحدٌ فقط منتصراً كما يظنُ هو وأنصاره ويعتقد!
 
لنتعلم كيف نحسن الظن بالآخر المختلف معنا، ولنتعلم احترامه ونقاشه بود وهدوء بدلا من إقصائه، ولنتقبله كجزء مكون منا دون أن نضع أنفسنا في مقام القاضي، الذي تعدى صلاحياته فبات يقرر هذا في الجنة وذاك في النار، وهذا منا وذاك من أعدائنا!
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=332716

الأربعاء، 18 نوفمبر 2015

سطحيون

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 18-11-2015

 
 
تحدثت سابقاً عن عنصريتنا المتأصلة فينا كعرب، وكيف أسهمت في دوراننا اللامتناهي في حلقة مفرغة من التأخر التي تسببت بها القبلية المفرطة، والاعتزاز الأهوج بالفصل والنسب، إلا أنني اليوم أتجاوزها لأنتقل لواقع آخر مزر بات يسيطر على مجتمعاتنا، وهو سطحيتها وجريها وراء المظاهر الكذابة، والإفراط في الكماليات، لدرجة أن ما كان قبل عقود سابقة رفاهية نسميها "لأهل الهاي كلاس"؛ باتت الآن من أساسيات مظاهرنا، صرنا لا نلبس ولا نشتري إلا ماركات، ولا نتعطر ونتطيب إلا بالغالي منها، نسعى لإظهارها للآخرين رغماً عنهم إن لم يستشعروها ويروها بأنفسهم، ويبادرونا بالسؤال عنها، الغريب أن أصحاب الماركات أنفسهم وعن العديد منهم أتحدث، وعى ذلك جيدا وأدرك أن تجارته تعتمد على تسخيف العقول، وربطها لقيمة أنفسها بما تلبس وتأكل، وعلى هذا الأساس سوق لبضاعته لدى شعوب مبدؤها يقول: "جوعني ولكن لبسني"، فأصبحت لا تلبس إلا "ماركة" ولا تشتري إلا "براند" ولا قيمة للشيء إلا إذا كان ثميناً.
بصراحة أصبحنا سطحيين جدا، فهل من سبيلٍ لعودتنا؟.. أتمنى ذلك!
إلا أنني أعود وأذكر نفسي قبل أن أوجه الحديث إليكم بأن التمني لم يجد يوما في تغيير الأمم، ولم يكن سببا في تقدمها، فهو وأحلام اليقظة واحد، وإن كان أحدهما لعقلٍ مستيقظ ومدرك لكنه موغل في التمني بأن تمطر السماء نموا وتقدماً؛ والآخر لحالمٍ طالما تتبدد سعادته باستيقاظه، المحصلة واحدة وتعني أنه من دون عمل وجد واجتهاد، لا استحقاقات يكللها الجهد المبذول في سبيلها والساعي لبلوغ المجد.
بمناسبة الحديث عن المجد، فقد تحول هذا النصر الإنساني في أي مجال بعينه إلى ساحة لاستعراض قدراتنا، ولكن ليس بالعلوم والاقتصاد والنماء، وإنما بالصقور والصيد وكرة القدم والأغاني والأناشيد، التي تغذيها قصائد شعراء سيارات "الفور باي فور"، وينظموها طمعا في الغنيمة التي باتت هي المحرك لقريضة شاعر الصالونات!
أجدادنا في الماضي القريب كانوا خير شاهد على رجال نحتوا الصخر لتحمل مسؤولية أسرهم، لم يكن يعنيهم كرجال أن يكون ما يلبسونه "كريستيان ديور" أو "أيڤ سان لوران"، بل أن يكون ساترا للجسد مكرما لمظهره، أما الجدات فكن من فجر اليوم ينشغلن بخبز الصاج وترتيب البيت من دون خادمة ولا يحزنون، لم يكن يسهرن أكثر من العشاء، فما كان في زمانهن "سناب شات" ولا "إنستغرام"، ولم يكنّ يتابعن مسلسلات تركية ولا مكسيكية، ولا يمضين الساعات متجولات في "المولات" بحثاً عن جديد الموضة والأزياء. لباسهن تلك الطرحة مع الجلابية التي خاطتها جارتهم خياطة الحي، مستخدمة تلك الماكينة اليدوية التي يعود تاريخ صنعها لثلاثينيات القرن المنصرم!
نعم الأول تحول، ولكن القيم لا تنتهي بالتقادم، والتطور لا يعني الاستخفاف والسطحية وتغليب المظاهر الكذابة على القيم الحميدة، صحيح أن الخالق جل في علاه يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، لكن هذا لا يعني التبذير والإسراف والإسفاف، واللهث وراء ما لا يليق حتى لو ندر وغلا ثمنه. 
صحيح أن مظهر الإنسان مهم، ولكن يجب ألا يعكس قيمته دائماً، فلو اشترى المال الجاه والعز فلن يقدر على أن يمنح صاحبه الذكاء ولا الحكمة وحسن التصرف ودماثة الخلق، ولن تكون السيارة التي نستخدمها ولا الحذاء الثمين الذي ننتعله، ولا الساعة السويسرية المرصعة بالألماس التي نرتديها، ولا "الشنطة" النسائية التي تحملها السيدة ولا الفستان، سببا في علو المكانة إلا لمن يقاسمهم ويشاطرهم تلك النظرة السطحية للحياة ومباهجها!
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=331422

