الخميس، 11 فبراير 2016

شُكولاطي

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 10-02-2016

 
 
طفلة صغيرة تبكي في مقطع فيديو يتم تداوله، على الأغلب نشرته قريبة لها، لأن زميلاتها في المدرسة لا يلعبن معها ويعايرنها لأنها من ذوات البشرة السوداء "كما قالت"، وقد ذكرني ذلك بموقف سابق مع ابنتي الصغرى، تحدثت إليّ فيه عن صديقتها في فصلها التي استغربتُ اسمها، فسألتها عن جنسيتها، فأجابتني بعدم معرفتها، لكنها أعقبت ذلك بقولها، إنها جميلة ووجهها "شُكولاطي".
 
لم أستوعب لحظتها الوصف، لكنني تداركت الأمر فيما بعد، وتحدثت معها متسائلاً: أتحبين أن يصفك أحدهم بأن لون وجهك بيضاوي مثلاً؟ أو صفراوي؟ فغضبت، فوضحت لها أن الأمر كذلك بالنسبة لصديقتك، فقد تغضب مما وصفتها به، لكنها استنكرت قولي، وذكرتني بأن الشوكولاتة لذيذة وممتعة، وأنها تحب صديقتها كثيراً.
 
أثارت في الوصف علامات استفهامٍ وجدت طريقها، لتثبت أن الأطفال على فطرتهم الطيبة، طالما لم يلوثها الكبار بعنصريتهم المقيتة، وطبقيتهم، وقبليتهم، فلو كان الأمر عندهم، لبادروا بأحد تلك الأوصاف الدارجة العنصرية، كـ "خال" أو "عبدة" أو "سوداء"، ولعلموها لأبنائهم ليرددها الصغار عن حسن نية في البداية، ثم تتحول مع السنين إلى قناعة متأصلة لديهم بالفوارق المصطنعة، التي وضعت من لون البشرة علامةً لرفعة المقام.
 
في تصوركم، ما الذي يمكن لنا كعرب أن نفعله حتى نتخلص من داء العنصرية الذي نعانيه جميعا دون استثناء؟ وكيف سنصل بمجتمعاتنا للمرحلة التي تكون فيها التفرقة هي الحد الفاصل بين الخطأ والصواب؟ وكيف يمكن أن نتعايش بصدق مع بعضنا على اختلافنا وتنوعنا، دون أن نفاخر بالفخذ والعشيرة والعائلة؟ وهل داؤنا مزمنٌ لا علاج له؟ لذا هل علينا تقبل ذلك؟ أم أن التغيير هو ما سيوصلنا لمصاف الأمم الإنسانية الأخرى التي طبقت تعاليم ديننا، بينما تمسكنا بشرائع وعادات الجاهلية؟
 
من زاوية أخرى، هل يحق لي أو لنا ـ لجعل الصورة أكبر ـ أن ننتقد تصرفات عرب من أبناء جلدتنا آخرين؟ بالطبع هم من نفس دمائنا العربية، ولكن بجواز سفرٍ آخر قد يكون أكثر احتراماً، لغناه، أو ربما لسطوة دولته، أو آخر فقير جعلنا منه مدعاة لنكاتنا وقفشاتنا، بسبب بساطته أو ضيق ذات يده التي حولته لعابر سبيل في كل أرجاء وطني العربي الكبير، طلباً للرزق الذي ضاقت عليه فرصه في بلده، فارتحل سعياً خلفه في أوطانٍ أخرى، قدمت له فرص العمل، لكنها أذلته لذلك، وانتقصت من قيمته.
 
من مشاهداتي ومن منطلق أن الصراحة راحة، أو كما يُقال بالإنجليزية (truth will set you free) سمعت لكل بلدٍ لقباً، ولكل شعبٍ وصفاً، هذا بالطبع عدا الألقاب المتعددة التي يتداولها أبناء البلد نفسه عن بعضهم البعض. أحدهم وهو جاهلٌ لجنسيتي لكنه جازم بأني من إحدى دول الشام، وصفني في يوم مضى بـ"أبو شكيب"، فضحكت بدلاً من أن أشعر بالامتعاض، وما دعاني لذلك هو أنني لو تعاملت معه بنفس منطلقه لرددت عليه بما قد يشعله غيظاً وغضباً، لكني وفي لحظة نادرة من الصفاء تركته وأنا أفكر في معنى الكلمة التي وصفني بها، وكانت المرة الأولى التي أسمع بها، فاستدعت ذاكرتي على الفور سيلاً من الكلمات التي نشأنا على سماعها وترديدها من قبيل "ابو يمن، مثلاً، وزول وابو هنود ومصاروة وخلايجة وفلس ومشرد وسوارية وشاوي وأرادنة...إلخ، أغلبها لا عيب فيه، فهي تصف جنسية حاملها، لكن الطريقة التي ننطقها بها هي ما يجعل منها شتيمة تستفز السامع، فيبادر بدوره على ردّ الصاع مثليه للبادئ، ومن ثم تنشب معركة؛ إما يتمنن بها أحدهم على شعب الآخر، أو يعاير من في المقابل المواجه له، ويتهمه بالتخلف والبداوة وحداثة النعمة، وبأن قومه من علم قومهم في الماضي ودرسهم.
 
للحديث بقية وصباحكم "شُكولاطي" بمذاق الشوكولاتة الداكنة ومن دون أي عنصرية!
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=344684

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...