السبت، 16 أغسطس 2014

حقوق الضعفاء ما بين التاريخ والحاضر

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 16-08-2014



لم يعُرف لاضطهاد الأقليات وهضم حقوق الضعفاء والعنصرية تاريخ نشأةٍ ولا ازدهار، فهي من القدم أن واكبت الخلق وازدهرت في كل زمانٍ ومكانٍ وجدت فيه، وإن تعالت أصوات مطالبة برفضها إلا أنها كانت ومازالت جزءاً من نمط الحياة التي تعيشها أمم وخلائق مختلفة العرق والدين واللون. حرّمتها بعض الأديان ونهت عنها وحذرت منها، فيما أكدتها أفكار أخرى ودعت لها باسم الدين واعتبرت أتباعها جزءاً من العقيدة، فتشدق بها الكثير.
لم تعرف تلك الأمور بعرقٍ بذاته ووصفها يحتمل العديد من التأويلات وتدخل فيه الكثير من المسميات والتصرفات. العامل المشترك فيها جميعاً أنها نمت ووجدت لدى كثير من المجتمعات والشعوب والطوائف والقبائل. إن ذهبنا شمالاً وجدنا أوروبا والأمريكتين وبالذات الشمالية منها قد استعبدت سكان البلاد الأصليين وطهرتهم عرقياً عبر إبادةٍ ممنهجة ومقننة. فبعد أن كانت أعدادهم تتجاوز عشرة ملايين نسمة في القرن الخامس عشر الميلادي، أصبحت في منتصف القرن التاسع عشر لا تتجاوز ثلاثمئة ألف نسمة حسب إحصائية رسمية صادرة عن الأمم المتحدة.
أوروبا من قبلهم أطرت العنصرية بمرسومين باباويين في القرن الخامس عشر الميلادي، أولهما المرسوم الكنسي المعروف بـ Romanus Pontifex الذي أصدره البابا نيكولاس الخامس إلى الملك ألفونسو الخامس ملك البرتغال عام 1452 والذي أعلن فيه الحرب على كل من هو غير مسيحي في أنحاء العالم وأجاز وشجع على استغلال الدول غير المسيحية واستباحة أراضيها وشعوبها واستعمارها ونهب ثرواتها. أما المرسوم البابوي الثاني والمسمى Inter Caetera الذي أصدره البابا أليكساندر السادس في العام 1493 لملك إسبانيا وملكتها، فهو الذي أنشأ السلطان المسيحي على العالم الجديد عبر دعوته إلى إخضاع السكان الأصليين وأراضيهم، وتقسيم الأراضي المكتشفة في وقته والتي لم تكتشف بعد إلى قسمين مشاطرة بين إسبانيا والبرتغال.
إذاً مدنية القارة العجوز في الحاضر قد قامت بشهادة التاريخ على دماء الشعوب وثرواتهم واستعمارهم واستعبادهم عبر إجازة الكنيسة لذلك بل والتشجيع عليه. وهو ما مهد فيما بعد للقوانين الوضعية ذات الصبغة الدولية القانونية، والتي أجازت لأوروبا استغلال آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا واستعمارها وتقاسمها عقب الحرب العالمية الأولى والثانية.
