الأربعاء، 29 نوفمبر 2017

حزب الله وسيناريو الاحتواء

دنيا الوطن 27-11-2017

عماد أحمد العالم




من الواضح والمعلوم أن لبنان ومنذ سبعينات القرن المنصرم الذي شهد حربها الأهلية التي استمرت ربع قرن كان مرتعاً لتصفية الحسابات ليس فقط بين الفرقاء اللبنانيين من شتى التيارات والأعراق والمذاهب التي تناهز الثمانية عشر، بل وأيضاً باحة خلفية استغلتها دول المنطقة والعالم لشن حروبها ضد أعدائها على الساحة اللبنانية وبأيدي أبناء البلد أنفسهم الذين أبدوا استقطاباً لم ينتهي بانقضاء الحرب بمعية اتفاق الطائف، بل ما زال مستمراً حتى الآن.
حزب الله الذي دعمت إيران انشقاقه من أمل ليكون الذراع العقائدي الشيعي والعسكري لها بالمنطقة لجانب السياسي المتمثل بأمل؛ كان وما زال يلعب دوره المرسوم له تحت غطاء المقاومة التي أكسبته شرعيةً وجوديه مكنته من إجبار العرب وخصوصاً الخليج من غض النظر عن تزايد نفوذه بالداخل اللبناني، فطوال الثلاثين عام التي كانت سياسة الحزب المعلنة هي قتال اسرائيل, لم يصنفه أي كيان عربي بالإرهابي, إلا أن مواقف الحزب من الثورة العربية والانقلاب الحوثي باليمن جعله مساهماً أساسياً في حروب الآخرين على أراضيهم وبتجاوز لوجود الدولة اللبنانية التي فرض عليها غض النظر عن تدخلاته وفق تفاهمات داخلية مع الرئاسة والأحزاب الفاعلة على الساحة التي وإن اختلفت معه إلا أنها سكتت عنها بمن فيهم المكون السني الذي لم يستطع الوقوف بوجه الحزب الذي يلعب ورقة الضغط داخل الحكومة وعسكرياً يعد أقوى تسليحاً من الدولة!
استقالة الحريري وعدوله ربما المؤقت عنها والأزمة التي أثارتها هي خطوة في الطريق لأزمة ستشهد فراغاً دستورياً وقد تؤدي لتأجيل الانتخابات النيابية المزعم عقدها السنة القادمة، كون المكون السني وحلفائه من تيار ١٤ آذار تحت خيار صعب هذه المرة وتهديد مباشر لتحجيم دور حزب الله العسكري خارج الحدود ونزع سلاحه؛ في الوقت الذي لا يتوقع من الحزب التنازل بل على العكس النزول بثقله في معركته الوجودية في مقابل معاداة الدول العربية والخليجية والسعودية على وجه الخصوص، التي لم تعد مستعدةً بعد الآن للسكوت عنه والدور المعادي الذي يلعبه وتراه السعودية سبباً رئيسياً يهدد أمنها القومي، لذا باتت معركة لي الأذرع الخيار الأنسب للمرحلة للتأثير عليه بدلاً من حربٍ مباشرة لا أظنها قريبة سواءً من الجانب السعودي وحلفائه المحليين والدوليين بمن فيهم إسرائيل نفسها، التي لا ترغب بخوض مغامرة عسكرية قد تسهم في دعم شعبية الحزب وتمكين وجوده وشرعنته التي بدأ بفقدانها، كما أن إيران الداعم الأساسي له والمسير له ستعتبر معركة الإلغاء شأناً يخصها وبالتالي لن تسمح بذلك، وستتدخل بكل قوتها لمنعه مما يهدد بإدخال المنطقة في حرب طويلة الأمد وواسعة النطاق الجغرافي، ستعمل جميع الأطراف تجنبها، لذا السيناريو الأرجح للضغط الدولي والسعودي للتخلص من النفوذ الإيراني بلبنان ومعه حزب الله ربما يكون اقتصادياً بفرض إجراءات عقابية ستشمل الدولة اللبنانية ككل ذات الاقتصاد الهش المعتمد على المساعدات الاقتصادية عبر عزلها أولاً ومن ثم تجفيف وارداتها من العملة الصعبة عبر سحب الاستثمارات منها وخروج رؤوس الأموال من بنوكها وربما تمتد لطرد مواطنيها من دول الخليج العربي والأغلب التهديد والتلميح بذلك والذي يقدر عددهم بحوالي النصف مليون لبناني يقومون بتحويل اربعين مليار دولار سنوياً لبلادهم، وفي حال طردهم من الخليج سيؤدي ذلك لانقطاع مصدر مهم من العملة الصعبة وتضخم كبير في نسب البطالة وحتى مشكلة أمنية واقتصادية وسياسية لن تستطيع الحكومة اللبنانية تحمل تبعاتها وبالتالي سيكون حزب الله أمام خيار صعب يتمثل باستمرار ولائه لإيران التي لن تتمكن من دعم الاقتصاد اللبناني أو الخضوع لمطالب تحجيمه لتجنيب البلد أزمة اقتصادية سياسية ستقضي عليه, أو تقبل وضعه الجديد كحزب لا ميليشيا مسلحة يلعب دوراً سياسياً وطنياً دون أي تدخلات خارجية.
من الصعب تصور أن حزب الله ومعه إيران سيتخليان عن مكاسبهما؛ في مقابل إصرار سعودي أمريكي إسرائيلي هذه المرة على حل جذري يلغي وجود الحزب بلبنان ومعه إيران التي باتت خلافاتها مع المملكة تشكل الهاجس الرئيسي للأمن القومي السعودي الذي دخل معها بحروب غير مباشرة باليمن وسوريا.
الحل يجب أن يكون لبنانياً في المقام الأول، فلو عقد الشعب اللبناني العزم على الانتفاض على سيطرة الحزب السياسية والعسكرية وعمل بجد هذه المرة لتغليب مصلحته الوطنية دون طائفية وعقائدية وصوت في الانتخابات القادمة لحكومة تكنوقراط وطنية لا سياسية وتجاوز المحاصصة الطائفية، ربما حينها سنرى لبنان آخر على الأقل محايد وذو بعد عربي.
جميع الخيارات مطروحة لكن الأغلب أن إيران ستسعى بشتى الطرق حتى لو احرقت لبنان كيلا تخسر أذرعها، فيما المملكة العربية السعودية مصرة أكثر من ذي قبل على أن تكون الجولة هذه المرة الأخيرة التي يجب أن تخرج منها منتصرة!



المصدر: دنيا الوطن - https://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2017/11/27/450701.html

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...