الخميس، 29 أكتوبر 2015

التعليم رسالة وليس وظيفة فقط

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 28-10-2015

 
 
أكثر ما أثار رعبي في أحلامي حين تخرجت من الثانوية العامة هو أن أدرس تخصصاً يكون مآلي فيه أن أصبح مدرسا بعد تخرجي، فمجرد أن أتخيل نفسي واقفا أمام نفر من الطلبة كان كافيا ليبث في نفسي اشمئزازاً مخيفاً لما قد يُصبح عليه حالي، وأنا أكافح وأنافح للسيطرة على ضجيج طلابي الذين فقدوا حس التعلم، واستبدلوه بغوغائية أجهزة الأمن السلطوية، حين تقمع مظاهرة وصفوا أفرادها السذج من أقاصي الريف أن القائمين عليها إما شيوعيون كفرة أو إسلاميون متطرفون!
 
هذه العقدة التي بت أتذكرها نادما لمصير أولئك المشاغبين من الطلبة، ومما سيؤول إليه حالهم لو مارست ديكتاتوريتي عليهم، دون أن أخشى دليلاً يدينني صوره طالب آخر ناقم بكاميرا جواله، فأيامنا تلك كان أقصى تكنولوجيا متوفرة هي لعبة "أتاري ساجا" بأشرطة، كانت تشكل هي ومتابعة "غرندايزر" أقصى لحظات متعتنا الطفولية، إلى جانب كرة القدم في الحارة التي تبدأ بعد العصر وتنتهي مع أذان صلاة المغرب، التي لم تكن بذاتها ما يوقفنا عن اللعب بمقدار رؤيتنا لسيارة الهيئة تقترب منا، بعد أن لاحظت عدم توقفنا عن اللعب وأداء الصلاة، أتذكر كنا نضع طرف الثوب في فمنا وننطلق كالغزلان حتى لا يُقبض علينا، فينتهي بنا الحال في خزيٍ مجتمعيٍ نوصف به "باللا مصلين"، في تلك السن المبكرة، كنا نحسن فن المناورة والاستخباء والنفاد بجلدنا سالمين دون أن نتعظ، فنعيد في اليوم التالي الكرة ويتكرر مشهد الكر والفر، إلا أنه وكما يقول المثل الشامي "مش كل مرة تسلم الجرة"، كنا نلاقي عقابا أشد غلظة في المدرسة، فبعد أن تضعف نفس أحدنا ويستسلم للخوف تارة أو يتملق للمدير بأخرى، كان يشي بنا من كنا نسميه "دبوس" أي مخبر، وفق المصطلح الأمني العربي، فبعد طابور الصباح يُنادى على أسماء تلك الزمرة من الطلبة، فيعي الجميع أن لحظة العقاب قد حانت، يُسار بهم لمكتب المدير الذي يلوح بالخيزرانة في الهواء، فتحدث صوتا لا يشبه موسيقى "الهارمونيكا" الزجاجية بشيء، وبعدها تبدأ الحفلة التي تحمر بها الأيدي الغضة، دون أن تدمع أعين أي من المذنبين، فذاك عارٌ مجلجلٌ سيلحقه لو افتضح أمره، وأشد وطأةً عليه من أن يعرف أحد الطلاب في المدرسة اسم أمه أو أخته فيناديه به، فيوصم بالخزي الذي يضطر بسببه إلى العراك والاقتتال طوال الوقت.
 
