الأحد، 21 فبراير 2016

التجسس في الاحتساب ما بين التحليل والتحريم

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة الوئام الإلكترونية 20-02-2016

 
 
كلما أبدى باحثٌ أو كاتبٌ رأيه في أمرٍ له علاقة بتصرفات بعض من هم محسوبون على الدعوة للدين؛ هبت الأقلام بحثا بين السطور فيما كُتِب تتبعا لزلَّة أو تفنيدا لاقتباسٍ، الغرض من سرده أساسا كان للإيضاح أكثر من التدليل، وتركوا جوهر المقال والغرض منه والسبب وراءه، مما يدخلنا في جدل عقيم نُلزم فيه مجبرين على أن نوضح أن قصد فلان هو كذا وكذا وليس كما فهموه بكذا وكذا، لتضيع القضية الأساسية بين التفاصيل والهوامش وصراع الأتباع الأعمى مع هذا أو ذاك، فتنتهي النصيحة إلى اللا عودة ويضيع الإصلاح المقصود، والخسران بالطبع للمجتمع البسيط الذي لم تصله الفكرة طالما كان هذا هو ديدن الطرح والنقاش!
طالعت عبر «الوئام»، في الأيام الماضية، مقالتين؛ أولاهما كانت للكاتب والباحث الأستاذ فهد الأحمري، وثانيتهما للدكتور محمد فضل، أراد به الأخير تفنيد قصة رواها الأحمري عن خليفة المسلمين عمر بن الخطاب والصحابي عبد الرحمن بن عوف، واستشهد لنفيها وبيان عدم صحتها برأي لهيئة كبار العلماء التي نكنّ لها كل التقدير كمرجعية دينية لنا في العالم الإسلامي، ولست بالطبع بمكان بالقادر على النقاش معهم في هذا الشأن، فهم والله أعلم وبعده الأعلم.
ما ورد في القصة -والله أعلم- ثم كما أرى من الصعب التحقق من صحته ومن عدمه إلا بالاستدلال ببعض ما كتبه الباحثون من قبل، وهو أمر لا ينطبق تتبعه على ما جرت عليه العادة من الإسناد في الحديث، لكن الأهم هو ما تعنيه أي رواية اختلف على حدوثها، وليس صحتها وهل وقعت أم لا، فهي بذلك ينطبق عليها ما على الإسرائيليات (الأخبار والروايات المنقولة عن بني إسرائيل) من حيث المنفعة لا الحكم الشرعي، التي لا تصدَّق ولا تكذَّب، لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم».
قال ابن حجر في فتح الباري: «ولا تكذبوهم – أي: إذا كان ما يخبرونكم به محتملا، لئلا يكون في نفس الأمر صدقا فتكذبوه، أو كذبا فتصدقوه فتقعوا في الحرج، ولكنه يجوز التحديث بها في باب النصح والوعظ دون الجزم بصحتها إن لم يعلم بطلانها، لقوله صلى الله عليه وسلم: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج)».
بيت القصيد -أو كما يُقال بالعامية «الزبدة»- ما أراد الأستاذ فهد قوله، وبالاستشهاد بالقدوة الحسنة من صحب رسول الله: لا تجسسوا وأحسنوا الظن في غيركم من المسلمين وافترضوا الخير وكونوا متسامحين، أي ببساطة دُعاة لا غُلاة، ومرغبين لا مرهبين ومقبلين بحب وتسامح على الناس لا مُقبضين «مكشرين»، ومطمنيين لا مخوفين، تأخذون بالظاهر مما ترونه في العامة دون أن تشككوا في نواياهم، ودون أن تثقلوا عليهم برأي به خلاف ولا معصية في فعله أو تركه، وإنما أمره متروك للمسلمين في تطبيقه حسب ما ترتاح له ضمائرهم!
وضع الدكتور فضل عنوانا لرده عبّر فيه عن الفكرة التي أراد قولها؛ وهي أن التجسس في الاحتساب جائز، وأورد في سبيل ذلك أقوال الأئمة والعلماء في الحالات التي يجوز فيه التلصص والتجسس، مع ذكره أيضا أقوال مَن ارتأى عدم جوازه، في خطوة أتوقع أنه لم يعِ فيها أنه بما فعل قد أثبت أن الأمر خلافي، وبالتالي غير مجزومٍ فيه قطعا بنصٍ لا يقبل التأويل، لذا من أخذ بالحرمة كما فعل الأستاذ فهد له ذلك، ومن ارتأى جوازه فهذا شأنه بما استفتى به قلبه.
يجدر أيضا تأكيد أن الحالات التي أجيز فيها التجسس كما تفضل السيد محمد لا تنطبق على لُبّ وغرض ما أراد السيد الأحمري التكلم عنه وهو حادثتان جرتا مؤخرا، وأساء فيهما المحتسبان التصرف، بإقرار مرجع عملهما وكل منصف، وكما شاهد الجميع من مقاطع فيديو وصور لا تقبل اللبس ولا العذر لما ارتكب. فالدعوة -وكما أراها- كالقيادة: فنٌ وذوقٌ وأخلاق، إذا انعدمت إحداها وغابت، وقع الخطأ الذي لا بد أن يُحدِث ضررا.
المزعج بكل صدق ودون أن أحجر على أحد، هو التعليقات التي يكتبها أتباع الفرقاء، مصورين الأمر كأنه حربٌ بين المسلمين والكفار، فيما هو لا يعدو أن يكون نُصحا من كاتبٍ للمجتمع الذي يعيش فيه، ومحاولة لتدارك الخطأ وإصلاحه عبر طرحه وشرحه لعله يصل لأصحاب الشأن والمقربين منهم فينتهون عن خطأهم ويقوّمون سلوكهم، وهذا بالضبط ما أراد الأخ فهد الأحمري أن يقوله ولم يستوعبه «مع كل الاحترام والتقدير» الدكتور محمد فضل!
 
