الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

الصراع الطائفي وتفادي حتميته

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة العرب اللندنية 30-09-2014

 


دائما ما أحاول أن أنأى بنفسي عن الطائفية، وعن الخوض فيها لقناعةٍ مبكرة تعلمت منها أن كليهما (أي السني والشيعي) وهما المكونان الأساسيان لمسلمي العالم، لن يتخلى عن قناعاته وعقيدته وإيمانه وفطرته التي ولد عليها وترعرع، ولن يزيده انتقاد الآخر له وهجومه عليه إلا قناعةً وتمسكاً أكثر بطائفته، وإصرارٌ بعزم لا يتزحزح على تضليل الآخر، في حين لدى البعض قد يصل الأمر حدود التكفير والعداء المطلق الداعي إلى التصادم والاقتتال.
من الحكمة أن يسعى العقلاء من الطرفين، دوماً، لتستمر جلسات الحوار الهادف إلى التقارب من أجل السلم والتوائم والعيش المشترك تحت مظلة وطنٍ واحد، يكون المعيار فيه الانتماء إلى البلد لا للطائفة كمقياسٍ للوطنية، ولا يستخدم فيه بعض المتعصّبين من رجال الدين مشاعر العامة البسيطة والمسيّرة في أغلبها عبر فتاوى الترغيب والترهيب لتنفيذ أجندتها التي لا يغيب عنها استغلال السياسيين لتحقيق سياساتٍ لطالما أسهمت في عمق الفجوة بين الطائفتين، وليس أفضل من حال العراق أن يُضرب كمثال هنا، وبالطبع أيضا لبنان، الذي عملت بعض الأطراف فيه، وبإيعاز من دول لها مصالح لا تخفى على أحد، على تأجيج الفصل الطائفي القائم على تجييش أتباع المذهب، وحشوه بشعارات كاذبة لكنها قادرة على دغدغة عواطفه وتسييره ليكون داعما لقياداته التي زجت به أخيرا في أتون الحرب السورية، التي لم تعد فقط لنيل الحرية وخلع النظام الأسدي، وإنما ساحة لاستعراض القوى، وتصفية الآخر، والمساومة وبسط النفوذ، وفرض الإرادة.