قديماً، كان للمدرس سطوة يمارس بموجبها أسلوبه التربوي الذي يراه مناسباً دون رادع، فمن الكف على الخد، لما يسمى "الفلكة"، حيث تُضرب الأقدام بعصا "الخيزرانة" آنفة الذكر، إلى الرفع من أعلى طرف الثوب من الخلف، والقذف بالجسد تجاه "الصبورة" لحل مسألةٍ حسابية سيخترع لها حلا، حتى لو لم يعرف أملا أن يخف عقابه الذي لا يستبعد أن يكون ركلة بقدم الأستاذ، أو لكمة على الظهر الصغير بقبضة اليد (بُكس) تنقله مباشرة لأن يتقمص دور جنديٍ فرنسي أثناء الغزو الألماني لبلاده في الحرب العالمية الثانية، وهو يصرخ أمام سارية العلم مرددا لفيلسوف فرنسا وأديبها وشاعرها المقاوم لويس أراغون "لست منهم"، ومنشداً أبياتا من قصيدته الأولى القائلة:
 
لأن لحمي الآدمي ليس بفطيرة.. حتى يقطع بالسكين.
 
بكل صراحة لم أر في أغلب دولنا العربية تجربةً تعليميةً تُثلج الصدر ولا تُثير الجدل، فنحن إما قُساة في التعليم لا نعرف إلا الضرب كأسلوب تعليمي، أو متساهلين متراخين كما شاهدنا في مسرحية "مدرسة المشاغبين"، أما لو حاولنا اللحاق بركب دُعاة التجديد في التعليم؛ فللأسف نحن مقلدون، نطبق أنظمة بلا روح على طلبة بلا رغبة في التعليم وبعضهم مجبرون.
 
التعليم أولا وقبل كل شيء المهنة التي يجب أن يعمل بها فقط النابغة المؤهلون من الصفوة، كما يحدث مثلا في اليابان وفنلندا، فمن متطلباتها دراسة أكاديمية تربوية قاسية، ومتابعة مستمرة تضمن أن من يحصل على رخصة المعلم فيها قادرٌ على التعامل مع جيل سيكون دعامة حاضر ومستقبل وطنه، جيل من الطلبة ستكون المدرسة بالنسبة لهم فسحة العقل وتمدنه وثقافته وعلومه. هي المكان الذي يتعلم منه ما يؤازره لخوض مستقبله، وهي المكان الذي يكون فيه شخصيته، ويكتسب أصدقاء جددا، ويرفه فيه عن نفسه، ويختار مهمته في الحياة وأهدافه، هي المكان الذي يستيقظ صباحا ممتنا للحظة التي ساقته إليها، يدخلها مُبتهجاً ولا يغادرها إلا بأملٍ في غدٍ قادم يسوقه إليها، أستاذه فيها يشرح المادة بحب وشغف، يقيّم قدرات طلبته ويوجههم، ويحاول دوما إرشادهم لاتخاذ قرارهم بأنفسهم وبقناعةٍ منهم، لا اقتيادهم لجادة العلم والمعرفة رغماً عنهم وبالقوة!
 
لو كان هذا الحلمُ الموغلُ بالتفاؤل نمط التعليم في دولنا، لتحولنا كما سبقنا الآخرون لدرب الحضارة التي لا تجد فيها مدرسا يضرب تلميذا بعنف، أو طالبا يتنمر على أستاذه، ولأصبحنا كمحصلة أمةً مثقفة وأخلاقية قويمة، نقارع الأمم الأخرى في الريادة والإنسانية والتقدم والاستمتاع بدنياها وحاضرها، الذي لا ينسيها أبدا مستقبلها، الذي ستحياه أجيال أخرى تسير على الدرب نفسه، هو درب لا نرى فيه المدرسة تربي العقد لدى أبنائنا وبناتنا، وتنشئ جيلا معقدا ملوث الفكر، يستغله المتطرفون دينيا وفكريا، بل يجد فيه المجرمون معززا لإجرامهم، ومسوقا لبضاعتهم وإدمانهم وفسادهم وانحلالهم!
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=307798

الأربعاء، 21 أكتوبر 2015

ديمقراطيات الربيع العربي الثائرة!

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 21-10-2015

 
 
 
أتساءل أحياناً - وإن كان الحال سابقاً بالنسبة لي - أكثر من الحاضر: لو فعلاً أمطرت السماء حرية المواطن العربي المنشودة، فهل سيتلقفها أم سيرفع المظلة خوفاً منها حتى لا يصيبه رذاذ مطرها أو بردِه..!
 
