الأربعاء، 1 يونيو 2022

أحمد الصراف: ما من داعٍ لأن تكون إسرائيلياً!

 بقلم: عماد أحمد العالم
01-06-2022
أحمد الصراف: ما من داعٍ لأن تكون إسرائيلياً!

ردا على مقالة الكاتب أحمد الصراف في جريدة القبس الكويتية بعنوان: "لو كنت إسرائيليا... ماذا كنت سأفعل؟"، والمنشورة بتاريخ 31-05-2022 الرابط: https://www.alqabas.com/article/5885010


ليطمئن قلب "أحمد الصراف"، لو كُنتَ إسرائيلياً، ولك "أن تكون" طالما تخيلت ذلك، واكترثت لما يُفكر به المجرم، وسعيت لإظهاره على خلاف حقيقته، فلن تحتاج لإثبات أن العرب شعوب لا تستحق الاحترام. فكمنتمي لدولة الاحتلال "إسرائيل"، وببساطة سترى أنهم شعوب لا تستحق الحياة. وبالتالي، هدفك الأساسي إبادتهم دون أي اعتبار. وهو ما دأبت فعله منذ أن مكنك الانجليز من احتلال فلسطين وتشريد شعبها، وارتكاب المجازر بحقهم. بالطبع بنت القدس شيرين أبو عاقلة، التي اغتالتها رصاصة غدر إسرائيلية، لم تكن الأولى ولن تكون الأخيرة من الإعلام أو من عموم الفلسطينيين، مسيحيين كانوا أو مسلمين. فرصاص غدر الكيان يعي جيدا أن في فلسطين، الجميع يحمل دم الأرض وهمومها دون أي نزعات طائفية أو عرقية أو مذهبية. وبالتالي الهم الفلسطيني ألغى جميع الاعتبارات التي فرقت الدول العربية سابقا وحاضراً، ليوحدهم فلسطينيتهم، أي القضية الجامعة.
سأفترض جدلا أنّ "أحمد الصراف"، ومن حقي الافتراض كما منح ذاته حق التفكير كإسرائيلي مدافعاً عنه -وهذه ليست المرة الأولى-، أخذته الحماسة، أو العزة بالإثم، أو السباحة عكس التيار، عن علمٍ، أو جهلٍ كما دأب، ليكتب عن فكرة يجهل تمام الجهل حيثياتها، ولذلك سأمنحه ما يثري معلوماته ببعضٍ ما أعقب ارتقاء شيرين -اغتيالها-، حين نعاها مسلمي فلسطين ومسيحيها، علماؤهم وقساوستهم ورهبانهم.
في القدس، دقت أجراس الكنائس، بالتزامن مع غزة وجنين وبيت لحم في وداع شيرين، فيما حمل جثمانها على أكتافهم في مشهد مهيب مسلمي فلسطين، دون أن يخشوا الصليب القابع على نعشها أن يلامس أكتافهم المسلمة، بل دافعوا عنه وحموه بأجسادهم وأرواحهم حين تعمدت قوات الإجرام الصهيوني إسقاطه. لكنه لم يسقط، بل بقي شامخاً كشموخ شيرين. ساروا به في وداعٍ مبجل ووقور ورصين عبر أزقة جنين والضفة الغربية. في الوقت الذي خرجت به خطب الجمعة في عموم فلسطين، وغزة أولاها ترثي شهيدة الوطن شيرين، زهرة الإعلام المسيحية التي أوصلت صوت فلسطين للعالم طوال ما يقارب الثلاثة عقود، ختمتها برسالة مفادها بأن الجميع في فلسطين، فلسطينيين أياً كانت ديانتهم، وبأن خير مثال لتعايش مسيحيي الشرق مع مسلميه هو في فلسطين، التي لا تعرف الخلافات الدينية التي مزقت سابقا بعض الدول العربية. أما من خرج وانشغل بيجوز أو لا يجوز، وهذا واقع لا يمكن إنكاره، فمنهم البسطاء الذين يجب إرشادهم، ومنهم من أوعز له فيما يعرف بالحرب النفسية، التي عادة ما يلجأ لها الاحتلال ومؤيديه من العرب الرعاع لإلهاء العامة عن الحدث الأهم، بغية صرف الأنظار عن الجريمة، التي يبدوا أن السيد "أحمد الصراف" قد وقع بفخها عن طيب خاطر، أو جهل، وكلاهما سيان لمن ينتمي للنخب المثقفة. مغفلاً أن مسلمي فلسطين بغالبيتهم العظمى بما فيها التيارات الأكثر تدينا قد أبّنت شيرين المسيحية، مقيمةً لها سرادق العزاء، ورثتها بخطب الجمعة، التي خصصتها للحديث عن مسيحية فلسطينية قدمت روحها فداء لأقصى المسلمين، الذي صدف وأن تواجد في قدسه كنيسة القيامة، التي توافقت الطائفتين الكاثوليكية والأرثوذكسية على أن تعهد بمفتاح بوابتها لعائلة جودة المسلمة، كمثالٍ على روح التعايش والتقبل بين مختلف الملل في فلسطين، التي يجهل واقعها الديموغرافي والديني، الكاتب الصراف!