واقع الحال لم يختلف كثيراً في أمريكا الشمالية سواء من الولايات المتحدة أو كندا التي تعد واحة للحريات وحقوق الإنسان. لكنها في الماضي قننت العنصرية. وأوجدت قوانين أتاحت للسلطات إرسال أبناء السكان الأصليين إلى مدارس داخلية لا يحق لهم فيها الاتصال بذويهم. ويعمل من فيها على غسل أدمغة الجيل الناشئ منهم ومسح لغتهم وعاداتهم وكل ما يختلف مع قيم المستعمر الجديد. في الولايات المتحدة مثلاً، تعتبر العنصرية والتطهير العرقي والتفرقة والاستعباد جزءاً لا ينسى من تاريخها حتى لو بالغ قانونيوها وصناع قرارها في إرضاء الأقليات عبر سن القوانين التي تحفظ حقوقهم وتعاقب كل من يتهم بالتفرقة العرقية والإثنية.
لقد بلغت المبالغة لديهم حداً مزعجاً ولكن ذلك محاولة منهم لطي صفحة ماضٍ عنصري بغيض أحل لهم كل المنكرات وتمادى في الطغيان والتفرقة على أساس لون البشرة لدرجة أن الملونين لم يكن لهم الحق بالأكل في مطاعم البيض ولا الجلوس على نفس موائدهم ولا استخدام وسائل النقل ولا التعليم. حتى الكنائس كانت جزءاً من عزلهم. فلم يكن للأفارقة السود المستعبدين الحق في التعبد في دور العبادة نفسها.
لأهل الشرق والعرب والمسلمين أيضاً نصيبٌ من القمع والاضطهاد والعنصرية التي مورست داخلياً وتمادت فيها شعوب على أخرى بحججٍ واهية، فتارةً باسم الأصل والفصل والمدنية وأخرى بالقبلية والعائلة والبادية والمدينة والنسب والطبقة والمستوى الاجتماعي والمادي والتعليمي.
المتتبع لحالة التطور الإنساني للمجتمعات العربية قبل وبعد الإسلام، وكذلك بالنسبة للفترة التي شهدت استعمارها وما تلاها من استقلال، يجد فيها الآن دلالات واضحة على أننا لم نبلغ النضج الإنساني الذي كرسته تعاليم ديننا الحنيف، فمازال البعض متمسكاً بدواعٍ مثلاً أن الناس طبقات، وأن المقامات هي مقياس مكانتك الاجتماعية. المساواة الإنسانية لا تعني أبداً إلغاء الحواجز والحدود والمفهوم المتبادل للتوافق، لكنها تحد من العنجهية والغرور والفوقية والاستخفاف بالآخر والتكبر والتجبر، كما أنها تؤصل القناعة للجميع على مختلف مشاربهم بأن الأيام دول ودوام الحال من المحال، وبأن المعيار هو الأخلاق!
المتتبع ليوميات الحوار العربي والمفردات المستخدمة في أحاديث العامة (والخاصة) يجد أننا ابتكرنا واخترعنا طرقاً للتعبير تعدت كونها للاحترام أو تقدير المقام، لتكون نوعاً بغيضاً من النفاق والتزلف والتذلل، الأمثلة كثيرة ولست بصدد تعدادها، فبيت القصيد أننا يجب ألا نتحول من مجتمعات تؤسس الاحترام المتبادل إلى مجتمعاتٍ مصابة بعقدة الأنا، وبالدخل والمكتسبات المادية، متناسية قول العلي الكريم «إن أكرمكم عند الله أتقاكم».