ربما بات هذا التساؤل لي أكثر إلحاحا بعد موجة الربيع العربي المنصرمة، ومشاهدات مآلات الثورة على أنظمة حكمٍ جثمت على صدور شعوبها عقودا، حتى بات المُشاهد لها من الخارج قطعاً يحكُم عليها بالنائمة في سُباتٍ لن تفيق منه، لكنها وفي تناقضٍ فاخر لا يحدث إلا مرةً أو اثنتين كل قرن؛ نفضت عنها غبار السنين المُعتق بالخوف واليأس والذعر، وانتفضت على نظام الحكم السائد باستبداده الذي أصبح واقعا تعيشه، وغيرته لحكم الشعب الذي لم يستطع بعد أن أدركته الصدمة أن يؤسس لدولة القانون والإنسان، دولة العدل والحرية والإخاء والمساواة.
 
تحولت الدول لساحات حرب لم تنته حتى اللحظة بين الإخوة الأعداء المتعاونين سابقاً، ومعهم أنصار الأنظمة السابقة في مفارقةٍ عجيبة، استقطب كلٌ فيها فئات من الشعب فناصرته وآزرته، وشكلت الداعم الشعبي له ولبقائه، اقتتل الجميع وتفرقوا لشيعٍ وأحزاب وجماعات، فخرج من القوم من يترحم على النظام السابق الذي ثار عليه ويتمنى عودته، بعد أن تحولت الأحوال في البلاد لاقتتال بغيض، دمر المنازل والاقتصاد وأنهك العباد، وهجر منهم أكثر ممن فروا خوفا من بطش الأنظمة السابقة، وطلبا للملجأ في دول أخرى بعيدة عنه سعياً لحياة آمنة ومستقرة.
 
بالفعل ما جرى في دول الربيع العربي يجعلني أوقن أكثر أن الساعة الأكثر ظلمة هي الساعة التي تسبق غروب الشمس، وبمعنى آخر هي التي يكون الكيل فيها قد فاض لحدٍ أشعل فتيلا للانفجار الشعبي المطالب بالتغيير، لكن الحقيقة الناقصة في هذا القول التي لا يجب اجتزاؤها منه، هي أن شروق الشمس لا يعني شمس الربيع المُشرقة والمفعمة بالأمل والجمال؛ ما لم يسبق الشروق أيضا ثورة فكرية إنسانية أدبية ثقافية أخلاقية تُعيد تربية المواطن وفقها، وتؤطر لمجتمعٍ عقلاني أخلاقي يؤسس لسياسات وقوانين ما بعد التغيير.
 
تيار التغيير العربي المستعجل لقطف ثمار الحرية، يستشهد بالثورة الفرنسية التي حاربت نفسها لتشق طريق الحرية، وتؤسس لشعارها القائل: الحرية والمساواة والأخوة؛ متناسيا أن هذه الثورة رغم أن البعض يطلق عليها بالعظيمة، هي أحد أكثر من تسبب في القتل على الهوية، وبتصرفات مشابهة لمحاكم التفتيش الكنسية التي ادعت الانقلاب عليها، هي ثورة قُتل فيها وبوحشية وعُذب وأُحرق وصلب كل معارض للتيار السائد، هي الثورة التي ألغت الملكية للجمهورية، لكنها نبذتهما واعتنقت الامبراطورية التي ألغتها لحساب الملكية مجدداً، ثم انقلبت عليها فيما بعد وأعادت اعتناق الجمهورية، بعد أن أسالت مئات الآلاف من أرواح مواطنيها بسادية قلما وجد لها في التاريخ نظير!
 