تدخل حزب الله السافر في الشأن السوري، والذي ربط استمراره الأمين العام للحزب حسن نصر الله ببقاء بشار الأسد في الحكم، واكبه أيضاً إشراك لقوات من الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية العراقية كعصائب أهل الحق وقوات البطاط وجيش المهدي، بالإضافة إلى متطوعين شيعة تم تجييشهم من دولٍ إسلامية كأفغانستان وباكستان؛ يجبرني مرغماً على التطرق لما تمنيت إنكاره ورفض حدوثه واستبعاده، ألا وهو طبيعة وشكل الحرب القادمة، وهل ستكون (إسلامية- إسلامية) بين أتباع المذهبين بخلفيةٍ طائفية بحتة، بعيداً عن المعتقدات الفكرية الحزبية، أو أنها ستكون أيديولوجية متزمتة تمثلها بعض الجماعات المسلحة الثائرة على الأنظمة، ومدنية تمثلها الدولة الساعية لوأد ما تراه مهددا لوجودها عبر الجماعات المسلحة ذات الفكر الديني.
قد تمثل الحرب الأميركية التي بدأت منذ أيام على تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية “داعش”، صائبةً في إطار الحرب بين الحكومات والجماعات التي تسميها بالإرهابية.
نتيجتها ما زالـت غـير محسومـة، ومخطئ من يظن أن بإمكان دول العالم القضاء على تنظيم بقوة الطائرات فقط، فمثل هذه الجماعات تعتمد في وجـودها على الفكر الذي يستقطب الشباب ويجعل منهم خلايا نائمة يسهل إيقاظها حال الضرورة لها، وستنفذ بعقيدة قوية أوامر قادتها وملهميها ولن تكون أجسادها غالية في نظرها، لأن تفجّرها ضد أي هدف تعده كافرا من وجهة نظرها، سيصعـب اقتفـاء آثار منتسبيها وكشفهم، فهذه التنظيمـات قـد تعلمت من دروس المـاضي وألغت المركـزية في بعض مواقعها، واعتمدت بدلا من ذلك نمط الخلايا الصغيرة من مجموعة من الأفراد تُرك لها حريـة التصرف، كما أنها لم تعد كـالسابـق يسهل كشفها، فهي مختلطة في مجتمعـاتها ومنـدمجة ولا تعطي أي انطباع أبدا عن كينونتها لا في المظهر والشكل فقط، وإنما في تبنيها العلني أيضا لأي فكر.
قد تنجح الحرب على “داعش” في تقزيم نفوذها على الأرض، وقد تنهي تواجدها العسكري لفرض حل للأزمة السورية، لكنها لن تقضي على فكر متشدّد نشأ لأن الحكومات قد وضعت أمام الآخر خيار العيش في ظل الاستبداد أو الإرهاب أو الفوضى، وهو ما سيتمخض عنه، على الدوام، فكر يدعو للتغيير بالقوة المسلحة!
على الجانب الآخر، وما قد يسهم يوما في إشعال الحرب الأهلية الطائفية واسعة النطاق، مواقف التنظيمات الموالية لإيران وأذرعها في المنطقة العربية كحزب الله مثلا، والـذي ما فتئ قادتـه يقومـون بتبرير تدخلهـم في سوريا وتنازلهم عن شعار زوال إسرائيل التي قامت على قتالها أيديولوجيات الحزب، وبسببها تلاعب بمشاعر المسلمين حول العالم وبمختلف طوائفهم وانتماءاتهم ونال تأييدهم، لكنه رمى بقواته صوب الداخل السوري الساعي لتنفس حريةٍ غابت عن هوائه أكثر من أربعين سنة، عاشها في ظل حكم حزب البعث وزبانيته!
لنفترض جدلا صحة حجج الحزب وتبريره لتدخله، ولكن هل من الحكمة أن تترك قواته الأرض اللبنانية مفتوحة لأي اختراقات إسرائيلية لتصول وتجول فيها، إلا إن كانت له المقدرة (وأشك في ذلك) على فتح أكثر من جبهـة بما فيهـا مـع إسرائيـل في حال محاولة الأخيرة ضرب عناصر الحزب ومواقعه في الجنوب اللبناني، أو تصفية عناصر أو قيادات تابعه له في الداخل.
التجييش الطائفي الذي انتهجه نوري المالكي في العراق سبب آخر كان من الممكن أن يتجه بالعراقيين أيضا صوب الحرب الطائفية، التي ستنهي بدورها حالة التعايش السلمي والإنساني بين السنة وإخوتهم الشيعة، وقد تتسبب في إشعال صراع طويل يصعب إنهاؤه أجَّجَه هضم حقوق طائفةٍ على حساب أخرى، مع أن كلاهما محسوبان على دينٍ واحد؟.
لتفادي ذلك، فالكرة بالفعل هذه المرة تقع في الملعب الشعبي، لمن يسمونهم “حزب الكنبة” من الشعب، إلى الجماهير الصامتة المطيعة، التي إن تخلت عن التبعية العمياء والانقياد لفتاوى القيادات المحرّضة، وحاولت العودة إلى نمط العيش المشترك، وتركت عنها التعصب الأهوج لمذهبها، والنواح على ماضٍ بعيد لم يعد من المجدي تذكره ولا الانتقام له؛ حينها وبكل تأكيد لن تجدي نفعا دعوات التعصب والتزمّت، وسيكون الانتماء للوطن القاعدة والمعيار، وسيتراجع رجال دين ضالعون في السياسة والمذهبية، ليكون دورهم محصوراً، كما يفترض، في أماكن العبادة فقط.


