الجمعة، 21 نوفمبر 2014

اليمن ونهاية الحوثي

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة العرب اللندنية 21-11-2014



ظن الحوثيون أن الدخول لمعترك السياسة في اليمن يكون بسهولة احتلالهم للعاصمة صنعاء والحديدة وعمران، لكن ما تخفيه الأيام لهم هو خسارتهم التي لن تطول لتتحقق، وسيغرقوا كل يوم أكثر وأكثر في دوامة الصراع المسلح في اليمن، التي لم تعرف الاستقرار منذ استقلالها وحتى توحدها. فهي غارقة في وحل التفكك بسبب القبلية والفساد الحكومي والفقر المدقع رغم وفرة الموارد، كما أنها ترزح تحت ثقافة سلطة شيخ القبلية ووجهاء المدن وسياسة المحاصصات والتوافقات البعيدة عن الالتزام بروح القانون ونصوص الدستور، الذي بحاجة إلى أن يُعاد كتابته بما يتناسب مع احتياجات اليمن اليوم، بشماله وجنوبه الطامح للاستقلال، بعد أن عانى من التهميش والإهمال الحكومي المقصود.
ربما يكون من السهل، كما حصل مع جماعة الحوثي، أن تشكل تنظيما وميليشيا مسلحة، وأن تحصل على الدعم لذلك من قوى خارجية تملك مصالح، وحتى داخلية من الوطن نفسه لاستخدامهم في تحقيق مآربها، وهو الذي تحقق لهم في الآونة الأخيرة وبشكل لا يخلو من الريبة والشك.