في المقابل آمنت دول غربية أخرى بأن الديمقراطية وشعارات الحرية ليست كسهولة الدعوة لها، فتمهلت في اعتناقها بعد أن أدرك مثقفوها أن من الواجب عليهم تأسيس مؤسساتها أولاً، تلك التي لن تقوم لها قائمة إلا بثورة شعبية فكرية تسبقها، يُعاد فيها تأصيل المفاهيم والقيم الحقة بين جميع فئات الشعب، الذي سيُثمر إعادة تأهيله في أن يكون بعد الثورة حامي قيمها، لا الجيش فقط وقوات حفظ الأمن والنظام، التي يسهُل تجييرها لفئةٍ على أُخرى، في حال سيادة ثقافة الاستقطاب السياسي المصلحي المبني على المذهبية والقبلية والطبقية، كما جرى في أكثر من بلد عربي طلب التغيير فحصل عليه اسما لكنه يُعاني من ويلاته الآن.
 
في الدول المتحضرة، كلما زاد الوعي الشعبي زادت الحرية وتأصلت الديمقراطية، وكلما زاد الوعي السياسي للنخب زادت فرصها في القيادة والانتخاب، أما في الدول المتخلفة فكريا: فكلما زاد الوعي الشعبي الإنساني والسياسي النخبوي زادت فرص الاعتقال والاغتيال!
 
حقيقة لا بد أن يعيها أي شعبٍ طامع للتغيير، هي أن الثورة التي تبدأ وتنجح بحظ المبتدئ؛ حتما ستنتهي باختبار الفشل، وهذا ما حصل في خريف العرب الغابر لبعض دوله الطامعة في الحرية والتغيير!
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=306269

الاثنين، 19 أكتوبر 2015

مشاركة في تقرير صحفي مع صحيفة سبق الإلكترونية بعنوان: بيان "داعش" يثير التكهنات

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة سبق الإلكترونية 18-10-2015

 

 
بيان "داعش" يثير التكهنات.. وسياسي لـ"سبق": إيران تسعى لاستحلال الخليج
 
بدر العتيبي - سبق - الرياض: أثار بيان جماعة "داعش" الإرهابية، الذي أصدرته بعد العملية التي استهدفت حسينية بالسيهات أمس الأول، وأسفر عن مقتل ٥، من بينهم امرأة، وإصابة ٩ آخرين، ومقتل منفِّذ العملية، العديد من التكهنات.
 
وفور انتهاء العملية أصدرت "داعش" بياناً، تبنّت فيه العملية، وأكدت أن العملية استهدفت تجمعاً في القطيف "بولاية البحرين". ولم تهدأ التحليلات عن سر ذكر القطيف في البحرين، وتزايدت التحليلات حول ذلك.
 
وقال المحلل السياسي والكاتب المختص بالشأن الإيراني عماد العالم رداً على استفسار "سبق": "القطيف أيام الخلافة الإسلامية كانت جزءاً من البحرين، وداعش تزعم أنها ستعيد الخلافة؛ لذا قالت القطيف بالبحرين".
 
وأضاف: "لا شك أن ذلك يخدم مصالح إيران لتقسيم المنطقة؛ فهي تسعى لتقسيم الخليج، وهي كذلك ترى أن البحرين ملك لها؛ فتسعى لتمزيق الخليج، واستحلال البحرين والخليج بتحريك خلاياها النائمة". وتابع: "داعش يخدم جهات عدة، منها سوريا وإيران، وهي منظومة مختَرَقة على مستوى القيادات. أما العديد من أفرادها فهم من صغار السن قليلي التجربة في الحياة والمتحمسين بجهل لخطاب ديني استقطابي، يدغدغ العاطفة الدينية الغضة لدى هؤلاء الفئة من الشباب الطامح لدخول الجنة عبر القتل والإرهاب". وزاد: "هذا الخطاب صور له بالجهاد في سبيل الله، ولأجل إقامة الخلافة الإسلامية على منهاج النبوة (وهو براءٌ منها بالطبع). كما عمدت داعش في الفترة الأخيرة إلى بناء منظومة جديدة في الإرهاب عبر تكوين خلايا نائمة صغيرة في السعودية والخليج العربي".
واختتم: "هذه الخلايا لا يزيد أعضاؤها على ثلاثة أفراد، وقائد لها ليس على اتصال بالقيادة المركزية، ومطلوب منها تنفيذ أهداف غير نوعية دعائية أكثر من كونها ذات أهمية استراتيجية عسكرية. ولماذا لا نرى عمليات في دول الكفر وإسرائيل، خاصة أنهم في شعاراتهم وخطاباتهم الإعلامية يهددون إيران وإسرائيل؟ لكن ما نراه هو عبث واستهداف للسعودية بالتغرير بصغار السن". 
 