المصدر: صحيفة العرب اللندنية - http://www.alarab.co.uk/?id=34259

السبت، 20 سبتمبر 2014

هل نكره إيران

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة العرب اللندنية 20-09-2014



هل حقا أكره إيران؟ أو لنقل بصيغة الجمع لا المفرد، كفرد عربي سني يمثلني الملايين من نظرائي الذين تنتابهم تلك المشاعر المتضاربة أحيانا، في لوم نفسها عن نقمتها تجاه مواقف الجمهورية الإسلامية (وليس إيران)، التي يقوم على حكمها مجموعة من رجال الدين أو ما يُعرف بالحكم الثيوقراطي منذ أربعة عقود؛ أم أننا نكره سياسات إيران التي احتلتها الثورة الإسلامية عام 1979، وابتدعت فيها تصدير ما يسمى بالثورة الإسلامية التي ما خفتت منذ اندلاعها حتى الآن. الدلائل بإمكاني التذكير بها حتى لا أتهم بالتجني وبث نار الفرقة أو التهمة الجاهزة التي طالما فرقتنا وهي محاربة الإخوة من الشيعة، وهم بلا تملق أخوة الدم وشركاؤنا في كل وطن عربي حملوا جنسيته.
في البداية كانت الحرب العراقية الإيرانية من نتائج تلك السياسة، والتي راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف المليون إنسان، رغم أن العراق وفي سنوات ما استضاف الخميني ورعاه في منفاه به. تزامن ذلك مع التدخل الإيراني في لبنان، ومحاولتها تأسيس دولة شيعية داخل الدولة اللبنانية عبر حركة أمل، التي تلاها في الدور حزب الله الذي جيّش أتباع طائفته وخلق كيانا مسلحا داخل لبنان، يفوق في تسليحه جيش الدولة نفسها. فرض نفسه على الاستقرار عبر كيان لا يقوم التوافق إلا بالعبور من خلاله، أو بما يتوافق مع توجهات السفير الإيراني في بيروت.