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/08/16/171387

الاثنين، 11 أغسطس 2014

سَرْيَنة العراق!

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة اللواء اللبنانية 11-08-2014



التطوّرات الميدانية على الأرض في العراق وإن أشارت الى قرب وصول الثوار لبغداد، وهروب الجيش وانسحابه من العديد من مواقعه وثكناته لتعزيز جبهة العاصمة الا انها ستكون فاتحة للتجييش الطائفي الذي قد يؤدي لتقسيم العراق وانجرافه لحرب أهلية لن تنتهي بسرعة، ولن يكون حسمها سهلاً، فيما الثمن سيكون الأغلى ليس على العراقيين أنفسهم ولكن على العالم، الذي يصدر له العراق ملايين براميل النفط والغاز!
فتاوى المراجع الدينية، وكذلك الصدر ورجال دين شيعة آخرين حوّلت الصراع في العراق من ثورة للعشائر تطالب بحقوقها المهضومة إلى حرب ستكون طائفية ولن يحمد عقباها, وسيسهل تفسيرها على أنها صراع سني - شيعي على السلطة, فيما هي وفي وجهة نظر الطرف الثائر مطالبة بالحقوق المسلوبة في ظل أكثر من عشر سنوات على السيطرة السياسية الشيعية على الحكم في البلاد.
منطقيا، سيكون الأكراد المستفيد مما يحصل الآن، وقد يدعم موقفهم من بيع النفط مباشرةً دون سيطرة الدولة, بل قد يقود إلى مطالبات بالاستقلال عن الوطن الأم إن قُسم طائفياً; فيما المتضرر هم العراقيون ودولتهم وبنيتهم التحتية واقتصادهم الذي سيستمر في الانهيار بعد استغلال المالكي لمقومات الدولة في حربه التي لن تكون قصيرة المدى، بل طويلة ومكلفة.
أما أميركا فعلى ما يبدو انها لم تحسم أمورها بعد بشأن الطرف الذي ستقف معه في العلن. فلو ساهمت مع الجيش العراقي بضربات جوية تشنها طائراتها القابعة على بارجتها جورج بوش التي تحركت أخيرا صوب المنطقة؛ ستكون حينها قد أطرت الحرب الطائفية التي يسعى لها المالكي الآن وشرعنتها فتاوى رجال الدين الشيعة, التي وصفت الأمر بالجهاد الكفائي لمواجهة من سمتهم «بالتكفيريين» من اتباع الدولة الإسلامية في العراق والشام. قد يكون لداعش دور في بعض الانتصارات الميدانية, ولكنه صغير ومبالغ جدا فيه، وما محاولات صبغ ثورة العراقيين بأنها بقيادتها الا الورقة التي يتضرع بها المالكي وإيران والمرجعيات الشيعية في النجف وغيرها.
إن ظنت اميركا واوروبا ان مصلحتها في الحكم الحالي والمدعوم من إيران، فستقف معه وستتحالف مع طهران؛ العدو الذي طالما وصفها بالشيطان الأكبر، لكنه الان وبحسب تصريحات روحاني الأخيرة مستعد للتدخل وتناسي الخلافات وتأسيس حلف مع أميركا وأوروبا لمحاربة من تسميهم بالإرهابيين الذين يهددون السلم العام!
في جميع الأحوال سيكون العراقيون الخاسر الأكبر ولو طالت المعركة، وقد يكون الشيعة بالذات ومعهم إيران ورجال الدين أمثال الصدر والحكيم والسيستاني مساهمين في هذه الخاسرة التي اكتسبوها عقب الغزو الأميركي للعراق ومكّنتهم من فرض نفوذ لطالما حرمهم إياه حزب البعث على امتداد سنوات حكمه.
تعدد الجبهات التي أدخلت طهران نفسها فيها سيكون الأسلوب الذي سيستفيد منه الغرب في كسر شوكتها، وهي التي رمت بنفسها وجيشها واقتصادها وثقلها خلف ثلاث جبهات، أولاها حزب الله وثانيها سوريا. أما العراق فهي التجربة المكررة لدعم النظام السوري.
حزب الله الذي أشغل نفسه بالحرب السورية، سيخرج منها ليس كما دخل، وإنما بانفضاض القاعدة الشعبية التي يتمتع بها، بعد أن يعي اللبنانيون ان الحزب رمى بأبنائهم في اتون حرب وان طالت ستنهي حكم الأسد, أو بأقل تقدير ستفرض معادلة جديدة في الحكم لن يكون فيها داعمين للحزب ولا مؤيدين لسياساته.
العراق وعلى ما يبدو مقبل على سيناريو «سَرْيَنته»، فهل يتحرك العرب قبل تكرار التجربة السورية ام سيكتفون ببيانات ودعوات ضبط النفس وعقد قمم تصدر عنها بيانات لن تقدّم أو تؤخّر؟



المصدر: جريدة اللواء اللبنانية - http://www.aliwaa.com/Article.aspx?ArticleId=214854

الاثنين، 4 أغسطس 2014

الجنون فنون !