 

المصدر: صحيفة سبق الإلكترونية -http://sabq.org/IAJgde

الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

حرية الفكر والاعتقاد والممارسة

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 14-10-2015

 

 
على طاري وذكر "الحرية الغربية" التي يلهث خلفها عرب الشمال والجنوب، وكل الاتجاهات بغنيهم وفقيرهم، متعلمهم وبسيطهم، سأروي لكم حكاية حقيقية رواها أحدهم، وللأمانة لا أعرفه وأنقلها عنه إيماناً مني بأنها واقع، وتحصل في كل يوم ألف مرة؛ عن لاجئين عربيين هما عراقي وسوري، كانا من ضمن خمسين آخرين من نفس الجنسيتين، تقاسموا قاربا متهالكا سار بهم عبر دروب مياه المتوسط الغاضبة التي ابتلعت الآلاف قبلهم، وكادت تهلكهم أكثر من مرة، أحدهما سني المذهب والآخر شيعي بالطبع، في تكريس لم تسقه الصدفة لكي تكتمل فصول المؤامرة والحقد الطائفي الأعمى الذي بطش بسكان الدولتين، ولايزل يفرقهم.
على ذمة الراوي، ما لبث العراقي منهما بعد أن أنجاه الله سبحانه وتعالى من الغرق، وبعد أن وطأت قدماه أرض جزيرة يونانية، حنت عليهم فاستقبلتهم؛ أن تعالى صوته ما يدل على غضب عارم مفاجئ أصابه، واسترعى انتباه من حوله، تحدث باستهجان لزميله العراقي الآخر الذي يبدو أكثر عقلانيةً قائلاً: هذا السوري (يقصد من كان مجاوراً له في قارب الهلاك) لا يُريد أن يقتنع أو يفهم أن أبا بكر اغتصب الخلافة من علي! 
زميله الذي صدمته رعونة القول البادرة ممن نجا حديثا من الموت غرقا، كالعديد ممن سبقوه من مهاجري القوارب الخربة؛ خاطبه بأن يخفض صوته حتى لا يسمعه أحد، وعليه بحمد الله على سلامته، فما كان من المهاجر غير الشرعي العراقي الطامح في اللجوء لأرض الغرب، أن قال له: "لا يا بابا هذي أوروبا، أحكي اللي تبيه!". 