 

المصدر:صحيفة الوئام الإلكترونية - http://www.alweeam.com.sa/385899/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ac%d8%b3%d8%b3-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%ad%d8%aa%d8%b3%d8%a7%d8%a8-%d9%85%d8%a7-%d8%a8%d9%8a%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ad%d9%84%d9%8a%d9%84-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%aa/

السبت، 20 فبراير 2016

الإرهاب والطائفية

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 16-02-2016

 

 
 ما أسوأ من يستغل هذا الظرف الاستثنائي الذي تمر به المنطقة العربية، وعلى وجه التحديد دول الخليج العربي واليمن والسعودية، للمزايدة وتحقيق المكاسب لحساب قناعاته التي يروج لها كل ساعة في أي وسيلة متاحة، ليُثبت وجهة نظره التي طالما تحدث بها ونظّر، فجاءت حوادث التفجير الإرهابية التي استهدفت مساجد وحسينيات ليستغلها للترويج لنظريته التي تؤكد صدق أقواله ومزاعمه!
 
أظهرتهم وسائل التواصل الاجتماعي وكشفتهم وعرتهم للجميع، بعد أن أصبح ماضي ما يكتبون قابلا للاسترجاع، فيه ظهر وجهٌ آخر لهم أقل ما يمكن وصفه: بالمتطرف في آرائه وأفكاره، وإن ادعى الآن التحرر والإنسانية وطالب بالعدالة الاجتماعية والمساواة، على عكس العامة من الشعوب التي هي أكثر صدقاً في ردات فعلها.
 
دول الخليج العربي دولٌ مستقرة أمنياً واقتصادياً وسياسيا، ينعم فيها الجميع على الدوام كمواطنين ومقيمين على حدٍ سواء بالأمن والأمان، رغم بعض الحوادث الإرهابية التي جرت أخيراً، التي سبقها كذلك بسنوات أعمال إجرامية استهدفت مدنيين واختلطت فيها الدماء ببعضها، لا بُد من الإقرار كجزء من الحل لمقاومة الفكر الإرهابي المتطرف، بأن الطائفية أحد أهم أسبابه التي قد تعدت الحدود، ولم تعد تنطوي على خلافات داخلية، بل أصبحت عبارة عن أجندات سياسية تنفذها طوائف لحساب دول أخرى، ويسيرها وقود اسمه الفوز بالجنة على حساب الآخر الذي يسميه بالكافر، إذاً ما الحل وكيف نحقق السلام الداخلي والتواؤم المطلوب؟
 