الدليل هو عبر تصريحات قديمة للسيد حسن نصر الله قال فيها: “إن انتماءنا ليس للبنان وإنما لولاية الفقيه في طهران”، وبهذا يكون قد كسر نظام القانون في الدولة وأقام دولة مسلحة داخل الدولة ولاؤها ليس للبنان، وإنما للطائفة التي ينتمي إليها، لتنتفي شعارات المقاومة، التي منها اكتسب شعبيته لدى الجماهير بكافة انتماءاتها وطوائفها.
في اليمن، أنشأت إيران ميليشيات الحوثي ودعمتها بالمال والسلاح، واستضافت عناصرها الذين دربهم الحرس الثوري الإيراني، ليعودوا في ما بعد كقوة مسلحة تثير القلاقل، بدأتها بمناوشاتها الفاشلة مع المملكة العربية السعودية، ومحاولاتها إثارة الفتنة في جنوبها، ففشلت بعد تصدي الجيش السعودي لها، فانتقلت لقتال الجيش اليمني الذي أشغلته عن حفظ الأمن في الدولة واستهلكت طاقته ومقوماته في حربها. قتل أيضا وبسبب ذلك المئات من اليمنيين وادعى الحوثيون أنهم ممن سموهم بالتكفيريين، فيما هي كانت توغل جراحا عانى منها الشعب اليمني ولا يزال.
في الآونة الأخيرة، دعا عبدالملك الحوثي أتباعه للزحف صوب العاصمة وإعلان العصيان المدني، واضعا إياهم في مواجهة أغلبية الشعب والجيش، وفي أتون إشعال حرب داخلية لن يعرف اليمن بسببها استقرارا، مسلحين بما بعثته لهم إيران من عتاد وأسلحة كشف عنها الرئيس اليمني، وضرب بأحدها مثالا السفينة المرسلة التي تم اعتراضها، وفيها أسلحة تكفي للقضاء على أربعين مليون يمني على حد وصفه.
في العراق، وما إن أُسقط حكم البعث، حتى تحول إلى ساحة خلفية لطهران أوصلت الموالين لسياساتها للحكم، وأنشأت ودعمت وجيشت الميليشيات الشيعية المسلحة كعصائب أهل الحق وجيش المهدي وفيلق بدر وأكثر من أربعة عشر فصيلا مسلحا، أوغل جميعها في الحرب الأهلية وبث الفرقة بين سنة العراق وشيعته، فانتشرت التفجيرات والقتل على الهوية والتهجير على الطائفة، حتى تحولت مدن العراق إلى كانتونات مسلحة ممتنعة عن العيش المشترك الذي طالما حظي به العراقيون، ليكون حصيلة القتلى ما يزيد عن المليون قتيل لم يستثنَ منهم طفل أو امرأة ولا كبار السن.
عودة إلى السعودية، نذكر حوادث التفجير الإرهابية التي حدثت في أحد مواسم الحج، حيث راح ضحيتها أكثر من خمسة آلاف حاج في نفق المعيصم وأصيب أكثر من عشرة آلاف، واعترف المجرمون بإلقائهم لمواد كيماوية سببت هذا العدد الكبير من الضحايا الذين جاؤوا لأداء حجة الإسلام. في عام 1989، حدثت المجزرة التي لم تغب عنها أصابع إيران في الحرم المكي ونشرت حينها الصحف الإيرانية صورة علقت عليها بعبارة: “هنا مرقد أولياء الله الصالحين”.
في سوريا أعلنت إيران منذ اللحظة الأولى وقوفها مع نظام بشار الأسد، وأمرت حزب الله بالدخول في المعركة وكذلك الميليشيات العراقية الشيعية وحرسها الثوري، وتحملت نفقات حرب الحرية السورية حتى لا تخسر إحدى أذرعها التي دعمتها في المنطقة، وعملت من خلالها على تقويض الإجماع العربي بحجج الممانعة والمقاومة.
في البحرين وعبر مسرحية دوار اللؤلؤة دعمت إيران الانقلابيين وحاولت قلب نظام الحكم، كما أنها تحتل جزرا عربية ثلاثا من الإمارات وترفض أي مفاوضات بشأنها أو حتى الاحتكام إلى محاكم دولية.
لم تسلم الكويت من المؤامرات الإيرانية، وتعرض أميرها الشيخ جابر الصباح عام 1985 لمحاولة اغتيال فاشلة على يد انتحاري من حزب الدعوة العراقي المدعوم إيرانيا، واتهمت الكويت صراحة إيران بوقوفها خلف العملية بسبب وقوف الكويت مع العراق إبان حربه مع إيران.
مثال آخر، هو الأحواز العربية التي احتلتها إيران بتواطؤ بريطاني في 25 أبريل عام 1922 والتي كانت دولة عربية معروفة تزيد حضارتها عن سبعة آلاف عام، ومع ذلك ألغيت وطُمست هويتها العربية بشكل كامل، مع أن سكانها قبائل عربية صرفة.
الأحواز سلة الغذاء التي يرزح أهلها تحت فقر منهجته الدولة الفارسية مع تنعمها بخيرات الإقليم ومقوماته، ورغم ذلك يمنع استخدام اللغة العربية والأسماء والمناداة بكل ما هو عربي أو إظهاره فيها، ويُعاقب بموجب ذلك قانون مُستحدث لإذلال السكان وسجنهم وإعدامهم.
محاولات تصدير الثورة الإيرانية كثيرة، ولم تكن كما يُدعى لها لنشر التشيع، بل هي محاولات لقلب الأنظمة وخلق قلاقل باسم الأقليات الشيعية في بعض الدول العربية التي اندمجت مع مجتمعاتها لقرون وتعايشت ونالت حقوق المواطنة دون تفرقة.
إجابة على السؤال الذي طرحته في أول المقالة أقول: لسنا نكره إيران ونتمنى السلم الإنساني معها ونطمح لجوار حسن العلاقة معها، كما بالطبع نحب إخوتنا من المسلمين الشيعة، ولكننا نكره سياسات ساسة متطرفين، ورجال دين ضالين ومضللين زرعوا الشوك في علاقاتنا معهم، واستغلوا المذهب في تجييش العامة المُغيبة المُحاطة بفتاوى التكفير والقتل لضمان تنفيذ سياساتهم.