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في مجلة فكر الثقافية العدد الثامن لشهر أعسطس-2014

 


النخب هم مرآة الأمم وسمعتها "وثيرموميتر" تقدمها وازدهارها. لطالما افتتنت الشعوب بهم وبإنجازاتهم الأدبية والفنية والثقافية, هم من تقام لهم المعارض والمؤتمرات والأماسي لتخليد ذكراهم والتمتع بإبداعاتهم. تكتب عنهم الدراسات وتؤلف الكتب التي تسجل سيرتهم الذاتية, فيما ينال بعض الباحثين والدارسين الدرجات العلمية العليا في حديثهم عن انجازاتهم وأعمالهم. بعضهم والحديث هنا عن المبدعين; قد قضى مشرداً مهملاً من مجتمعه ومن حوله, لكنه وبعد سنين طالت أو قصرت تم تكريمه بعد أن حان الوقت ليكتشف أحدهم إبداعه الذي تغافل عنه من كان في زمنه, ليمسي ما تركه محل بحثٍ ورغبةٍ في اقتناء من معجبٍ مستعد لكي يدفع في الحصول عليه ما لا يمكن أن يتوقعه مبدع العمل نفسه. على هذه الشاكلة عرفنا العديد من الكتاب والرسامين والفنانين, لكن للقاعدة شواذها وإن كثر عددهم, فآخرين نالوا ما استحقوا وأكثر في حياتهم بما لا يحظاه سوى العظماء من القادة والرؤساء والمحررين.
الرغبة في معرفة المزيد عنهم تُلهم بعض الكتاب لينشر عنهم ما قد يثير فضول المعجبين, في كتبٍ فيها من الخيال والاختلاق أكثر من الواقع أحياناً. تصف حياتهم الشخصية, وأسلوب معيشتهم, ونمط تعاملهم وتفاعلهم مع المجتمع والآخرين. تسرد أسرارا لا يمكن التأكد من صحتها عن حياتهم الخاصة, وعن غرامياتهم ومغامراتهم, عما عانوه من مشاكل نفسية أو صفاتٍ مستهجنة عانى منها المقربون منهم. يتلقف معجبيهم المعلومة بشغفٍ أكبر سعياً في معرفة المزيد. بعضهم تحول لأسطورة ورمز للشباب والمحبين, آخرين خُلدوا كأيقونةٍ للكفاح والنضال الوطني والشعبي ومناهضة الاستعمار والاقطاعية والحكم الديكتاتوري كتشي جيفارا.
وصل الجنون ببعض معجبيهم أن تداولوا عنهم ما لا يصدقه العقل, لكنه جموح هوى النفس حين يتحول إعجابها إلى حبٍ خرج عن إطار السيطرة, وتعلق بالخرافات كي يرضي حبه ونهمه لسماع ما يسعده عن من هو معجبٌ به.
أحدهم كان الفيس بريسلي وهو أحد النجوم اللامعة الذين تمكنوا من احتلال قمة المجد الفني في تاريخ الموسيقى العالمية، أشتهر بلقب ملك "الروك أند رول" وكان عامل إبهار للشباب عبير تحفيزهم في موسيقاه للتعبير عن رغباتهم ومشاعرهم. قضى بجرعة مخدراتٍ زائدة, لكن العديد من معجبيه دأبوا القول أنهم شاهدوه في أماكن عدة, مؤكدين عودته مجدداً.
لم يمنع ما عانوه بعض المشاهير من نوبات اكتئابٍ حادة وأمراض نفسية أن ينطلقوا بنا لما لا يمكن لنا العيش بدونه أو تخيل حياتنا سواه. وُصف ابداع بعضهم بتزامنه مع ما اُطلق عليه الجنون المؤقت!
يروي الرسام والكاتب المصري المهاجر جورج بهجوري حكايةً طريفةً حدثت معه ويقول: دعيت لإسبانيا للمشاركة في مسابقةٍ للرسم الكاريكاتوري; أعطيت فيها للجنة التحكيم رسمةً لم أكملها بعد, وأصدق ما يمكن أن أصفها به هو "خربشة مجنونة", لكنها كانت سبباً في أن أنال عليها الجائزة الذهبية الدولية للرسم الكاريكاتيري!
عموماً وإن كان البعض يبالغ بتصويرها, إلا أن للكثير من الرسامين  ما يسمى "بلزماتهم", التي تظهر على هيأتهم وطريقة لبسهم وتصفيف شعرهم وأسلوب معيشتهم. تلحظ ما قد يُظن سرحاناً أو ابتعاداً عن الواقع وانفصالا عنه. بعضها تصرفات شاذة غير مقبولة كما فعل الرسام الهولندي الشهير فينسنت فان غوخ المصنف كأحد رسامي الانطباعية حين قطع جزء من أذنه اليمنى ليهديه لمن يحب. هو الذي عرف عنه ايضاً معاناته من نوبات متكررة من المرض العقلي الذي أثير حوله العديد من النظريات المختلفة. في ظروفٍ ومكان وزمانٍ آخر عما عاناه فان جوخ في حياته, نال رسامٌ إسباني عزا ورفاهاً  وشهرة لم ينلها سواه في حياته ولعقودٍ طويلة بعد رحيله. هو بابلو بيكاسو; الرسام والنحات والفنان التشكيلي الذي يُعد أحد أشهر الفنانين في القرن العشرين وينسب إليه الفضل في تأسيس الحركة التكعيبية.
كان مستوى بيكاسو المدرسي بطيئا, فقد كان يرفض القيام بأي عمل سوى الرسم حتى كان بالكاد يقرأ ويكتب حين أخرجه والده من المدرسة وهو في العاشرة من عمره, مما دعى أبوه للتوسط له للانتظام في كلية الرسم والفنون التي نجح بتفوق في امتحان الدخول إليها, لكنه هجرها لشعوره بالملل والضجر, ليبدأ بعدها بدراسة الرسم في مدريد وباريس مكافحاً حتى دمغ بصماته الخالدة على الفن العالمي.
الحديث عن الرسم والرسامين والفن شيق ولا يُمل منه, قد يكون بسبب ما متعنا ولا زال به, وقد يرجع إلى ما أثار استهجاننا أو تندرنا بسبب شرود مبدعيه واختلافهم عنا; لكنه وبجمع الأحوال يبقى من أجمل ما يسعدنا ويثري حياتنا ويضفي عليها رونقاً لا نرى للمتعة سبيلاً دونه حتى وإن تحقق فيه القول: الفنون جنون!



