السبت، 19 نوفمبر 2022

قطر وكأس العالم، بين الحوار الحضاري ودعوات التبشير

 19-11-2022
عماد أحمد العالم


مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وظهور الولايات المتحدة كمحور عالمي منافس للشيوعية والمعسكر الشرقي، ضمّ له دول أوروبا الغربية والبقية من دول العالم التي اختارت أن تكون الهامش للمحور؛ بدأت العولمة الثقافية الأمريكية تكتسب زخماً رسمياً، عززه مساعي الإدارة الأمريكية لكي يكون القرن أمريكياً، ليس سياسياً فقط، وإنما أُريد له لأن يكون ثقافياً واجتماعياً لتمكين الأول. ومع خلو الحضارة الأمريكية من قيمية ذات تأثير وعمق فني وأدبي وثقافي، بدأت رحلة فرض المنظومة الأمريكية الآنفة المعروفة بالثقافة الاستهلاكية، والكاوبوي والبرجر وهوليوود والجاز، للعالم على أنها الحداثة الإنسانية القادمة من الداخل الأمريكي للعالم الذي تحاول الشيوعية واليسار التهامه، فبدأ معها تصدير جديد للتحديث في كافة الحقول. في الفن تم تصدير السريالية كمنافس للفن التقليدي الطبيعي الرصين، فتولى متحف الفن الحديث بنيويورك هذه المهمة، وفي الموسيقى، انتدبت الأوركسترا الأمريكية لتقديم سمفونيتها في العواصم الأوروبية، التي كانت تقليدياً الحاضنة الأولى لها، بما فيها الاتحاد السوفيتي وروسيا قبله، وذلك برعايةٍ من منظمة مُسيسة أُنيط بها عولمة العالم صوب الثقافة الأمريكية، تم تسميتها بمنظمة الحرية العالمية، التي كانت في حقيقتها الذراع الخفي لوكالة الاستخبارات الأمريكية. ساهمت هذه المنظمة أيضاً بإصدار عشرات المجلات والصحف والنشرات، ومئات الكتب، استقطبت للكتابة فيها وتحريرها نخب العالم المؤمن بالحرية وقيمها، والمعادي للسوفييت والشيوعية.
بعيداً عن ذلك، وبعد أكثر من سبعة عقود لاحقة، تستضيف قطر، النسخة الأولى عربيا في تاريخ المنافسة الكروية لكأس العالم. ووسط الاستعدادات للحدث البارز، تتوالى الدعوات لأن تكون التجربة الأولى عربيا فرصة ومناسبة لا تفوت للدعوة للتعريف بالإسلام، وهو ما لا يُمكن إنكار قيمية القيام به لكل مؤمنٍ بعقيدته، ويرى الخلاص للبشرية بالإيمان بدينه. هذا النشاط الدعوي مُحبب، لا خلاف على القيام به طوعاً لا بالإكراه والفرض بالقوة في جميع الأماكن والأوقات، فديننا وقرآننا وهدي نبينا الكريم علمنا أن ندعو لسبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن. أما المغزى هنا، فهو مع تزايد الدعوات للتعريف بالإسلام أثناء المونديال، أجدُ من الملح الدعوة للتريث قليلاً والتحلي بمزيد من الحكمة والتعقل قبل الاندفاع الديني والتعجل بقطف الثمرات. فالحماس وإن كان دلالة محبة وإخلاص، هو ذو تأثير عكسي إن لم يتم توظيفه في السياق الصحيح. وبما أن العالم وللأسف الشديد قد تم تكريس تقسيمه لغرب وشمال متقدم، وجنوب وشرق نامي، بات من السائد فيه أن يكون قيم الأول هي الدارجة والمقبولة، والثاني يعاني من اتهامات التخلف والرجعية والإسلاموفوبيا والإرهاب والتشدد. هذا من جهة، ومن أخرى، إن افترضنا أن أي حضارة هي فعليا حصيلة مجموعة من الحقول والمبادئ والطبيعة التي تمثلها وتمنحها شكلها وكينونتها وجوهرها؛ تكون الحضارة الشرقية، بما فيها الإسلامية والعربية كأحد أهم مكوناتها، مشكلة فعليا من آدابها وتقاليدها وأديانها ومعتقداتها، وثقافاتها المتنوعة، وموروثها الإنساني ولغاتها.
وبناء على ذلك، يعتبر الدين، ولنقل الإسلامي في هذه الحالة، وهو المهم بالنسبة لنا؛ جزء من الكل الممثل للحضارة الشرقية العربية، وأحد أهم عوامل ثرائها. ومع ذلك، لا ينبغي أن يكون فقط هو محور التبشير الموجه لضيوف قطر من مشجعي كأس العالم المفترضين، ومعهم الوفود الإعلامية والصحفية، ولا عنوانه الرئيسي. بل الأجدى أن يكون ضمن مجمل الباقة التي تمثل الشرق العربي تحديدا منه، كحضارة عادة ما يُساء فهمها ويلفها الغموض، وتقابل بالاستهجان والاستنكار. وحتى يُفهم ما أريد قوله بالشكل الصحيح، أرى التوقف عن شعارات الدعوة الإسلامية الحماسية التي تتلقفها الجموع لاستقطاب غير معتنقيه صوبه، والتركيز في المجمل على الغرض الأعم، مع تبنيه لأن يكون عرض حاصل لا هدف موجه وظاهر وعلني. أي أن تكون المناسبة الكروية محور الاهتمام الرئيسي، الذي يتم من خلاله إدارة المنافسات باحترافية وسط أجواء أمن واستقرار، يتخللها بطبيعة الحال سياحة ثقافية للزائر في دوحة الخليج، لا بُد أن يسترعيه فيها تبديد غموض ومخاوف وإجابات عن تساؤلات ومظاهر ومشاهدات، هي من يجب أن يتم استغلالها فعلياً كعرض وصدفة في حالة الفراغ الكروي، ووسط موجات النقد والاستهداف الممنهج للإساءة لقطر على وجه التحديد؛ لتكون مناسبة لسياحة في الثقافة الشرقية العربية، ولتبديد المغالطات، وإجلاء الشكوك، وبث الرسائل، وتصحيح الرؤى، والتعريف اللائق بنا كشعوب تشترك مع المختلف عنها في الجنس البشري بالتنوع الحضاري، فضلاً عن اشتراكها الأهم في قاعدة أساسية تشكل في حقيقتها جوهر الحقيقة المطلقة بأننا بشر من لحم ودم، اختلافنا إثراء لنا، لا سبباً معتاداً للتفرقة والضغينة والعداء.