لو كان أحمد الصراف إسرائيلياً، فآخر ما يكترثُ له العرب وما يقولون ويفعلون، فجميعهم بالنسبة إليه عرب أعداء يلعنهم كل صباح ومساء. وسواء كان الترحم على شيرين أو وصفها بالشهيدة، فذلك آخر ما يهتمُ له، وهو المدرك جيدا أن العديد من القيادات الفلسطينية والأفراد المنضوين للمقاومة كانوا من المسيحيين العرب والفلسطينيين، في تصاهر نضالي جمعهم مع شركاء الوطن المسلمين، حيث الهم الفلسطيني لا الانتماء الديني هو المعيار.
على مدار تاريخ فلسطين الحديث، لم يسبق أن حدثت مشاكل دينية أو طائفية بين مسلمي فلسطين ومسيحيها، ولم يُعرف أبدا حادثة واحدة تعرض فيها مسيحي فلسطيني للأذى بسبب معتقده وإيمانه. وما هجرة عشرات الآلاف المبكرة منهم من فلسطين إلا كامتداد لسياسة التهجير القسري والتطهير العرقي التي تعرض لها الفلسطينيون بكافة مكوناتهم منذ العام 1947، وليست حكراً على المسلمين بل المسيحيين أيضاً، الذي تعمد الاحتلال تهجيرهم لإفراغ فلسطين منهم بشتى الطرق، ومنها القمع الممنهج، والضرائب الباهظة على ممتلكات الكنائس. وما ادعاء الصراف بمعاناة مسيحيي فلسطين إلا هرطقات جاهل، يكتب بما لا يعرف، أملاً أن تساهم ترهاته بالترويج لفكرته المزيفة والمغلوطة!
لو تفكر الصراف قليلا، لاستذكر المسيحي إدوارد سعيد، الذي ناضل ودافع عن فلسطين في الغرب وبلغته، ومثله المسيحي وائل حلاق الذي أنصف العرب والمسلمين، وحنان عشراوي، وجورج حبش، والمطران كابوتشي، ووديع حداد، والأب مانويل مسلم، والذي أقتبس عنه قوله " إذا منع الاحتلال الأذان في مساجد القدس، ارفعوا الأذان فوق أجراس كنائسنا". وغيرهم العشرات ممن لا يسعني ذكرهم هنا. جميعهم من أبناء فلسطين المسيحيين، مثقفين ومثقفات حملوا الهم الفلسطيني على أكتافهم سواء في غربتهم الجبرية وحياة الشتات، أو بين أكناف بيت لحم والقدس والناصرة وبقية مدن وقرى فلسطين المحتلة.
إن كان "الصراف" يكترث لما سيقوله القاتل، مانحاً الاسرائيلي الحق بالتساؤل إن كان من الحكمة الثقة بنا، وعقد صفقات «سلام الدولة الواحدة» معنا، فيجدر بالصراف أن يستخدم ضمير المفرد لا الجمع ويتحدث عن نفسه، فالكويت لا نية لها لا في القريب العاجل ولا البعيد عقد اتفاق سلام مع دولة لا ترغب بالسلام، كما أنها تجرم التطبيع، وتسمي الأسماء بمسمياتها، واصفة هذا الكيان بدولة الاحتلال، الذي غاب عن الصراف أن هذا الكيان الفوقي يمارس العنصرية والتصنيف على مكوناته اليهودية ذاتها. فاليهودي الغربي أعلى مكانة من الشرقي والأفريقي والعربي. وبالتالي، يصنف مكونات دولته الغاصبة بناء على العرق واللون!
لا يمكن أن تطلب العدل من فاقده، ومن العبث عقد السلام مع منتهكه، ومن الغباء الثقة بمن لا يستحقها. هذه أساسيات التعامل مع دولة الاحتلال الذي تقمص الصراف نفسه كأحد مواطنيها، مستشعرا نظرتها لشيرين التي قام أحد جنوده باغتيالها، ليروج لفكرة أن فلسطين والعرب بغالبهم تجاهلوا شيرين المسيحية، فيما المشهد على الأرض أثبت أن فلسطين والعالم العربي والإسلامي رثى وترحم على شهيدة الحق الفلسطيني، زهرة الإعلام شرين أبو عاقلة، التي وريت الثرى في زهرة المدائن، القدس الشريف!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...