الجمعة، 20 ديسمبر 2019

الحكايات محور حياتنا

جريدة الرؤية
20-12-2019
عماد أحمد العالم



كثيراً ما يتردد السؤال: لماذا نقرأ؟ تتنوع الإجابات وكل حسب هواه وميوله، إلا أن البقية من التساؤل الذي أجد من الأولى عدم تغافله وطرحه هو: لماذا تحوز الروايات على النسبة الأكبر من الإقبال وتجذب جمهور القراء رغم أنها قصص يحكيها لنا آخرون بتكرار لا نهاية له؟
والفرق فيها أسلوب من يصوغها ويسردها ونمط طرحه، فالعديد منها اختبرناه في حياتنا كما فعل سوانا أو سمعنا عنها بأقل تقدير، ومع ذلك نرغب في الاستماع لها مجدداً بفضول ونشوة وتلهف وكأنها المرة الأولى، ولكن ليس عبر وسيط كان في عقود وقرون سابقة يسمونه «الحكواتي»، يتجمع حوله حشد يولونه اهتمامهم، وإنما عبر رواية ورقية من كلمات أحدهم نحن من يتحكم بإنهائها، وبأيدينا نصنع علاقتنا معها لنكملها في جلسة أو على مدار أيام.
ما الجديد في الرواية إن كانت مواضيعها محصورة بمواضيع غالباً ما تكون معروفة، ومع ذلك تجذبنا إليها لنعيش بأجوائها وكأننا جمهور في مدرج يشاهد مسرحية تجري أحداثها أمام ناظريه دون أن يكون مشتركاً فيها؟
أليست هي القصة التي تسترعي انتباهنا، لأنها المكون الرئيس لطبيعتنا البشرية، ليس فقط من ناحية اجتماعية وإنسانية ودينية؟ علماً بأن أغلب الديانات على كثرتها وتنوعها لو أمعنا النظر بها لوجدناها مزيجاً من تعاليم وقصص تروى، مستهدفة الأتباع عبر فن الحكاية المثير للفضول البشري، والجاذبة لانتباههم والمثيرة لمخيلتهم والمتحكمة بعواطفهم والمتلاعبة بوجدانهم، لتسوقهم للانقياد دون تفكير بولاء التابع بعد أن يترسخ لديه شريط من أحداث جارية أمام ناظره لأمر ونهي، أو تحفيز وترهيب يقبل على اتباعه والتسليم به.
الحكايات هي ما يجعل منا بشراً يتفاعل سمعهم وحواسهم مع ما يثير مخيلتهم وفضولهم، وهي ما يثير لدينا الرغبة في التعلم والمحاولة والانتباه، وإيجاد ما نسعد ونسر بتكراره مِراراً دون ملل للآخرين، لإظهار حكمتنا ومعرفتنا أو للاستدلال، وهي ما يستدرج تطفلنا فتسوقنا لعوالم متعددة مختلفة مكاناً وزماناً، إلا أن الرواية التي تحويها بين طياتها كعمل أدبي من الصواب عدم حصر القصة عليها ولها، لأن جميع ما نعيشه ونجربه ونحلم به بأحلام يقظتنا هو في واقعه عبارة عن قصة ورواية تتكرر أحداثها معنا كبشر مهما اختلفنا.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-87/2102967-الحكايات-محور-حياتنا