هنا تنتهي القصة التي لا أظنكم بحاجة لمعرفة نهايتها، وأؤكد لكم رغم عدم علمي لها أنها لم تنته بعناق وقبلات عربية متصالحة، فمثل هذا الفكر الذي تحدث به ذاك المذهبي المتعصب، لم يولد ليموت وينتهي ويتبخر على تراب حرية الغرب المتمدن، ولا سينتهي باقتناء صاحبه جواز سفر أوروبيا مطرزا بالصليب، يشير إلى أن كل جيش دولة حامله مستعد بالتضحية بروحه في سبيل سلامة حضرة اللاجئ العربي سابقا، الأوروبي حالياً، الذي أكثر ما استفاد من التجربة الجديدة في الحرية، هو في أن يمارس كهنوت الحقد الذي ربي عليه، ولكن وفق الأساليب الديمقراطية المستجدة، وبدلاً من السلاح والتفجيرات والاختطاف والقتل الممارس في بلده الأصلي، تحت سمع وبصر الدولة، وبرعاية مقدسة من رجال دين وضعوا الجنة والنار بأيديهم، فانساقت لهم العامة المغيبة واستسلمت لأوامرهم اللاهوتية! 
حتى الحرية، وهي الثمن الباهظ الذي دفعته أوروبا مزيجا من دماء شعوبها وأرواحهم وأموالهم، بعد أن وعت الدرس وقررت ألا يعيش أحفادها ماضي أجدادهم الدموي؛ أصبح المهاجر العربي الذي يسمي نفسه مضطهدا كي يترك بلده يسيء استغلالها، ويجيرها لما يخدم أحقاد عقيدته الباطلة، التي مارس بسببها إرهابا غير مسبوق ضد أخيه المواطن من نفس البلد، ولكن من طائفة أخرى، صدف أن تبادل كلاهما التكفير والتضليل، فهبت جموع الأتباع العمياء تستجيب لفتاوى إهدار الدماء!  
حضرة المهاجر حديثاً أول درس أراد تطبيقه، هو أن يمارس حقه الديمقراطي عبر الحديث بما يريد دون أن يخشى اللوم على ما قال، والعقاب على ما بدر منه، فحرية القول والجهر به كفلته دساتير الغرب المتمدن حتى لو أسيء للأديان والمعتقدات والمقدسات عدا السامية بالطبع، التي لا يمكن الإساءة لها إطلاقا. 
الحرية بمفهومها العام نعمة، لكنها وللأمانة وحين يمارسها الأحمق والجاهل والمتعصب والطائفي تصبح نقمة ولعنة يتأذى بسببها الآخرون، كما رويت لكم سابقاً في حادثة تتعدد أشكال ترددها، وفي الأغلب من مهاجري دول العالم الثالث، الذين تأصلت لديهم عقد الاضطهاد والقمع من دولهم، فنقلوها معهم ومع إرادتهم لملاجئهم الجديدة، ومارسوها ضد بعضهم بعضا، مؤكدين مقولةً تحدثت سابقاً عن عبدٍ منحه سيده صك حريته، فأبى أن يأخذها وأصر على التفاوض معه على البقاء عبداً له، ولكن مع تحسين شروط عبوديته!
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=304947