المطلوب هو الوصول لتوافق أولاً على مستوى العلماء لتحريم وتجريم الأفعال الإرهابية أياً كان فاعلها، والدعوة علنا للاتباع وحظهم على تجريمها ونبذها، وإن لم يحدث ذلك فأي حدث طائفي في أي مكان هو جرائم مرتبطة ببعضها، حتى لو كان أحدها في الشرق والآخر في الغرب، ثانياً؛ على الإعلام أن يبدأ بالاضطلاع بدوره المفروض، عبر فتح الباب واسعاً للحوار والنقاش المجتمعي، الذي يشترك فيه الجميع، ودون محاصصة أو تطرف لجهة على حساب أخرى، مع إبراز جميع وجهات النظر وبحرية حتى تفصح النفوس عما يجول بداخلها، لنعرف ما يعتمر فيها ومن ثم الرد عليه ومعالجته.
 
لا بد أن نشير إلى أنه بقدر ما هو مطلوب التشدد في نبذ العنف، فإن بعض المواقف المتشنجة في النبذ قد تؤدي إلى التطرف، الذي قد يؤول إلى صراع يؤججه جهل العامة وحماسهم الزائد، مع تشجيع من القلة المتطرفة من رجال الدين والسياسة والفكر، وهذا بالفعل ما يقف خلف حالة الاقتتال الحاصل في سورية والعراق واليمن، ونرى تبعاته في دول الخليج العربي وخصوصاً السعودية والبحرين والكويت، التي نشطت فيها الخلايا الإرهابية التابعة لإيران من جهة، ولـ "داعش" من أخرى، في القيام بعمليات القتل والتفجير.
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=345777

الخميس، 11 فبراير 2016

شُكولاطي

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 10-02-2016

 
 
طفلة صغيرة تبكي في مقطع فيديو يتم تداوله، على الأغلب نشرته قريبة لها، لأن زميلاتها في المدرسة لا يلعبن معها ويعايرنها لأنها من ذوات البشرة السوداء "كما قالت"، وقد ذكرني ذلك بموقف سابق مع ابنتي الصغرى، تحدثت إليّ فيه عن صديقتها في فصلها التي استغربتُ اسمها، فسألتها عن جنسيتها، فأجابتني بعدم معرفتها، لكنها أعقبت ذلك بقولها، إنها جميلة ووجهها "شُكولاطي".
 
لم أستوعب لحظتها الوصف، لكنني تداركت الأمر فيما بعد، وتحدثت معها متسائلاً: أتحبين أن يصفك أحدهم بأن لون وجهك بيضاوي مثلاً؟ أو صفراوي؟ فغضبت، فوضحت لها أن الأمر كذلك بالنسبة لصديقتك، فقد تغضب مما وصفتها به، لكنها استنكرت قولي، وذكرتني بأن الشوكولاتة لذيذة وممتعة، وأنها تحب صديقتها كثيراً.
 
أثارت في الوصف علامات استفهامٍ وجدت طريقها، لتثبت أن الأطفال على فطرتهم الطيبة، طالما لم يلوثها الكبار بعنصريتهم المقيتة، وطبقيتهم، وقبليتهم، فلو كان الأمر عندهم، لبادروا بأحد تلك الأوصاف الدارجة العنصرية، كـ "خال" أو "عبدة" أو "سوداء"، ولعلموها لأبنائهم ليرددها الصغار عن حسن نية في البداية، ثم تتحول مع السنين إلى قناعة متأصلة لديهم بالفوارق المصطنعة، التي وضعت من لون البشرة علامةً لرفعة المقام.
 