لكن الأصعب والأخطر، وهو الذي لم يدر بخلدهم على ما يبدو، هو مدى قدرتهم على البقاء في الساحة وبنفس القوة التي دخلوا بها والنفوذ الذي تحقق لهم، وهل يا ترى سيكون بمقدورهم تحمل الخسائر الناجمة عن دخولهم معترك السياسة في اليمن، والذي كان لهم وأسهم في فرض شروطهم بالقوة التي ما كانت لتحصل لولا التخاذل والتآمر والطمع في السلطة ولو كانت على حساب تدمير الوطن وجعله ساحة جديدة للمطامع الإيرانية الطامحة للسيطرة على مضيق باب المندب بجانب هرمز.
بعد حين، سيدرك القائمون على هذا التنظيم وعلى رأسهم عبدالملك الحوثي أنهم لم يكونوا سوى حجارة على رقعة الشطرنج من صنف الجنود يتم التلاعب بها وتسييرها وفقا للأهواء، وسيتم التخلص منهم حالما ينتهي دورهم، وهو ما سيقرره الحليف قبل العدو لهم، فهم أقرب ما يمكن وصفهم به أنهم كطالبان الأفغانية التي ظهرت من العدم وأنهت وفي فترة قصيرة حالة الحرب الأهلية التي عاشتها أفغانستان بفعل تحارب تحالف الشمال مع بعضه البعض، والذي ما لبث بعد فترة أن وضع يده مع الولايات المتحدة والغرب وتحالفوا فأسقطوا حكم طالبان التي لم نعد نسمع عنها أي خبر في وسائل الإعلام!
حال الحوثيين الآن ومكاسبهم الآنية لن تصمد طويلا حين ينفك الدعم لها، ولن تتحمل حجم الخسائر التي ستنجم عن مواجهاتهم العسكرية ليس مع الجيش اليمني، وإنما مع القوات الموالية للقبائل اليمنية ومعها، بالطبع، تنظيم القاعدة، الذي يرى في حربه مع جماعة الحوثي قتالا عقائديا لا صلح فيه أو تنازل، وهو بمثابة محاربة أميركا والغرب بالنسبة إليه، فهو يراهم ممّن ساهموا في زرع هذه الجماعة الوليدة وحديثة العهد في خاصرة اليمن، لتنفيذ أجندة دولية استبقت توجه الشارع اليمني نحو الأحزاب ذات التوجه الإسلامي، ومن ثم سيطرتها على الحكم عقب نجاح الثورة في الإطاحة بحكم علي عبدالله صالح.
الحكومة المركزية برئاسة عبد ربه منصور هادي فشلت، أو أُفشلت، في الإسهام في تنفيذ بنود المبادرة الخليجية التي كانت الأنسب للانتقال باليمن إلى حالة الاستقرار الممهّدة لقيام الجمهورية الديمقراطية الثانية، بدستور توافقي يقسّم اليمن إلى ستة أقاليم، ويعيد الحقوق لجنوبه، ويكرس سلطة القانون ونزاهة الانتخابات التي كان من المفترض أن ينتج عنها برلمان ديمقراطي يشكل الحكومة المرتقبة.
تصنيف جماعة الحوثي كأحد المنظمات الإرهابية من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة ستتبعه خطوات مماثلة من دول خليجية أخرى في القريب، وهو ما سيزيد من الضغوط الدولية على الجماعة، وسيسهم في تحويلها من فئة ثورية (كما تسمي نفسها) إلى جماعة خارجة عن القانون وستكون خارج اللعبة السياسية، ولن تنجح إيران في جعلها ذراعها الطويلة في اليمن كحزب الله في لبنان. أما حزب المؤتمر الشعبي العام، فستشهد الأيام القادمة عودته بقوة إلى الساحة السياسية وإن كانت بغير شخص الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ولكن بمؤيدين له وبشكلٍ يُماثل ما حدث في تونس بعد فوز حزب نداء تونس بالأغلبية البرلمانية وهو الذي كان يُحسب على نظام زين العابدين بن علي.
الفترة المقبلة ستشهد اندحارا لقوة المعارضة اليمنية الحالية وعودة إلى للتحالف بين الحكم السابق في اليمن والقبائل وبعض التيارات الإسلامية، ولكن هذه المرة بطريقة قد تكون الأقرب إلى الديمقراطية من سابقاتها، كما ستشهد بعد انفضاض الجمع من حول الحوثي، محاكمات ستطال قيادات له تلطّخت أيديها بدماء اليمنيين.
مع العلم أن إيران التي أوجدت هذه الميليشيا قد تكون أول من يتخلى عنها إذا تحقق لها الوصول إلى اتفاقية مرضية بشأن برنامجها النووي تسهم في رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها، ولو بشكل جزئي، مع السماح لها بسحب أرصدتها المجمدة لدى البنوك الغربية، بالرغم من كون الجماعـة تمثل بالنسبة إلى حكام طهران خيارا استراتيجيا إلا أنها مستعدة لخسارتها مقابل مكاسب أخرى، وهو الدال على أن جنون الحكم الفارسي هو، وبشكلٍ أساسي، المسيّر لسياسات إيران الخارجية وإن كانت تستغل المذهبية والانتماء للطائفة الشيعية في تحقيق ذلك وإيهام الشيعة العرب!


المصدر: صحيفة العرب اللندنية - http://alarab.co.uk/?id=38488

الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

الرياضة والتعصب والعنصرية ..

