السبت، 6 نوفمبر 2021

الترفيه والإعلام.. السطحية والإثارة

 جريدة الرؤية
25-10-2021
عماد أحمد العالم


الإعلام الترفيهي أو الإعلام والترفيه والمعروف بالإنجليزية «Infotainment»، تم استخدامه لأول مرة في عام 1980، والذي اختصاراً يعني الأخبار الخفيفة التي جرى التفريق بينها وبين الأخبار التقليدية الرزينة، التي دأبت وسائل الإعلام على بثها على مدار سنوات.
هي وسيلة تم استحداثها لجدواها الاقتصادية ولدرِّ الأرباح المتزايدة من جهة، ومن أخرى تماشياً مع تغير الذوق العام لدى الشعوب وتوجهها الذي بات ملولاً من الجدية، التي تسببت بها الأحداث التاريخية التي مرّ بها العالم من الحرب الباردة والانقلابات بشتى الأقطار والكوارث المختلفة والأوبئة، وجميعها أوصلت المشاهدين لحالة من النكران تجلت بإقبالهم على نوع مُستحدث خفيف ضمن استمرارية جذب المشاهد أياً كان الحدث بوليسياً أو ثقافياً أو حتى فضائحياً - وهو الأكثر رغبةً وجذباً للمشاهدة - فتم تضخيمها جميعاً، وصناعة حدث شعبي منها لاستقطاب المشاهدين أياً كانت فئاتهم واتجاهاتهم وأهواؤهم، حيث عناصر التشويق متكاملةً به، مع خبر تم تضخيمه وإبراز ما به من أشخاص، كوسيلة لتسويقه للمشاهد الذي تمت إثارة الفضول لديه، والذي يمثل بدوره السلعة التي تم تسويقها للشركات، للفوز بعقود إعلانية معها أثناء البرامج.
بالطبع لا يزال السبق الصحفي والأحداث السياسية على أهميتها المعتادة، وإن أظهرت استطلاعات الرأي اكتراثاً أقل بها، وإنما المقصود هنا الأحداث المصطنعة والقضايا السطحية ذات الهالة الإعلامية التي غيّرت من مفهوم الترفيه الرزين، وأعطت الترفيه الخبري مذاقاً سطحياً للمشاهدين، ولو كان عبر الإسفاف والتشهير والسذاجة في الرأي والإثارة المُختلقة، الغرض منها جميعاً الأرباح السهلة والحصول على أعلى نسب المشاهدة والمترتب عليها بالطبع من زيادةٍ في الإعلانات والدخل.


المصدر: صحيفة الرؤية - الترفيه والإعلام.. السطحية والإثارة - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

القرصنة.. سلاح وطني أم انتهاك دولي؟

 جريدة الرؤية
11-10-2021
عماد أحمد العالم


القرصنة أو الهاكينج، هي امتداد لمسمى اللصوصية المعلوماتية، ذات التعريف الحامل لأوجه عدة من جهة تفسيره، فبالرغم من الإجماع المؤسساتي الدولي على اعتبارها انتهاكاً لخصوصية الأفراد والمؤسسات والحصول على معلومات بدون حق لاستخدامات غير مشروعة، إلا أن لها أوجهاً أخرى لا يمكن إغفالها!
يعتبرها آخرون شراً لا بد منه، بل من الواجب اعتباره أحياناً عملاً وطنياً ذا سيادة يجب القيام به، بما يدعم مصالح الأوطان، فهي السلاح الفعال في التأكيد على سيادة الدول وحماية خصوصية المعلومات، وحماية بيانات مواطنيها من تبعات حروب التجسس المستقبلية، والتي تساعد أيضاً باختراق تحصينات العدو الافتراضية، ومن ثم معرفة خططه وتحصيناته لاستباق أي حدث أو للتخطيط له وبما يضمن نجاحه، وخصوصا أن الخصوصية كمفهوم أمني بات مهدداً بالخطر مع العولمة الرقمية التي أتاحت للشعوب التواصل دون حدود بأي وقت وبكل مكان بشرط مشاركة معلوماتها رقمياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، التي تحتفظ بها بقواعد بياناتها مع وعود بعدم بيعها ومشاركتها لأطراف تجارية أو فعل ذلك بحجة تقديمها خدمات مجانية للمستخدمين مقابل بيع بياناتهم للمعلنين.
في الحالتين، باتت الخصوصية دوماً محلاً للتساؤل عن مدى قدرة مقدمي الخدمات على حمايتها، وهو ما يظهر على الدوام في حالات سرقة البيانات أو تسريبها، وهو ما كلف مليارات الدولارات من الخسائر التي تهدد اقتصادات الدول، وشركات «التك» العملاقة المضطرة لتحسين خدماتها من ناحية حماية ما تمتلكه من معلومات المستخدمين، كي لا تتضرر سمعتها فينعكس ذلك سلباً على قيمتها السوقية وأسهمها بأسواق البورصة العالمية التي تتأثر دوماً بأخبار الاختراق.


المصدر: صحيفة الرؤية - القرصنة.. سلاح وطني أم انتهاك دولي؟ - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

التقنية.. أثمن من النفط

 جريدة الرؤية
27-09-2021
عماد أحمد العالم


‏نيجيريا، التي تعد أحد أكبر منتجي النفط بأفريقيا، أدرت عليها مبيعاتها منه مليارات معدودة، لا تكفيها حتى لتغطية ميزانيتها السنوية، أما فنزويلا التي لا تقل عنها أهميةً فتسير بركبها، وكذلك العديد من الدول التي تعتمد اقتصاداتها على الذهب الأسود، التي رغم ثرائها به إلا أنه لم يستطع اقتيادها للرفاه الاقتصادي.
في المقابل، حققت غوغل بعام 2020 حوالي 183 مليار دولار من الأرباح، أما شركة أبل فقد تجاوزت إيراداتها التراكمية التريليون دولار منذ طرحها لهاتف آيفون عام 2007، مع تحقيقها 274 مليار دولار من المبيعات في العام 2020، نصفها من مبيعات أجهزة الآيفون.
ألمانيا قدّرت حسابات معهد «إيفو» الفائض بميزان معاملاتها الجاري، والذي يقيس تدفق السلع والخدمات والاستثمارات، عند نحو 293 مليار دولار في 2019، علماً بأنها لا تمتلك نفط تحت أرضها.

من حيث القيمة السوقية لشركات «التك» العملاقة، قيمة «مايكروسوفت» السوقية تقترب من تريليوني دولار، فيما حلت شركة أبل بالمرتبة الأولى بما قيمته 2.1 تريليون دولار.
ألفابيت وهي الشركة الأم لـ«غوغل» وغيرها من الشركات التقنية وصلت قيمتها السوقية إلى 1.4 تريليون دولار، في حين بلغت قيمة عملاق التواصل الاجتماعي فيسبوك نحو تريليون دولار.
وفقاً للغة الأرقام كمحصلة وبحسبة بديهية، فالمعلومة والتقنية أثمن من النفط، وكذلك القطاع الخاص أغنى من الحكومات التي جعلت اقتصاداتها رهينة بما تستخرجه من باطن أرضها، والذي مهما بلغت احتياطاتها منه فلا بد أن ينضب، فيما التكنولوجيا والعالم الافتراضي والمعلومة متجددة ومتطورة ولن تنتهي، بل ستتطور لتكون رائدة الاقتصاد، بعد أن بنت أسسه وسعت لاستمرار عجلة تطويره.