الأربعاء، 7 أكتوبر 2015

"دده.. أُفه.. يا بابا"

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 07-10-2015

 
 
أتمنى أن تقوم جهة ما ويفضل- حسب رأيي- أن تكون غير رسمية ولا حكومية (للشفافية)؛ باستفتاء بين الأسر حديثة العهد وقديمه بالأطفال، لاستطلاع أولى الكلمات التي يتعلمها صغار العرب والأجانب "الخواجات"، حين تبدأ فطرتهم في الإيعاز لهم بالحديث، ليكون الاستطلاع للفئة العمرية ممن هم على أبواب السنة الأولى من عمرهم وحتى ثلاث سنوات، ويركز على أولى الكلمات التي ينطق بها الطفل غير الأسماء، ويجب أن يشمل الاستطلاع جميع شرائح المجتمع الفقيرة والمتوسطة والمتعلمة والغنية ومحدودة الثقافة. 
قد يقول قائل: لا حاجة لذلك فالنتيجة معروفة سلفاً، فنحن العرب متخلفون ولا نحسن تربية أبنائنا، ولدينا مشكلة متأصلة في اللاوعي لدينا، تمنعنا من أن نربي الأبناء على الفضائل (رغم زعمنا) التي إن قارناها بالغرب سنجده يزرعها في نشئه منذ الصغر، فيربيه على مبادئ الإنسانية والأدب والأخلاق والاحترام، والقول الحسن وووووووو. أصحاب هذا القول هم بلا شك من جماعة "جلد الذات العربية" الموغلون في النقد غير البناء، الذي هدم أكثر مما عمّر، وعلى غرارهم سيهب آخرون لإثبات ضلال أيقونة الغرب "الكافر المزعومة" والمنحلة أخلاقيا، التي ترمي أبناءها خارج المنزل حين يبلغون عامهم الثامن عشر، وسيرددون على المسامع ليثبتوا لنا ما اعتادوا تكراره هم ومن سبقوهم؛ نفس الأدلة والعبارات مستشهدين بقول فلان العالم العلامة، الذي وصفهم (أي الغرب) بأكلة لحم الخنزير الضالين المُضلين، والأجدر مخالفتهم في كل أمر، وعدم الاقتداء بهم كونهم الشر المطلق، ولكن دون أن يقدم القائل بالمقابل نموذجاً يُقتدى به! 
بصراحة وأتحمل وزر ذلك، كلا الفريقين هما الأغلبية العظمى الممثلة لمجتمعاتنا العربية، دون أن يتوسطهما ما هو بين هذا وذاك،أو عقل يُحَكّم ويُعمل به في النقد والثناء! 
أطفالنا ووفق ما لاحظت حين ينطق العديد منهم؛ يبدأ بالشتيمة وكلمات النهي والزجر، حتى إنك لن تستغرب أن بعض الكلمات أصبحت قاسما مشتركا بين مختلف أطفال العرب من شتى الجنسيات، فكلمة "أوفه" و"كخه" و "دده" أصبحت عالمية يتعلمها الطفل قبل أن يتعلم الابتسامة. يبدأ حياته بالمحاذير والنهي، فيكبر وقد تشبع عقله الباطن بما عليه الامتناع عنه، قبل تعلمه لما عليه الاستمتاع به!
 كم مرةً صادفنا في جلسة أو الطريق أو في السوق والدا أو أما تجر ابنها من أطراف ثوبه، أو تكاد تخلع أذنه وهي تمطره بعبارات "يا حيوان، يا كلب، يا مجرم، يا قليل الأدب"، والغريب أن الطفل منصتٌ مذعنٌ دون بكاء أو استنكار، فقد تعود على ذلك، وشعر بأن منهج الحياة في كنف أسرته قائم على التعنيف أمام الخلق، سيكبر الطفل حينها وسيكرر ما فعله به والداه، ظاناً أنه الأسلوب الأمثل للتربية! 
بأيدينا نصنع أطفالاً متمردين على كل القيم، وبأيدينا ننتج جيلاً منهم مهزوز الشخصية فاقد الثقة بنفسه، يحيا وسط المحاذير التي تأصلت في ذاته، ولكننا أيضاً بأيدينا إن رغبنا فسنربي جيلاً خلوقاً دمثاً سوي الشخصية، كينونته وأخلاقه وسلوكه نابعٌ من تطبيق عملي صادق للقول الكريم "الدين المعاملة"، ودون أن نستورد تجربة الآخرين ولا ليبراليتهم ولا حداثتهم، فعندنا ما يكفينا من النهج النبوي الكريم الذي تجاهلناه فخسرنا!
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=293512

الخميس، 1 أكتوبر 2015

قمع الحرية بجهل الأبرياء

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 30-09-2015



"مُنتهك للكرامة الإنسانية"

يقول قائل: هي جملة يجب أن تكتب في "كارنيه" وبطاقة كل رجل أمن تعدى على إنسان أيا كان عرقه ودينه وانتماؤه، وحتى لو كان من أعتى المجرمين، إن كان المُعتقل على خطأ أو مجرما عتيدا، فالأولى حينها تطبيق القانون بحرفيته التي قام عليها وقُنن، وبإنسانيته التي تحتمل عدم تطبيقه، والتغاضي عنه في حال رأى رجل الأمن أن الإصلاح يتطلب التغاضي عن الخطأ، وتجنيب العقاب والنصح والإرشاد فقط.