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة الحوار المتجدد 18-11-2014



من منا لم يتعصب يوما لرأي أو لموقف وقضية، وتشنج بسببها وأرعد وزبد، وخسر فيما خسر صديقا واحترام آخرين، لكنه ومع ذلك لم يكترث واستمر بنهجه الذي أملاه عليه فكره، وجعله مقتنعا بأنه هو الصحيح وما سواه على خطأ!
غالباً ما نشتكي ونتذمر من التفرقة والعنصرية, ونذكر السامعين بقول المصطفى الكريم عليه صلوات الله وسلامه "دعوها فإنها نتنة"، لكننا وفي المقابل, نمارسها ما استطعنا اليها سبيلا, وحججنا في ذلك لا تُحصى ومنها أن الناس مقامات، والاحترام واجب وصاحب المعالي يتطلب ذكره منا أن نطأطأ له رؤوسنا احتراما وتبجيلا. في المقابل, نحرص على أداء الصلوات في أوقاتها, وهي فرض وواجب وركن علينا الامتثال له, لكننا جعلناه قاعدة لنا للصلاح فقط وأسقطنا سواها وتناسينا أن بجانب أداء العبادات تتجلى اخلاق المسلم الحق، فالدين المعاملة, وابتسامتك في وجه أخيك صدقة.
وسم وجوهنا بكشرة واتزان وادعاء الزهد في كل أمر والمبالغة في الجدية وشبه تحريم الضحك ولوم الناس على مرحهم وانشغالهم فيما لا يلهيهم عن ذكر الله سبحانه; أحد أسباب النفور أو الخوف التي يبديها ليس صغار السن من الجنسين, وإنما من مختلف الأعمار تجاه تصرفات فردية لأشخاص وحجتهم فيما يفعلوا التدين!
إسلامنا جميل ووسطي ويدعوا للاستمتاع بالحياة والسعي فيها كما العمل للآخرة، لم يهمل شأنا على حساب آخر, ولم يدعو للتشدد والإسراف، بل كرس الوسطية والاعتدال، الذي بتنا نفتقده في أغلب شؤوننا....... حتى الرياضة، وهي التي وجدت لإضفاء البهجة علينا وزرع روح التنافس الخلاق, حولناها لتعصب أعمى, وفئوية وقبلية وانتماء وحتى وطنية، لتنقلب إلى عنصرية وكره وتغييب للأخلاق التي يجب على الجميع الاتسام بها، ليس فقط الرياضيين وإنما المشجعين أيضا، والذي باتوا الآن وللأسف ومن يقف خلفهم من مسؤولين;  رأس حربة في أيقادها وزرعها في النفوس والتشجيع عليها، وكأن الخصم ولو كان من أبناء العم هو عدونا لو لم يكن في صفنا!
في مباراة الهلال وسيدني الأسترالي على اللقب الآسيوي الأخيرة، برزت الى السطح مظاهر لم تُعهد يوما على الشارع الرياضي السعودي، الذي اتسم على الدوام بالحماس ولكن بدون تعصب، فالمنتخب السعودي وعلى سبيل المثال ومنذ إنشائه, ضم في صفوفه لاعبين من مختلف أطياف الدولة ومدنها دون تفرقة أو قبلية أو مناطقية، والقائمون عليه لم يمارسوا اي نوع من العنصرية، بل تعاملوا مع الجميع كأبناء الوطن الواحد دون أي تفرقة!......
لم تحول الحال الآن وانقلبت الأندية ومشجعيها لدائرة من الصراع الكروي بدلاً من أن يكون التنافس الحرّ النزيه, الذي يهنئ فيه المغلوب المنتصر, ويواسي فيه من نال الفوز من مُني بالخسارة؟
ربما هو الإعلام ودوره الذي لم يعُد حياديا بعد الآن, أو تشدد بعض المحللين والرياضيين والكتاب; هو من أسهم سلباً في تأجيج الجماهير, والذي أغلبهم يطمح بأن يستمتع بمشاهدة مباراة كرة قدمٍ ينتصر فيها فريقه, ولكن إن غذيته بأي مشاعر سلبية واستفززت فيه التعصب, حينها قد يخرج الأمر عن نطاق السيطرة, ونرى مشجعا لنادي النصر مثلا قد خرج مضروبا مهانا من مدرجات الهلال كما حدث في المباراة الأخيرة كونه لبس شعار ناديه, وهو الذي قد حضر ليؤازر فريق وطنه بدون أي تعصب وإنما محفوفا بواجب الوطنية.
الرياضة سواء كانت كرة قدم أو ملاكمة; هي أخلاق وحسن تصرف وسلوك, وإنسانية يجب أن تُزرع في نفس النشأ أولاً, فتتكرس حينها روح المنافسة وتقبل الخسارة واحترام الآخر.......هي (أي الرياضة), كما القيادة: فن وذوق وأخلاق!



المصدر: صحيفة الحوار المتجدد - http://www.hewarmag.com/first/8834.html

الخميس، 13 نوفمبر 2014

جيرونيمو .. ونصفنا الآخر

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 13-11-2014

 