المصدر: صحيفة الرؤية - التقنية.. أثمن من النفط - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

مشتركاتنا رغم اختلافنا

 جريدة الرؤية
13-09-2021
عماد أحمد العالم


مهما اختلفنا كشعوب بالعرق والدين واللون، ومهما فرقتنا صراعاتنا وحروبنا التي لن تنتهي ما دمنا بشراً يسعى كل منا أن يفرض عضلاته على الآخر، باستغلاله جسدياً واقتصادياً ومادياً أو فكرياً ودينياً، إلا أنه سيبقى بين الشعوب ما ستحتفظ به دوماً ليكون صلاة مشتركة تجمعهم حتى لو لم يشاؤوا ذلك.
تلك فطرة وغريزة مبرمجة ولا يمكن محيها أو تغييرها، والحال ذاته ينطبق على نساء العالم، فمهما اختلفن وتعددت درجة الانفتاح والثقافة والحرية والمعيشة الاقتصادية لديهن، إلا أنهن سيبقين إناثاً يتشاطرن صفات بذاتها، وسترى بعينيك وتشاهد ردة فعل طبق الأصل لامرأةٍ في القطب الشمالي مع أخرى في أقاصي غابات أفريقيا إن تعلق الأمر بالغيرة مثلاً!
من جهة أخرى وبعالم الجريمة، يبدو أن اللصوص والمجرمين من مختلف المرجعيات والبلدان أيضاً لديهم سمات مشتركة في مفهوم السرقة والجريمة، ومبررات لاحترافهم إياها واستيلائهم على أموال الناس بالباطل.
المنطق هنا ذاته، وقد مر عليّ من قبيل الصدفة أحد الأمثلة أثناء مشاهدتي لفيلم أجنبي، تحدثت فيه قاتلة مأجورة أنها قد جمعت مبلغاً يكفيها لتقاعدها لكنها كلما أرادت ذلك تراجعت لإيمانها بأن «اليد البطالة نجسة»!
طبعاً الجملة السابقة كانت الترجمة العربية لما قالت نصاً: «Idle hands do the devils work»، والتي تعني مجازاً الترجمة السابقة نفسها.
بصراحة استوقفتني الجملة وبقدر ما أثارت ضحكي، إلا أنها لفتت نظري إلى أن مجرمينا ومجرمي الغرب، ولنقل المتحدثين منهم بالإنجليزية على الأقل لديهم مفهوم واحد عن البطالة، وضرورة العمل حتى لو كان سبباً لتعاسة الآخرين إما عبر سرقتهم أو إيذائهم.


المصدر: صحيفة الرؤية - مشتركاتنا رغم اختلافنا - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

الفن.. والطَّائرة الورقيَّة

 جريدة الرؤية
30-08-2021
عماد أحمد العالم


يسمو الفن بمكانته لمشاهده وقارئه إن زغزغ العاطفة وتركها في حالة تشبه أحلام اليقظة، مع رغبة بالاختلاء بالذات والهيام المصاحب بتوهان يفقدك المعرفة بما تفكر، مع نشوة تعتريك وأنت بين يدي نفسك، ترقبُ اللاشيء وتنتظر حلماً لا تعرفه، حينها تنتابك حالة من السكون والروحانية، يتراءى لك فيها صورة ضبابية، يلهث إحساسك خلفها ليعرف ما وراء ضبابيتها كحالة التصلب لرؤية لوحةٍ فنية، رسمت بالماء أو الزيت كمثيلاتها، لكنها اختلفت عنهم، بتكبيلها لك ما إن يقع ناظرك عليها.
الفن رسالة وإبداع وسمو روحي، يتجلى مفهومه حين يخلق حالة من الجذب لا تستمر للحظة، بل لعقود وأجيال، كمسرحية شكسبيرية، التي ترجمت لمعظم اللغات ومثّلها أقوام وأقوام، ولا تزال حتى اللحظة تحظى بقبولنا، وتحرك مشاعرنا، وتشد انتباهنا، مع علمنا وكامل درايتنا بنهايتها، لكنك حين تشاهدها، تجبرك أن تعيش اللحظة معها، فتنسى نهايتها حتى تصل لها!
إن أردتم أن تصل لكم الفكرة؛ فلنتخيل معاً طائرةً ورقية، تلهو بها طفلة في جوٍ ربيعيٍ مشمس معتدل الريح وصحو لا تعكره سحب ماطرة رعدية، تتلاعب أنامل الصغيرة بها بكل رشاقة دون أن تفقد السيطرة عليها، وتوجهها دون أن تضطر أن تجري خلفها لتمنع ابتعادها عنها أو فقدانها لها، تمتع ناظريها بها، لا تشعرها بالملل أو التعب، بل تقُدها للحظاتٍ سعيده؛ تنهيها بأن تجذب أصابعها الصغيرة الخيط لتقربها منها، ثم تلملمها لتحفظها في مكانٍ آمن أملاً في نزهةٍ أخرى يتجدد بها اللقاء، وحتى حينها تبقى ذكراها حاضرة.. هل اتَّضحت لكم الصورة؟ فنحن الطائرة الورقية، والفن الراقي هو الطفلة!


المصدر: صحيفة الرؤية - الفن.. والطَّائرة الورقيَّة - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

الاختلاف.. و«الفوضى الهدامة»

 جريدة الرؤية
16-08-2021
عماد أحمد العالم


يُقال: «الاختلاف بالرأي لا يفسد للود قضية»، فبحثت عن وجهٍ أستطيع تطبيقه عليه فلم أجده إلا عبر جملٍ نرددها كلما اختلفنا، وخشينا أن يتحول اختلافنا لمشكلة قد تفقدنا صداقه وزمالة أو مصلحة مشتركة!
هو القول ذاته بأن الأساس هو الاتفاق، وما الاختلاف إلا الحلقة المُكملة، لكن المشهد أثبت أننا متفقون على اختلافنا، بل القاعدة لدى البعض أن ما يفسد الود هو الاتفاق، ففيه تنحية للمصالح الشخصية والتضحية بها في سبيل العامة، وهو ما يتعارض مع المنتفعين الانتهازيين والإقصائيين.
في الفكر، الاختلاف إثراء، وفي السياسة تعدد يعطي الجميع الفرصة لإثبات صدق الخطاب ومصداقيته وصلاحية نظرياته وسياساته.. هذا نظرياً وبأفلاطونية المدينة الفاضلة، لكن في الواقع، وبأعتى الديمقراطيات، لا بد أن يشوب السوء الممارسة، لكنها تبقى في إطار المعقول وما يمكن تجاوزه، لأن السياسيين أولاً وأخيراً بشر يخطئون ويصيبون، ورُؤاهم لن تنال الكمال أو حتى تجاوره.
لسنا بصدد الثورة الفرنسية ولا المقارنة بثقافة الاختلاف بها وما تسببت به، ولن نقدر على تكرار تجربتها، لأنها قامت على الإقطاعية ونبذتها، لكنها سقطت في أتون الصراعات الداخلية سنين طويلة أُذل بها الشعب وعمت الفوضى دهراً حتى استيقظ الشعب قبل فوات الأوان، ليبنوا الديمقراطية العلمانية الأوروبية الأولى بعد أن تسبب الاختلاف بها في خلاف استمر أكثر من قرن، كانت نتائجه وخيمة دفع ثمنها الشعب الفرنسي من أرواح مواطنيه عشرات الآلاف، ليُسطروا للعالم درساً بألا يحذوا حذوهم أو يقتدوا بهم، وبأن يتحلوا بالوعي الكافي ويحكموا العقل والحكمة لتغليب المصلحة العامة والتواؤم ورفض الاستقطاب، كيلا يكونوا ساحة لتصفية الحسابات، ويُبتلوا بالفوضى الهدامة
!


المصدر: صحيفة الرؤية - الاختلاف.. و«الفوضى الهدامة» - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

أطفالنا صنيعة أيدينا

 جريدة الرؤية
03-08-2021
عماد أحمد العالم


طفلي عصبي، خلقه ضيق، دائماً مكشر، ما عنده لعب ولا مزح، ما يسمع الكلام، لا يُحب المشاركة، وغيرها الكثير من المصطلحات التي نتفاخر بإطلاقها ونحن نضحك ونقهقه بسوالفنا الأسرية وحين نروي للآخرين سلوك أطفالنا، ونكررها تارةً تلو أخرى وأمامهم وعلى مسامعهم، لنؤصل فيهم تلك الطباع وذاك السلوك، الذي إن كبروا وشبّوا عليه بتنا نلطم ونتباكى لم رزقنا الله بذرية عابسة كئيبة مملة وجدية زيادة عن الحد، وتناسينا أن جزءاً لا بأس به وقد يكون أغلبه بسببنا نحن الذين ربيناهم على تلك الصفات عبر التفاخر بها والتندر، حتى تبنتها وتشبعتها عقول الصغار وتقمصتها لا إرادياً ورغبةً منهم أيضاً بالتحلي بما دأب والدوهم والمقربون منهم على وصفهم به، ليتحول التمثيل إلى طبع سيصعب فيما بعد التخلص منه، ويتحول لسمة لجيلٍ كامل تعقبه أجيال تتوارثه.
لمَ نحن عدائيون في وصفنا لأطفالنا دائماً؟، ولمَ نحرص على إلصاق صفات غير حميدةٍ بهم؟، ولمَ نسعد ونبتسم حين نرى غضباً طفولياً مصطنعاً على وجوههم؟، ولمَ لا نحرص على ثنيهم عن التحلي بتلك الهيئة الكئيبة التي نفرح لرؤيتهم بها؟، وليكن بدلاً من ذلك تشجيعهم على ألا تختفي الابتسامة عن وجوههم البريئة، وتعويدهم على المحبة والحنان والعاطفة التي يجب أن نحفزهم على إظهارها للآخرين وممارستها بشفافية وبراءة الطفولة، كي تتأصل بهم وتصبح في مراهقتهم وشبابهم طبعاً ينعكس عليهم ومن حولهم، فتكون المحصلة بيئةً خصبةً للاستمتاع بالحياة واحترام الآخرين، ما سيأخذنا لنكون شعوباً متحضرة إنسانية رفيعة الخلق وحسنة المعشر والجوار، بدل ما عُرف عنا وشاع من النقيض وهو حقيقة لا يُمكن إنكارها.