المصدر: مجلة فكر الثقافية - http://www.fikrmag.com

لبنان الأصغر مساحة والأكثر استباحة

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة العرب اللندنية 04-08-2014



الدولة اللبنانية بصفتها العملية لا الرسمية مغيبة تقريبا ودون مبالغة منذ استقلالها. لا مرجعية لها فعليا إلا في المحافل الدولية والمؤتمرات والزيارات وأحيانا في قضايا الغاز والكهرباء وبعض هموم الحياة ومشاكل المواطن البسيط. أما في ما يختص بسيادتها وقرارها وأمنها الداخلي وسياساتها الخارجية، فالآراء متعددة ومتباينة ومختلفة تعدد الطوائف والانتماء الحزبي والإيديولوجي في بلد هو الأصغر عربيا على صعيد المساحة، لكنه الأكثر استباحة سياسيا وانقساما.
على مدى عقود لبنان الحديث، لم يتمتع البلد بتوافقٍ شعبيٍ واحد على أحد القرارات المصيرية إلا ما ندر، والمحصلة هي حرب أهلية امتدت لأكثر من خمسٍ وعشرين سنة، لا يزال المواطن اللبناني يحيا تبعاتها. فبعد أن فقد فيها وأصيب ثلث السكان وهجر الثلث الآخر، لا تزال بعض القوى تلعب دورا في عدم الإستقرار والفوضى الأمنية، فهي وباعتقادها أن الساحة اللبنانية بمثابة ورقة للمرابحة والمفاوضة، كما أنها وكما يبدو ملعبا لقوى أجنبية لتصفية الحسابات وعقد الصفقات والتفاهمات، تارةً سوريا التي تواجدت فيها بقواتها وعتادها وجنودها وسياسيها ومخابراتها وأزلامها لأكثر من ثلاثين سنةٍ، وأخرى أيران التي أوجدت لنفسها ذراعاً طولى عبر حزب الله; الممثل لسياساتها الخارجية والراعي الرسمي العسكري لمواقفها في المنطقة، والمنفذ لأجندتها.