هذه المنافسة الكروية، لا أراها أبدا السبيل الآني اللحظي لنشر الدين الإسلامي، فهو هدف على سمو مقاصده، ينبغي أن يكون في إطاره الأشمل، المنطلق من كسر حاجز الخوف والرهبة والشك تجاه العالم العربي الشرقي، ومنح العقول الزائرة فرصة التأمل والتفكر والمراجعة الذاتية في قناعاتها السابقة، لتنطلق بعد المغادرة لدولها بعد انتهاء الزيارة، للتساؤل والبحث والتقصي في مفهومها المتراكم عن العرب والمسلمين. هي رحلتهم المعرفية التي سيغذيها ويستفزها مشاهداتهم ومرئياتهم عبر الاحتكاك المباشر، وهي التي ستقودهم لإنصاف هذا العرق العربي والدين الإسلامي، ومن ستمهد الطريق لهم بدولهم، بين أسرهم وفي مجتمعهم وبيئة عملهم ولهوهم، للنقاش الجاد وتبادل الأفكار، الذي حتما سيكون تبعاته إن تم استخلاص الحقيقة، في حده الأدنى، لإنصافنا كعرب ومسلمين، أو لاعتناق الدين الإسلامي بعد دراسته ومناقشته والاقتناع التام به عن إصرار ودراسة مستفيضة.
المسألة ليست بالكم الحماسي، وإنما بالكيف والحكمة. وبالتأكيد، لا يمكن الانجراف فيها خلف الشعارات والدعوات العشوائية المندفعة لنصرة الدين والدعوة له على حساب الأسس القوية المتينة لتأسيس أرضية مشتركة مع الآخر طويلة الأمد. هي أن توصلنا لها، ستكون ثمرة الجهد الدؤوب لتحقيق الغاية والمراد، الذي لا يجب أن تكون فقط اكتساب مزيد من الأتباع للدين الإسلامي، بل لتصحيح البوصلة نحو وعي شعبي غربي وأممي مدرك للصورة المزيفة التمثيلية التي يجري تداولها، وتصحيحها، وهو ما إن يتحقق ستكون مكتسباته ذات أهمية أكبر بكثير من حماسة لحوادث فردية.
في قطر، وحسب ما أعتقد، ما من داعي لأن تكون أكشاك الدعوة الدينية في كل الأماكن بشكلٍ يظهر منه محاولة إضفاء صبغة دينية على الحدث الرياضي، ولا حتى انتشار جموع الدعاة بين الجماهير بمظاهر واضحة، ولا إبراز الأمر إعلاميا ورسميا كغاية وهدف معلن. هو إن حدث، لن يخدم إلا عواطف ومشاعر قصيرة المدى، وقد يكون لها نتائج عكسية. فيما الأجدى، والأسمى ألا تظهر له أي طبيعة معلنة، مع تماهي حثيث بأجواء المونديال العامة يظهر فيها حرص الدولة المنظمة على أن يكون سابقة في حسن التنظيم والنتائج، يصاحبه جهد ثقافي ملاحظ وملموس للتعريف بالثقافة المحلية، والعربية الإسلامية الثرية، التي ستقود حال التعرف عليها للمهتم بالتساؤل وطرح ما يدور بداخله عن مفاهيم مختزلة سابقة، من المفترض لحظتها أن يتم الإجابة عليها بتجرد تام وموضوعية متجردة وعقلانية لا تحمل صفة دينية إسلامية، وإنما إنسانية وأخلاقية وقانونية يفهمها الآخر الذي تغلب على طيف واسع منه الصفة المادية. كما لا يجب أبدا في حوار الثقافة أن تكون الأديان محل مقارنات سلبية لئلا يكون الطرف الآخر من الحوار في موقف المدافع، بل ينبغي السمو عن الموقف بمخاطبة العقل وفق المنطق والسمة الأخلاقية والقيمية. باتباع هذا النهج نكون دعاة حضارة وثقافة، ديننا جزء أساسي منها. وفي نفس الوقت، لا أصحاب أيديولوجيا ومرجعية دينية مختلفة نسعى لتحقيق انتصار ديني من خلالها، هو في حقيقته لا اعتراض عليه، وإنما الهدف الأعم هو السعي لأهداف شاملة وبعيدة المدى تعم فائدتها الجميع على المستوى الشعبي والرسمي.
المثلُ ينطبق على كل صاحب قضية محل نزاع دولي، من المفترض ألا يكون التسامح الرسمي والشعبي معه، والتعاطف، وسيلة لاستغلال الحدث للتعريف بقضيته بشكل واضح، بل كما السابق، عرضياً، حتى لا تنال الدولة المستضيفة نصيباً وافراً من الاتهامات بتسييس الحدث واستغلاله. المهم في استضافة قطر لكأس العالم، ليس النجاح الوحيد في هذا العرس الكروي، وإنما الديمومة والاستمرار بفضل البنية التحتية المميزة التي أقامتها، والمرافق المنشأة؛ لتكون قطر إثراً لذلك، من الآن فصاعداً، أحد أهم وأبرز عواصم الرياضة العالمية، في إنجازاتٍ لها، نفتخر بها جميعاً، لكن دون استغلالها بوصفها ما دون ذلك، أو تجييرها لتتسم بصفة إقليمية أو دينية أو عرقية. ولكي يتحقق هذا، الجميع شركاء بالمسؤولية، فهذا ما يتطلبه أن يُعطى كل ذي حقٍ حقه المستحق، وألا يُستغل كرم العبارات كذريعة لنزع الإنجاز من قطر ومنحه صفة تتعدى كونه في الحقيقة إنجاز قطري صرف وغير مسبوق عربياً وإسلامياً وشرقياً.