المصدر: صحيفة الرؤية - أطفالنا صنيعة أيدينا - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

كتاب ونهايات

جريدة الرؤية
19-07-2021
عماد أحمد العالم


علّمنا «أرنست هيمنجواي» درساً عن الحياة في العجوز والبحر، وأنها كما أعطتك أكبر غنيمة لم تكن لتحلمُ بها، فستسلبها منك في خضم نشوتك بالظفر بها ولن تبقي لك منها شيئاً بنهاية يومك المضني، لتعود مجدداً إلى نقطة الصفر، حيث ترى بالغد يوماً جديداً قد يكون أوله مبشراً وآخره كغيره ممن سبقه مخيباً لكل ما يؤمل منه!
لقد أنهى الأديب الأمريكي حياته منتحراً وكذلك فعل على طريقة الساموراي الياباني الأشهر الذي رشح لجائزة نوبل ثلاث مرات «يوكيو ميشيما»، وقبله فعل برصاصة في رأسه الروسي المناضل «فلاديمير ماياكوفسكي»، وكذلك انتهى الحال بالكاتبة الإنجليزية فرجينيا وولف، والشاعرة السوداوية الأمريكية سيلفيا بلاث.
عربياً وبنفس الطريقة، فعلها اللبناني المتيم بعروبته «خليل حاوي» والذي كان اجتياح بيروت في عام 1982 الرسالة التي أراد بها إيقاظ الضمير العربي من مهجره في أستراليا، وكذلك احتج الأردني تيسير السبول الذي اختار حروباً أكبر من طاقته تعددت جبهاتها فأفتك به اليأس من الظفر بها! يقول الفيلسوف والأديب الفرنسي ألبير كامو عن الانتحار، وكأنه يعني بذلك فئة الأدباء والكتاب الذين اختاروا عبره نهايتهم، هو المشكلة الفلسفية الوحيدة، فيما يصفه المتشائم كافكا بالحل الوحيد الممكن، وهو التفسير الذي أراه قريباً لفكر أولئك الذين ارتكبوه ووجدوا فيه فقط إجابة لتساؤلاتهم! على النقيض منهم، نَعم عظماء آخرون بحياة كريمة، منهم الفرنسي إيميل زولا الذي تحول من فقيرٍ مُعدم لأحد أشهر الكتاب الفرنسيين، وليس ببعيدٍ عنه غابرييل غارسيا ماركيز أسطورة أمريكا اللاتينية، التي خرج منها البرازيلي المتصوف باولو كويلي، وكذلك لويس سوبلفيدا، فيما جادت علينا البرتغال بعبقريها الأدبي جوزيه ساراماجو.


المصدر: صحيفة الرؤية - كتاب ونهايات - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

الأحد، 11 يوليو 2021

ألوية الأدب في حروب الكلمة

 جريدة الرؤية
05-07-2021
عماد أحمد العالم


رفاق الكلمة هم صناع عالم الأدب، وهم جنوده المجهولون الذين يخلدهم إرثهم الأدبي، لا تمثال صامتاً مجهولاً نحت على عجل أو مهل بركن مختار، هم حاملو لواء أمم تقرأ ولا تقرأ ومع ذلك نقشوا بالذكرى صورة لا تمحى لما كتبوه وأبدعوه، لتطلع عليه الأجيال دون أن تتعمق بشخصياتهم وحياتهم وما أرادوا قوله بعيداً عن شخوص رواياتهم، وأحياناً ما وراء المعاني الظاهرة في كتبهم ومؤلفاتهم.

لنبحر معاً ونستعرض بعضاً من قصص كتّابٍ عظماء، بعضها يتنافى مع إرثهم الخالد، الذي يتصوره قارئه حالما ينتهي من أحده.
حين كتب تولستوي «الحرب والسلام» أعلن عن فكره تجاه الدمار الذي يولده وحبه للسلام الذي كان داعيةً له وسار على إثره فيه متأثراً بكتاباته، خصوصاً «مملكة الرب داخلك» بين المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينج، ليحمل كفاحهما صفة المقاومة السلمية النابذة للعنف.
حين كتب عن «آنا كارنينيا» التي صدمتنا بمشهد انتحارها المشابه للحظة بداية روايته، أراد أن يعلمنا درساً في الأخلاق التي تتعارض مع شهوات النفس ولذاتها، حيث الدوام للأولى والفناء للأخيرة التي لا بد أن يعاني مرتكبها من تبعاتها التي أنشته لحظات ودمرت حياته كمحصلة!
حاول تولستوي أن يجد حلولاً لمشكلات العالم، وأشغل نفسه بنقد كنيسته الأرثوذكسية وانبرى دفاعاً عن الفقراء، فهرب للعزلة في آخر حياته، التي ألبسته صفة التوهان والانفصام عن المجتمع الذي جعل منه كونتاً، وأحد أعظم الأدباء الروس وبالعالم أجمع، لكن فكره الذي اتّسم بصفة الناقد والمصلح هو من أبعده لمقره الريفي، حيث اختار معيشة البسطاء تاركاً خلفه أمجاده وعائلته الثرية المترفة.


المصدر: صحيفة الرؤية - ألوية الأدب في حروب الكلمة - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

التاريخ.. وموثوقية الكتب

 جريدة الرؤية
21-06-2021
عماد أحمد العالم


لا توجد إحصاءات حصرية تحدد على وجه الدقة عدد الكتب والدراسات التاريخية المنشورة في العصر الحديث، أو على الأقل في القرون الماضية حتى اليوم، لكن من المؤكد أن هناك آلاف الكتب التاريخية المنشورة حول العالم وبشتى اللغات، والفروق الأساسية فيها ليس فقط في تناولها الخاص لدول وأقاليم وشعوب وحضارات بعينها، وإنما فيما يصنع من كلٍ منها إضافة حقيقية يعتمد عليها ويؤخذ بها ليمنحها مكانة المصدر، الذي يعتد به ويتم الرجوع إليه من قبل الخاصة والعامة على حد سواء كلما دعت الحاجة لذلك، أو حتى على سبيل الاطلاع والمعلومة المجردة.

من أهم العوامل التي يجب الأخذ بها في التقييم هو أن يكون الكتاب موثقاً معتمداً في المعلومات الواردة فيه على مصادر متعددة معروفة وموثوقة وعلمية بحتة غير مؤدلجة، ولا ترتكز على أسس عقائدية أو تستند على مسلمات قومية ووطنية متوارثة تصنعها عواطف الشعوب ورغبات المنتصرين.
حين ردد ديكارت «أنا أفكر إذاً أنا موجود»، فتح مدخلاً للشك وإنكار اليقين المطلق بالمسلمات، فمنح العقل الحرية المطلقة في الاستنتاج، الذي إن أسقطناه على التاريخ، فسندرك وجوب عدم الأخذ به كحقائق تُرددها الأجيال دون تفحيص دوري، يقوم عليه الباحثون المستقلون لتنقيحه وإعادة قراءته وفق المعطيات الجديدة المُكتشفة، وحتى عبر إعادة دراسة ما كتب عنه سابقاً، والاطلاع على المصادر التي استشف منها كتبته رواياتهم، مستشهدين بها لآرائهم المعدة كتأريخ لما جرى للسابقين من أقوام ودول ومن أحداث، بعضها انتهى وانعدمت صلته بالحاضر، وأخرى لها توابعها أو تأسست عليها قناعات وتصورات وقوانين تتابع في التطبيق قرناً بعد آخر.