المصدر: صحيفة العرب اللندنية - http://www.alarab.co.uk/?id=33439

الاثنين، 15 سبتمبر 2014

الإنسانية لا تعرف التمييز

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 15-09-2014



لكي تكون إنساناً متعايشاً مع نفسك ومتصالحاً مع الآخرين ممن حولك وتعرفهم، ومع الآخرين ممن لا تعرفهم ولم ترَهم في حياتك، فأنت لست بحاجةٍ إلى أن تتشارك مع أحدهم المذهب أو الدين أو العرق أو اللون نفسه .. ولكي تتفاعل بإنسانية تجاه حدثٍ ما لا يعني أن تكون قد مررت بالحدث نفسه .. ولكي تتأثر بحدوث أمر محزن أو كارثة طبيعية وقعت في بقعةٍ ما فهذا لا يعني أبداً أن تنظر لما تملكه معهم من صفاتٍ مشتركة، لكي تهب للمساعدة أياً كانت طبيعتها ولو حتى بالتعاطف قولاً ودعاءً.
الإنسانية لا تعرف التمييز ولا التعصب الذي استحدثناه بيننا نحن بني البشر، ولا تعرف أن تلك الفئة من البشر تستحق أن نتعاضد معها ونتكاتف فقط لأنها تمت لنا بصلة ديناً أو عرقاً. ولا يُمكن أن تتقبل ذرائعنا التي أقنعنا بها أنفسنا بأن الناس مقامات وكذلك الشعوب، فمنهم من هو أدنى منا والجدير به بالتالي هو تبجيلنا؛ ومجموعات أخرى أعلى نسعى صاغرين لاحترامها والتزلف لها!
الإنسانية ليست بالقول والفعل فقط، وليست بالمشاركة المادية والمعنوية، وإنما هي بذرة يجب أن تنبت أولاً وتسقى في روحك، لتجعلها متآخية ومتآزرة مع الآخر أياً كان ومهما اختلف عنك بكل المقاييس الوضعية الدنيوية التي جُبلنا عليها!
الإنسانية هي أن تكون راعياً لمن حولك وقدوة لأبنائك بأن تنشئ فيهم مفهوم الخير وعمله والعطف على الآخر وعدم القسوة عليه، والإحسان للضعيف دون إشعاره بالمهانة أو إذلاله أو إجباره على أن يخسر كرامته.
قوانين العالم المتحضر التي صانت للإنسان حقوقه وحفظت له كرامته لم تخرج فجأة، ولم تُقنن إلا بعد تجارب أليمة لعقودٍ من التجبر والظلم وشريعة الغاب والاقتتال والسلب والسبي والاستعباد والإقطاعية والتفرقة العنصرية والعرقية وسطوة المؤسسات الدينية، وما اتبعه بعضها من محاكم تفتيشٍ فرضت وصايتها على عقائد الناس وأطرت العقاب على الدين والهوية. قام على إصدارها نخبة من المجتمع الذي آمن بضرورة احترام الإنسان وعدم انتهاك إنسانيته كقاعدة أولى راعوها قبل التشريع، ليضمنوا أن دروس ومآسي عقودهم المنصرمة لن تتكرر مع جيلهم وأجيال المستقبل. هي نظام حياة وشريعة أرادوها أن تحكمهم ليسود العدل والمساواة، فهما أساس الملك والحكم، ولن تقوم الدولة بدونهما والعمل بهما وتأطيرهما.
الإنسانية هي ما نفتقده في تعاملاتنا اليومية وفي حواراتنا وفي اختلافنا وحتى في توافقنا. إن عملنا بها فسنرى مقدار التغيير الذي سيطرأ علينا وعلى أسلوبنا وعلى تعاملنا مع القريب والبعيد، وستتكفل هي نفسها بأن ننعم بالسلم المجتمعي وبالتوافق وباحترام الآخر المختلف عنا أياً كان.



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/09/15/179452

الأربعاء، 10 سبتمبر 2014

الشعب في خدمة الشرطة

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة العرب اللندنية 10-09-2014



خبر طريف ومثير للاستهجان “لنا كعرب” وإن كان سبب حزنا عميقا للأيسلنديين… قرأته ومفاده أن الشعب الأيسلندي تعرض لحالةٍ من الصدمة جراء قتل الشرطة لشخص فقد عقله، وأصر على أن يتبادل النيران مع دوريتين حضرتا، إثر شكوى السكان من سماعهم لإطلاق الرصاص داخل شقته. قابل محاولتهم التفاوض معه بإطلاق النار عليهم، وهم عزّل لا يحملون معهم سوى الهراوة والغاز المسيل للدموع، مما دعاهم لاستدعاء وحدة التدخل السريع الوحيدة في البلاد، علها تسيطر عليه دون أن تصيبه، لكن إصرار الرجل على إمطارهم بوابل من الرصاص أدى لمقتله بعد محاولات حثيثة لإنقاذ حياته!
المهم ، وعلى ذمة الراوي، أنه استيقظ حينها شعبهم على هول الصدمة، فهي الحادثة الأولى منذ استقلال أيسلندا عام 1944 التي تتسبب فيها داخليتهم بقتل مواطن، حتى لو كان خطرا يهدد الآخرين. فدولتهم التي “لا نسمع عنها إلا كل خير دوما” لا حراسة فيها للمسؤولين بمن فيهم الرئيس ووزرائه، وبإمكان المواطن دخول البرلمان دون أن يعترضه أحد أو يفتشه عدا الطلب منه، بكل تهذيب، أن يغلق هاتفه النقال حتى لا يسبب إزعاجا للنواب!

