الأربعاء، 14 أكتوبر 2015

حرية الفكر والاعتقاد والممارسة

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 14-10-2015

 

 
على طاري وذكر "الحرية الغربية" التي يلهث خلفها عرب الشمال والجنوب، وكل الاتجاهات بغنيهم وفقيرهم، متعلمهم وبسيطهم، سأروي لكم حكاية حقيقية رواها أحدهم، وللأمانة لا أعرفه وأنقلها عنه إيماناً مني بأنها واقع، وتحصل في كل يوم ألف مرة؛ عن لاجئين عربيين هما عراقي وسوري، كانا من ضمن خمسين آخرين من نفس الجنسيتين، تقاسموا قاربا متهالكا سار بهم عبر دروب مياه المتوسط الغاضبة التي ابتلعت الآلاف قبلهم، وكادت تهلكهم أكثر من مرة، أحدهما سني المذهب والآخر شيعي بالطبع، في تكريس لم تسقه الصدفة لكي تكتمل فصول المؤامرة والحقد الطائفي الأعمى الذي بطش بسكان الدولتين، ولايزل يفرقهم.
على ذمة الراوي، ما لبث العراقي منهما بعد أن أنجاه الله سبحانه وتعالى من الغرق، وبعد أن وطأت قدماه أرض جزيرة يونانية، حنت عليهم فاستقبلتهم؛ أن تعالى صوته ما يدل على غضب عارم مفاجئ أصابه، واسترعى انتباه من حوله، تحدث باستهجان لزميله العراقي الآخر الذي يبدو أكثر عقلانيةً قائلاً: هذا السوري (يقصد من كان مجاوراً له في قارب الهلاك) لا يُريد أن يقتنع أو يفهم أن أبا بكر اغتصب الخلافة من علي! 
زميله الذي صدمته رعونة القول البادرة ممن نجا حديثا من الموت غرقا، كالعديد ممن سبقوه من مهاجري القوارب الخربة؛ خاطبه بأن يخفض صوته حتى لا يسمعه أحد، وعليه بحمد الله على سلامته، فما كان من المهاجر غير الشرعي العراقي الطامح في اللجوء لأرض الغرب، أن قال له: "لا يا بابا هذي أوروبا، أحكي اللي تبيه!". 
هنا تنتهي القصة التي لا أظنكم بحاجة لمعرفة نهايتها، وأؤكد لكم رغم عدم علمي لها أنها لم تنته بعناق وقبلات عربية متصالحة، فمثل هذا الفكر الذي تحدث به ذاك المذهبي المتعصب، لم يولد ليموت وينتهي ويتبخر على تراب حرية الغرب المتمدن، ولا سينتهي باقتناء صاحبه جواز سفر أوروبيا مطرزا بالصليب، يشير إلى أن كل جيش دولة حامله مستعد بالتضحية بروحه في سبيل سلامة حضرة اللاجئ العربي سابقا، الأوروبي حالياً، الذي أكثر ما استفاد من التجربة الجديدة في الحرية، هو في أن يمارس كهنوت الحقد الذي ربي عليه، ولكن وفق الأساليب الديمقراطية المستجدة، وبدلاً من السلاح والتفجيرات والاختطاف والقتل الممارس في بلده الأصلي، تحت سمع وبصر الدولة، وبرعاية مقدسة من رجال دين وضعوا الجنة والنار بأيديهم، فانساقت لهم العامة المغيبة واستسلمت لأوامرهم اللاهوتية! 
حتى الحرية، وهي الثمن الباهظ الذي دفعته أوروبا مزيجا من دماء شعوبها وأرواحهم وأموالهم، بعد أن وعت الدرس وقررت ألا يعيش أحفادها ماضي أجدادهم الدموي؛ أصبح المهاجر العربي الذي يسمي نفسه مضطهدا كي يترك بلده يسيء استغلالها، ويجيرها لما يخدم أحقاد عقيدته الباطلة، التي مارس بسببها إرهابا غير مسبوق ضد أخيه المواطن من نفس البلد، ولكن من طائفة أخرى، صدف أن تبادل كلاهما التكفير والتضليل، فهبت جموع الأتباع العمياء تستجيب لفتاوى إهدار الدماء!  
حضرة المهاجر حديثاً أول درس أراد تطبيقه، هو أن يمارس حقه الديمقراطي عبر الحديث بما يريد دون أن يخشى اللوم على ما قال، والعقاب على ما بدر منه، فحرية القول والجهر به كفلته دساتير الغرب المتمدن حتى لو أسيء للأديان والمعتقدات والمقدسات عدا السامية بالطبع، التي لا يمكن الإساءة لها إطلاقا. 
الحرية بمفهومها العام نعمة، لكنها وللأمانة وحين يمارسها الأحمق والجاهل والمتعصب والطائفي تصبح نقمة ولعنة يتأذى بسببها الآخرون، كما رويت لكم سابقاً في حادثة تتعدد أشكال ترددها، وفي الأغلب من مهاجري دول العالم الثالث، الذين تأصلت لديهم عقد الاضطهاد والقمع من دولهم، فنقلوها معهم ومع إرادتهم لملاجئهم الجديدة، ومارسوها ضد بعضهم بعضا، مؤكدين مقولةً تحدثت سابقاً عن عبدٍ منحه سيده صك حريته، فأبى أن يأخذها وأصر على التفاوض معه على البقاء عبداً له، ولكن مع تحسين شروط عبوديته!
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=304947

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...