الأحد، 6 نوفمبر 2022

الكرة الأردنية وصراع الهويات القاتلة

 موقع سواليف
06-11-2022
عماد أحمد العالم


ليس من الأسلم فقط تحليل الظواهر والحديث عنها بشكل عملي وفكري موضوعي محايد بُمجرد انقضاء الحدث ومرور وقت على حصوله؛ وإنما الأكثر فائدة لطرح المسألة للنقاش المفضي لعرض الإشكالية دون عواطف ومواقف يفرضها الحدث، ومن ثم استعراض الحلول بعد البت في جذورها وأسبابها وتداعياتها. وعلى هذا يمكن القياس على الملابسات المؤسفة، وما نتج عن المباراة الأخيرة في الدوري الأردني لكرة القدم بين ناديي الوحدات والفيصلي، والتي انتهت بفوز الأول في ‘المعركة الكروية’، وخسارة الثاني، المؤسفة لكلا الطرفين في الواقع بعيداً عن التعصب الكروي!
حقيقةً دون خلق الأعذار والمبررات التلطيفية والذرائعية الملطفة للأمر، المسألة ليست مباراة كرة قدم بين ناديين، أو تعصب كروي جاف يحدث في كل أرجاء العالم، بل هي أعم وأشمل، وتشير إلى مشكلة حقيقية ترجع جذورها القديمة للعام ١٩٢٢م، حين رعت بريطانيا أثناء انتدابها على الأردن، وفي مسعىً منها لهدم اللحمة الوطنية الشرق أردنية في الكيان الذي لم ينل وقتها استقلاله؛ مقولة “الأردن لشرق الأردنيين”، من منطلقات استعمارية بريطانية فرنسيه، هدفت لإذكاء الكراهية الشعبية لشرق الأردنيين تجاه من لجأ من السوريين القوميين للأردن هرباً من قمع الاحتلال الفرنسي لسوريا، وقد فشلت بالطبع!
نفس المقولة تتكرر مجدداً ولكن مع اختلاف المكوِّن، حيث يتم بشكل ممنهج من أطراف ذات توجهات لا تخفى أهدافها توجيه الكراهية تجاه الأردنيين من أصول فلسطينية، عبر ترديد مقولة ‘الأردن للأردنيين أصلاً وفصلاً’، من قبل جماعات مأزومة على رأسها العنصريون الجدد، مع هامش حرية عالي بممارسة الكراهية، وتغاضي مقصود، أو متغافل عنه، أو جاهل لخطورة تجزيء المجتمع الأردني وتصنيفه وقولبته في جماعات إثنية مختلفة دون الانتماء الوطني الواحد للجميع، والذي يحكم العلاقة بين المواطن والدولة من جهة، ويأطر العدالة الاجتماعية والمساواة بين جميع أطياف المواطنين بمختلف هوياتهم المعرفية، وجذورهم ومعتقداتهم، والتي شهدت عل الدوام تآلفاً في الوطن الأردني الواحد متعدد الثقافات والمشارب والهويات الفرعية.
أما الرياضة، وإن كانت بكل دول العالم تشهد موجة عنصرية وكراهية متزايدة، وهو ما لا ننكره، إلا أنها وبعد الواقعة الرياضية الأخيرة المؤسفة، تحمل معاني ودلالات أبعد من كونها مجرد تعصب رياضي، حيث تشير على أرض الواقع لخلل مجتمعي، مرده أسباب سياسية واقتصادية وتنموية، برعاية غير معلنة من جهات ‘مصالح’، أو تغاضي لجهات تحمل طابعاً مؤسساتياً، تسعى – وقد نجحت منذ عقود إلى حدٍ ما -؛ لخلق هويتين رياضيتين أردنية وفلسطينية من خلال ناديا الوحدات والفيصلي، لتكريس الانقسام المجتمعي، وتثبيت الإلهاء كاستراتيجية منفعية من واقع أهداف مرسومة يجري العمل عليها بواسطة إذكاء الكراهية والتعصب والعنصرية بشكل عام، والرياضية على وجه الخصوص.
في علم النفس الاجتماعي يشير التعصب الرياضي لحالة يلجأ فيها مكون اجتماعي لمجموعات معينة، للالتجاء لهوياتها الفرعية كوسيلة لتفريغ الكبت الناتج عن افتقارها لحقوق معينة. ولذلك، تجد أن المكون الآخر هو الأقرب والأسهل لتوجيه الغضب تجاهه بدلاً من مواجهة ومجابهة مصدر المشكلة الحقيقية. وهذا أمر ينبغي الأخذ به في الاعتبار لإدراك منابع هذا التعصب الرياضي المقيت وأسبابه الأساسية، الذي يقابله أيضاً واقع يستحق الإشادة، مرده تركيبة الأردن السكانية المتنوعة من أردنيين، وعشائر، وفلسطينيين، وسوريين، وشركس، وشيشان، وغيرهم من أقليات استوطنت الأردن في التاريخ الحديث قبل وبعد التأسيس، وهي في حقيقتها سر نجاح المملكة الأردنية الهاشمية كدولة للتعايش المشترك والتعدد الثقافي والديني والمذهبي، في ظل هوية أردنية مدنية واحدة حددها الدستور، وإن لم تتبلور أطرها بشكل رسمي الآن