الأربعاء، 15 أكتوبر 2014

صنعاء مقابل الموصل

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة العرب اللندنية 15-10-2014

 


تحول اليمن السعيد كما عرفناه وقرأنا عنه إلى يمن آخر تعيس وحزين ومفكك تعمه الفوضى والاضطرابات، ولم يهنأ كما يتمنى شعبه بالسلم والرفاه. تحول إلى يمن يكون الولاء فيه للقبيلة لا للوطن، وللطائفة لا للوطن، وللإقليم لا للوطن، وللخارج بمطامحه وأطماعه، أما الجيش العتيد ورغم حرفية أفراده وبأسهم إلا أنه مُحزب ومقسم ومتعدد الولاءات، والحكومة المركزية فيه تفتقد القوة لحسم النزاع، كما أن أغلبها والمتعاقب منها ومنذ استقلال اليمن إلى توحده لم يسع إلى سيادة الدولة من منطلق قومي وطني وإنما من بابٍ للتكسب والاستئثار وفرض النفوذ.
المشكلة في اليمن لم تعد فقط في تنظيم القاعدة، ولا في خطف الرهائن ولا انتشار الفساد والمحسوبية والانهيار الاقتصادي والظلم الاجتماعي والتضخم وغلاء السلع، ولا في الجنوب وحراكه الساعي إلى الانفصال مجددا بعد أن كره التهميش واستئثار الشمال بالسلطة، ولا في طائرات الدرونز الأميركية التي تقتل من تشاء دون حسيب ولا رقيب، وبتصريح مفتوح من الحكومة طالما أنها تستهدف من يُسمون بالإرهابيين، بل المشكلة الآن باتت بالذات في تنظيم لم يسمع به أحد قبل ثلاثة عقود، ولم يكن يملك أي نفوذ، وكان الغرض منه الدعوة إلى التعريف بالمذهب الزيدي، لكنه تحول، بقدرة قادر، إلى ميليشيا مسلحة احتلت صنعاء في أيام وما فعله الحوثيون بها أسوأ مما مارسه الغزاة بحق المدن التي احتلوها، وفرضوا حلا سياسيا يعطيهم مكاسب أكبر من حجمهم ولم يكن لينالوها أبدا في تجاربهم الانتخابية السابقة.

عبدالملك الحوثي أو “حسن نصر الله اليمن” وعلى ما يظهر هو نجم الساحة الآن، بعد أن أتته الفرصة التي لم يكن يتخيل فيها أن يُسهل له قيادات في الدولة والجيش (أو على الأقل تخاذلوا في اتخاذ موقف) دخول قواته لعدة مدن يمنية واحتلال المقرات الحكومية فيها، والاستيلاء على أسلحة الجيش الذي تركها هدية تم الاتفاق مسبقا عليها. هذه الميليشيا المدعومة من إيران والتي تدرب العديد من قادتها وأفرادها على يد الحرس الثوري الإيراني، بات أفرادها القوة التي لا تقهر رغم قلة عددهم مقارنة بالآخرين، وباتوا يسعون وراء غنائم انتصارهم السريع، فانتهكوا وسرقوا وخربوا ظنا منهم أن الأمر قد استقر لهم، لكنهم نسوا أن اليمن دولة وشعبا قد قهر الغزاة على مر التاريخ، وما جرى ليس سقوطا بمقدار كونه تعبيرا عن غضب الأكثرية الصامتة من الشعب اليمني التي ملت الخداع والفساد والوعود الكاذبة المتعاقبة من السياسيين والأحزاب والحكومات لتحسين حياتهم والنهوض بيمنهم الذي لم يكبُ أساسا حتى ينهض مجددا.
الانتفاضة الشعبية على الحوثيين مسألة وقت، بعد أن اتضح للشعب أن حكاية الاحتجاج السلمي التي رفعوها شعارا، والمطالب الممثلة في تغيير الحكومة، ووقف قرار تخفيض الدعم عن المحروقات، لم تكن إلا سبيلا لقلب نظام الحكم والاستيلاء على السلطة. هم ليسوا أكثر من فقاعة سرعان ما ستتبدد بعد أن ينتهي دورها الذي رسمته لها دول إقليمية، طمعا في تحجيم قوى سياسية يمنية لوحظ تنامي قوتها في الآونة الأخيرة.
ساعدهم ما آل إليه حال الربيع العربي والفوضى الناتجة عنه وتغير حسابات الدول ذات المصالح في بناء كيان قد يبدو قويا لكنه هش، وسرعان ما ستتبدد آمال إيران فيه بأن تكون قوتها الضاربة في اليمن والقريبة من الحدود السعودية، والتي ستتلاعب بها لخلق قلاقل مع الجار ذي الثقل الأقوى خليجيا وإسلاميا. فضلا عن مساعي طهران لاستخدام ما يجري في اليمن في سياق مساومات سياسية تخص سوريا، ومحاولة تعويض التراجع في العراق بعد سيطرة تنظيم “داعش” على الموصل وعدد من المحافظات، وكأنها تشترط المعادلة: “صنعاء مقابل الموصل”.
الرئيس عبدربه منصور هادي ومن قبله طولبوا دوما بكسر شوكة تنظيم القاعدة المتواجد بخلاياه وعناصره الظاهرة والمتخفية، وهي التي تقوم بين الحين والآخر ببعض التفجيرات والعمليات النوعية وغير المؤثرة أيضا، لكنها دوما تضخم لضمان استمرار الدعم الخارجي، لكن الرئيس الآن سلم واستسلم لإرادة الحوثي، ومن خلفه من دول دعمته حتى وصل إلى الأضواء وفرض أجندته، التي من أحد بنودها حسب الاتفاق الأخير أن يكون من مستشاري الرئيس حوثيون يكون لهم الحق في المشاركة بالرفض والقبول في اختيار وزراء الحكومة القادمة، وفي تعطيل واضح لبنود المبادرة الخليجية التي أنهت حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ونصّت على إنشاء كيان يمني جديد بستة أقاليم، وأوصت بإنجاز دستور توافقي يرضي الجميع ويُحقق التوافق السياسي والمجتمعي وينهي الصراع القائم.
اليمن هو البلد العربي الذي تُرك بتعمد ليكون مرتعا لكل تنظيم متطرف، ولكل فكر متشدد، وحين يبرز خطره يتداعى الغرب وأميركا لمحاربته، وتسايرهم في ذلك حكومتهم، التي اعتقدت أن بقاءها مضمونٌ دوما باستمرار فزاعة الإرهاب، لكنها تناست أن حرب الآخرين على أرضها لن تزيدها إلا تأخرا وفقرا وتهميشا للأغلبية لصالح أقلية ضالعة في خراب بلدهم!


المصدر: صحيفة العرب اللندنية - http://alarab.co.uk/?id=35420

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...