متعة الراوي والرواية والقارئ

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في مجلة فكر الثقافية العدد 13 بتاريخ 17-11-2015

 
 
انهيت حديثًا وبعد طول تردد قراءة رائعة فيكتور هوجو "البؤساء"، التي رغم شهرتها التي تعدت الحدود وترجمتها لعشرات اللغات وطباعة ملايين النسخ منها وتمثيلها بالعديد من الأفلام والمسرحيات والمسلسلات التي استوحت منها النص؛ إلا أنني وبإرادةٍ عربية متأصلة بقيت من حزب الممانعة والمعارضة، رافضًا أن أقتني هذه الرواية لأقرأها. لا أخفي عليكم أن هذا التجاهل الذي حرمت نفسي بسببه من المتعة اللامتناهية التي شعرت بها بعد قراءتي لها؛ كان بعد أن تعرضت لتلك اللوثة التي طالما خوفتني منها وحذرتني من كم النكد والحزن والتعاسة  بها على لسان كل من توارت لمسامعهم، وبما يتوافق مع فكر الكثير ممن يرون في الرواية والقصة فقط "النهايات السعيدة"، التي غالبًا ما يكون فيها الحال بالنهاية تتويجًا لحكاية حب أو كفاح تنتهي وفق ما يتخيله القارئ الساعي، لأن يضع يده على خده بعد انتهائه منها, لينعم بنوم سعيد والابتسامة مزروعةٌ على وجهه، فهو الذي طالما أيقن أن قوى الخير ستنتصر على الشر، ويعم السلام، وتسود المحبة والوئام!
نزار قباني وبقريحته الشعرية وبفطنته الغريزية استدرك باكرًا حالة النشوة، التي تتشكل منها رغبات القارئ والمستمع والمشاهد العربي، فكان أن وصفها بقوله: الحب ليس روايةً شرقيةً بختامها يتزوج الأبطال!
بالفعل، فلو تابعنا عددًا من الأفلام السينمائية العربية لوجدناها موغلة في هذا النوع من النهايات، التي تتفق مع القول: "هذا ما يطلبه المتفرجون"، حتى إنهم تحدوا التاريخ، وزوروه حين زوجوا عبلة لعنتر في أحد تلك الأفلام الموغلة في السفاهة واستصغار عقل المشاهد, الذي لا يرغب أن يترك دار العرض وقتها, إلا وهو غير نادم على ما دفعه لأجل مشاهدة فيلم سينمائي، استمتع فيه بالرقص والغناء ونهايةٍ كما أرادها أن تكون!
عودة لتلك المشاعر التي تعترينا حين ننتقل في قراءتنا لأي عملٍ أدبي من مرحلة القراءة للقراءة؛ لمرحلة التوهان الإنساني والفكر والتأمل والنقد والسعي لمعرفة خفايا الكلمات والجمل والمواقف، واستنباط كينونة الأمور وحقيقتها المبطنة لا الظاهرة فقط. فتلك الغاية الأسمى والفائدة الأعظم من كونك قارئ نمت بينك وبين الكتاب - أيًّا كان ما يتطرق إليه - تلك العلاقة الأقرب للزواج الكاثوليكي، فلا أنت قادر على تركه إن لم يعجبك موضوعه، كما أنك مجبر على أن تواصل الاحتفاظ به بمكتبتك دون التفريط به أو إحطاط قيمته. أما إن توافقت معه، فهو علاقة حب أزلية. وقتها ما إن تقرأ آخر كلمة في آخر سطر من العمل الأدبي الذي تعايشت معه وقتًا من الزمن، لا بد لك أن تضعه جانبًا باحترام وإجلال في مكتبتك, فتنطلق عقبها في حالةٍ من السكينة الإنسانية المفعمة بمشاعر تفصلك عن الواقع الذي تعيشه. تحيي فيه مجددًا الشخصيات التي قرأت عنها وتحاول أن تربط