أول مرة سمعت فيها هذه الكلمة أو المصطلح كانت في فيلم نظرية المؤامرة لميل جيبسون وجوليا روبرتس، ومن يومها استخدمتها كمعرف واسم رمزي لي، ما لبثت أن تخليت عنه فيما بعد لأسباب مجهولة!
المهم، مثلت لي «جيرونيمو» حينها رمزية الحب الضائع بين جنون الوهم وحقيقة تحققه في عالم مادي، لم يعد يقتنع بقصص الحب الأسطورية ولا جنون العشق، الذي يجعلك تمتلك جناحين يمكنانك من الطيران، ودون أن تتعرض للأذى رغم يقينك بأن ما تقوم به هو الجنون بعينه، لكنك تمارسه وكلك سعادة وكأن ارتطامك بالأرض هو لحظة عناق الحبيب.
مع أن قصة الفيلم سياسية ناقدة تحاكي واقعاً استخباراتياً، هو في ظاهره أمني ووحشي مقيت؛ إلا أنه ولو أتيحت الفرصة لي يوماً كي أكون ناقداً لوصفته من روائع الأفلام الرومانسية، التي بات مفهومها لدى الجميع محصوراً في العلاقة التي يتم تتويجها جسدياً، وكأن الغريزة هي المحصلة النهائية للمشاعر الإنسانية الجميلة التي تربط بين ذكر وأنثى، متناسين أن تلاقي الأرواح وانجذابها وانصهارها معاً في جسد واحد طرفه جسدان، هي من أمتع ما قد تكون عليه العلاقة يوماً بين رجل وامرأة. وهي التي وإن تحققت قد لا تعدو كما كانت ناراً ملتهبة وأشواقاً تحرق، مسيطرةً على المشاعر والأحاسيس، لكنها ستتحول حينها إلى الاندماج التام الذي يخلقه الحب بين طرفين يسعى كل منهما لإنجاحه، ولو على حساب نفسه ومبادئه وقناعاته!
صُناع السينما ومنتجو الفنون هذه الأيام، أو أغلبهم، وكلما رأوا لقطات من أعمال الزمن الجميل التي صورت بالأبيض والأسود، لا تنتابهم غصة ولا تتحشرج الكلمات في أفواههم، بل تعتريهم لحظات ضحك واستهجان لما يسمونه بالافتعال والابتذال العاطفي، وقصور التمثيل الذي ينتج عنه بلاهة في المشاعر تظهر، على حد وصفهم، على شكل حب من النظرة الأولى وإعجاب لتصرف عزة وشهامة يبدر عن أحد المحبين، فيتعلق قلب الآخر به، لتبدأ بعدها الأحداث شبه المستحيلة للوقوف في وجهيهما وثنيهما عن الاستمرار، حتى يتمكنا في دقائق العمل الفني الأخيرة من الفوز على كل من يقف بطريقهما، أو بشكل أصح، وكما وصفها نزار قباني، بالرواية التي بختامها يتزوج الأبطال!
ذاك النمط، الذي بات مفقوداً الآن ورغم كونه موغلاً في المثالية، إلا أنه هو ما يُحرك فعلاً المشاعر حين مشاهدتك له. هو بالفعل حب الزمن الجميل الذي بتنا نفتقده الآن، ولا نشعر به في فن المؤثرات الصوتية والمرئية، والإخراج والفلاتر والأبعاد الثلاثية.
بصراحة، وحتى مع تطور تقنيات الإنتاج الفني، لم نعُد نصدق افتعالهم ولا تمثيلهم، ولم نعد نستمتع كما كنا بروايات زمانٍ مضى يصعب تصديق بعضها وربما تنتفي واقعيتها، لكنها كانت من علمنا أن نُحِب ونُحَب ونستمتع بلذة الحب وشقائه وعذابه واستحالة تحققه، والتي بدورها تجعل من أبطال القصة خارقين قادرين على صنع المستحيل وتذليل عقباته، في مقابل نيل ود الحبيب أو الحبيبة!
وسائل العشق وطرقه هي هي لم تتغير منذ الخليقة وحتى اللحظة، وإن كانت وسائل تطبيقها تغيرت. فالمحبون، وعلى مر التاريخ، كتبوا لبعضهم كلمات كانت فيما سبق على شكل رسائل تُنقل سواءً بواسطة الحمام أو البريد. الأكثر استخداماً لها الآن عبر رسائل الجوال وتطبيقات المحادثة الفورية ووسائل التواصل الاجتماعي. هي التقنية التي أوجدت الاختلاف، لكن القاعدة واحدة، وفيها تفيض مشاعر المحب ليعبر عنها بكلمات شاعرية يصف بها المحب حبه ولوعته واشتياقه وغربته، طالما لا يحظى برفقة من يحب ويأنس برؤياه.
المشاعر الجميلة والأحاسيس الراقية هي ما يضفي على الحياة طعماً لا متعة بدونه، وهي التي تكرس إنسانيتنا، وهي التي تمتعنا في لحظات مللنا، وتسعدنا في قنوطنا، وتعطينا الدافع والحافز كي نتقدم وننجز، وحتى ننسى ونتناسى طالما نعلم ونحن على يقين بوجود شخص في مكانٍ ما يمثل لنا نصفنا الآخر.. الأجمل والأحلى والأروع .. شريك حياتنا.


