الاثنين، 1 أكتوبر 2018

جيل الرهبة

جريدة الكويتية
23-09-2018
عماد أحمد العالم


أنا من جيلٍ تربى على الرهبة والخوف وأمضى سنيناً من عمره وقد أغلق عقله وسوره برباطٍ من نارٍ تحرق كل لحظة يحاول رأسه فيها التفكير خارج الصندوق، والذي يمثل هنا مجرد التطرق بينه ونفسه لمسلماتٍ فرضت عليه وغرست بالقوة، مع التهديد والوعيد المغلف بشتى أنواع العذاب، الذي كان كافياً لي كمراهق ومن ثم كشاب أن يحول حياته لأفلام رعب وكوابيس لازمته في صحوه ونومه، سعادته النادرة وحزنه وكآبته الغالبة.
هذا هو ببساطة ملخص لما كشف عنه أحدهم بعد جلسةٍ كسر فيها جدار الصمت الذي فُرض عليه، فناله مستسلماً له من دون مقاومة، وهو الذي يلخص ببساطة مأساة أجيالٍ منا كعرب مسلمين نالنا ما نالنا من لغةٍ سادة وقتاً ما، وما زالت وإن كان بريقها قد بدأ يخبو حالياً، إلا أنها وفي يومٍ من الأيام كانت السائدة.
في خطب الجمعة وفي حقبة ما دَرُجَ على تسميته بالجهاد الأفغاني، كان الحديث يتركز على النضال الإسلامي الفريد في ذاك البلد البعيد، الذي جُند له خيرة الشباب ليقاتلوا فيه باسم دحر الشيوعية الكافرة الملحدة، التي وللحق قد ولدت قبل أن تدخله بعقودٍ طويلة، لكنها وفجأة أصبحت خطراً وقتالها جهاداً واجباً في دولة كانت آمنة أياً كان نمط الحكم بها، إلا أنها كانت مستقرة ومزدهرة، حتى استغلتها القوى العظمى في غُمرة الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي لتصفية الحسابات معها وإنهاك الأخيرة، التي خرجت منها غير آسفةٍ عليها وهي تعي أنها ستتحول لخراب ونزاعٍ طويل الأمد ما زال مستمراً حتى يومنا هذا، تارةً بين من كانوا يسمون أنفسهم بالمجاهدين وتالياً مع طالبان والقاعدة ولاحقاً معها أيضاً مع دخول جماعات أخرى في دوامة العنف غير المنتهية.
من كان يوماً آنذاك يجرؤ أن يشكك بالكرامات والمعجزات، في وقتٍ كان الصوت الوحيد يتمثل بمقولة الجهاد بأفغانستان، حتى أن أحدهم وأعرف أنه كان مدرساً للغة العربية قد ذكر لي أن إمام المنطقة التي يسكن بها كان يزوره كل أسبوع صباح الجمعة لينقح له خطبته ويصححها، فما كان من الراوي أن سأل الشيخ: كل جمعة خطبة عن أفغانستان ودعاء لها فلم أسمع منك لغيرها، فغضب «المطوع» من تساؤل المعلم وكانت تلك آخر مرةٍ يزوره فيها.
أفغانستان ودعاوى الجهاد المقدس في تلك الحقبة لم تكن فقط حديث الساعة، بل تواكبت مع لغة التهديد والوعيد والعذاب من دون ترغيب، يرافقها قصص تُروى من كل حدبٍ وصوب بعضها صحيح وأُخرى اخترعها رواتها أو تناقلوها عمن كانوا يسمونهم «ثُقاتاً»، كرّست الخوف في نفوس العامة ونفرت العديد وتسببت بانحرافات فكرية ما زلنا نعاني تبعاتها حتى يومنا هذا.
في قصةٍ أخرى، يقول أحدهم، كنا صغاراً نمارس قبل المغرب بساعة هوايتنا المُحببة بلعب كرة القدم في ملعب الحي، وكان يصدف أن يأخذنا الحماس وروح المنافسة للعب بعد أن يدخل وقت المغرب، لكن ذلك لم يكن يوماً ليطول، فما إن يُردد المؤذن «الله أكبر»، حتى تتوقف فجأة سيارة يخرُج منها رجلٌ معروفٌ لدينا راكضاً نحونا لاعتقالنا، فيما نحن وفي لحظة رؤيته نهب مسرعين بغير هُدى كي لا يقبض علينا، فسيئ الحظ من يمسك به، ونهاره وليله سيكون كالكحل أسود.
كم تمنينا دعوة حسنة من ذاك المطارد، الذي كنا وحتى في غير أوقات الصلاة نبتعد عنه ونتوارى كلما برز لنا طيفه.
تلك حكايات يرويها البعض عن حقبةٍ زمنيةٍ سوداء في تاريخنا لم تصنع من الشعب دعاة وإنما جرفت العديد منهم لغلاةٍ أو مفرطين.



المصدر: جريدة الكويتية - www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=474027

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...