قصصنا ليست مسلَّمات

جريدة الرؤية
13-12-2019
عماد أحمد العالم



يقول الكاتب ستيفن جاي جولد: «إن أكثر القصص خطأ هي تلك القصص التي نظن أننا نعرفها أفضل معرفة، ولذلك لا نفحصها ونتحرى صدقها»، وكذلك يمكن إسقاط القول على العديد من المسلَّمات المجتمعية والموروثات من السابقين، التي يجري تداولها والعمل بها والدفاع عنها، كلما ظهرت أصوات مشككة بها وداعية إلى إعادة النظر بمصداقيتها، لكنها وبما تفعل تتعرض لموجات تلطمها، مستهجنة ورافضة لأي محاولة تتعرض لها، فالموروث مثلاً كالمقدس لا يمكن أبداً للجماهير المتعصبة التطرق له بغير ما يضفي عليه مزيداً من المصداقية، التي لا تحتمل أي رأي رافض.
من هنا ومن مناحٍ أخرى تبرز دوماً الخرافة، سواء كانت بقصة وحدث وشخصية أو معلومة وظاهرة، جميعها باللاوعي الجمعي والفردي ومع تكرارها المستمر، تكرست لدرجة أن جميع من يؤمن بها ويرددها يدعي معرفته المطلقة بكافة تفاصيلها رغم ما يُضفى عليها من زوائد نتيجة تناقلها وتوارثها، إلا أن الجميع يراها حقيقة معروفة لا تحتمل إلا أن تكون صحيحة ودون أدنى شك بخطئها، برغم أنها ولمن يمعن البحث بها والتأمل سيجدها مختلقة، وربما غير واقعية وخيالية لا يتقبلها العقل والمنطق السليم والفكر القويم.
من جهة أخرى، ساهمت موجة الكتابات والندوات والدورات المتخصصة بتطوير الذات، في انتشار العديد من المفاهيم العلمية المغلوطة، ومنها على سبيل الاستشهاد تحفيز العقل للقراءة السريعة أو استخدام أكثر للجزء الأيمن من الدماغ، أو ما يجري تداوله على أن الإنسان لا يستخدم إلا 10% من قدرات دماغه، وهو الأمر الذي لم يثبت علمياً بالمطلق، وتم نفيه من منطلق أن العضو الذي لا يستخدم يضمر أو تسيطر عليه الأجزاء الفاعلة في الدماغ، أو حتى حين يتعرض للاستئصال طبياً بعمليات جراحية نتيجة أمراض بعينها، يتوجب ألّا يكون لذلك أي آثار جانبية بسببه وهو ما ينافي بالطبع الحاصل لمن خضع لمثل هذه الجراحات من فقدان لمهام وظيفية أثرت على قدراته.
إن التاريخ من جهته وكما درسناه وتعلمناه، بتنا بما جاء به من قصص نعرفها ولكن من وجهة نظرنا، لكننا إن قرأنا القصص نفسها واستمعنا لها من الآخر المختلف عنا فربما سنجد النقيض لما عرفناه عنها، ورغم ذلك يدعي كل طرف أنه يعرف القصة بمنظوره وهو الصواب، فيما من يرويها سواه جاهل بها ولا يعرفها!


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-87/2102041-قصصنا-ليست-مسلَّمات

المستشرفون الجدد

جريدة الرؤية
06-12-2019
عماد أحمد العالم



شاهدت مقطعاً مصوراً دعائياً لمنتج تجميلي قامت به إحدى من دُرج على تسميتهن بمشاهير وسائل التواصل، فمررت عليه بنظرة غير المكترث، الذي لم يستوعب مادته لأنها لم تثر اهتمامه.. الغريب أنني وبعد أيام لفت انتباهي حجم الضجة التي أثارها المقطع المذكور، وحالة الاستنكار تجاهه، والتهم التي وجهت لمن قامت به والشركة الراعية.
كانت النقمة تجاه ما سمته جموع الغضبى بالمادة المستفزة والعبارات غير الأخلاقية التي تمس ثوابت الدين والمجتمع، وهي اتهامات أصبحت سمة تطلق على كل ما يثير نقمة الجماهير التي ترى فيما يختلف مع أيديولوجياتها الدينية والثقافية المجتمعية مساساً بمسلماتها، حتى لو لم يكن الأمر موضع الاتهام كذلك.
وبدافع الفضول لم أجد صعوبة في إيجاده لإعادة مشاهدته، فقد بات الآن حديث الساعة، حتى إن أصحاب الحسابات الموثقة المؤثرة والمستشرفين منهم على وجه الخصوص، لم يتركوا الأمر دون تعقيبهم الذي أثار بالطبع استحسان الأتباع الممتعضة.
مجدداً، لم أنتبه لأسباب الشقاق حوله، فظننت في البداية أنه بسبب وجنسية «المشهورة»، أو ربما لمبالغتها في «الميك أب»، لكني لم أقتنع بذلك، وحال التركيز به لأكثر من مرة لفت انتباهي ترديدها لجمل يبدو أنها فُسرت من قبل «دعاة الفضيلة»، لما فُهم بكونه ترويجاً للشذوذ الجنسي، وللعلاقات المحرمة شرعاً وتلفظ بكلمات خاصة بالجسد، سارع مسيئو الظن لفهمها وفق عقليتهم التي ربطت الأشياء بأمور ثابتة في مخيلتهم، مع أنها في التأويل تحتمل أكثر من وجه، وهو ما يقودنا إلى معضلة اجتماعية ونفسية في العقل العربي المعاصر لبعض مجتمعاته، التي باتت سيئة الظن وتنتهي جميع المفاهيم لديها كما تبدأ بالجنس ولا شيء غيره.