 

المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/11/13/196053/%d8%ac%d9%8a%d8%b1%d9%88%d9%86%d9%8a%d9%85%d9%88-%d9%88%d9%86%d8%b5%d9%81%d9%86%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%ae%d8%b1/

الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

أنا وليلى مجدداً

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في مجلة فكر الثقافية العدد التاسع لشهر نوفمبر سنة 2014

 


يقولون: ليلى في العراق مريضةٌ؛ فيقول يا ليتني كنت الطبيب المداويا........
هي ليلى مجددا التي اتحدث عنها وأجعل منها رمزا خصصته ليكون أيقونة العشاق من الرجال المحبين والمصابين بجنون الهوى الذي لا يعرف الحدود والفواصل، فهوى أنفسهم أقوى من أن تحجر عليه ظروف قاهرة، رغم أنها نفس الظروف التي ستنجح يوما في منعهم من تحقيقهم مرادهم ونيلهم ود محبوبتهم وخطفهم لها؛ ولن أقول على حصانٍ ابيض، فتلك رؤى باتت مستهلكة ولا تعبر عن جموح عاشق ومحبة لم يكن الحظ يجاورهما او يمر بجانبهما لينالا وداً تمنيا أن يجمعهما سويةً.
ليلى الأنثى هي واحدة كاسم وإن تعددت مسمياتها وأزمان تواجدها. من العامرية ليلى التي تصغر عاشقها قيس بأربعة أعوام وولدت في بلدة أسمها النجوع وتسمى اليوم باسمها والتي هي عاصمة محافظة الأفلاج بمنطقة الرياض. تربت مع قيس ورعيا الغنم سويةً، فلما كبرت حجبت عنه فأزداد هياما بها ورفض أهلها أن يزوجوها به ليس لأنها غنية وهو فقير كعادة المسلسلات العربية وإنما لاشتهار حبهما بين العرب، فهام المسكين على وجهه ينشد الأشعار ويتغنى بحبها إلى أن وجد ملقى بين أحجار وهو ميت.
فيها ومما قال أذكر يائيته التي أورد بعض أبياتها:
أَعُدُّ اللَيالي لَيلَةً بَعدَ لَيلَةٍ
وَقَد عِشتُ دَهراً لا أَعُدُّ اللَيالِيا
وَأَخرُجُ مِن بَينِ البُيوتِ لَعَلَّني
أُحَدِّثُ عَنكِ النَفسَ بِاللَيلِ خالِيا
أَراني إِذا صَلَّيتُ يَمَّمتُ نَحوَها
بِوَجهي وَإِن كانَ المُصَلّى وَرائِيا
وَما بِيَ إِشراكٌ وَلَكِنَّ حُبَّها…
وَعُظمَ الجَوى أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا
أُحِبُّ مِنَ الأَسماءِ ما وافَقَ اِسمَها
أَوَ اِشبَهَهُ أَو كانَ مِنهُ مُدانِيا
إِذا اِكتَحَلَت عَيني بِعَينِكِ لَم تَزَل
بِخَيرٍ وَجَلَّت غَمرَةً عَن فُؤادِيا
هِيَ السِحرُ إِلّا أَنَّ لِلسِحرِ رُقيَةً
وَأَنِّيَ لا أُلفي لَها الدَهرَ راقَيا
عَلى مِثلِ لَيلى يَقتُلُ المَرءُ نَفسَهُ
وَإِن كُنتُ مِن لَيلى عَلى اليَأسِ طاوِيا.
حاول والده كما يُقال ان ينسيه محبوبته، فأخذه لمكة، فما كان من العاشق الولهان أن تعلق بستار الكعبة و قآل:
اللهم زدني بليلى حبا و بها جنونا
و كلفا ولآ تنسني ذكرهآ أبدا