في تصوركم، ما الذي يمكن لنا كعرب أن نفعله حتى نتخلص من داء العنصرية الذي نعانيه جميعا دون استثناء؟ وكيف سنصل بمجتمعاتنا للمرحلة التي تكون فيها التفرقة هي الحد الفاصل بين الخطأ والصواب؟ وكيف يمكن أن نتعايش بصدق مع بعضنا على اختلافنا وتنوعنا، دون أن نفاخر بالفخذ والعشيرة والعائلة؟ وهل داؤنا مزمنٌ لا علاج له؟ لذا هل علينا تقبل ذلك؟ أم أن التغيير هو ما سيوصلنا لمصاف الأمم الإنسانية الأخرى التي طبقت تعاليم ديننا، بينما تمسكنا بشرائع وعادات الجاهلية؟
 
من زاوية أخرى، هل يحق لي أو لنا ـ لجعل الصورة أكبر ـ أن ننتقد تصرفات عرب من أبناء جلدتنا آخرين؟ بالطبع هم من نفس دمائنا العربية، ولكن بجواز سفرٍ آخر قد يكون أكثر احتراماً، لغناه، أو ربما لسطوة دولته، أو آخر فقير جعلنا منه مدعاة لنكاتنا وقفشاتنا، بسبب بساطته أو ضيق ذات يده التي حولته لعابر سبيل في كل أرجاء وطني العربي الكبير، طلباً للرزق الذي ضاقت عليه فرصه في بلده، فارتحل سعياً خلفه في أوطانٍ أخرى، قدمت له فرص العمل، لكنها أذلته لذلك، وانتقصت من قيمته.
 
من مشاهداتي ومن منطلق أن الصراحة راحة، أو كما يُقال بالإنجليزية (truth will set you free) سمعت لكل بلدٍ لقباً، ولكل شعبٍ وصفاً، هذا بالطبع عدا الألقاب المتعددة التي يتداولها أبناء البلد نفسه عن بعضهم البعض. أحدهم وهو جاهلٌ لجنسيتي لكنه جازم بأني من إحدى دول الشام، وصفني في يوم مضى بـ"أبو شكيب"، فضحكت بدلاً من أن أشعر بالامتعاض، وما دعاني لذلك هو أنني لو تعاملت معه بنفس منطلقه لرددت عليه بما قد يشعله غيظاً وغضباً، لكني وفي لحظة نادرة من الصفاء تركته وأنا أفكر في معنى الكلمة التي وصفني بها، وكانت المرة الأولى التي أسمع بها، فاستدعت ذاكرتي على الفور سيلاً من الكلمات التي نشأنا على سماعها وترديدها من قبيل "ابو يمن، مثلاً، وزول وابو هنود ومصاروة وخلايجة وفلس ومشرد وسوارية وشاوي وأرادنة...إلخ، أغلبها لا عيب فيه، فهي تصف جنسية حاملها، لكن الطريقة التي ننطقها بها هي ما يجعل منها شتيمة تستفز السامع، فيبادر بدوره على ردّ الصاع مثليه للبادئ، ومن ثم تنشب معركة؛ إما يتمنن بها أحدهم على شعب الآخر، أو يعاير من في المقابل المواجه له، ويتهمه بالتخلف والبداوة وحداثة النعمة، وبأن قومه من علم قومهم في الماضي ودرسهم.
 
للحديث بقية وصباحكم "شُكولاطي" بمذاق الشوكولاتة الداكنة ومن دون أي عنصرية!
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=344684

الأربعاء، 3 فبراير 2016

تجارة الوهم

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 03-02-2016

 
 
يُقال ولا أنكركم القول إني من المصدقين لما يُقال إن أسرع الطرق للإثراء الآن هو أحد طريقتين؛ فإما أن تتاجر بالدين، والطريقة سهلة عبر أن يكون لك "ستايل" بعينه، وإما أن تكون مفسر أحلام أو قارئ رقى للمساكين الذين يعانون من أمراض نفسية وعضوية، فيما السكة الثانية وهي التي بينها وبين الأولى سباقٌ محموم تتمثل في طب العطارين "والعشبيين"، وعباقرة الخلطات السحرية لكافة الأمراض والعلل، من أعتاها الذي لم يتمكن العلم من فك شفراته، لأدقها الذي يتداخل مع الجينوم والخلية!
 
الفوز الأكبر لمن يجمع المهنتين الاثنتين، فبذلك يكون بمظهر الصلاح، فجمع الدين والطب والعلم، ليزدهر سوقه وتتنوع إعجازاته، فيصعب حينها الوصول "لعبقري زمانه" إلا بالواسطة والمعرفة، وإلا فسيكون عليكم انتظار موعد بعد شهور لنيل شرف لقاء سعادته، وسيخرج منه المعتلُ بما هو مقريٌ عليه، إلى جانب خلطة أعشاب سحرية المفعول، تم عملها من الأعشاب النادرة من غابات الأمازون أو براري الصحراء الكبرى.
 