المصدر: صحيفة الرؤية - التاريخ.. وموثوقية الكتب - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

القصص.. متعة لا حدود لها

 جريدة الرؤية
07-06-2021
عماد أحمد العالم


لديّ اعتراف يليه اعتذار للرواية، بعد استذكاري لمفهوم خاطئ مضى عليه أكثر من عقد، كنت أظن فيه مخطئاً أن القراءة متعة لا تدخل الرواية ضمن إطارها، فهي كما كنت أراها مضيعة لوقت، الأجدى بذله في سبيل نيل المعلومة.
هذه الفكرة المغلوطة التي كان لماركيز وروايته «مئة عام من العزلة» فضلٌ باستجلاء خطئها، وتبددت تماماً بعد اقتنائي لرائعته الخالدة «الحب في زمن الكوليرا»، لتتوالى بعدها الروايات على مكتبتي بدءاً من روائع الأدب العالمي الحديث والكلاسيكيات.
جميعها كوّنت شخصيتي كقارئ، وكرست شغف الاطلاع الذي لا يعرف عنواناً أو مادة دون أخرى، حيث الولع بأوراق تلمسها اليد بعناق محموم غير قبل للانفصام.
هو أسلوب حياة، ونمط للمتعة الإنسانية التي قلما نجد لها مثيلاً يوفرها كما تفعل القراءة، حيث الفضول الذي لا ينضب صوب المعرفة.
الفكرة المنتشرة بين العديد أن قراءة الروايات مضيعة للوقت دارجة بالمجتمعات العربية، التي تعرف بالأساس مستويات متدنية من القراءة مقارنة بالشعوب الأخرى، رغم أن الإحصاءات تخبرنا أن أكثر المقروء القصص والروايات، حيث يتسع خيال الراوي للتنبؤ بالمستقبل ودراسة الماضي والتوعية بالحاضر عبر أحداثٍ أبطالها شخصيات تلعب دوراً يأخذ القارئ صوب المعلومة المسرودة بفن الحكاية، القريبة من النفس البشرية على المستويين الوجدانِي والديني، الذي بدوره لم تخل الكتب المقدسة منها للتدليل والترغيب والترهيب، فتحتفظ بها الذاكرة لتكون عامرة ومتوارثة ليس لصاحبها فقط، وإنما للأجيال المتعاقبة.
الرواية والقصة كما بها من متعة لا حدود لها وفوائد عديدة، فيها الغث والمضلل والفاسد والمستغل، لكن ذلك لا ينقص من قدرها ومكانتها وقيمتها.


المصدر: صحيفة الرؤية - القصص.. متعة لا حدود لها - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

الأدب.. وتجربة «حسن منتو»

  جريدة الرؤية
24-05-2021
عماد أحمد العالم


شاهدتُ فيلماً عن قصة حياة الكاتب الباكستاني «سعادت حسن منتو»، الذي تسببت الاضطرابات العرقية والمذهبية بالهند بعد استقلالها عن بريطانيا، بتركه لها والاستقرار بباكستان.

خرجتُ بعد مشاهدة الفيلم مشوشاً بين ممتنٍّ وناقم، لأنني لم أخلق كاتباً مهموماً بضمير إنساني يبحر به عكس تيار المجتمع، وهذا الشعور منبعه كوني، إذْ أرى: من مهمة القاص والراوي أن يكون كذلك، بكل ما يتوافق مع ضميره وإحساسه تجاه مشاهداته ومرئياته للمجتمع، مهما خالف بذلك جمهور الأغلبية الغارقة بالواجب والممنوع والنهي والتحبيذ لما تراه مسلماتها، التي لا يمكن المساس بها، فالكاتب هو المرآة غير المزركشة والصادقة، التي تظهر واقع الحال بسلبياته وإيجابياته دون تجميل وتلطيف ومواربة، بل بكل أمانة مهما كان شديداً ومستفزاً للمتلقي.
«منتو» الذي هزمه التيار وأضنته هجرته من مومباي إلى لاهور بعد الأحداث التي أدت لهجرة المسلمين الهنود لباكستان، لم يتمكن من تجاوز عامه الثاني والأربعين، فقضى منهكاً مريضاً فقيراً ومعدماً بعد أن فقد حرية الكلمة في موطنه الجديد، المبني على تراث قبلي متشدد في نظرته لكل ما يسميه أدباً بذيئاً دافع عنه منتو في محاكمته، التي تسببت بها قصته «اللَّحْم البارد»، وسط استنكار شعبي لما كتبه.
كان دفاع منتو عنها يتلخص في أن البذاءة اللَّفظية دارجة جداً ومستخدمة في الحوارات اليومية، وعلى مسمع من الجميع، ومع ذلك لا يتعرض ناطقوها للمحاسبة، بخلاف الكاتب الذي إن تضمنها في كتاباته استُهجن فعله، ويتم معاقبته وإذلاله، لأنه فاحش القول «كما يصفونه»، رغم أن ما ورد بكلماته ليس إلا انعكاساً لحديث وقصص دارجة لا تلقى أيّ منع وردع!



المصدر: صحيفة الرؤية - الأدب.. وتجربة «حسن منتو» - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

أدعياء الفضيلة

  جريدة الرؤية
10-05-2021
عماد أحمد العالم


ما قصة الفضوليين متقمصي دور رعاة الفضيلة، المعروفين بتصوير الناس ونشر خصوصياتهم بدعوى النقد وكشف الخطأ، فرغم صحة البعض منها، إلا أن التساؤلات هي: ما مدى مشروعية التشهير وتنصيبهم أنفسهم كحماة للقيم في هذه الحالة؟ وما تبعات نشر المقاطع وضررها؟ وهل خطأ البعض يبرر فضحه؟ وهل أصبحت أمتنا بحق أمة المغالاة بالفضيلة أم أنّ الظاهرة لا تعدو سوى مظهر للتنمر الإلكتروني الذي أتاحته وسائل التواصل الاجتماعي والتقنية الحديثة، فمكنت الجميع من التقاط الحدث لحظة وقوعه ونشره عبر الإنترنت؟الملاحظ أنّ العديد من المقاطع يغلِّفها أصحابها برداء الوطنية والمصلحة العامة، لكنها غالباً تنحرف للشعبوية والتعصب والعنصرية، والمبرر دوماً من وراء نشرها هو النقد البناء، ولكن دون التوثق، مع تعمد زغزغة العواطف والمشاعر، وهو اللافت للانتباه في التعليقات التي تعقب انتشار المقاطع، وتحول النقاش حولها من تصحيح للخطأ ورفض للظاهرة والموقف إلى تصفية للحسابات.
بوسائل الإعلام التي تحترم الحقوق الفردية، عادةً ما يتم تغطية الوجوه كما في لقطات إلقاء القبض على أشخاص من قبل القوى الأمنية حتى لا تُعرف هويتهم، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، وبالتالي ليس من حق أيٍ كان التشهير به، ومن حقه حال خرقه التقدم بدعوى، لذلك يلجأ الجميع في دولة القانون لعدم الوقوع بهذا الخطأ بخلاف دول العالم الثالث، حيث يكفي أن يدعي ملتقط المقطع وناشره أن هدفه الإصلاح ونقد الظواهر الاجتماعية السلبية لتبرير فعلته، رغم تجاهله لحقوق الآخرين، والواقع أنه نصب من نفسه قاضياً وجلاداً في نفس الوقت، بمهمة ليست من شأنه، وإنما هي من صلاحيات الجهات المختصة.


المصدر: صحيفة الرؤية - أدعياء الفضيلة - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)



السبت، 1 مايو 2021

حين يفكر الدماغ.. وتنفذ الآلة

 جريدة الرؤية
27-04-2021
عماد أحمد العالم


التطور التكنولوجي الطبي مضطرد ومتسارع، فلا نلبث أن ننشغل بأحد ابتكاراته حتى تتداول وسائل الإعلام آخر لا يقل عنه إبهاراً وأهمية.
قبل أسابيع أعلنت "Neuralink"، وهي إحدى الشركات البحثية عن نجاح إحدى تجاربها بزراعة شريحة في دماغ قرد، الغرض منها قراءة أفكاره أثناء عرض لعبة أمامه، ومن ثم تحويلها لفعل دون أن يحرك القرد يديه، وبالفعل نجحت التجربة. ولنعرف كيف تم القيام بذلك ومدى أهميته بعلاج بعض الأمراض المستعصية مستقبلاً، علينا أن نفهم أن اللبنة الأساسية لجميع التجارب مبنية على تخطيط كهربائية الدماغ Electroencephalogram “EEG”، والذي من خلاله نستطيع أن نعرف ونحدد على وجه الدقة تفاعل الدماغ مع كل نشاط حركي وفكري وحسي يقوم به الإنسان.
كانت أولى تجارب تخطيط الدماغ بواسطة العالم الألماني هانز بيرجر في العام 1924، وكان الغرض الأساسي منها ولا يزال إلى يومنا هذا الكشف عن الصرع والتشنجات أو اعتلالات النوم، ومشاكله وتحديد بؤرتهما الدماغية، وابتداء من سبعينات القرن المنصرم، بدأ البحث فيما يُعرف الآن بالواجهة البينية بين الدماغ والآلة أو الحاسوب  Brain computer interface “BCI”، وهو علم لا يستخدم في الممارسات الإكلينيكية الطبية وإنما يقوم على فهم إشارات الدماغ الناتجة عن أداء وظائف بعينها، ومن ثم تسييرها لأوامر يتم تنفيذها بواسطة أجهزة خارجية كالروبرت مثلاً، وذلك لاستخدامها مستقبلاً لمساعدة المرضى المصابين بعوارض عصبية عضلية مزمنة كجلطات الدماغ والشلل والتصلب اللويحي وغيرها، وللإسهام بعلاجهم وإعادة تأهيلهم، وذلك بفهم ما يدور بعقلك عبر تحليل إشارات الدماغ أثناء التفكير بها، ومن ثم الطلب من أجهزة مساعدة القيام بها نيابة عنك.