فلو مثلاً ابتسمت فتاة أو شكرت من باب المجاملة أو حتى نظرت خطأً لشاب لا تعرفه، فذلك لا بد له أن يعني أنها أحبته أو معجبة به، ولو روجت فنانة لمستلزمات نسائية تستخدم لنضارة الجسد، ولها ما يُجمّل العلاقة الجنسية فذاك ترويج للفاحشة!
عموماً، ما استنبطته من المقطع سابق الذكر حين تعاملت بحسن النية المفترض، أنه لا يعدو أن يكون دعاية بريئة ولكن صريحة لمنتج تجميلي.. أجزم أن الإقبال عليه سيكون كبيراً من المستشرفين أنفسهم الذين شنوا من قبل حملاتهم عليه!


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-86/2101018-المستشرفون-الجدد

الأحد، 1 ديسمبر 2019

خرافات في علم النفس

جريدة الرؤية
30-11-2019
عماد أحمد العالم



العديد من الأفكار والقناعات التي ترددها الشعوب دون استثناء هي في الواقع لا صحة لها دون أسانيد علمية تؤكدها، بل على العكس تدحضها الدراسات العلمية الرصينة وتنفي صحتها، فيما تشير إلى ما تحقق على أنه الاستثناء الذي يرجعون أسبابه للتأثير الوهمي، وهو المشابه، إن أردنا استيعاب معناه، لحبة الدواء المصنوعة من السكر أو النشا دون مادة طبية فعالة بها تعطى لشخص متوتر على أنها ستسكن قلقه، فتكون نتيجتها اللحظية إيجابية عليه دون أن يكون فعلياً قد تناول أحد مضادات القلق.
يعود هذا لاقتناع العقل الباطن واللاشعور بمؤثر رغم وهميته، ويتشابه ذلك مع خرافات التفكير الإيجابي في الشفاء من الأمراض المستعصية التي تعج بها المواقع الإلكترونية، وحتى كتب مشهورة جداً بيعت منها ملايين النسخ، تدعو لتعزيز مناعة الجسم عبر تصورات ذهنية وجمل لفظية، يرددها المريض من على شاكلة تخيله لكريات الدم البيضاء في دمه على هيئة فرسان تقوم بالقضاء على الفيروسات أو الميكروبات أو ترديد المريض «سأنتصر على المرض»، جميعها لم تثبت صحتها ولم تستطع أي من الأبحاث الرصينة تأكيد فعاليتها، وما فسرته كسبب لتحسن حالة بعض المرضى أو نجاتهم من أمراض مستعصية، هو فعلياً نجاعة العلاجات المستخدمة في حالاتهم وتجاوب أجسادهم معها، مع مساهمة التفكير الإيجابي في تحسين جودة حياتهم وتغلبهم على حالة التوتر والخوف التي يمرون بها وتمكينهم من الاستمتاع مع تخفيف لحالتهم الشعورية والنفسية والجسدية وتقبل واقعهم.
يبدو أن تجارة الوهم التي أثرت في العديد ومن أبرز المستفيدين منها تجار الدين والدجالين والعرافين ومن يسمون بالوسطاء الروحيين؛ سينضم إليهم تجار من علم النفس الشعبي أبطال برامج تطوير الذات والدورات الخارقة لتحسين القدرات، ومعهم كتاب التنظير الذين يملكون حلولاً لما استعصى على العلم، مروجين لخرافات من على شاكلة تنشيط الجزء الأيمن من الدماغ وقوة العقل الباطن والتلقين والتعلم أثناء النوم، ومبالغين بهالة على أخرى كالتنويم المغناطيسي، ومساعدته في استرجاع الأحداث المفقودة وأجهزة كشف الكذب ومصل الحقيقة والحاسة السادسة، وغيرها من خرافات باتت سلعة شائعة يستغلها غير المتخصصين لبيع الوهم لأشخاص يطمعون في التغيير بدون بذل مجهود يتناسب مع مطالبهم ورغباتهم، ساهم أيضاً في خداعهم بها الفن السابع والتلفزيون ببرامجه المضللة التي يستضيف بها غير المختصين وإعلاميي الإثارة الجماهيرية.



المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2100106/آراء/الساحة/خرافات-في-علم-النفس

سيكولوجية التغيير الجماهيري في العراق ولبنان

صحيفة الوطن
23-11-2019
عماد أحمد العالم


تغيّرت المعادلة، ولم تعد سيكولوجية الثائر العراقي واللبناني، وحتى المواطن العادي، كما كانت عليه في السابق. فاللاوعي الجمعي العاطفي المغيّب، الذي أحدثته الحرب الأهلية في لبنان وحرب الخليج الثانية، وما أعقبها من سقوط حكم نظام البعث «الأوليغاركي» بالعراق، لم يعد يكترث لخطاب التوافق الطائفي والمحاصصة السياسية، ولم يعد يهمه سوى تغيير كلي لمنظومة الحكم الحالي، والتي أنتجتها ظروف زمانية ومكانية مؤقتة، نتج عنها في الحالة العراقية الارتماء في أحضان المرجعيات الدينية، البديل الروحي المتوافر ضد البعث، والمخيّر وقتها بين النجف وكربلاء وجمع من السياسيين والقوات الأميركية، التي رغم أنها حملت المعارضة العراقية بالخارج لسدة الحكم، إلا أنها بقيت في عيون الغالبية من الشعب قوات غازية.لذا، لم تشأ أن تتعاون معها، فكانت المرجعية البديل الوحيد وقتذاك، فاستقت من المظلومية والقهر شعارا للمرحلة التي نادت بها، فالتفت الجموع حولها، فكانت لها السطوة في المشهد العراقي، بعد أن غذّت النزعة الطائفية، وشكّلت نظاما ثيوقراطيا في الحكم لم ينكره السياسيون، بل استمدوا قوتهم منه.في لبنان، كانت ويلات الحرب الأهلية التي استمرت أكثر من ربع قرن، وتسببت في مقتل وإصابة وتشريد ما يقارب ثلث اللبنانيين، الدافع لِلُورْدات الحرب وميليشياتها، والأحزاب المتنازعة، والمحفز للقبول باتفاق الطائف الذي كان الحل الأمثل وقتها لسلام لبناني- لبناني معدوم، فنزع فتيل الأزمة عبر المحاصصة، وخلال نظام انتخابي يضمن أن ينال الجميع مكانا في الحكم، دون طغيان أحدهم على الآخر، وهو ما تسبب في سنوات من الاستقرار الأمني والسياسي الهشّ، لكنه أدى إلى غياب دولة العدالة والقانون، وتفشي الفساد المالي الذي حضرت فيه جميع القوى، دون خوف من محاسبة يعززها نأي المعارضين والحلفاء عن الاصطدام.قد يكون النظامان السابقان للحكم في لبنان والعراق، واللذان ما زالا يتصدران المشهد السياسي، متوافقين مع حالة اللاوعي الفردي والجمعي لجيل شهد ويلات الحرب، وحكم الحزب الواحد الاستبدادي، لكنهما -وبكل تأكيد- يتعارضان مع الجيل اليافع للبلدين، وتطلعاتهما الوطنية الصرفة والعدلية والاقتصادية، في حياة مختلفة بعيدة عن خوف الآباء، ودونما ارتباط روحي بأيديولوجيا دينية وطائفية وحزبية، يرون فيها المتسبب الأول لحالة الفساد المستشري والانفلات الأمني، ومن هذا المنطلق، جاءت مظاهراتهم عفوية وبشجاعة منقطعة تطالب بتغيير المنظومة السياسية بالكامل ودون استثناء، وترفض السلطة الدينية وسط دعوات باتت صريحة وواضحة بنفاد صبرها من التدخلات الخارجية في شؤون أوطانهم، وموجهين -على وجه التهديد- الاتهام الصريح لإيران بإفساد المشهد السياسي والديني في بلادهم، ورافضين الارتهان لها ولرجال الدين والسياسيين المنفذين لأجندتها دون مواربة.شباب اليوم في العراق ولبنان، باتوا يعون جيدا ألا عودة عن مطالبهم بعد أن ملّوا وعود الإصلاح الكاذبة، ولم يعد يجدي معهم التلويح بالقمع والتنكيل، ولا الانزواء تحت مظلة قيادات حزبية وسياسية، ومرجعيات أمعنت في تضليلهم.أما حاضرهم -على قتامته- فستجليه فقط دولة المواطنة والعدالة والنزاهة والشفافية، التي يقوم عليها الأكفاء بغض النظر عن طائفتهم وكتلهم السياسية، والذين لن يكون سبيلهم في التغيير المنشود سهلا بل صعبا ومعقدا جدا، في ظل تغلل عناصر وقوى الظلام في الحياة السياسية، ومعهم جماهير لا ننكر أبدا ولاءها المصلحي وتمسكها ببقائهم.