الغريب أننا كشعوب عربية مستعدون للسفر لأقاصي الأرض إن سمعنا أن فلانا يمتلك العلاج لمرضٍ ما "عافانا وعافاكم الله"، لكننا غير مستعدين لتقبل فكرة أنه لو كان بالفعل مفيداً لما بقي خلف الأضواء، ولكان في اليوم التالي تقام له المؤتمرات وتخصص له الأبحاث والميزانيات الضخمة، ليخرج للأسواق كدواء معتمد عالمياً، بعد أن تم إجراء جميع الفحوص المخبرية والسريرية والإكلينيكية عليه، وعلى الحيوانات أولاً ومن ثم على البشر.
 
خلطات ووصفات تفوق الإشاعة قوةً في الانتشار يتم تداولها كل يوم، تتناقلها ألسن المجتمعين على الإفطار أو في ساعة الغداء بالعمل، أو أثناء مشاركتك لسيارة أجرة أو حديثٍ مع عابرٍ يشكو همه. جميعها تُبشر بالخير، ولنأخذ واحدةً منها مثلاً "من اختراعي" تقول: اطحن قشر رمان بنصف كوب ماء دافئ، مع ملعقة زيت زيتون ونقطتين خل، وأضف لهم البردقوش مع حبة البركة وعسل سدر أصلي، ثم تضربهم بالخلاط وتجففهم، وتتناول بعد ذلك ملعقة على الريق كل صباح وأخرى بعد تناول وجبة العشاء، أؤكد لكم وفي غضون أسبوعين أن من يتناولها سيشفى من السكر والضغط والبهاق والنقرس وضعف الدم والبواسير، وأضيف لهم الكحة والرشح والجيوب الأنفية، أما إن أضيف لها بذور الطماطم، فستشفي من الصرع والصداع النصفي والتشنجات الحرارية والحول!
 
بكل أمانة، لا أقصد الاستهزاء بأحد، ولا الانتقاص من الطب الشعبي، لكني بت أرى موجة من "استغباء" الناس والضحك عليهم، واللعب على أوجاعهم بغرض الإثراء، فكل من خلط مجموعة من الأعشاب ببعضها أصبح مداويا، قد تكون المصادفة لعبت دوراً معه بشفاء أحدهم، إلى جانب قوة العامل النفسي العلاجية، ودون أن تكون الوصفة السبب، ليتم الإشادة بعد ذلك بها، فتشتهر وتنتشر، حينها يكون الضرر.
 
أذكر قصة عشت أحداثها مع أحدهم الذي كان يعاني من السكر والضغط، فأشار عليه صديق له بأن لديه العلاج المداوي لعلاته، ونصحه بأن يشرب كل يوم ستة أكوابٍ من الشاي المخلوط مع القرفة لمدة أسبوع، والنتيجة أن الرجل كاد يُصاب بفشل كلوي، وارتفعت قراءة السكر عنده لحوالي 500 مع عدم انتظامٍ في النبض، وارتفاعٍ خطير في الضغط، جعله يتناول أكثر من ثمانية أنواعٍ مختلفة من الأدوية لتدارك حالته الصحية ومنعاً لتفاقمها.
 
علاجات التخسيس وما يسمى بأدوية الرشاقة والصحة العامة أيضاً علة جديدة دخلت القائمة، وخصوصاً إن أشارت إلى أن مصدرها الصين، وهي كما تراها العامة البسيطة أحد أهم علامات الجودة في الطب الشعبي، وكثيرا ما يُنسب لإبرها وأعشابها أنها تمتلك حلولاً سحرية لكل أمراض الدنيا، لتكون بذلك وعلى أرض الواقع استحقت جملةً كنا نصف بها سوء أي منتج بكونه "تايواني"، أما الآن فقد غدا يطلق عليه بالصيني، الذي أدرك جيداً كل مروجٍ لتجارة الوهم أنها خير ما يُستدل بها لإضفاء طابعٍ سحري على منتجاته!
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=343726

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...