المصدر: صحيفة الرؤية - حين يفكر الدماغ.. وتنفذ الآلة - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

العرف بين التقنين والإلغاء

 جريدة الرؤية
12-04-2021
عماد أحمد العالم


في المجتمعات التي تولي مكانة للتقاليد المجتمعية والقبلية وتمنحها وضعاً نافذاً، يتم العمل بقوانين خاصة غير مقننة يطلق عليها القانون العشائري إلى جانب القانون المدني الذي تعمل به الدولة، وهو ما أوجد ازدواجية في نظام العدالة، ويمكن الركون إليه في القضايا التي تمس المجتمع بقبائله وعشائره وكافة أطيافه، مع سماح مؤسسات الدولة بذلك من باب تجنب الاصطدام مع مكون مؤثرٍ بها أو من قبيل الرغبة في تخفيف الحمل عنها.
بكلا الحالتين، بات من الجدلي الاستمرار بنظامين أحدهما رسمي وآخر عرفي مستمد من العادات والتقاليد، التي لا يُمنع أن تكون من مصادر التشريع، ولكن دون أن تكون جهة يُحتكم إليها عوضاً عن النظام العدلي والقضائي الرسمي.
نظريّاً، هناك خيط يتسع للفرق بين العرف والعادات والتقاليد والقانون، وهو ما جعل العلاقة بينهما متشابكة وخصوصاً بالدول العربية، واعتبر خرق العرف خرقاً للقانون وإن لم يكن مشرعاً من خلاله، ولكن بالدول الغربية هناك قانون لا علاقة للعرف به ولا يعتد به بالتشريع، ولذلك يحاسب مخالفه وفق نص القانون.
لنضرب مثالاً بسيطاً للتوضيح.. في أغلب الدول العربية ينص القانون على الاحتشام فيما يُعرف اصطلاحاً بعدم خدش الحياء العام، ولكن دون تحديده بالضبط وعلى أي شاكلة عدا عن الخطوط العريضة الموضحة، فيما مفهوم العرف للاحتشام متغير حسب البلد، فهناك من كان يعد كشف الوجه وشعر المرأة وإظهار الزينة مجَرّماً، فيما هو شأن خاص وحرية شخصية لا تعريف مقيداً لها بدول أخرى، وكذلك يمكن القياس على تغطية الجسم، فما بين التقييد بارتداء العباءة ولبس الجينز وغيرها.


المصدر: صحيفة الرؤية - العرف بين التقنين والإلغاء - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

نعيش نعيش ويحيا الوطن

 جريدة الرؤية
29-03-2021
عماد أحمد العالم


التشدق بالوطنية والمبالغة فيها في كل أمر وحول كل شأن ورداً على أي جواب ليس بالوطنية، وإنما شوفينية تقود للنازية كما فعل هتلر من قبل، وللفاشية كما قاد موسوليني، وكما وصفها الكاتب الانجليزي صمويل جونسون «بالملاذ الأخير للأنذال أو الخونة».
الوطني الحقيقي والصادق بوطنيته هو من يخدم وطنه ويعمل صامتاً من أجله، وإن تحدث به اكتفى بالرمزية المعتدلة ولم يبالغ، محدثاً نفسه قبل غيره، غير مملٍ على الآخرين سبل حبهم لأوطانهم، ولا فارضاً عليهم نهجاً ليسيروا عليه وخلفه.
يحكى أن رجلاً يدعى قيطون كان يعمل كحارس خزينة في الدولة العباسية، فإذا سرق من خزينة الدولة شيئاً، مشى في الأسواق وهو يتظاهر بالتسبيح والورع، ومن هنا وكما يقال بات من المعروف القول: «إذا سبح القيطون فقد همّ بسرقة، فلا تأمن القيطون حين يسبح»، ليتحور لاحقاً اسم قيطون ليطلق على الثعلب لكونه يسرق الدجاج والطيور.
عادة ما يردد أحدهم «نموت نموت ويحيا الوطن»، فما يقوم به ويفعله يسهم في تدمير الوطن وتأخره، ليس فقط في مناوأته واعتراضه أيا كانت أسبابه وذرائعه، وإنما في عدم إخلاصه في عمله، وتحايله على القوانين في سبيل مكاسب شخصيّة، والتغاضي عن الأخذ بزمام المبادرة في سبيل الإصلاح، مع الاستمرار في سلوك «لماذا ينبغي علي أن أبدأ بالتغيير؟»، علماً أن الشعار بذاته خطأ، فالوطن على قدسيته وعظمة مكانته ليس بأغلى من أرواح مواطنيه، والعكس صحيح، فبكليهما مجتمعين، يعيش الوطن والمواطن بما عليهما من حقوق وواجبات.


المصدر: صحيفة الرؤية - نعيش نعيش ويحيا الوطن - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

التحرش.. وغياب الردع

 جريدة الرؤية
15-03-2021
عماد أحمد العالم


ما تكشفه الكاميرات هو ما بات يثير موجة الغضب الشعبي عقب كل حادثة تحرش، أما ما يجري في الخفاء فهو المجهول المسكوت عنه، والذي يجب محاربته بدولنا العربية، التي تغيب عن أغلبها القوانين الواضحة الرادعة، لمعضلة باتت تشكل خطراً يستهدف النساء والأطفال، وسط تكاسل وتجاهل الجهات الرسمية عن التدخل بشكل فعال.
المشكلة ليست بشخص المتحرش لواقعة بذاتها، ويجب ألا تكون كذلك حتى لا تتحول لقضية فردية، وإنما هي تعميم ثقافة ذكورية، لا نقصد بأن نلقي اللائمة بها على جميع الرجال بالمشاركة بها، بل المقصود تحديداً التغاضي عنها والتسامح مع مقترفيها، وعدم التحرك لمواجهتهم، وتشمل كتعريف لها الاغتصاب والتحرش الجسدي، دون أن ننسى بالطبع التحرش اللفظي، الذي قد يكون بدوره الأعم والأكثر انتشاراً، فيما ضرره النفسي على من تتعرض له مدمر، ومآلاته ذات وقع سيئ تفقد بسببه الأنثى والطفل حس الأمان والثقة بالمجتمع.
التحرش ليس بمعضلة صعبة الحل دون الاستهانة بها بالطبع، ولا يمكن القضاء عليها تماماً، ولكن يمكن الحد منها وتحجيمها لأضيق الحدود في حال تطبيق قوانين رادعة، كإدراج المتحرشين بقوائم يتم تعميمها، يسهل من خلالها تعقبهم ومعرفة أماكن سكنهم، للحد من تواجدهم في المواقع الأكثر عرضة لممارسة نشاطهم اللاأخلاقي، وأخذ الحيطة والحذر منهم، كما ينبغي تقنين تغليظ العقوبات بحقهم، مع التشهير حتى يرتدع الآخرون، علماً بأن هذه الحلول معمول بها في الولايات المتحدة وأغلب الدول الغريبة، لدرجة أن من يتم إدراجه في القائمة يمنع من ممارسة أي عمل قد يشكل فيه خطراً على الأطفال على وجه التحديد.