المصدر: - صحيفة الوطن https://www.alwatan.com.sa/article/1028911/نقاشات-/سيكولوجية-التغيير-الجماهيري-في-العراق-ولبنان

مقاصد الفلاسفة

جريدة الرؤية
15-11-2019
عماد أحمد العالم


خطر ببالي أن أطلق على هذا المقال اسم «دعونا نتفلسف» فخفت أن يُفهم المضمون خطأً قبل قراءته، والذي هو ببساطة تساؤل تراءى لي بعد قراءات لعدد من أهم الفلاسفة في التاريخ منذ اليونان والإغريق لقرننا الحاضر.
فجميعها رغم تباين نظرياتها أرادت أن تفهم وتعي ما هو الإنسان وما هي الطبيعة والكون والعدم والظواهر، كما سعت لاستنباط الإجابات والتدليل عليها بما يراه العقل ويستدركه كما رأى هيغل رائد المنهج الجدلي والمثالية الألمانية.
هل الفلسفة وجود أم هي بحث بالوجود؟.. كما سعى لذلك الدنماركي سورين كيركجارد، وعُرف هذا الاتجاه لاحقاً بالوجودية التي سعت لأن يكون الإنسان محور اهتمامها وأولوياتها، فيما أحدث كانط ثورة فلسفية تعد قاعدة لكل فلسفة كما وصفها ديورانت، وسعى لفهم مستقل بشأن الزمان والمكان والمادة والخالق والحرية والإرادة والوجود، رافضاً الإقرار بالمفاهيم السائدة، وساعياً لأن يكون العقل أساساً للعلم، فعقل الإنسان هو ما يمنح القوانين للطبيعة من خلال اشتغاله وتصوراته وأفكاره واستدلالاته.
كثيرون تساءلوا رافضين المطلق في الأخذ بالمسلمات التي تراها الشعوب لا تمس، وبديهية عزوها لما وراء الطبيعة، فيما بقي الفلاسفة يرفضون التسليم وبإصرار على إدراك الحقيقية عبر المعرفة، التي يسيرها التفكر والاستقصاء، مستفيدين من قدرات العقل البشري اللامحدودة وغير المقيدة بالمحظورات.

ينظر للفلسفة على أنها علم التلاعب بالكلام، والتساؤلات المسرفة، لكن العلم والتاريخ يثبتان عكس ذلك، فهي أم العلوم، والدافع لتطور الإنسان وتعلمه واكتشافاته وتقدمه العلمي والفكري، فلولا علامات الاستفهام التي طُرحت والمنطق لما كان للعلماء أن يبنوا أسس علم الفيزياء والرياضيات والبيولوجيا والفلك وغيرها، ولولا كتاباتهم لما قامت حضارة الإغريق واليونان الفريدة بتأملات ورؤى هيراقليطس وسقراط وأفلاطون وأرسطو، ومنها لعصر النهضة الأوروبي الذي سبقته كتابات جون لوك وروسو ولاحقاً نيتشه وماركس وأنجلز وشوبنهاور وديكارت وهيغل وفولتير وكانط، ولاحقاً الفرنسيين سارتر وكامو، والإنجليزي برتراند راسل، الذي رأى بالفلسفة تأملات عن الموضوعات التي لم تستطع المعرفة العلمية أن تحسمها، فالعلم يدور حول ما نعرفه، بخلاف الفلسفة التي تتمحور حول مالا نعرفه.
جميعهم، ومعهم الفلاسفة العرب والمسلمون وغيرهم، استغلوا العقل للاستكشاف، ومهدوا لمن جاء معهم وبعدهم الوصول إلى ما تصبو إليه الأمم من تقدم وتطور بشتى الصعد والعلوم، فالفلسفة تتأمل وتفكر بماهية الأشياء، فيما يقوم العلم بإثبات صحتها من عدمها. 