أثارت الحادثة فضولي فتساءلت عن الطريقة التي تتعامل فيها شرطتهم مع المتظاهرين، وهل سمعت من قبل عن أسلوب “شل أمله” والذي يرتبط بالقفا والأيدي والأرجل وكل جزء في الجسم، أو أنها تطبق استراتيجية الضرب النفسي والمعنوي للزجر والنهي فقط والدفاع عن النفس دون إرهاب المقابل.
قبلها بفترة قصيرة أدانت محكمة ألمانية فردين من الشرطة بتهمة الإفراط في استخدام خرطوم المياه في فض مظاهرة.
طبعا الأمر يدعو للتندر، وذلك لأننا تربّيْنا على مفهوم مختلف، وصورة أخرى محفورة في الذاكرة عن قوى الأمن وخصوصا الإخوة في جهاز الشرطة. مرجعيتنا هي أن الشعب وخصوصاً “الغلبان” منه والمغلوب على أمره في خدمة قطاع الشرطة من المخبر وأصغر جندي حتى أكبر رتبة. واجب الجموع تجاههم هي أن ترفّه عنهم وتبدد الملل، وإن كان ذلك على حساب الكرامة أو الحرية والإنسانية والمواطنة.
في العالم الذي وضع نصب أعينه حماية آدمية مواطنيه، يلعب قطاع الشرطة دورا في السلم والأمان، ويعزز الحرية الفردية بأفراد لا يعدّون أنفسهم فوق القانون، ولا يتكسبون من المنصب، ولا يتجبرون على خلق الله بسبب ما أعطاهم الزي الذي يرتدونه من صلاحيات وقوة.
التعذيب هو أسوأ ما يمكن أن يمارسه بشر، والتجبّر على الناس بسبب سلطة القانون هو انتهاك للإنسانية. لن تتطور أمة وتنعم بالسلام إلا إذا كرست قوانينها وجرّمت كل مرتكبٍ له، وفعلت من دور هيئات الرقابة، وقننت الشكوى والعقاب والمطالبة بالحقوق، وفعلت الجزاء الصارم لكل متجاوز أياً كان. فقوى الأمن مثلها كأي وظيفة حكومية خدمية تؤمنها الدولة، والغرض منها القيام على راحة مواطنيها وإشعارهم بالأمن والأمان، وليس ترهيبهم وتخويفهم وقمعهم والحد من حريتهم وانتهاك آدميتهم باسم القانون، الذي منح مواطناً حقاً ليمارس فيه التجبر ولا يحاسب إن أخطأ، بينما من حقه أن يحاسب من يشاء دون حسيبٍ عليه أو رقيب!
في خبر آخر غريب علينا كعالم عربي ثالث، لكنه ليس بغريب على الدولة الإسكندنافية “السويد”، فقد أفادت صحيفة الغارديان البريطانية، أن الجهات المختصة بالسويد، أغلقت أربعة سجون ومركز للسجن الاحتياطي، نتيجة تدني معدل أشغالها، وقلة عدد النزلاء الذين لم يتجاوز الخمسة آلاف سجين من مجمل عدد السكان البالغ قرابة التسعة مليون ونصف. هذا في الوقت الذي تسعى فيه بعض الدول (التي لا حاجة لذكرها) لبناء المزيد من السجون، حتى تستوعب من يُزجَّ بهم كل ساعة من قبل داخليتها وأجهزة مخابراتها، وبالطبع دون أن ننسى الجرائم الجنائية من الحسبة، والتي تشهد ازدياداً كبيراً في ظل الظلم الاجتماعي والفقر والفساد والمحسوبية وسطوة المال على القانون.


المصدر: صحيفة العرب اللندنية - http://alarab.co.uk/?id=32603#

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...