الخميس، 13 نوفمبر 2014

جيرونيمو .. ونصفنا الآخر

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 13-11-2014

 


أول مرة سمعت فيها هذه الكلمة أو المصطلح كانت في فيلم نظرية المؤامرة لميل جيبسون وجوليا روبرتس، ومن يومها استخدمتها كمعرف واسم رمزي لي، ما لبثت أن تخليت عنه فيما بعد لأسباب مجهولة!
المهم، مثلت لي «جيرونيمو» حينها رمزية الحب الضائع بين جنون الوهم وحقيقة تحققه في عالم مادي، لم يعد يقتنع بقصص الحب الأسطورية ولا جنون العشق، الذي يجعلك تمتلك جناحين يمكنانك من الطيران، ودون أن تتعرض للأذى رغم يقينك بأن ما تقوم به هو الجنون بعينه، لكنك تمارسه وكلك سعادة وكأن ارتطامك بالأرض هو لحظة عناق الحبيب.
مع أن قصة الفيلم سياسية ناقدة تحاكي واقعاً استخباراتياً، هو في ظاهره أمني ووحشي مقيت؛ إلا أنه ولو أتيحت الفرصة لي يوماً كي أكون ناقداً لوصفته من روائع الأفلام الرومانسية، التي بات مفهومها لدى الجميع محصوراً في العلاقة التي يتم تتويجها جسدياً، وكأن الغريزة هي المحصلة النهائية للمشاعر الإنسانية الجميلة التي تربط بين ذكر وأنثى، متناسين أن تلاقي الأرواح وانجذابها وانصهارها معاً في جسد واحد طرفه جسدان، هي من أمتع ما قد تكون عليه العلاقة يوماً بين رجل وامرأة. وهي التي وإن تحققت قد لا تعدو كما كانت ناراً ملتهبة وأشواقاً تحرق، مسيطرةً على المشاعر والأحاسيس، لكنها ستتحول حينها إلى الاندماج التام الذي يخلقه الحب بين طرفين يسعى كل منهما لإنجاحه، ولو على حساب نفسه ومبادئه وقناعاته!
صُناع السينما ومنتجو الفنون هذه الأيام، أو أغلبهم، وكلما رأوا لقطات من أعمال الزمن الجميل التي صورت بالأبيض والأسود، لا تنتابهم غصة ولا تتحشرج الكلمات في أفواههم، بل تعتريهم لحظات ضحك واستهجان لما يسمونه بالافتعال والابتذال العاطفي، وقصور التمثيل الذي ينتج عنه بلاهة في المشاعر تظهر، على حد وصفهم، على شكل حب من النظرة الأولى وإعجاب لتصرف عزة وشهامة يبدر عن أحد المحبين، فيتعلق قلب الآخر به، لتبدأ بعدها الأحداث شبه المستحيلة للوقوف في وجهيهما وثنيهما عن الاستمرار، حتى يتمكنا في دقائق العمل الفني الأخيرة من الفوز على كل من يقف بطريقهما، أو بشكل أصح، وكما وصفها نزار قباني، بالرواية التي بختامها يتزوج الأبطال!
ذاك النمط، الذي بات مفقوداً الآن ورغم كونه موغلاً في المثالية، إلا أنه هو ما يُحرك فعلاً المشاعر حين مشاهدتك له. هو بالفعل حب الزمن الجميل الذي بتنا نفتقده الآن، ولا نشعر به في فن المؤثرات الصوتية والمرئية، والإخراج والفلاتر والأبعاد الثلاثية.
بصراحة، وحتى مع تطور تقنيات الإنتاج الفني، لم نعُد نصدق افتعالهم ولا تمثيلهم، ولم نعد نستمتع كما كنا بروايات زمانٍ مضى يصعب تصديق بعضها وربما تنتفي واقعيتها، لكنها كانت من علمنا أن نُحِب ونُحَب ونستمتع بلذة الحب وشقائه وعذابه واستحالة تحققه، والتي بدورها تجعل من أبطال القصة خارقين قادرين على صنع المستحيل وتذليل عقباته، في مقابل نيل ود الحبيب أو الحبيبة!
وسائل العشق وطرقه هي هي لم تتغير منذ الخليقة وحتى اللحظة، وإن كانت وسائل تطبيقها تغيرت. فالمحبون، وعلى مر التاريخ، كتبوا لبعضهم كلمات كانت فيما سبق على شكل رسائل تُنقل سواءً بواسطة الحمام أو البريد. الأكثر استخداماً لها الآن عبر رسائل الجوال وتطبيقات المحادثة الفورية ووسائل التواصل الاجتماعي. هي التقنية التي أوجدت الاختلاف، لكن القاعدة واحدة، وفيها تفيض مشاعر المحب ليعبر عنها بكلمات شاعرية يصف بها المحب حبه ولوعته واشتياقه وغربته، طالما لا يحظى برفقة من يحب ويأنس برؤياه.
المشاعر الجميلة والأحاسيس الراقية هي ما يضفي على الحياة طعماً لا متعة بدونه، وهي التي تكرس إنسانيتنا، وهي التي تمتعنا في لحظات مللنا، وتسعدنا في قنوطنا، وتعطينا الدافع والحافز كي نتقدم وننجز، وحتى ننسى ونتناسى طالما نعلم ونحن على يقين بوجود شخص في مكانٍ ما يمثل لنا نصفنا الآخر.. الأجمل والأحلى والأروع .. شريك حياتنا.


 

المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/11/13/196053/%d8%ac%d9%8a%d8%b1%d9%88%d9%86%d9%8a%d9%85%d9%88-%d9%88%d9%86%d8%b5%d9%81%d9%86%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%ae%d8%b1/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...