للحد من النبرات والاتجاهات العنصرية المتصاعدة. بالطبع، قد تكون الهوية الجامعة أحدها، لكنها هي الأخرى أحد أسباب الانقسام المجتمعي، بين من يراها ذريعة للتوطين الفلسطيني في الأردن وإلغاء حق العودة الفلسطيني، وبين من يعتبرها فاقدة لدعم الأغلبية والعشائر الأردنية لكونها لا تستند لإجماع شعبي. فيما يراها آخرون حلاً مؤقتاً مقبولاً ولكن ضمن إطار أكبر يشمل تبديد مخاوف مجموعات عرقية من فقدان مواقعها من جهة، وتحقيق مطالبها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية من أخرى، لضمان عدم نشوء أصوات تدعوا لهوية قومية عنصرية تقصي المكونات الأخرى لخلق ذات عليا تحقق المطالب الآنفة.
من المهم للمجتمع الأردني المتمدن والمتصالح مع نفسه سابقاً، والذي نجح على مدار عقود في تقوية اللحمة الوطنية، أن يعي أن التعصب الكروي للناديين، ليس سوا إرهاصات تم تخليقها لضمان السيطرة والسيادة وفرض الهيمنة المجتمعية من أطراف لها مصلحة باستمرار الكراهية المجتمعية لمآرب لا تخفى على الحصيف، ‘ففرق تسد’، نهج ما زال قائماً ويتم استخدامه للإلهاء والتشتيت، ولخدمة أجندات داخلية وخارجية على حدٍ واحد.
أما العشائر الأردنية، أي سكان البلاد الأصليين، فينبغي التذكير والإشادة أن العشائر بكونهم تاريخياً ومنذ الحقبة العثمانية، وصولاً للاحتلال ومن ثم الانتداب البريطاني على إمارة شرق الأردن، وبعد الاستقلال ليومنا هذا، خير حاضنة وداعم لفلسطين وشعبها، وللعديد من الأقليات المضطهدة في العالم، فاستقبلتها بكل رحابة رغم ضعف الإمكانيات الاقتصادية وهشاشة البنية التحتية للبلاد في الماضي. هي نفس العشائر في الماضي والحاضر، التي تعاني حتى اليوم من مشاكل اقتصادية وتنموية حضرية وبنى تحتية في مناطقها الأبعد عن العاصمة عمان، والمدن الرئيسية. لم تولى العناية الكافية، والتوزيع العادل، مما تسبب بعشائرية ضيقة، قادت لتمسك كل فرد بعشيرته كحاضنة أساس، واللجوء لها كحماية ووسيلة لبث شكواها. وفي نفس الإطار، تسببت لأن يقوم كل مسؤول بضمان خدمة مصالح عشيرته نظراً لما يجده من افتقارها ومكونها لأساسيات الحياة الاقتصادية، وذلك بدلاً من تركه المجال للهوية المدنية، والدولة ومؤسساتها الضامنة للعدالة والمساواة، للقيام بالمهمة بدلاً عنه.
عقب الحرب العالمية الثانية، أراد البريطانيون فصل الأردن عن جغرافيتها الطبيعية (سوريا وفلسطين)، ومنعها من الدعم العشائري المقاوم لفلسطين وسوريا، فأخضعوها للوصاية والانتداب المباشر حتى العام ١٩٤٦، ومع ذلك أثبتت العشائر وطنيتها ولم تخضع. وبالتالي، الزج بالعشائر الأردنية التي لا يستطيع أحد التشكيك بوطنيتها وأخلاقها وحاضنتها وإنسانيتها، والفلسطينيين، بأتون العنصرية القائمة بين ناديي الفيصلي والوحدات؛ جريمة كبرى يستفيد منها أعداء الأردن في الداخل والخارج، ويجب الوقوف ضدها ووأدها من جميع العقلاء من الفلسطينيين والأردنيين، على المستوى الشعبي والرسمي، لأن الاستمرار في التغاضي عنها، لا يهدد وحدة الأردن وسلامته، وإنما يؤذن بانفجار الكراهية في أشكال أخرى لن تكون فقط حصراً بالرياضة، وإنما ستمتد لتشمل جميع نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. مع التأكيد على أن المكون الأردني من أصول فلسطينية في المسألة يتحمل مسؤولية مشابهة للمكون الأردني. فرغم أن الدستور الأردني ينص صراحة أن من يحمل الرقم الوطني هو مواطن له كافة الحقوق وعليه كامل الواجبات؛ إلا أن هذا التحديد وعلى ما يبدوا لم يعُد كافياً لضمان السلم المجتمعي والتعددية الإثنية في الأردن، الوطن الواحد لجميع الأردنيين، وهو ما يتسدعي بدوره حلاً جذرياً لهذه الإشكالية، ولو إلى حين تحرر فلسطين واستقلالها التام، مع التأكيد على المسلمات المعروفة للقضية الفلسطينية الرافضة لفكرة التوطين والوطن البديل. حينها، ونراه قريباً بإذن الله لفلسطين حرة ومستقلة، لكل مقامٍ مقال.