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2097992/آراء/مقاصد-الفلاسفة


الشائعات.. السلاح الخفي!

جريدة الرؤية
01-11-2019
عماد أحمد العالم



وضع العالمان الأمريكي إليوت غوردون وتلميذه الروسي ليو بوستمان ـ مختصان في علم النفس ـ معادلة مثيرة لقياس قوة الشائعة تقول: «ق ش=أ X غ» أي إن قوة الشائعة تساوي الأهمية في الغموض، كما أن قوة الشائعة تساوي الزمن في مجتمع الشائعة، فيما أضيف للمعادلة لاحقاً الاستعداد النفسي لتقبلها، وبذلك تكون حتى الشائعات قد خضعت لقياس رياضي يسهّل فهمها، ومن ثم إعادة تدويرها وترسيخها إن كانت موجهة من قبيل تلك التي تستخدم في الحروب أو التي تطلقها الأنظمة والمنخرطون في اللعبة السياسية.
جميعهم بدون استثناء استخدموها ولن يكف أحد حتى في أكثر المجتمعات تحضراً وصدقاً، فالطبيعة البشرية بما فيها من عنصر غالب يميل للثرثرة والنميمة؛ ستبقى وقوداً لوجودها، كما أن عوامل أخرى لا بد أن تكون مهمة لبقائها وأبرزها الفضول البشري تجاه الآخرين والأحداث، وهو ما يقودهم للرغبة في استطلاع الأمور التي تشكل للبعض - وربما من النساء أكثر- متعة خاصة كتلك التي يمارسها قارئ وقعت بين يديه رواية فجلبت اهتمامه حتى تركها وقد قرأها كاملة رغبة منه في معرفة نهايتها.
لقد عمد الألمان وكذلك الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية إلى الاستفادة من سلاح الشائعات بإرباك الخصم وتحطيم معنويات جيشه، ويقال إن وزير الإعلام النازي غوبلز كان من أكثر من أجادوا استخدامها، ففي أحد ما روي عنه أنه أوعز لأجهزته الدعائية أن تنشر على نطاق واسع ومؤكد أن هاينريش هيملر أحد أبرز زعماء الحزب النازي ومن أكثر المقربين لهتلر قد تم القبض عليه ومحاكمته، وذلك بعد أن زعم الحلفاء سابقاً مقتل عدة قادة نازيين، فعمد لهذه الإشاعة التي نسفت ادعاءات الإعلام المضاد حين ظهر هيملر بعد ذلك وأفقدهم مصداقيتهم.
الشائعة التي تم تعريفها على أنها خبر مختلق أو به جانب قليل من الحقيقة أو مبالغ به ومطعم بجزئيات كاذبة أو حتى صحيح وفُسر بشكل مغاير لحقيقته؛ تعتمد قوتها ونجاحها على عناصر مهمة، ومنها البيئة التي انطلقت بها وحجمها ومدى احتوائها على أجزاء رئيسة صحيحة منها تضفي المصداقية عليها، وطبيعة المتلقي وثقافته وخلفياته المعرفية والاجتماعية والسياسية والظرف والزمان والمكان التي أطلقت بها والهدف منها، الذي ربما يكون نابعاً من ثقافة القيل والقال لجمهور ما أو غاية مدروسة وموجهة بقصد تضليل الرأي العام، ولخدمة أفراد وجماعات تسعى لتحقيق هدف شخصي مع مضرة لغريم، كما تعمد بعض الأحزاب السياسية أثناء المناسبات الانتخابية معتمدة على المثل الشعبي القائل «العيار اللي ما يصيب يدوش»! 



المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2095664/آراء/إعلامية/الشائعات-السلاح-الخفي

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...