الأحداث ببعضها، فيما أنت تتذكر وبنشوة المحب صورة لبعض الأحداث وما فيها من لحظات القسوة والضعف الإنساني والطمع والجشع والغدر والخيانة والمحبة والكره والظلم والعدل والإنصاف، وتتساءل: بالفعل هل كان المفروض من "جان فالجان" مثلاً وهو بطل رواية البؤساء أن لا يقمع ذاته ويذلها في نهاية الرواية عبر تغيره الدوني المفاجئ تجاه "كوزيت", تلك الطفلة التي انتشلها من براثن اليتم والذل ورباها حتى غدت توأم روحه وبمثابة ابنته, لكنه بعد أن أيقن أن زواجها من "ماريوس" بات قطعًا حُلُم حياتها, انصاع لتلك الرغبة وقمع ذاته ومن ثم بإيثارٍ فريد ارتأى رسم مستقبلها الجديد دون ماضيه الذي رآه غير مشرفٍ لها!
قطعًا لكي تستوعب التصرف المذكور لهذا الملاك المتجسد بشخص سجينٍ فارٍ من العدالة لا بد لك أن تعي معنى الإيثار وفق الطبيعة البشرية المختلفة والمتذبذبة والمتغيرة. ففي حين هي عند البعض سمو إنساني بلا مقابل؛ هي عند آخرين تضحية في غير محلها, ومن ثم تتوقع هذه الأخيرة أن يكون تصرفها مختلفًا إن حصل نفس الموقف معها, بل إنها ترى الفضل الذي قامت به يستوجب أن يكون جزاؤه حمدًا وتبجيلاً لا نفورًا وتجاهلاً.
من أبرز ما يمكن أن تتعلمه بوصفك قارئًا لرواية البؤساء لهوجو هو أن الحظ العاثر ليس مبالغة بمقدار كونه أحيانًا واقعًا يواجهه البعض, لكنه وفي كل مرة يتجاوزه, يحضر نفسه لعقبة ٍ أخرى، لا تنتقص من عزيمته في الوصول لهدفه، الذي قد يقطف من أحب ثمار نجاحه, دون أن يستمتع راعيه بتلك السعادة الأزلية حال تحقق كل مبتغاه. فيها وعدًا عن كونها رواية اجتماعية تعرض لظروف المجتمع في الحقبة التي أعقبت الثورة الفرنسية، رؤى سياسية غير مباشرة تعرض لها الكاتب دون أن يُظهر ميلاً جليًّا لأيديولوجية على أخرى, ولجماعاتٍ مختلفة وسلطةٍ حاكمة، تنوعت بين الملكية والإمبراطورية والجمهورية, أنهكت فرنسا لتترك أثرًا واضحًا في أخلاقيات المجتمع وتصرفاته ونمط معيشته وعاداته وتقاليده, وحجم الظلم والضيم الذي عمَّ تلك الحقبة, ونال الكاتب فيما بعد حين عاش منفيًّا خمسة عشر عامًا خلال حكم نابليون الثالث، من عام 1855 حتى عام 1870.
تطرقت البؤساء لجوانب إنسانية بحتة، تحدث بها هوجو عن الحب والحرب والطفولة المفقودة والسجن, كما حفلت بمشاعر إنسانية شديدة التعقيد, كرسها الصراعٍ المرير بين قوى الخير والشر، التي مثل جزء فيها شخص "السيد تينارديه", مالك الفندق الفاسد وزوجته المتجبرة اللذان عهد إليهما بالأساس لتربية الطفلة "كوزيت" نظير مبلغٍ مالي فاستعبداها وأذلاها. أما العدالة فقد ظهرت بأكثر من نمطٍ تجلى أبرزه في مفتش الشرطة "جافير", الذي لا يرى إلا القانون أمامه، ولكن دون أن يتشبع بروحه التي قام عليها وقُنن, وبإنسانيته التي تحتمل عدم تطبيقه والتغاضي عنه في حال رأى رجل الأمن أن الإصلاح يتطلب التغاضي عن الخطأ, وتجنيب العقاب والنصح والإرشاد فقط.