في زمنٍ آخر وفي قصيدة مصطفى محمود التي لا تنسى "الليل يا ليلى" كانت ذكرى ليلى مسائية، يعاتب المساء فيها محُباً ويسأله عن ليلى، فيما طيور باحته تفتقد ليلى وذكراها، وتسأل المحب لها عن حالها، أو يا تُرى ان كانت قد سافرت ليلى....! يعود بعدها وبمدة حسن المرواني ليحكي لنا قصة "أنا وليلى" التي عذبت محبها بعد أن تركته يعاقر حزنه الذي يعصره في مغبر آهاته...هي نفس ليلى الاسم ولكنها ليلى أخرى فاتنة بشفاهٍ مختلفة مكتنزه، ظن معشوقها أن رحيقها سيكون من نصيبه، لكن ضعف الحال أو قلته كانت سببا لتكون ليلى من نصيب غيره من الرجال الذين تمتلئ جيوبهم بما يزغزغ عيون أي ليلى ويجعلها تؤثر راحتها على نيل قلب محبوبها!
اسم ليلى لمن لا يعرف معناه يعني نشوة الخمر أو بدء السكر أو النشوة. وأم ليل هي الخمر السوداء. وقد يكون الاسم المختوم بالألف الممدودة دالاً على الليلة الواحدة، فيكون أصله "ليلة"، وعلى هذا المعنى نُقل الاسم إلى الإنكليزية.
يبدو ان اسم ليلى ارتبط لدى المحبين بالشقاء والعذاب، فكل محبي ليلى أو على الأقل من تداعوا لمسامعنا تجرعوا مرارة الهوى وحسرة الفراق والم البعاد؛ لكنهم وفي نفس الوقت ودون أن يعوا قد تركوا لنا تراثا شعريا يحببنا بليلى وكل ما يمت لليلى. فقيس العاشق العظيم الذي اتهموه ظُلماً وبُهتاناً بالجنون وقد كان عاقلاً مُخلصاً في حبه ذاق من هوى ليلى ما كفل له المرارة ان تكون مزامنة لاسمه كلما ذُكر، والشاعر المرواني وكما يُقال (وقد يكون إشاعة) قرض قصيدته بعد تجربته الشخصية التي مرّ بها، ويُقال أيضاً أن ليلى الحقيقية محبوبته قد بكت حين استمعت لها في الأمسية الشعرية التي قرأ بها القصيدة!
طبعا قد يكون هذا القول او تلك القصة من نسج خيالنا الذي يرى في لوعة الحب إحساسا أجمل من الحب ذاته؛ لكن إحساسي يقول لي دوما أن الليل وليلى مرتبطان ومتلازمان وبينهما عهد من عهود الهوى الغير المعلن، ولهما وقعٌ وهاجسٌ في نفس  المُحب، وان لم يكن من العدل حصر الهوى بليلى، الا أني أجد أنها »أي ليلى« أسعدتنا برمزية الحب لها وأن كانت قد لوعت محبيها..



المصدر: مجلة فكر الثقافية  العدد التاسع- http://www.fikrmag.com

الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

حزب الله لم يتعلم الدرس بعد

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة العرب اللندنية 11-11-2014

 


ألم يستوعب حزب الله بعد، وإيران من خلفه، أن تدخلهما في سوريا سيكونان وبالا عليهما وسيدخلان اللبنانيين ودولتهم والمنطقة في فوضى أمنية وهجمات انتقامية كان لها أول ولا أظن أن لها نهاية في القـريب المنظور.
ألا يرى الحزب، وكل جهة تدخلت طائفيا في سوريا، أن الدم حين يُزهق دون سبب سيكون نارا ولعنة على كل من أهدره؟ أين هي مخابرات حزب الله التي كان يفتخر باكتشافها لخلايا التجسس الإسرائيلية، وأين هي شبكة اتصالاته التي كاد أن يدخل لبنان في حرب أهلية بسببها؟ هل ما زالت على قوتها، أم أن حربها السورية قد استهلكتها، وهل ما زال الحزب يملك من القوة على الساحة اللبنانية ليفرض العماد ميشيل عون رئيسا للجمهورية في ظل تشتته بين الشأن الداخلي والسوري؟