الجيش اللبناني قد لا نكون مخطئين إن أطلقنا عليه اسم الحيادي المُغيب. لو تساءلتم معي: كيف تكون لجيش الدولة هيبة في ظل وجود أكثر من طرف منظم ومسلح، بعضه بشكلٍ أقوى وأحدث من الجيش الوطني نفسه؟، وكيف تكون له سطوة وسلطة أمنيا إن كانت ردات فعله معروفة ومحسومة مسبقا لتكون محايدة ومختصرة ومحصورة فقط في فض الاشتباك!
الجيش في كل دول العالم ليس بلجنة حكماء ولا هو حيادي تجاه أمن الوطن، وإنما هو عصا غليظة لكل من عصا وتجبر وأخطأ وتمادى، لكل من “فرد عضلاته” على حساب الآخر، لكل من يهدد السلم الأهلي والاستقرار، لا كبيرعليه، وإنما يصغر الكبار له. بياناته لا تحمل عبارات الرجاء، بل هي تحذير نهائي، يليه عمل كل ما يلزم لحفظ الأمن والاستقرار والحفاظ على مصلحة الوطن دون أي انتهاك أو تعدٍ خارجيٍ كان أو داخلي.
ما معنى أن يقتل العديد في الأراضي اللبنانية وتعم الفوضى وتحدث اشتباكات بين أطراف وجماعات مختلفة الانتماء وخصوصا في طرابلس؟ وما معنى أن يكون سكان أحد أحيائها شوكةً في عنق الآخر؟ كيف يسمح الجيش الوطني لنفسه بأن يرى بعينيه الأسلحة مرفوعة دون أن يحرك ساكنا!
لن تقوم للبنان قائمة ولن تطرد طيور الظلام من ترابه إلا وأولا بجيشٍ عربيٍ لبناني ممثل بأساس الوطنية، مدني الإيديولوجيا، عسكري الهوى، كالأعمى والأصم لايرى الظاهر ولا يستمع للأخر بل يعمل على هدفٍ واحد هو استقرار أرضه ونماؤها وسلامة مواطنيه والمحافظة على مكتسباتهم وكسر قدم كل من يتجرأ على لبنان وترابها الوطني. في ظل وجوده، لا قوة أو سلاح أو قول يعلو فوق مصلحة الوطن، لا استخبارات إلا ما يتبع له، ولا معسكرات تدريب ومخازن أسلحة إلا ما يخصه.
على لبنان أن ينفض من يديه ساسته المخضرمين، وأن يشد إزر جيشه، وأن يعمل لنبذ تقسيمته السياسية الداخلية القائمة على المحاصصة الحزبية والطائفية والمناطقية، فأوانها قد ولى واستمرارها ضمانة أكيدة لاستمرار مسلسل الفوضى وتبعاته من حالة التشرذم والانقسام وإعطاء الفرصة للغريب بأن يتحكم في شعبه وأرضه وينقل صراعاته الداخلية وأزماته إلى الأرض اللبنانية.
الاستحقاقات الانتخابية في لبنان أبعد ما تكون عن الديمقراطية بروحها والغرض منها، فهي على الدوام شللٌ سياسي، من انتخاب رئيس الجمهورية إلى التوافق على رئيس الحكومة وتشكيلها، فالبيان الحكومي، الذي لا يعدو كونه حبرا على ورق، إلا أنه يأخذ من الوقت والتشدد والشد والجذب، وقد يعطل الحياة السياسية فترةً من الزمن حتى يتم التوصل إلى صيغةً توافقيةٍ له!
لبنان رغم صغر مساحته وضعف موارده الطبيعية إلا أنه قادر، إن حسنت النية، على أن يكون متطورا مستقرا ومزدهرا، فلديه كفاءات إنسانية متميزة، وبنية تحتية سياحية مستقطبة للسياح من كل العالم، وأراضٍ زراعية إن استغلت تكفي لتكون سلة غذاء.
لو تناسى اللبنانيون السياسة عقدا من الزمن وركزوا على التنمية وبناء اقتصادٍ قوي، ستختلف المعادلة السياسية فيه، وسيكون المعيار لدى مواطنيه هو الانتماء إلى الوطن، وستندحر الطائفية، وسيرى مواطنوه استقراراً ونماءً لطالما راوداهم كحلمٍ آثر هواهم إطالته فلم يفلحوا، فتركوه خلف ظهورهم وهاجروا إلى دولٍ أخرى منحتهم الاحترام والاستقرار!