في هذه الرواية سيكتشف القارئ تسلسلاً فريدًا للأحداث وربطًا لشخصيات الرواية بطريقة، قلما أبدع بها راويٍ كفيكتور هوغو. فالشخصيات دومًا تتلاقى في فصلٍ ما من سرده, لنكتشف مثلاً أن تلك الفتاة التي افتدت ماريوس بحياتها حين تعرض لرصاصة من جند الحكومة؛ هي ابنة الجشع "تيناردييه" المُدللة التي أصبحت مومسًا فيما بعد وأحبت ماريوس. فيما أخوها الصغير هو من قتل في أثناء جمعه الذخيرة للثوار, والذي وللصدفة وقبل وفاته قد وجد طفلين صغيرين تائهين فآواهما دون أن يعرف أنهما أخواه!
في البؤساء ستعي أن سطوة الظلم مهما بلغت منتهاها, ستُهزم يومًا ما من شخصياتٍ قوية الإرادة, لا تيأس حتى تحقق مبتغاها.
في الأدب وعالمه السحري, لكل قاص وأديب أسلوبه وطريقته في الكتابة، وأجمل ما قد تستفيده من أي رواية تقرأها هو ما تحلق بك فيه في عالم من التفكير الإيجابي البناء، لتفهم كينونة النفس التي كتبتها، ومعرفة سر معانيها. لكنني وللأمانة أُسطر عشقًا أزليًّا لا ينتهي بانتهاء ما كتبه كل من الأسطورتين فيكتور هوغو كأحدب نوتردام, الحب الكبير, ملائكة بين اللهب, مذكرات محكوم عليه بالإعدام, رواية عمال البحر, والكولومبي الفريد غابرييل غارسيا ماركيز؛ فرادة عزلته التي تملكت عقلونا, فتفجر عنها ثورة علمتنا أن الواقع بجفافه والسحر بخياله إن امتزجا؛ فلا بد أن ينتج عن انصهارهما رائعةً أدبية خالدة كخلود مؤلفها واسمها "مئة عام من العزلة", حركت فينا ألمًا تجدد مع رحيل كاتبها، الذي تركنا لمئة عام من الحزن والغمة على رحيله, لإدراك واقع أنه لم يعد لدي ما أقرأه له بعد أن حظيت بما استطعت إيجاده من رواياته، التي لا ينسى تأثيرها, وإن كان من لا يُنسى منها أيضًا هو رواية الحب في زمن الكوليرا، حيث الحب إلى ما لا نهاية, وتريندادا البريئة وذاكرة نسائي الحزينات وفي ساعة نحس, وعاصفة الأوراق, ووقائع موت معلن, وحكاية بحار غريق, وامرأة الساعة السادسة والحب وشياطين أخرى وعشرات القصص القصيرة الأخرى.
لكن هل هذان الأسطورتان اللاتيني والفرنسي اللذان أسراني بإبداعهما اللامتناهي وتحدثت عنهما هما سرًّا الرواية والقصة، الذي لم يتكرر لا من قبل ولا من بعد؟.......بالطبع لا, فهناك دومًا عباقرة الأدب كالروسيين تولستوي وديستوفسكي، واللذان أتحفانا بالجريمة والعقاب، وآنا كارنينا، والحرب والسلام. كما ستبقى الإنجليزية أميلي برونتي ومرتفعات هذرينج من كلاسيكيات الأدب العالمي, شأنها كمواطنيها جورج أورونيل وتشارلز ديكينز, والعبقري الأمريكي آرنست هيمنغواي, والمتصوف المبدع باولو كويلو, وليس انتهاءً بالطبع بفيلسوف الرواية اليونانية نيكوس كازانتزاكيس, الذي مزج الرواية بالفلسفة بالحس الإنساني، والبحث عن الذات ومحاولة فهم الغيبيات، كما قرأنا له في أسطورته التي لا تنسى "زوربا اليوناني".
بالفعل, هناك دومًا بقية لم تبدأ بشخصية بعينها ولن تنتهي كذلك, طالما أن للقلم عاشقًا يسطر فيه سحر كلماته, فيتلقفه قارئٌ يُقدر معنى الإبداع ويستمتع به!
 