المصدر: صحيفة الرؤية - التحرش.. وغياب الردع - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

سحر المتاحف

 جريدة الرؤية
29-02-2021
عماد أحمد العالم


المتاحف عوالم تحمل بداخلها أرواح فنانيها وهيامهم، وجنون إبداعهم ورؤيتهم لما لا نرى، الظاهر لهم بمداركهم الحرة العامرة بأفكار ورؤى تتملك خيالهم، فيسارعون لرسمها بلوحاتهم، في لحظات تنسكهم وانعتاقهم من الوجود للاوجود، وبصرعات فراشيهم، وامتزاج ألوانهم المستوحاة من خيالهم المتجرد من القيود.
بالدول التي يمثل لها الماضي بمآسيه وأيامه المتنوعة بين الأبيض والأسود، حيث التاريخ والحضارة وبداية النهضة الفنية؛ تنتشر المتاحف وتشكل قبلة لكل زائر، غريباً كان قد بهرته الأنوار بها، ويطمح لقضاء أيام ممتعة تبقى للأبد في الذاكرة، أو مقيماً بها يسارع كلما جره الحنين لزيارتها، لتطهير الروح مما علق بها من رتم الحياة السريع، وانشغالها الدائم في دنيا باتت لا ترحمنا، وتقضي على التوق المتبقي بداخلنا إلى الجمال والطبيعة والنقاء والصفاء.
إن أراد أي منا أن يعي إن كان قد وقع يوماً في سحر المتاحف، فليبحث في ذاكرته عن لوحة سبق أن وقف أمامها يوماً في إحدى زياراته، فإن كانت الذكرى حاضرة دون عناء البحث، مع ابتسامة غفلة تذكرنا بتلك الفاتنة، التي وقفت يوماً أمام لوحة في ركن مظلم منسي من مبنى أثري معروض للبيع، سعت لشرائه لا لقيمته الزمانية، وإنما لأنها خشيت على تلك اللوحة أن تتحرك من مكانها الذي ألقى تعويذته عليها، فمضت الساعات وهي تقف أمامها وكأنها فجأة باتت تمتلك كل الوقت في العالم فقط لتبقي ناظريها عليها، دون يقين المرة المقبلة حين تمتلكها ضمن مقتنياتها!
طوبى للمتاحف وطوبى للفن ومن أحياه، فهي التي تصنع ذائقة الشعوب وتلهم خيال مثقفيها وعامتهم ومتذوقي الجمال.


المصدر: صحيفة الرؤية - سحر المتاحف - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)


النخب والجمهور.. لمن زمام القيادة؟

جريدة الرؤية
15-02-2021
عماد أحمد العالم 


أدركت بعض النخب أهمية وسائل التواصل الاجتماعي كإعلام جديد، فاعتلت منابره وشاركت فيه بفاعليّة، لتستقطب كثيراً من المتابعين غير التقليديين، ومن فئات عمرية قلما تابعت بجدية أو اهتمت بمنتوجات أفكارهم سابقاً. هذا ما أسهم بنشر الوعي والانفتاح على الفكرة ولكن بأسلوب مختصر وسريع عبر تغريدات ومنشورات تتم المساهمة بها، ويمكن مراجعتها والاطلاع عليها بكل وقت، والتفاعل معها سلباً أو إيجاباً، مع طرح مختلف وجهات النظر بشأنها، لتسهم بتشكيل ظاهرة حديثة لم يعرفها الوسط الشعبي من قبل. لكن الصورة الأعم مع ذلك لا تبدو وردية كظاهرها، فلا يزال العديد من النخب ذوي المكانة المرموقة غائبين عن المشهد، فهم محبطون وخائفون ومتوجسون، فالظهور العلني قد يعني انسياقهم لثقافة القطيع، ومواءمة مواقفهم مع ما يريده الجمهور ومن يتحكم بتوجهاته، كما أنها مترددة بالإقدام على خطوة ستكون ربما وسيلة لإقصائها أو تغييرها لمبادئها، أو خائفة من تجاهلها ومواجهتها بما لا تستطيع الرد عليه وإنكاره إن خالفت التيار العام السائد، الذي باتت السوشيال ميديا أسيرة له في مواضيع ومواقف مختلفة. إن مشكلة زمام قيادة الجمهور بدل النخبة التي باتت تتبعه، والتي تحرص على أن تكون مواقفها وآراؤها متوافقة مع ما يطلبه، هي المعضلة، فبعض جماهير وسائل التواصل ليس حرَّ الإرادة ومستقل الفكر، وانجراف النخب خلف ما تريده سيؤدي لأن تسود أدلجة المواقف، في حين تغيب الحيادية والرأي المستقل عن المشهد، في تناقض مع ماضٍ قريب كانت للصفوة فيه القيادة، والتأثير الأقوى مهما اختلف معها وما تطرحه، إلا أنها كانت تحظى بتمايزها الشعبي وخصوصيتها، ورؤاها المستقلة للأحداث والمواقف.


المصدر: صحيفة الرؤية - النخب والجمهور.. لمن زمام القيادة؟ - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

براءات الاختراع.. الحقيقة والوهم

 جريدة الرؤية
01-02-2021
عماد أحمد العالم


ليست كل براءة اختراع يتم تسجيلها والإعلان عنها دلالة على اختراع سيغير كل المفاهيم، ويحدث ثورة علمية وصناعية وطبية كما نقرأ على الدوام بوسائل التواصل الاجتماعي والتقارير الصحفية والإعلامية، التي تضخم الحدث وكأنه سبق ما بعده ولن يكون كما قبله، وخصوصاً إن كان أصحابها من دولهم ومواطنيهم.
هي فقط شهادة يتم إصدارها وتسجيلها باسم مالكها لوصوله للفكرة، التي وبعد التحقق منها تشير إلى كونها فريدة، ولم يتم التوصل إليها من قبل. فحسب إحصائية صادرة عن المنظمة العالمية للملكيّة الفكرية، وهي إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة تُصدر كل عام تقريراً سنويّاً مفصَّلاً عن إجمالي عدد براءات الاختراع المسجلة حول العالم، وبكل المجالات والدول الحاصلة بها، بالإضافة إلى معلومات أخرى ذات صلة، فقد تم منح 3 ملايين و200 ألف براءة اختراع حول العالم في عام 2019، وكان النصيب الأعلى منها للصين والولايات المتحدة واليابان. من جهة أخرى، الغالبية العظمى منها ـ وربما باعتقادي ما يزيد على 95% - يطويها النسيان، فيما العملي والقابل للتطبيق هو ما يتم الاستفادة منه وتبنّيه من الدول أو الهيئات الأكاديمية والصناعية وغيرها من الجهات المتخصصة.
تناول الإعلام والمجتمع العربي السطحي لبراءات الاختراع وتضخيمه لها، واحتفاله المبالغ بمواطنيه ممن ينسب بعضها له ظاهرة حقيقية تستحق الدراسة، ليس من باب «التحبيط» والانتقاص من جهود الآخرين وإنجازاتهم، وإنما من منطلق الواقعية وكيلا تقع مجتمعاتنا العربية في وهم إنجازات لا تعدو أن تكون حبراً على ورق، في أغلبه مجرد دراسات وأبحاث تنتهي عند نقطة معينة، ولا تتجاوزها للإنتاج، أو اختراعات غير ذات فائدة.


المصدر: صحيفة الرؤية - براءات الاختراع.. الحقيقة والوهم - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

من الصواب أن نتغير

 جريدة الرؤية
18-01-2021
عماد أحمد العالم


هل من الصواب أن تكون المواقف التي نتَّخِذها في حياتنا بشتى المواضيع ثابتة لا تتغير طالما كنا مقتنعين بصوابها، أم أن ذلك رهن بصواب المتغيرات التي تطرأ عليها، وقد لا نلتفت لها مبررين تمسكنا برأينا بأنه لا يزال الأصح، ولذلك فإن أي انتكاسة عنها قد تُفسر بالتناقض الذي نخشى أن نوصم به؟
قد يكون مرد ذلك خوفنا من أن تتم مراجعة مواقفنا السابقة لشأن بعينه إن اختلف عما درجت عليه معرفتنا عنه، ولذلك نصاب بالذعر من أن تتم مواجهتنا واتهامنا بالتقلب، مع أن الأولى حينها إيضاح موقفنا بكونه تغير على ما استجد، ولا عيب في ذلك طالما كان مقروناً بما يدلل عليه، فالحياة مدرسة لمن أراد أن يتعلم، وبكل يوم نحياه فيها نحن عرضة لخبرات جديدة، تمنحنا الفرصة لكي نكون أكثر حكمة وفهماً لها.
والانتقال للأفضل سلوك للإنسان الواعي المتقبل لكل جديد، والساعي دوماً للعلم والمعرفة، فتغيير الرأي الخاطئ حين تحضر الفرصة أفضل من الإصرار عليه أياً كان المبرر، حيث لا مسلمات لا يمكن الانتكاس عنها، وتبني المخالف لها طالما وردت معطيات أكثر صحة بشأنها، فمرونة التغيير دون تشبث بموقف محدد قد يتضح خطأنا بشأنه أفضل من الإصرار على الباطل.
أقتبس هنا بعض الأقوال بشأن التغيير، راقت لي، منها: لا تستطيع وضع رجلك بماء النهر ذاته مرتين، فإن الماء يتغير كما أنت تتغير، كما أن النهر بتحوّل دائم، ومياهه جارية، واعتقادك بأنه النهر ذاته وهم لا علاقة له بالحقيقة، فالحقيقة أن النهر الذي تخوضه الآن لن يكون هو ذاته بعد قليل. 