المصدر: صحيفة العرب اللندنية - http://alarab.co.uk/?id=29535

داعش والتشدد المذموم

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 04-08-2014

 


ما يسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام أو «داعش» في رأيي ومن دون أن أشعر بوخز ضمير أو تجنّ هم دُعاة إحياء التكفير والهجرة بأفعالهم وأقوالهم وتصرفاتهم وما يبدر منهم وإن لم يعلنوا ذلك أو يدّعوه، وهم بالمقارنة بالجماعة المصرية التي انطلقت دعوتها أواخر ستينات القرن المنصرم على يد الشيخ علي إسماعيل في السجون المصرية وسمت نفسها بالمسلمين، في حين أطلق عليها الإعلام لقب التكفير والهجرة لأنها اتخذت من التكفير قاعدةً شرعيةً لها فيما تُعدُ الهجرة العنصر الثاني في تفكيرهم، ويقصد بها اعتزال المجتمع الجاهلي عزلة مكانية وعزلة شعورية، سيجد المتتبع لكلتا الجماعتين أوجه التشابه الكبير بينهما في التصرف والأسلوب المتمرد في الخصام والقتال.
أوصاف جميعها قد لا تكفي لوصف هذه الجماعة حديثة النشأة، والتي يكتنفها الغموض وتدور حولها الروايات وتنسج لها الأفعال التي لا يتقبلها عقلٌ ولا منطقٌ ولا دين. هي الفكر الشاذ نفسه الذي يتمسح بالإسلام ويجعل منه رايةً لتحقيق أهدافه، فيما أصحابه من أكثر من يعمل على الإساءة لهذا الدين، وهو براء منهم ومن أفعالهم ومن همجيتهم وبدائيتهم. اشتهروا بمقاطع قطع الرقاب والأيدي، وجلد الناس، وحرق التلفزيونات، وتميزهم بهيئتهم التي تظهر الصلابة والقوة، بسواد ملبسهم وجلافتهم، وبادعائهم العمل على إقامة دولة الخلافة، وتلقيبهم لقادتهم بالأمراء، وولائهم الأعمى لمن أعطوه الهيئة والبيعة ليكون قائداً لهم.
المضحك المبكي فيما يخص «داعش» هو أن تنظيم القاعدة يتبرأ منهم ويعدهم بل يسميهم الفئة الضالة، وينفي أي علاقةٍ له معهم، أو أي ارتباط عسكري وفكري بإيديولوجية التنظيم وأهدافه! جبهة النصرة بدورها رفضت الانضواء مع التنظيم وأعلن زعيمها أبو محمد الجولاني رفضه لفكرة الاندماج مع الدولة التي أعلن عنها في وقتٍ سابق قائدها أبو بكر البغدادي.
في سوريا، تثار الشكوك حول الأهداف الحقيقية لها عدا ما تعلنه، فالمتتبع لتحركاتها واستراتيجيتها العسكرية يلاحظ بنود تفاهمٍ غير معلن بينها وبين النظام السوري، كما أن تسليحها المتقدم، وتمتعها بمعلومات استخباراتية لا يمكن أن يكونا لها لولا علاقاتها بأطراف دولية لها مصلحة بإطالة عمر الأزمة السورية، والإبقاء على النظام الحالي.
كون هذا التنظيم إرهابياً ومخرباً قد لا يعني أن جميع من انتسبوا إليه كذلك، فالعديد من الشباب المتحمس المُغرر به والساعي للجهاد انضم له ظاناً أنه اللبنة الأولى لإقامة دولة الخلافة الإسلامية، وفي اعتقادي أن العديد منهم صدم بمعتقداتهم وأفعالهم بعد معاشرته لهم، ولكنه طريق اللاعودة، وصعوبة تركهم هي ما يجعلهم عالقين مع هذا التنظيم، منغمسين أكثر فأكثر في إجرامه ووحشيته.
لم يوجد في أزمةٍ إلا واتخذ منه الجانب المُعتدي ذريعةً لقمعه وتجبره. في العراق، يتحجج المالكي به للقضاء على ثورة العراقيين الذين ملوا الطائفية والإقصاء والفساد والعمالة والتبعية لإيران، وفي سوريا وفي كل خطاب لمندوبها «الجعفري» في الأمم المتحدة هي دائماً حاضرة في الخطاب للتدليل على أن دولة القمع الأسدية تحارب الإرهاب الداعشي!
أتمنى ألا يتحول هذا التنظيم لغول عقدنا هذا، وألا يكون سبباً لتعرضنا لحروب ومؤامرات وهمية بحجة القضاء عليه، كما أتمنى أن تتضافر الجهود لإعادة استقطاب الشباب المغرر بهم، والذين التحقوا به وإعادة احتوائهم وغسل أدمغتهم من كل ما عبث بها داعش وقادته وإرهابه!