المصدر: موقع سواليف - الكرة الأردنية وصراع الهويات القاتلة - سواليف (sawaleif.com)

السبت، 22 أكتوبر 2022

أخلاقيات الغرب في اللجوء

موقع سواليف
01-03-2022
عماد أحمد العالم


بعيدا عن المعركة الجارية رحاها بين روسيا وأوكرانيا، أو الغزو الروسي، أو استدراج الغرب وأمريكا على وجه الخصوص لبوتين للمستنقع الأوكراني، أجد ربما من غير المجدي الكتابة عما يجري على الأرض كون المشهد يتغير في كل لحظة، وتختلف معطياته باستمرار، ولذلك سيكون حديثي عن ظاهرة باتت واضحة ولن تتغير معطياتها مهما سيق من تبريرات تلطيفها لاحقا، وتخفيف وقعها الصادم، المتنافي بدوره مع منظومة حقوق الإنسان الغربية، والمواثيق الدولية والأممية في تعاملها مع اللاجئ أيا كان عرقه ودينه ولغته.
بشكل لا لبس فيه، ظهرت مقاطع عديدة لمراسلين ومذيعين ومسؤولين رسميين من أوكرانيا ودول أوروبية على قنوات تلفزيونية بما فيها الأمريكية، وهم يعبرون صراحة عن ضرورة مساعدة الشعب الأوكراني، ذو الأصول الأوروبية المسيحية، والخلفية المتحضرة المتعلمة، متماثلة القيم مع الغرب المتمدن، والذي يجب الوقوف إلى جانبه بمحنته، وتسهيل لجوء مواطنيه لدول الجوار والعالم دون تعقيدات، دون أن يضطروا ليكونوا بموقف مشابه لشعوب أخرى تعرضت لأزمات سابقا وحاضرا، بمن فيهم السوريين والعراقيين والأفغان، وبمقارنة فجة واضحة، وعنصرية تنتقص من قيمتهم مقابل الأوكرانيين. هذا بالإضافة لمقاطع مصورة وشهادات صادرة عن صحافيين بولنديين وغيرهم أظهرت رفض سلطات الأمن البولندية دخول غير اللاجئين الأوكرانيين لبلادهم، وتعمدها مع حرس الحدود الأوكرانيين منح الأولوية في الدخول والرعاية للأوكرانيين فقط، مع الإصرار على إهانة وتجاهل دونهم بمن فيهم الأفارقة والطلبة الأجانب، ومعاملتهم بلا إنسانية تصل لحد الايذاء البدني واللفظي.
مثل هذه المواقف بما فيها التصريحات والعبارات العنصرية، وإن كانت صادمة لتظهر بهذه الفجاجة والصراحة المطلقة دون مواربة، لم تكن مستغربة بالنسبة لي، فرغم كوني منذ بداية الأزمة وأنا أتبنى موقفا إنسانيا متعاطفا دون شروط ومقارنات سلبية مع أوكرانيا كدولة مستقلة وكيان وجغرافيا، ومع شعبها من مدنيين عزل لا ذنب لهم، إلا أن هذا لا يعني التغاضي عن هذه العنصرية الفجة اللاإنسانية، وازدواجية المعايير الغربية، والتصريحات المشينة، والمواقف المعلنة على الصعيد الرسمي والشعبي والإعلامي المتحيزة للاجئ الأوكراني على حساب كل ما لا ينتمي للعرق الأبيض الصافي.
من المهم تبيان منذ أن بدأت الحرب في سوريا، استقبلت دول الجوار وأوروبا وأمريكا الشمالية ملايين اللاجئين السوريين دون شروط، بل بتعاطف كبير رسمي وشعبي، تكشفت سوءاته بعد وضوح الفجوة الثقافية، وتزايد هوة اندماج اللاجئين السوريين بدول المهجر، لتتحول الأنظمة المتساهلة لشديدة التعقيد، مع تزايد الأصوات الرافضة والمطالبة بتقييد اللجوء. فبين بداية متعاطفة، ووسط متفهم ساعيٍ لدمجهم، لنهاية متشددة ترفضهم، استكمل السوريون مراحل اللجوء الثلاث، التي حتما يمر الأوكرانيون الآن بمرحلتها الأولى، دون أدنى شك بأن الأزمة لو طالت، ستخضعهم للمرحلتين اللاحقتين. لذلك لن أستغرب أن تظهر أصوات أوروبية غربية بعد فترة، عنصرية تجاه الأوكرانيين الأوروبيين الشرقيين، غير المتوائمين مع قيم أوروبا الغربية، بعد انقضاء فترة التعاطف، والتعامل على أرض الواقع بعقلانية مصلحية بحتة.
بداية، ألتمس العذر لكل من تتعرض بلاده للغزو والاحتلال، وسأفترض أن معاييره الأخلاقية شعبيا ورسميا تضمحل مع المعاناة، فإن صرخ طالبا الغوث متذرعا بكونه أوروبي مسيحي من أبناء جلدته، فهذا من منطلقات عفوية تفرضها اللحظة لاستدرار عطف من ينتمي لهويته. فالجميع يمارس الأسلوب نفسه، ونحن كعرب ومسلمين رددناها مرارا وتكرارا، مستصرخين وطالبين العون من إخوة الدين والعرق بكل أزمة مر بها أحد شعوبنا، ولذلك لا يمكنني لوم الآخرين إن قاموا بها. أما ما لا يمكن تقبله هو طلب النجدة على حساب الاستنقاص من الآخر، والاستخفاف بآدميته ومآسيه التي لا تقل عنه سوء. وهذا ينطبق على الأوكرانيين والغرب بصفة عامة بكافة مؤسساتهم وأفرادهم كما سمعنا وشاهدنا. وهو ما يشير إلى تلك العقيدة من الذات الاستعلائية الغربية المترسخة في اللاوعي الأوروبي، بفوقيتها وعلو مكانتها عرقا ودينا وحضارة على سواها، وهي بواقعها من لم تغب عن وجدانهم خلاف ما يدعون ونصت دساتيرهم. فهي وإن توارت، فسرعان ما تظهر حال نشوء الأزمات، كما شاهدناها الآن جلية دون تجميل.
مرة أخرى، سأحاول أن أكون واقعيا بطرحي، موضوعيا بعيدا عن العاطفة. مفترضًا أن ظاهر المقاطع والتصريحات المذكورة آنفاً عنصري كباطنه، ولكن ألا يجدر بنا القول إن نظرة الشعوب إلينا نابعة مما تسببنا به أولاً لأنفسنا، فنحن كشعوب من يعلي مكانتها ويخفضها. كما أننا كعرب ومسلمين، وشعوب العالم الثالث لسنا بعيدين عنها، ممارسين بتفوق للعنصرية والاقصاء والتصنيف نفسه وأقسى على بعضنا، فلو كنا أمة عربية مسلمة ذات مكانة وقيمة عليا بين الأمم لما تجرأ أحد توصيفنا بما يقلل من قدرنا ومكانتنا.
علماً أنني لا أنكر عنصريتهم الظاهر منها والباطن، وازدواجية المعايير لديهم، فقد مررنا بأزمات أثبتتها على مدار عقود، ولكن ألا يجدر بنا مرة أخرى من باب المكاشفة ألا نلقي باللائمة على عنصرية الآخرين وإقصائيتهم بتعاملهم معنا دون الأخذ بالاعتبار كونها تشكل نظرتهم لنا منذ قرون. أليس الأجدى بنا أن نثبت لهم ولأنفسنا عمليا لا افتراضا بأننا قيمة عليا لا تقل عنهم مكانة. حينها، أغلب الظن ألا أحد سيجرؤ على ازدرائنا واستنقاصنا.
‏لماذا لا نقر قبل لعن الغرب ولومه بأن العلة فينا قبل الآخرين. ومن هنا يكمن الحل والنهج إن شئنا أن نعامل بما نستحق!


المصدر: موقع سوالف - أخلاقيات الغرب في اللجوء - سواليف (sawaleif.com)

كلنا راح نفرط، أصحاب ولا أعز!