المصدر: مجلة فكر الثقافية - http://www.fikrmag.com/article_details.php?article_id=237

الأربعاء، 11 نوفمبر 2015

مداخلة هاتفية عبر قناة ANN


مداخلة هاتفية عبر قناة ANN وحديث عن الوعي والثقافة بتاريخ 11-11-2015

 
 
 


الرابط: https://www.youtube.com/watch?v=f6RVGPmVmX0

كلنا عيال قرية!

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 11-11-2015

 

 
لا يخفى عليكم أني استعرت العنوان من مسلسل جميل لنجمي الخليج العربي القصبي والسدحان عرض قبل سنوات، ما أعجبني في الاسم وإن كان جملة شائعة نرددها كل يوم وكل بلهجته الخاصة، فالمصريون مثلا يقولون "كلنا ولاد تسعة"؛ كونه حكمة عظيمة تحمل معاني سامية، لم نعد نلتفت لها ولجوهرها الثمين وإن تناولتها الألسن، وطرحتها كلما أرادت إثبات أن الجميع سواء، ولكن دون التعمق في روح هذا الأصل الإنساني الذي بتنا منقلبين عليه حين استبدلنا الأصل في الخلقة، وهو "المساواة" بالمراتب الاجتماعية والطبقية، التي جعلت الناس كما يقولون مقامات، فمنهم ابن الأصل والفصل، وابن القبيلة والعشيرة، ومنهم ابن الحضر والبادية، ومنهم من نطلق عليه "غير معروف الأصل"، لمجرد أن جده الخامس عشر لا ينتمي لأحد تلك العوائل أو القبائل المعروفة بنسبها!
 
طوال تواجدك كإنسان عربي في دولتك أو أخرى عربية، ستلحظ أن السؤال الشائع عند التقائك لأول مرة بنفر أو أحدهم هو: من أين أنت؟
 
قد يظن الغريب أن هذا السؤال طبيعي مرده الفضول البشري لمعرفة مكان الآخر ونسبه ومن أين أتى، لكن في العديد من دولنا العربية للسؤال معنى آخر، يُريد السائل من طرحه أن يستشف أصلك وفصلك وهل أنت قبلي وابن عشيرة، أم "كما يقولون" من المستعربين العرب الجدد المجنسين أو المهاجرين منذ قرن أو يزيد من أحد بلاد الله، لكن وبعد مائة سنة وتعاقب الأحفاد، ما زالت ذريته تقع في الخانة قبل الأخيرة من المكانة الاجتماعية التي تكرسها النظرة العنصرية الجاهلية وفق شجرة العائلة، التي يجب أن يكون امتداد جذورها البعيد لأحد تلك القبائل العربية الأصيلة!
 
يغضب العربي حين يسافر لأحد دول الغرب ويتعرض لموقف عنصريٍ فيها، حينها يكيل لهم التهم ويلعن ديمقراطيتهم الكاذبة وادعاءاتهم بالمساواة بين البشر، لكنه وحين يركب طائرة العودة لوطنه، وأول ما تطأ قدماه أرضها، تجده يصرخ على عامل مغترب من بلد فقير، ويشتم آخر، ويلعن ويغضب ويزبد مرددا عبارات الشكوى، بأن هذه المخلوقات القذرة نصابة وانتهازية، كما أنها غير نظيفة ولا يمكنه الوقوف إلى جانبها، ولا الصلاة بجوارها بسبب رائحتها النتنة كما يصفها، لطالما دعا في جلساته العامة وروج لفكرة أن يكون لهذا العمالة مصليات ومطاعم وأماكن انتظار خاصة بهم، حتى لا يختلطوا بالصفوة "التي يرى نفسه أحدها"، ولا يزعجوها بروائح أجسامهم التي أنهكتها الشمس الحارقة، وطبيعة أعمالهم الشاقة، بتصرفه هذا إن واجهته، حتماً سينكر تكراره لعنصرية الأمريكان مع السود، وفصلهم العنصري "الأبارتيد"، وسيردد لك متشهداً بسبابته "علامة الصدق والتقوى" أنه غير عنصري، ولكنها "علوم رجال وقبايل" ولا عيب فيها ولا تعارض حتى مع الدين!
 