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/08/04/167841 

بديل القومية العربية

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 02-08-2014



ما هو البديل للقومية العربية في ظل فشلها في جمع العرب تحت راية واحدة وموقف حاسم تجاه ثورات الربيع العربي، هل هي اليسارية أم العلمانية أم الإسلام السياسي أم ماذا؟
 ألم ينل كلا التيارين سابقاً وهما اليسار والقومية فرصتهما في الحكم ولم ينجحا في الاحتفاظ به في تلك الدول، كما لم يحققا النهضة المرجوة لشعوبهما، بل ارتكبا الكبائر في حقهم باسم الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة.
هل تستحق حقاً تلك الشعوب العربية ما تنشده من حرية، وهل نجحت ثوراتها الأخيرة في قلب المعادلة، وكسر حاجز الخوف الذي تعايشت وتواءمت معه عقوداً طويلة ومنذ استقلالها؟
على المواطن العربي أن يعي أن الديمقراطية مستحقة، ولكنها غير مكتسبة. والمعنى، قد تقوم ثورات للمطالبة بها ومن ثم تنالها، لكنها قد تؤدي لحكم أكثر استبدادية، والاستبدادية هي نتيجة حتمية لشعب حركته العواطف والتلاعب بها من قبل أفراد، ولم يحركهم فكر حر رصين وأجندة تنهض بهم.
سامحوني، ولكني أشعر أحياناً بأن الشعوب العربية غير مؤهلة فكرياً لأن تعيش الديمقراطية بنص معناها الذي تطالب به الآن، فبعضهم وللأسف في داخلهم فوضويون وانتقائيون وعنصريون، كما أن تصرفاتهم كمن صمت دهراً ثم نطق كفراً.
أعمتهم عيونهم عن رؤية الصواب وغرر بهم الآخرون. طموحهم الحكم لا الإصلاح، وتنفيذ أيديولوجياتهم هو محل اهتمامهم بغض النظر عن مشاكل وهموم المواطن (الغلبان) والبسيط الذي تحركه العاطفة، فتلاعبوا بها ودغدغوها، فغرروا به وأضاعوه ولم يقدموا له ما ثار من أجله.
القومية كفكر لا خلاف عليه، ولا أظن له حُرمة، فوحدة العرق جميلة، لكن المشكلة في من حكم باسمها وأذل شعبه وقمعه. ومع ذلك ما زال البعض يمجده ويراه الخيار الأفضل، متناسياً عقوداً طويلة ازدهرت فيها سجونه وامتهنت فيها الكرامة وفرض عليها نخباً ضالة ثارت لنفسها ضد الاستعمار باسم الشعب، لكنها هي من امتهنت كرامته وأذلته، وقطعت الألسنة وخونت كل من خالفها وجهة النظر وانتقدها.
النتيجة كانت حتمية وحتى لمن تغافل عنها، فالتاريخ يسجل لأولئك القوميين إضاعتهم لكل ما حاربوا من أجله ودعوا له. ولكن، هل الديمقراطية فكر وسياسة وممارسة لا بد من الابتعاد عنها وعدم ترك الفرصة لأي مغتنم يحاول المناداة بها لاستغفال الشعوب العربية ومن ثم خلق العداوة والبغضاء بينها ومن يخالفها، أم حق لا بد منه رغم كل ما نرى من إساءة لاستخدامها؟



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/08/02/167385

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...