المصدر: صحيفة الرؤية - من الصواب أن نتغير - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

السبت، 16 يناير 2021

بعد حقبة ترامب.. هل تُبرأ الجراح بأميركا؟

موقع ميدل إيست أونلاين meo
15-01-2021
عماد أحمد العالم


بسبب اقتحام الكونغرس الأميركي الذي نتج عنه مقتل خمسة أميركيين، إلى جانب السرقة والعبث بمحتوياته وإهانة كينونته، ستنتقم الولايات المتحدة ودستورها وقضاؤها وهيئاتها التشريعية والتنفيذية وإعلامها بزخمٍ شعبي من رئيسها المنتهية ولايته دونالد ترامب، وستجعل منه عبرة لكل من يحاول أن يقوض ديموقراطيتها التي تتغنى بأنها أم الديموقراطيات بالعالم المعاصر، وحامية قيمه وناشرتها كما تدعي وتتصرف على الدوام. فما فعله ترامب ومناصريه الجمهوريين وغالبيتهم من العرق الأبيض واليمين المتطرف لن يغفر، وسيقضي الفترة المتبقية بحياته لا حكمه فقط بمحاكمات وقضايا وحملات تشويه وإساءات، ستطاله وأسرته وأقرب معاونيه والمتمسكين بمناصرته حتى ربما يسجن أو ينفى أو يعزل ويدان.
صحيح أن الديموقراطية الأميركية كنموذج هي الأعظم بين جميع الأنظمة المعاصرة، كما هو دستورها الأكثر عدلاً وحقوقية، والضامن الأوحد لحرية العبادة والممارسة والكلمة والتعبير، إلا أنهما سيظهران وبلا شك ردات فعل متوحشة غير مسبوقة، وانتقامية مبنية على الاتهامات المتزايدة لتحريض ترامب مناصريه الغاضبين المشحونين بنظرية المؤامرة التي تعرض لها، وروج فيها لسرقة الانتخابات، وتزوير الأصوات، وسلب الفوز منه، لاقتحام الكونغرس المأساوي لاحقاً الذي كسر الهيبة الأميركية وشوه صورتها في العالم، وجعلها مادة للسخرية من مثيلاتها الديموقراطية والشمولية الديكتاتورية على حدٍ سواء. هذا الحدث السابقة في التاريخ الأميركي سيكون سبباً لأن يطاله ومن معه جميع أشكال التنكيل والتعنيف والتجريم، وما حظر حساباته بجميع وسائل التواصل الاجتماعي ومن يتضامن معه إلا مقدمة البداية للقادم، الذي لم يكن يتصور يوماً أن يكون مآله إليه، وهو الذي يتمتع بشخصية نرجسية لم تتعود الخسارة والتحجيم والتقييد على حديثه وظهوره الإعلامي.
‏بأميركا ووفقا للدستور، من حقك أن تلعن وتشتم وتتظاهر وترفع ما شئت من الأعلام والشعارات، وتحمل السلاح دون ان يتعرض لك أحد، وحتى لك أن تتبنى أكثر النظريات غرابة وتطرفًا كأتباع جماعة كيو أنون ‏QAnon، التي تحظى بشعبية بين العديد من مؤيدي ترامب وبعض الجمهوريين من حزبه، ويؤمن أتباعها بكونه نبي مرسل يخوض حرباً سريةً ضد عبدة الشيطان المسيطرين على الحكومة والاقتصاد والإعلام، ويعمل بشكل سري مع بعض العلماء لإيجاد علاج للسرطان. لكن حين تحدث إصابات بشرية وتخريب واقتحام لمقرات حكومية أو خاصة، فجميع الحقوق السابقة ملغية ولا وجود لها على أرض الواقع، أما التصرف تجاهها فمباشرةً بالقوة حتى لو كانت دموية، وشرسة عنيفة بدون أي محاذير وعواقب لفاعلها، ليلحق بها بعد ذلك تبعات الفعل القضائية العقابية التي لن تستثني أحداً مهما كانت منزلته ومكانته ونفوذه.
‏أربع سنوات صعبة سكتت فيها أميركا الدستور والديموقراطية عن رئيسها الذي كسر كل المحظورات والأعراف الدبلوماسية بالحكم والتعامل، وبتواطؤ من الحزب الجمهوري المستفيد من جماهيريته وقاعدته الشعبية، كما من الحزب الديموقراطي المُدرك لمآلات تصرفاته وفائدتها المرجوة على نفوذه مستقبلاً، وهو ما تحقق له بحصده نصاب الأغلبية بمجلسي الكونغرس وفوزه بالرئاسة. تغاضى المتربصون به عن أخطائه المنافية للقيم الأميركية انتظاراً للحظة المناسبة ليُجعل منه درسا لن يُنسى، وهو الذي منحها لهم بمحاولته تعطيل مهام الكابيتول أو الكونغرس، أعلى سلطة تنفيذية، صاحبة القبة في واشنطن الأعلى ارتفاعاً مقارنة بجميع مبانيها، في دلالةٍ رمزية على مكانته، التي لم تدنس إلا مرة واحدة في تاريخه حين أحرقه البريطانيون سنة 1814 نتيجة حرب انتقامية لمدينة يورك، بكندا حالياً، التي أحرقها الأميركيون قبلها بعام.
لن يكون يوم اقتحام الكابيتول 6 يناير 2021 كسابقه، فالمقر الرئيسي للسلطة التشريعية الاتحادية بالولايات المتحدة واجه العنف والفوضى لتعطيل تصويت أعضائه على أصوات المجمع الانتخابي لاعتماد فوز الرئيس المنتخب جوزيف بايدن، وهو ما تم بنهاية اليوم رغم ذلك، لكن ما أعقبه كان وما زال سعيا جدياً لعدة سيناريوهات لمعاقبة ترامب المتهم بالتحريض على الواقعة. فحتى اللحظة تتزايد الضغوط بوتيرة متصاعدة إعلامياً ومجتمعيا وسياسياً عليه والجمهوريين، بتشابهٍ مماثل لفضيحة نيكسون وحزبه عقب ما عُرف بووترغيت.
السيناريوهات المطروحة حاليا، منها عزله من منصبه وتولي نائبه مايك بينس مقاليد الرئاسة للفترة المتبقية من حكمه وفقاً للتعديل الخامس والعشرين من الدستور الأميركي، الذي ينص على القيام بذلك في حال تعذر الرئيس عن القيام بمهام الحكم، وهو الذي يستدعي طلب نصف وزرائه خطياً من نائبه بينس ‏إعفاءه، ليقوم بتوجيه طلب الإعفاء متضمناً الأسباب للجنة القضاء بمجلس النواب، ولجنة القواعد بمجلس الشيوخ، ليبدأ الكونغرس إجراءات البت فيها خلال يومين. من غير المتوقع نجاح هذا الإجراء، نظرا لصعوبة تحقيق النصاب الكافي لإقراره على مستوى الكونغرس وأعضاء الحقيبة الوزارية، وكذلك رفض مايك بينس له، خصوصًا إن كانت لديه تطلعات لخوض غمار الترشح لانتخابات الرئاسة في العام 2024.
السيناريو الآخر هو ‏عزله، وهو ما تم إقراره بمشروع قرار وافق عليه مجلس النواب بالأغلبية، ليتم رفعه لاحقا لمجلس الشيوخ لدراسته والتصويت عليه بالموافقة إن حصل على الأغلبية اللازمة لإجراء محاكمة له، يرأسها رئيس المحكمة العليا الأميركية، فيما آلية القيام بذلك تسترعي استدعاء كل من تثبتت الأدلة تورطهم، بمن فيهم الرئيس دونالد ترامب، إيذانا ببدء المحاكمة المنتهية بجلسات مغلقة من المداولات، ومن ثم يتم التصويت النهائي على قرار إدانة الرئيس. جميع الإجراءات السابقة تتطلب وقتاً للوصول لقرار بالأغلبية في حال نجاح خطواتها، وتضامن لأعضاء من الحزب الجمهوري مع الديموقراطيين لتوفير الأصوات الكافية، وبالتالي من المؤكد أن المحاكمة ستستمر لما بعد تنصيب جوزيف بايدن رئيسا، ليكون الغرض حينها تجريمه سياسياً، والقضاء على حقوقيه الدستورية بالمشاركة السياسية مستقبلاً بعد أن بات لا يتمتع بالحصانة الرئاسية.
السيناريو الثالث المحتمل فقط في حال التوصل لتسوية بين الحزبين الديموقراطي والجمهوري، هو أن يستقيل الرئيس، ويتولى نائبه الحكم، ومن ثم يقوم بمنحه عفوا فيدرالياً مشابهاً لما قام به فورد مع نيكسون عقب فضيحة ووترغيت.
مقارنةً بالسيناريوهات السابقة، يبقى أحد أكثرها تحققا، والمتوقع حصوله مباشرة بعد انتهاء حصانة الرئيس نتيجة انتهاء ولايته في العشرين من يناير، تعرضه للمحاكمة في عدة ولايات أميركية لجرائم لا يغطيها العفو الرئاسي إن حتى مُنح له لكونها غير فدرالية، ومنها قضايا لتجاوزات قام بها قبل توليه الرئاسة ولا يشملها العفو، كالتهرب الضريبي، وغسيل الأموال، وتجاوزات جنائية، كما أخرى من المحتمل أن ترفعها جهات كشركة دومينيون مثلا تضررت جراء اتهاماته لها بدون أدلة بمشاركتها بتزوير الانتخابات، كما أي شخص تعرض للضرر من واقعة اقتحام الكونغرس الأميركي، علما أن خمسة أشخاص فيهم من قوى الأمن لقوا حتفهم جراءه.
أخيراً، لن يكون دونالد ترامب الخاسر الوحيد والمعرض فقط للمساءلة والمحاكمة، بل غالباً ما سيلحق به أفراد من عائلته وأعضاء من حزبه ومؤيديه إن ثبت ضلوعهم، أما الخاسر الأكبر سياسياً إلى جانبه فهو حزبه الجمهوري وأفراد من مشرعيه، فهو بحاجة لوقفة لإعادة هيكلة برنامجه، وتحديث سياساته ليكون قادرا على استدراك مخاسره في الانتخابات الرئاسية والتشريعية بما فيها الولايات المحسوبة عليه تاريخيا وصوتت للديموقراطيين، كما سيتحتم عليه أن يستوعب حجم التغيير الديموغرافي في الخريطة السياسية الأميركية، ويكون أكثر انفتاحا على الأقليات والتيارات السياسية المُستجدة.
‏ستنتهي حقبة ترامب الأكثر ظلمة في التاريخ الرئاسي الأميركي، لكن الأكيد أن العديد من قرارته وأفعاله لن تنهي عدالة قضايا تعرضت للظلم في عهده، ومنها القدس كعاصمة لفلسطين في ظل حل الدولتين المتفق عليها أمميا، وستبقى الجولان كذلك سورية، والمستوطنات مواقع غير شرعية محتلة بمنتجاتها، والصحراء الغربية بانتظار الحل العادل دون قرارات فردية مصلحية، فيما سيسقط جدار العار على حدود المكسيك، وتلغى العديد من القرارات الأخرى المتعلقة بالهجرة والأديان والاتفاقيات الدولية.