للأسف وبكل صراحة: نحن عنصريون بامتياز، وطبقيون متزمتون وإن ادعينا خلاف ذلك، تجدنا نردد القول الكريم "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وحال انتهائنا منه نلعن فقراء المغتربين في بلداننا، ونستحقرهم ونطلق على كلٍ منهم لقباً يضحكنا ويسخر منهم، لكننا ومع ذلك لا نرى في أنفسنا ذاك التنطع العربي المقيت، الذي يبرر لنا تجبرنا كوننا خير أمةٍ أخرجت للناس، ولكن دون أن نعي أن تلك الأمة الخيرة التي بُشر بها واختيرت لأن تكون كذلك، هي الأمة التي تأمر بالمعروف وتعمل به، وتسعى إليه بالود والحسنى والابتسامة الصادقة، وبالمساواة دون تكبرٍ على أحد؛ وتنهى عن المنكر وتتجنبه، تعامل البشر برؤيتها لهم سواسية كأسنان المشط ولا تلتفت لأشكالهم وهيئاتهم وجنسياتهم وأصولهم وحالتهم المادية ودرجتهم الاجتماعية.
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=320292 

الأربعاء، 4 نوفمبر 2015

الحزن في صوت كلماتك

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 04-11-2015

 
 
يبحثون عن الحزن ويسعون له قولا وفعلا وخيالا وفانتازيا، لكنهم حين يسقطون في براثنه تجدهم يبكونه ويولولون حظهم العاثر الذي ساقهم إليه وأوقعهم في براثنه، بعد أن كانت السعادة ترفرف بجناحيها حولهم متمنية لهم أسعد الأوقات وأهناها!
 
خطرت في بالي هذه الكلمات فسارعت لكتابتها وأنا أقرأ لأحد ممثلي التعاسة بأحد وسائل التواصل الاجتماعي جملة يقول فيها: "تشابهت أنت وقهوتي في اللذة والمرارة والإدمان"، شعرت لحظتها وكأني بالسيد العاشق حزين الوجه باكي الملامح، يرتشف قهوة المساء على بقايا ضالة من شمس ربيعية غربت لتسلم مفاتيح المساء لقمر أسكن بإضاءته جنون النهار ومرجه وهرجه!
 
أمثاله كثر من مدعي الرومانسية التي ظنوها فقط تكون وحصريا عبر اختراع شكل وحوار وحديث وكلمات وصور هيأتها العامة كآبة.
 
أتساءل وأشرككم معي في فضولي: هل نحن فعلا شعوب حزينة كئيبة بسبب الظروف والأوضاع الصعبة التي تعيشها، أم أننا ميالون للحزن وعاشقون له، بسبب طبيعتنا الإنسانية التي اكتسبتها جينياً الأجيال المتعاقبة وورّثتها لبعضها بعضا، حتى بات الغريب الزائر لبلادنا يمكن تمييزه بسهولة، وسط أمواجٍ من البشر تعلو "التكشيرة" محياها، تمشي أو تتكلم أو حتى بصمتها يبدو الغضب هو السمة البارزة على وجوهها التي لا تعرف حين تنظر إليها، هل هي غاضبة بسبب خبر حزين تلقته، أم لمشاكل عائلية أو اقتصادية أو اجتماعية وسياسية.
 
في العالم الثالث ونحن العرب جزء أصيل منه، يأبى الخروج من قاعه العتر؛ يمثل الحزن بالنسبة لنا عقيدة نفسية تميزنا عن الآخرين، في أفلامنا ومسلسلاتنا لا بد لك أن تشاهد جرعةً مفرطة من المآسي، وكميةً من البكاء والعويل والصراخ تجعلك عدوانياً غير متفائلٍ بالخير، بل وميالا لنشر جو من الاكتئاب في من حولك، لتجعلهم هم الآخرين مصدر تعاسة لمن حولهم، تستمر السلسلة اللامنتهية من الأجواء العبقة بروائح التعاسة لتظلل سماء حياتنا المعتمة الموغلة في المشاعر السلبية، لكنها لا تلبث أن تستبدلها حين يتطور الأمر بمزاجها العكر، بحالة من النقمة التي بسببها سترتكب أي مصيبة ستتسبب لها بكارثة، أو لمن يقوده سوء حظه لمواجهة أحد أولئك الغاضبين الناقمين الباحثين، وكما يُقال شعبياً عن "شرّ للبيع".
 