خوفي من عقدة الخواجة وأن أوصم بها عامة، تردعني عن مقارنة الحال بالغرب المتمدن، الذي في أغلبه لا يشاركنا الدين ولا العرق، لكنه تجاوزنا بعقود فيما يخص كرامة الإنسان وحريته وقيمته وإنسانيته، ليس لكونه ولد من ماء مقدس، وتربى على أيدي القديسين والفضلاء، ولكن لأنه عانى من حروب أهلية وإقطاعية وظلم اجتماعي مثلنا تماما، لكنه قرر في النهاية أنه لن يقبل بأن تعيش أجياله المستقبلية حاضره وماضيه الغابر، فيما نحن والحديث هنا ليس عن العرب فقط، وإنما عن كل العالم الذي يوصف بالثالث، الذي اقترن الحكم فيه بالنخبة الديكتاتورية، التي أصبح ببعضها وراثيا رغم جمهورية الدولة، وبأخرى وفق منظومة ديمقراطية مزعومة، تزور بها الانتخابات خلف عدسات الكاميرا، وينتخب بها الموتى مرشحهم الأوحد، لتكون النتيجة إعادة انتخاب من كان على رأس السلطة!

أسترجع معكم كتابات للراحل مصطفى أمين وذكرياته مع السجون في سنة أولى سجن وحتى الخامسة منها، قرأتها في العشرينيات من عمري، استيقظت وقتها على واقع أن قوميتنا العربية، التي كنت على وشك الإيمان بها، قد قامت أساسا على مبدأ التعذيب وانتهاك آدمية الإنسان بوحشية تستغرب أنها تصدر من ابن البلد نفسه!

يقول أمين في كتابه (سنة أولى سجن):

"دخل الفريق حمزة بسيوني قائد السجن الحربي إلى الزنزانة التي كانوا يعذبونني فيها في سجن المخابرات.. ووقف يتفحصني وهو يراني عاريا تماما، وأنا مصلوب على جدار الزنزانة، والضربات والصفعات تنهال علي، وثلاثة من الضباط ينتزعون شعر جسدي.. ثم قال الفريق: لا.. لا.. لا.. أنتم تدلعونه هنا، هاتوه لي في السجن الحربي ليرى التعذيب الحقيقي!".

في فيلم البريء الذي أنتج ثمانينيات القرن المنصرم، والمستوحاة أحداثه من الاضطرابات التي عمت مصر 17 يناير 1977 عقب قرارات الحكومة التقشفية حينها، وقاد الشارع فيها الشيوعيون والناصريون، سمعنا غناء السجناء في العنبر وهم يغنون "محبوس يا طير الحق"، كما شاهدنا سادية مأمور السجن وإجرامه ووحشيته ومن تحته من ضباط، وتفننهم في إذاقة المعتقلين السياسيين أقسى أنواع العذاب، على يد عساكر ومجندين تم اختيارهم من مناطق بدائية وأميين منفذين للأوامر بحرفيتها ومن دون تفكير، مؤكدين على المبدأ الذي تنتهجه السلطات والقائل: "قمع الحرية بجهل الأبرياء".

دوليا، أقرت 147 دولة ووقعت على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، الهادفة إلى منع التعذيب في جميع أنحاء العالم، والملزمة لأعضائها باتخاذ تدابير فعالة لمنع التعذيب داخل حدودها، وحظر إجبار أي إنسان على العودة إلى موطنه، إذا كان هناك سبب للاعتقاد بأنه سيتعرض للتعذيب فيه، تكريما للاتفاقية، يعد الـ 26 من يونيو كل عام اليوم الدولي لمساندة ضحايا التعذيب.

لكن يبقى التساؤل قائماً رغم كل ما سنّ من قوانين: هل نجح العالم في الحد من هذه الظاهرة اللاإنسانية؟ وهل اختفى التعذيب؟ وهل سنصل يوما إلى تأصيل مفهوم كرامة الإنسان أيا كان انتماؤه ودينه وعقيدته، وأيا كان مختلفا عن الآخر المعارض له والمختلف معه؟.. أتمنى ذلك مع يقيني بأن الطريق أمامنا ما زال طويلا جدا جدا جدا!


المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=252122

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...