 موقع صفحة أخيرة
05-06-2022
عماد أحمد العالم


عادة ما تحملني الدعايات الموجهة ضد أي فيلم عربي إلى الابتعاد طويلا عن مشاهدته والتحدث بشأنه، ليس لسلبية لا أدعي تمتعي بها في ظل انحطاط ثقافي يعتري المشهد العربي على كافة المستويات؛ وإنما لأنني أدركت مبكراً أن الحراك الشعبي العربي تجاه أي عمل فني عادة ما يكون موجهاً. بمعنى، تلجأ الجهة المنتجة للفيلم لاختلاق عاصفة نقد موجهة لاستثارة فضول المشاهد العربي عبر المس بما يعده مسلمات ذات قيمة تتقاطع مع هويته العرفية والدينية. مجرد الإشارة ولو من بعيد لها أو المساس، أو التصادم مع قيمها المترسخة في اللاوعي العربي الشعبي رغم الظاهر المتضارب; ربما كفيل بأن يستثير ذلك الكبت بداخله تجاه أمور أخرى في الواقع بعيدة كل البعد عن قيمه المقدسة.
الاستثناء لما فرضته أعلاه على نفسي، رغم أنني قد نسيت إخباركم بأنني ومنذ العشر سنوات الماضية قد اعتزلت الفن العربي ومشاهدته مع بضع مشاهدات محدودة انتقائية لكسر الجمود ولزيادة اليقين تجاه العزلة؛ كان لمشاهدة الفيلم المصري، اللبناني فعليا "أصحاب ولا أعز". ليس لأنه إضافة نوعية لمشاهداتي المتواضعة، ولكنه ذلك الفضول الذي حطم قناعات صاحبه.
المهم، شاهدت الفيلم ولم أستغرب ما استثاره من غضب، ففيه ألفاظ جنسية خارجة، وتوصيفات حميمة، وأحضان وقبلات بين رجال الأصدقاء ونسائهم "بعفوية"، ولقطات ذات إيحاءات في غير سياق، وتلفظ بالأعضاء التناسلية البشرية بلحظات المزح والجد، نرفض قراءتها روائياً، ومشاهدتها تلفزيونيا وسينمائيا، رغم أن الكثير في الواقع عربيا يتلفظ بها من الصباح إلى المساء، وفي لحظات الغضب والفرح، بل حتى أثناء النوم والاسترخاء. كما أنني وأدعي الآن "لم أصب بصدمة" من حالة التحرر في اجتماع الأصدقاء، والقبلات المتبادلة بين رجالهم ونسائهم، والأحضان المشتركة، والتلامس الجسدي الاخوي البريء، والتحدث بأريحية بأمور زوجية خاصة جدا بالعلن، ومشاركتهم هموم البرود الزوجي، وحالة المظهر الجسدي المتجرد على طبيعته وكما خلق، مع تبادل النخوب وقرع الكؤوس، فتلك جميعها حالة طبيعية في مجتمعاتنا العربية العلمانية الليبرالية المادية المتحررة الطبيعية، التي لم تنتمي يوما لدين أو قبيلة وعائلة وعرف وتقاليد، وتعيش في الحالة الطبيعية من القيم الأخلاقية للإنسان البدائي بغابات الأمازون!
الفيلم نخبوي بامتياز، فالمنازل والديكور والملابس "والريد واين" والسيارات والأثاث تشير لانتماء أبطال الفيلم لطبقة لا يمكن أن تكون متوسطة فضلا عن كونها فقيرة، بدول نسبة خط الفقر فيها بازدياد مضطرد، والعملة منهارة، وسعر صرفها مقابل الدولار في تزايد، والسولار والبنزين إن لم ينقطع من محطات توزيعه فتعرفة لتراته بارتفاع، والمنتجات الأساسية المفقودة من السوق إلى جانب الخبز والطحين تشهد تضخم، والدعم الحكومي يتناقص.
أما السياسة والمشاركة بها والقائمين عليها والحراك الرسمي إن تحدثنا عن لبنان، البلد الذي جرى تصوير الفيلم فيه وأغلب الأبطال منه، فيشهد حالة غير مسبوقة من الانهيار السياسي والاقتصادي والمجتمعي. لم يتطرق الفيلم لأيٍ من مشاكله، ولا لمعضلات الدول العربية الأخرى اللامتناهية بدلا من لعبة الهواتف النقالة، وطرح ما فيها من أسرار للعلن أمام الأصدقاء حال وصول أي رسالة أو اتصال وأمام الجميع، فخبرتي المتواضعة بالحياة توحي لي بأن أقل هموم المجتمع العربي "بأغلبه" لا يكترث بمشاعر الطبقة المخملية البعيدة كل البعد عن توفير قوت يومها، وبمنح بناتها الأقل من ثمانية عشر سنة أو خمسين سنة حق الاختيار بممارسة العلاقات الجنسية الغير شرعية خارج إطارها المعروف. فضلا عن عدم الاكتراث إن وجدوا بعد حملة تفتيش أبوية "واقيات حماية جنسية" لدى بناتهم.
أما بشأن طرح الفيلم لمشاكل الشذوذ الجنسي، والخيانة الزوجية، والحمل خارج إطار الزواج، وعلاقات المراهقين الجنسية، والمراهقة الزوجية المتأخرة، والبرود العاطفي، فذاك واقع لا يمكن إنكاره ووجوده. فجميع ما ذكر، مشاكل مجتمعية حقيقية لا ننكرها وإن لم تكن الغالبة والمعضلة الأكبر. فقد تحدث عنها الإعلام والكتاب والمثقفين والفلاسفة والأكاديميين، ورجال الدين وخطباء المساجد، والسياسيين والمعلمين وأرباب السوابق، وحتى ربما مرتادي المقاهي، وسواقي التكاسي، ومراهقي الحواري المجتمعين يوميا بعد العصر للعب كرة القدم في شوارع الحي. رغم ذلك، أجدها جميعا ورأيي مردودٌ عليه، لا ترقى لحقيقة أن العديد من دولنا العربية دون تحديد أي منها؛ تعيش بواقع مزري من الفقر، وغياب العدالة الاجتماعية، والجمود السياسي، والنقمة الشعبية، وضعف للمنظومة الصحية والتعليم، وبطالة متفشية، ورشاوي وفساد مستشري، وانعدام للأمن، وظلم مجتمعي غير مسبوق للمرأة، ليس ابتداءً من التحرش بها في وسائل النقل والعمل، وفي الشارع وبالعالم الافتراضي، دون الانتهاء بهضم حقوق الأنثى بالميراث، وجرائم "الشرف"، والعضل الأبوي، والزواج القسري، والحقوق الأدنى، والمعاملة التفضيلية للرجل بغير وجه حق، واللامساواة، والعنف الزوجي، والخطف والاغتصاب والتعذيب. إلى آخر القائمة الطويلة التي لم تسترعي انتباه لا السيناريست والمخرج، وبالطبع نيتفليكس الجهة المنتجة للعمل. وكذلك الممثلين، وجميع القائمين على هذا المنتج السينمائي، الذي للحق وللأمانة لم يصل لحالة الانحلال الاخلاقي الذي عرفته بعض من أفلام الستينات والسبعينات العربية المصور العديد منها بلبنان، وفيها حالة من التعري والجنسانية من غير الملائم التحدث عنها، فقد مضت لذلك الركن المنسي في حاوية التاريخ.
لعبة فضائح الهاتف المبتذلة سينمائيا من كثرة تكرار فكرتها عالمياً، هي محور الفيلم من بدايته لنهايته، وفيها تم تصوير رسالة الفيلم وأحداثه، ولكن بنهايته غادر جميع الأصدقاء السهرة وكأن شيئا لم يكن، فقد صورها المخرج كافتراض تخيلي ومكاشفة لما كان سيحدث فعليا لو قاموا بها، وحينها ستظهر حقيقة الأصدقاء والزوجات من حيث خيانتهم الزوجية، وحتى مع بعضهم أنفسهم، وشذوذ أحدهم، وعلاقاتهم وتصرفاتهم الغير أخلاقية، وغيرها التي منع حصولها إصرار الزوج المضيف للسهرة رفض لعبها منذ البداية، لإدراكه سهولة فضح التكنولوجيا وكشفها للمستور من الممارسات الغير أخلاقية!
العبرة والنصيحة المقدمة من فيلم "أصحاب ولا أعز" في نهاية الفيلم على يد أحد أبطاله أثناء مخاطبة زوجته، قبل أن ترسل هي نفسها رسالة خيانة من هاتفها لعشيقها الذي هو في الأساس صديق زوجها، وزوج صديقتها الحاضر في السهرة معهما وزوجته: "الهواتف النقالة فضيحة، فكل أسرارنا بداخله، "وكلنا راح نفرط، صحيح في ناس بتفرط أبل ناس، ولكن كلنا راح نفرط".
أتوقع أن مصممي برنامج بيغاسوس سيء الذكر، قد شعروا بالفخر بعد سماعهم النصيحة السابقة، ولم يغب عنهم أثناء صناعة برنامجهم أن العديد "هيفرط" بعد اختراق هواتفهم!