في الأفلام مثلاً، لا متعة لمشاهدة لهفة العشاق إلا بكمية من المرارة والمصائب التي تسبقها، وتقف في طريقها لدرجة أن نشوة مشاهدة الحبيبين منتصرين في النهاية كالعادة، تتعدى نشوة مخمورٍ أفقده سكره كل وعيه وإدراكه، فقام من مكانه ليكسر ويحطم ويعبث بكل ما حوله مثيرا فيها أجواء إعصارٍ لم يبق ولم يذر!
 
لماذا بات الحب لدينا هو التلذذ في العذاب، ولم هو تجسيد لسادية فان جوخ التي لا أعدها إيثاراً، وذلك حين قطع أذنه وأهداها لحبيبته لعدم مقدرته على تقديم شيء لها بسبب فقره.
 
في الأفلام العربية القديمة والحديثة منها على السواء ستجد الحبيب أو المحبوبة في لقطة لوعٍ شارد الذهن تعيسا حزينا لا يقوى على الأكل ولا الكلام، تائها في ملكوت جنون الرفض والمصاعب التي تواجه حبه، يتزامن العرض مع موسيقى جنائزية وأغانٍ موغلة في تقطيع الذات؛ للدرجة التي سيشعر المشاهد لها أن الدنيا قد ضاقت به، وليس من حلٍ أمامه للخلاص من تجبرها سوى أن يقفز من شرفة منزله في الطابق العاشر، يتخيل أثناء سقوطه "الذي لن يستغرق دقيقة" أنها ساعات من شريط حياةٍ كله شرور، سيخلصه منه رصيف سيحتضن لحظاته الأخيرة، يتخيل أثناءها ويتلذذ ماذا سيقولون عنه، وكيف ستبكيه "الصبايا"، وكيف سيلحقن به مكرراتٍ نفس التجربة، سرب من فتيات أدماهن انتحاره، وكيف ستتوقف ساعة العالم، وكيف سيتغير الكون بمن فيه ليقضوا أيامهم حزانى معتكفين في مغارات الصحاري والجبال وكهوف العالم الآخر!
 
ما لم تصوره تلك الأفلام التعيسة والروايات المضللة التي أفسدت عقول شبابنا وبناتنا هي أن العالم لن يلتفت لذلك المحب الأحمق، أو تلك العاشقة المتيمة الفاقدة لحس الإدراك بين الخطأ والصواب. لن يكون لهم ذكر، ولن تسطر أقلام الكتاب قصة هواهم، كما سردوا لنا من قبل ذكرى قيس وليلى أو طرفة ابن العبد ولا حتى روميو وجولييت، هو أو هي الخاسر في رحلة ظنوها خالدة بما فيها من تعاسة وحزن لا قيمة له أبدا، فقصور تفكيرهم قادهم لعكس معنى الحب، الذي من المفترض أن يكون سببا لسعادتنا لا لشقائنا؛ ولفرحنا لا لحزننا، ولتمتعنا لا لغمنا.
 
الحزن صفة إنسانية تمس المشاعر وتتفاعل مع الأحداث، لكنها ليست لزاماً لمن أراد أن يهوى، ولا هي ميزة تضفي هالة من الجاذبية على الشخص، الذي لن يكون مديحاً له أن يصفه الآخرون بالرجل الغامض أو الحزين، بل على العكس، سيتجنبه العديد وينأوا عنه، فالناس لديها ما يكفيها من المشاكل، وتطمح لابتسامة وضحكة أكثر من تكشيرة تبعث في النفس أجواءً من الحزن والكآبة.
 
ملاحظة: كتقليدٍ عربي أصيل، أُقر أنني قد كتبت هذه المقالة على وقع موسيقى وأغان حزينة جداً جداً!
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=309024

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...