حزب الله وكل من تدخل ضد ثورة الشعب السوري سيدفع الثمن، وسيعلم الذين ظلموا كيف أدخلهم نظام طهران في خندق مظلم أوله نور وآخره هلاكٌ لهم، ولن تكون الخسائر اليومية لمقاتليهم على الصعيد البشري وحدها من سيخلخل الإجماع الشعبي حوله، بل التكلفة المالية للحرب والتي ستقلل من تدفق الأموال التي كان الحزب يستخدمها في الإنفاق على برامجه الاجتماعية والتنموية، وعملت على الدوام على التفاف الجموع الفقيرة حوله، وهي التي تشكل أغلب أتباعه.
القتيل والمشرد والمصاب السوري الطامح منذ أكثر من ثلاث سنوات للحرية سينتقم لنفسه بقدر ما يستطيع ومتى ما سنحت له الفرصة، وبقدر ما يراه هدفا مشروعا له، واستهدافه لأهداف لبنانية وإيرانية أو تابعة لها هي رسالته لطهران، التي يريد أن يخبرها من خلاله أن سياستها في تصدير ثورتها التي تدعي إسلاميتها، ستحرقها أيضا، ولن تنفعها قنبلتها النووية، التي تسعى لها، في حمايتها من كل الشعوب التي عانت من تدخلاتها وظلمها وتجبرها عليها.
سوريا التي كانت دوما أولى الوجهات السياحية المفضلة للعرب باتت الآن دولة مدمرة، تخيم عليها أجواء القتل وتزكم الأنوف روائح البراميل التي تلقيها مروحيات النظام في كل يوم، حاصدة العشرات من الأرواح البريئة، بدعم عسكري لم يعد خفياً، والهدف منه هو الإبقاء على نظام حزب البعث في الحكم، حتى لو كان سبيل ذلك دماء السوريين، الذين لن ينسوا، أبدا، تدخل حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية والحرس الثوري الإيـراني في قتالهم إلى جانب النظام ودعمهم له وهو الذي كان آيلا للسقوط بيد قوات المعارضة المسلحة.
آجلا أو عاجلا ستنتقل الحرب، وما يتبعها من إرهاب ودمار وخراب واقتتال وتفجيرات واغتيالات، من سوريا لتستهدف جميع الأطراف التي تدخلت في الشأن السوري وسينقل السوريون ثأرهم للداخل اللبناني، وسيعي حينها مؤيدو الحزب ومن تخاذل عن ردعه حجم الضرر الناتج عن ذلك، ولن تجدي نفعا عملية ينفذها مقاتلوه تجاه إسرائيل في استعادة شعبيته التي ضحك بها على العامة سابقا، ولن تعيد له مكانته “البروباغندا الثورية” التي يريد أن يثبت من خلالها أنه ما زال نصير المقاومة، رغم أنه لم يتجاوب مع حماس في حرب غزة الأخيرة ورفض طلبها قصف إسرائيل، فهو لم يتلقّ التعليمات من طهران لذلك، وهو الذي يتبع لها بالولاء عقيدة وأيديولوجيا حسب البيان التأسيسي للحزب الذي ينص على: “الالتزام بأوامر قيادة حكيمة متمثلة بالولي الفقيه، وتتجسد بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الإمام الخميني”.
فرض حل للأزمة السورية ليس بالأمر المستحيل، بل من الممكن وبسهولة إن حصل الإجماع الدولي على ذلك، ولكن بالطبع ليس على غرار مفاوضات جنيف واحد وإثنين، التي وجد النظام فيها وسيلة للمناورة والعبث وتسويق سيناريو الإرهاب الذي لا يُصدق، وإنما عبر قرارات أممية ملزمة ووفق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ومع فرض حظر جوي وعزل السلطة الحاكمة وتسليم السلطة لحكومة انتقالية، تقوم على إعادة اللحمة الوطنية وتأسيس جيش وطني لا عقائدي، وسحب السلاح من الجميع، ومحاكمة ثورية للوردات الحرب، وتأسيس للعدالة الانتقالية على غرار ما فعلت أول حكومة سوداء في جنوب أفريقيا عقب تسلمها للسلطة من البيض. حينها وإن حصل، سيكون لنا حديث آخر، لكن الآن، وعلى ما يبدو، بعد أن دخلت “داعش” على خط الأزمة، فسيبقى الحال للأسف على ما هو عليه، وستبقى الأزمة السورية نارٌ تحرق، وطائفية تفرّق، ومفرخة للإرهاب الذي يصفه كلٌ حسب تفسيره ورؤياه.


