الأربعاء، 7 أكتوبر 2015

"دده.. أُفه.. يا بابا"

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 07-10-2015

 
 
أتمنى أن تقوم جهة ما ويفضل- حسب رأيي- أن تكون غير رسمية ولا حكومية (للشفافية)؛ باستفتاء بين الأسر حديثة العهد وقديمه بالأطفال، لاستطلاع أولى الكلمات التي يتعلمها صغار العرب والأجانب "الخواجات"، حين تبدأ فطرتهم في الإيعاز لهم بالحديث، ليكون الاستطلاع للفئة العمرية ممن هم على أبواب السنة الأولى من عمرهم وحتى ثلاث سنوات، ويركز على أولى الكلمات التي ينطق بها الطفل غير الأسماء، ويجب أن يشمل الاستطلاع جميع شرائح المجتمع الفقيرة والمتوسطة والمتعلمة والغنية ومحدودة الثقافة. 
قد يقول قائل: لا حاجة لذلك فالنتيجة معروفة سلفاً، فنحن العرب متخلفون ولا نحسن تربية أبنائنا، ولدينا مشكلة متأصلة في اللاوعي لدينا، تمنعنا من أن نربي الأبناء على الفضائل (رغم زعمنا) التي إن قارناها بالغرب سنجده يزرعها في نشئه منذ الصغر، فيربيه على مبادئ الإنسانية والأدب والأخلاق والاحترام، والقول الحسن وووووووو. أصحاب هذا القول هم بلا شك من جماعة "جلد الذات العربية" الموغلون في النقد غير البناء، الذي هدم أكثر مما عمّر، وعلى غرارهم سيهب آخرون لإثبات ضلال أيقونة الغرب "الكافر المزعومة" والمنحلة أخلاقيا، التي ترمي أبناءها خارج المنزل حين يبلغون عامهم الثامن عشر، وسيرددون على المسامع ليثبتوا لنا ما اعتادوا تكراره هم ومن سبقوهم؛ نفس الأدلة والعبارات مستشهدين بقول فلان العالم العلامة، الذي وصفهم (أي الغرب) بأكلة لحم الخنزير الضالين المُضلين، والأجدر مخالفتهم في كل أمر، وعدم الاقتداء بهم كونهم الشر المطلق، ولكن دون أن يقدم القائل بالمقابل نموذجاً يُقتدى به! 
بصراحة وأتحمل وزر ذلك، كلا الفريقين هما الأغلبية العظمى الممثلة لمجتمعاتنا العربية، دون أن يتوسطهما ما هو بين هذا وذاك،أو عقل يُحَكّم ويُعمل به في النقد والثناء! 
أطفالنا ووفق ما لاحظت حين ينطق العديد منهم؛ يبدأ بالشتيمة وكلمات النهي والزجر، حتى إنك لن تستغرب أن بعض الكلمات أصبحت قاسما مشتركا بين مختلف أطفال العرب من شتى الجنسيات، فكلمة "أوفه" و"كخه" و "دده" أصبحت عالمية يتعلمها الطفل قبل أن يتعلم الابتسامة. يبدأ حياته بالمحاذير والنهي، فيكبر وقد تشبع عقله الباطن بما عليه الامتناع عنه، قبل تعلمه لما عليه الاستمتاع به!
 كم مرةً صادفنا في جلسة أو الطريق أو في السوق والدا أو أما تجر ابنها من أطراف ثوبه، أو تكاد تخلع أذنه وهي تمطره بعبارات "يا حيوان، يا كلب، يا مجرم، يا قليل الأدب"، والغريب أن الطفل منصتٌ مذعنٌ دون بكاء أو استنكار، فقد تعود على ذلك، وشعر بأن منهج الحياة في كنف أسرته قائم على التعنيف أمام الخلق، سيكبر الطفل حينها وسيكرر ما فعله به والداه، ظاناً أنه الأسلوب الأمثل للتربية! 
بأيدينا نصنع أطفالاً متمردين على كل القيم، وبأيدينا ننتج جيلاً منهم مهزوز الشخصية فاقد الثقة بنفسه، يحيا وسط المحاذير التي تأصلت في ذاته، ولكننا أيضاً بأيدينا إن رغبنا فسنربي جيلاً خلوقاً دمثاً سوي الشخصية، كينونته وأخلاقه وسلوكه نابعٌ من تطبيق عملي صادق للقول الكريم "الدين المعاملة"، ودون أن نستورد تجربة الآخرين ولا ليبراليتهم ولا حداثتهم، فعندنا ما يكفينا من النهج النبوي الكريم الذي تجاهلناه فخسرنا!
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=293512

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...