المصدر : موقع ميدل إيست أونلاين meo - بعد حقبة ترامب.. هل تُبرأ الجراح بأميركا؟ | عماد أحمد العالم | MEO (middle-east-online.com)

الخميس، 14 يناير 2021

الصحفي الفرد.. والإعلام التقليدي

 جريدة الرؤية
04-01-2021
عماد أحمد العالم


الإعلام متعدد الأوجه، رغم أن ظاهره قائم على التوعية والمصداقية والنزاهة والشفافية، إلا أن واقعه، منذ انطلاقة قنواته التلفزيونية وإذاعاته وصحفه، يثبت أنه لم يكن كذلك، ولن يكون في الحاضر ولا المستقبل القريب والبعيد، وإن كان الاستثناء لذلك بالديمقراطيات الأكثر شفافية وحرية ونزاهة، ومع ذلك وحتى بها إلى حد ما، قد يكون صاحب هوى بشؤون ومواضيع بعينها، لكنه بالطبع بها يمثل روح الهدف منه، دونما مقارنة مع إعلام النظم الاستبدادية والشمولية التي ترزح تحت وطأة الاستبداد الديني والاجتماعي والسياسي.
في العالم العربي على وجه التحديد، يميل الإعلام لكونه خبرياً ناقلاً للحدث أكثر من كونه إعلام رأي وحقيقة وتصور مستقلاً، مع افتقاره إلى الموارد الإخبارية، والحرية المطلقة والاستقلالية المادية التي تمنحه الإمكانات اللازمة ليكون مواكباً للخبر وقت حصوله، ومحلِّلاً له بحيادية دون أجندة مسبقة مفروضة عليه، أو مخاوف لإغضاب طرف على حساب آخر أو تجاوز للخطوط الحمراء التي عليه ألا يتخطاها، وهو ما تسبب بحالة من انحسار التأثير على الجماهير المتابعة له، لتستبدله بإعلام الفرد أو الصحفي الفرد، الذي اتّخذ من وسائل التواصل الاجتماعي منصة لتواصله مع متابعيه وإمدادهم بالخبر حال حصوله، مع نبذة مختصرة لحيثياته، يتبعها بتحليل له دون الحاجة لإدارة التحرير للموافقة عليه وإعادة صياغته بما يتناسب مع سياسة المؤسسة الإعلامية التي يتبع لها.
وفي الانتخابات الأمريكية الأخيرة، برزت ظاهرة الفرد الصحفي، وانتشرت حسابات لأشخاص لا ينتمون لمؤسسة الصحافة التقليدية غطوا العملية الانتخابية ساعة بساعة بحرفية ومهنية، ليجتذبوا عدداً كبيراً من المُتابعين.


المصدر: صحيفة الرؤية - الصحفي الفرد.. والإعلام التقليدي - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

الفلسفة أولاً

 جريدة الرؤية
21-12-2020
عماد أحمد العالم


علينا أن نعيد صياغة مفاهيمنا للتعليم والثقافة والفكر من حالة الجمود والكسل الذي يعتريها، لنبدأ أولاً بالفلسفة ثم الفلسفة، فهي أم العلوم وصانعة الحضارات، ومحفزة العقول على كسر حاجز الجمود، الذي يعتري كل من يعتمد على التلقين والتكرار والأخذ بمسلمات، دون طرح الأسئلة والشك والتساؤل حولها، للتيقن من صحتها ومصداقيتها ومدى مواءمتها لواقع حياتنا ومساراتها المتعددة.
وأيضاً دون ضوابط عرفية من باب جرت العادة ألا يتطرق لها أحد، أو العقاب لمن يقترفها ويكسر المحظور الفكري، الذي سن ّقوانينه من يتحكم بعقلية القطيع الجمعية، التي عطلت الفردية، وضيقت الخناق عليها لتضمن التبعية دون معارضة، فبات وجود الفرد القارئ والمفكر فيها مقموعاً محجوراً عليه، مقابل الجمهور المصاب بالجمود والانغلاق.
البداية تكون، وكما يجب، عبر الفلسفة المنشطة والداعمة للعقل مُجدَّداً ليطَّلع ويقرأ ويفكر ويشكك، أي ببساطة «ليتفلسف»، ولا أقول هنا أن يكون سفسطائياً، وإنما ببساطة متسائلاً، سواء أكان دارساً لأحد المراحل التعليمية التي يجب أن يكون من أولويات القائمين عليها تحفيز العقول، أو محللاً وعالماً لشؤون معينة بأي مجال، وحتى الإنسان العادي، ليصلوا بمسعاهم جميعاً للارتقاء الإنساني، وبعد ذلك إلى المرحلة الأهم، وهي البحث في الأسباب، التي بدأ منها ومن خلالها سبر المجهول وأعظم الاكتشافات الكونية.
من خلال الفلسفة سنت القوانين والدساتير، وعبرها قامت مراكز الأبحاث والدراسات، وبعدها تطورت العلوم التجريبية، بل إنني لا أبالغ إن قلت إن بها يتكرس الإيمان، كما أن الخوف منها ظنّاً بتأثيرها على سلامة المعتقد ظلمٌ لها، فالإسلام كمثال دعا معتنقه لأن يكون كيّساً فطناً، حاثاً للتفكر بملكوت السماوات والأرض.


المصدر: صحيفة الرؤية - الفلسفة أولاً - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...