المصدر: صحيفة العرب اللندنية - http://alarab.co.uk/?id=37669#

الأحد، 9 نوفمبر 2014

«داعش» والأهداف غير المعلنة

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 6-11-2014



وجهات نظر عديدة صادرة عن جماعات وجهات متباينة التوجه الديني، وحتى تنظيمات عادة ما توصف بالتطرف اختلفت مع إيديولوجيا وفكر تنظيم داعش الإرهابي. في مجملها توحدت الآراء واتفقت ألا ترتضي داعش منهجاً ولا سلوكاً.
أصل الخلاف مع داعش يتمركز حول ما عُرف عنه من التكفير بدون مسوغٍ شرعيٍ سليم، وقتل الناس بغير حق، والكذب والجهل الذي يتصدر فيه قليلو العلم والخبرة المشهد العسكري والديني. يُضاف إلى ذلك أنهم مخترقون على مستوى القيادات التي تنطبق عليها غالبية هذه الصفات. أما الأتباع فهم في أغلبهم شباب مغرر به ولكن ابتلي بالجهل وعصفت به الحماسة غير المنضبطة التي سهلت تجنيده واستقطابه للانضمام إلى التنظيم الإرهابي، بالإضافة إلى من تعرضوا لعنف طائفي ممنهج وقمع وتعذيب واستبداد بالآخر، ليجدوا في تنظيم داعش وسيلة للانتقام وتفريغ الكم الهائل من التعبئة التي ترغب في الثأر من الضيم الذي تعرضت له.
في سوريا يعرف عنهم استهدافهم للفصائل المقاومة للنظام السوري التي تشاركوا معها الجبهات أوائل الثورة وحاربوا معهم جنباً لجنب في خندقٍ واحد، لكنهم فيما بعد انحرفوا وبدأوا بقتال الشعب السوري وفصائله المسلحة المختلفة معهم في الفكر؛ فاستباحوا دماءهم وانشغلوا بذلك عن قتال النظام وهو الهدف الأساسي للثورة.
يحارب تنظيم داعش الإرهابي حالياً القوات العراقية والصحوات التابعة لها وقوات البشمركة الكردية ووحدات حماية الشعب الكردية، وحزب العمال الكردستاني وفصائل أخرى.
في سوريا يقول «داعش» إنه يحارب جيش الأسد وداعميه من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله (اللبناني)، لكن فصائل المقاومة السورية الأخرى تتهمه بأنه صوب سلاحه نحو الجيش الحر والجبهة الإسلامية وغيرهما.
يتهمه البعض ويصفه بأنه جهاز مخابراتي أوجدته مصالح دول لخلق فوضى في مناطق بسوريا والعراق من أجل ضرب الحراك فيها، معتمدين في ذلك على استقطاب الغلاة والحمقى والصبية الذين يسهُل تلقينهم ويُضمنُ ولاؤهم. آراءٌ أخرى تجدهم نتاج محصلة للفكر الديني المتطرف وتلصقهم بالسلفية.
بأي الأحوال .. وأياً كانت أسباب نشوء داعش أو أي تنظيم متطرف الفكر والتطبيق، أتمنى أن يقرأوا الآية الكريمة التي خاطب الله سبحانه وتعالى فيها رسوله بالقول الكريم: «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر».



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/11/06/194055/%d8%af%d8%a7%d8%b9%d8%b4-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%87%d8%af%d8%a7%d9%81-%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d9%84%d9%86%d8%a9-2/

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...