المصدر: موقع صفحة أخيرة - كلنا راح نفرط، أصحاب ولا أعز! | صفحة أخيرة (saf7a-a5era.com)

الأربعاء، 1 يونيو 2022

أحمد الصراف: ما من داعٍ لأن تكون إسرائيلياً!

 بقلم: عماد أحمد العالم
01-06-2022
أحمد الصراف: ما من داعٍ لأن تكون إسرائيلياً!

ردا على مقالة الكاتب أحمد الصراف في جريدة القبس الكويتية بعنوان: "لو كنت إسرائيليا... ماذا كنت سأفعل؟"، والمنشورة بتاريخ 31-05-2022 الرابط: https://www.alqabas.com/article/5885010


ليطمئن قلب "أحمد الصراف"، لو كُنتَ إسرائيلياً، ولك "أن تكون" طالما تخيلت ذلك، واكترثت لما يُفكر به المجرم، وسعيت لإظهاره على خلاف حقيقته، فلن تحتاج لإثبات أن العرب شعوب لا تستحق الاحترام. فكمنتمي لدولة الاحتلال "إسرائيل"، وببساطة سترى أنهم شعوب لا تستحق الحياة. وبالتالي، هدفك الأساسي إبادتهم دون أي اعتبار. وهو ما دأبت فعله منذ أن مكنك الانجليز من احتلال فلسطين وتشريد شعبها، وارتكاب المجازر بحقهم. بالطبع بنت القدس شيرين أبو عاقلة، التي اغتالتها رصاصة غدر إسرائيلية، لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة من الإعلام أو من عموم الفلسطينيين، مسيحيين كانوا أو مسلمين. فرصاص غدر الكيان يعي جيدا أن في فلسطين، الجميع يحمل دم الأرض وهمومها دون أي نزعات طائفية أو عرقية أو مذهبية. وبالتالي الهم الفلسطيني ألغى جميع الاعتبارات التي فرقت الدول العربية سابقا وحاضراً، ليوحدهم فلسطينيتهم، أي القضية الجامعة.
سأفترض جدلا أنّ "أحمد الصراف"، ومن حقي الافتراض كما منح ذاته حق التفكير كإسرائيلي مدافعاً عنه -وهذه ليست المرة الأولى-، أخذته الحماسة، أو العزة بالإثم، أو السباحة عكس التيار، عن علمٍ، أو جهلٍ كما دأب، ليكتب عن فكرة يجهل تمام الجهل حيثياتها، ولذلك سأمنحه ما يثري معلوماته ببعضٍ ما أعقب ارتقاء شيرين -اغتيالها-، حين نعاها مسلمي فلسطين ومسيحيها، علماؤهم وقساوستهم ورهبانهم.
في القدس، دقت أجراس الكنائس، بالتزامن مع غزة وجنين وبيت لحم في وداع شيرين، فيما حمل جثمانها على أكتافهم في مشهد مهيب مسلمي فلسطين، دون أن يخشوا الصليب القابع على نعشها أن يلامس أكتافهم المسلمة، بل دافعوا عنه وحموه بأجسادهم وأرواحهم حين تعمدت قوات الإجرام الصهيوني إسقاطه. لكنه لم يسقط، بل بقي شامخاً كشموخ شيرين. ساروا به في وداعٍ مبجل ووقور ورصين عبر أزقة جنين والضفة الغربية. في الوقت الذي خرجت به خطب الجمعة في عموم فلسطين، وغزة أولاها ترثي شهيدة الوطن شيرين، زهرة الإعلام المسيحية التي أوصلت صوت فلسطين للعالم طوال ما يقارب الثلاثة عقود، ختمتها برسالة مفادها بأن الجميع في فلسطين، فلسطينيين أياً كانت ديانتهم، وبأن خير مثال لتعايش مسيحيي الشرق مع مسلميه هو في فلسطين، التي لا تعرف الخلافات الدينية التي مزقت سابقا بعض الدول العربية. أما من خرج وانشغل بيجوز أو لا يجوز، وهذا واقع لا يمكن إنكاره، فمنهم البسطاء الذين يجب إرشادهم، ومنهم من أوعز له فيما يعرف بالحرب النفسية، التي عادة ما يلجأ لها الاحتلال ومؤيديه من العرب الرعاع لإلهاء العامة عن الحدث الأهم، بغية صرف الأنظار عن الجريمة، التي يبدوا أن السيد "أحمد الصراف" قد وقع بفخها عن طيب خاطر، أو جهل، وكلاهما سيان لمن ينتمي للنخب المثقفة. مغفلاً أن مسلمي فلسطين بغالبيتهم العظمى بما فيها التيارات الأكثر تدينا قد أبّنت شيرين المسيحية، مقيمةً لها سرادق العزاء، ورثتها بخطب الجمعة، التي خصصتها للحديث عن مسيحية فلسطينية قدمت روحها فداء لأقصى المسلمين، الذي صدف وأن تواجد في قدسه كنيسة القيامة، التي توافقت الطائفتين الكاثوليكية والأرثوذكسية على أن تعهد بمفتاح بوابتها لعائلة جودة المسلمة، كمثالٍ على روح التعايش والتقبل بين مختلف الملل في فلسطين، التي يجهل واقعها الديموغرافي والديني، الكاتب الصراف!
لو كان أحمد الصراف إسرائيلياً، فآخر ما يكترثُ له العرب وما يقولون ويفعلون، فجميعهم بالنسبة إليه عرب أعداء يلعنهم كل صباح ومساء. وسواء كان الترحم على شيرين أو وصفها بالشهيدة، فذلك آخر ما يهتمُ له، وهو المدرك جيدا أن العديد من القيادات الفلسطينية والأفراد المنضوين للمقاومة كانوا من المسيحيين العرب والفلسطينيين، في تصاهر نضالي جمعهم مع شركاء الوطن المسلمين، حيث الهم الفلسطيني لا الانتماء الديني هو المعيار.
على مدار تاريخ فلسطين الحديث، لم يسبق أن حدثت مشاكل دينية أو طائفية بين مسلمي فلسطين ومسيحيها، ولم يُعرف أبدا حادثة واحدة تعرض فيها مسيحي فلسطيني للأذى بسبب معتقده وإيمانه. وما هجرة عشرات الآلاف المبكرة منهم من فلسطين إلا كامتداد لسياسة التهجير القسري والتطهير العرقي التي تعرض لها الفلسطينيون بكافة مكوناتهم منذ العام 1947، وليست حكراً على المسلمين بل المسيحيين أيضاً، الذي تعمد الاحتلال تهجيرهم لإفراغ فلسطين منهم بشتى الطرق، ومنها القمع الممنهج، والضرائب الباهظة على ممتلكات الكنائس. وما ادعاء الصراف بمعاناة مسيحيي فلسطين إلا هرطقات جاهل، يكتب بما لا يعرف، أملاً أن تساهم ترهاته بالترويج لفكرته المزيفة والمغلوطة!
لو تفكر الصراف قليلا، لاستذكر المسيحي إدوارد سعيد، الذي ناضل ودافع عن فلسطين في الغرب وبلغته، ومثله المسيحي وائل حلاق الذي أنصف العرب والمسلمين، وحنان عشراوي، وجورج حبش، والمطران كابوتشي، ووديع حداد، والأب مانويل مسلم، والذي أقتبس عنه قوله " إذا منع الاحتلال الأذان في مساجد القدس، ارفعوا الأذان فوق أجراس كنائسنا". وغيرهم العشرات ممن لا يسعني ذكرهم هنا. جميعهم من أبناء فلسطين المسيحيين، مثقفين ومثقفات حملوا الهم الفلسطيني على أكتافهم سواء في غربتهم الجبرية وحياة الشتات، أو بين أكناف بيت لحم والقدس والناصرة وبقية مدن وقرى فلسطين المحتلة.
إن كان "الصراف" يكترث لما سيقوله القاتل، مانحاً الاسرائيلي الحق بالتساؤل إن كان من الحكمة الثقة بنا، وعقد صفقات «سلام الدولة الواحدة» معنا، فيجدر بالصراف أن يستخدم ضمير المفرد لا الجمع ويتحدث عن نفسه، فالكويت لا نية لها لا في القريب العاجل ولا البعيد عقد اتفاق سلام مع دولة لا ترغب بالسلام، كما أنها تجرم التطبيع، وتسمي الأسماء بمسمياتها، واصفة هذا الكيان بدولة الاحتلال، الذي غاب عن الصراف أن هذا الكيان الفوقي يمارس العنصرية والتصنيف على مكوناته اليهودية ذاتها. فاليهودي الغربي أعلى مكانة من الشرقي والأفريقي والعربي. وبالتالي، يصنف مكونات دولته الغاصبة بناء على العرق واللون!
لا يمكن أن تطلب العدل من فاقده، ومن العبث عقد السلام مع منتهكه، ومن الغباء الثقة بمن لا يستحقها. هذه أساسيات التعامل مع دولة الاحتلال الذي تقمص الصراف نفسه كأحد مواطنيها، مستشعرا نظرتها لشيرين التي قام أحد جنوده باغتيالها، ليروج لفكرة أن فلسطين والعرب بغالبهم تجاهلوا شيرين المسيحية، فيما المشهد على الأرض أثبت أن فلسطين والعالم العربي والإسلامي رثى وترحم على شهيدة الحق الفلسطيني، زهرة الإعلام شرين أبو عاقلة، التي وريت الثرى في زهرة المدائن، القدس الشريف!

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...