الثلاثاء، 8 ديسمبر 2020

أوركسترا الكلمة

جريدة الرؤية
07-12-2020
عماد أحمد العالم


هناك روايات قرأتها ما يزال أثرها خالداً في نفسي، أشعر بقشعريرة ونشوة وموسيقى تلتحفني على وقع اسمها كلما مرت ذكراها بخاطري، لعناوينها أثر سيمفوني عليّ كوقع مخطوطات كارمينا بورانا، وبالتحديد «أو فرتونا»، القصيدة اللاتينية من القرون الوسطى، التي أصبحت سيمفونية فيما بعد على يد الموسيقي الألماني كارل أوف، والآخذة حال الاستماع لها إلى حالة من الانفصام عن الواقع والتوهان في اللاشعور، وسط أغاني العشاق وهيام المتيمين، ونشوة الصوفيين، وأنت سابح بملكوت سرمدي لك وحدك دون أن يشاركك به أحد كناسكٍ متعبد، باع الدنيا وما فيها، زاهداً بها.
من هذه الروايات: الحارس في حقل الشوفان، و100 عام من العزلة، والحب في زمن الكوليرا، ومدام بوفاري، ودكتور زيفاجو، والبؤساء، وقطار الليل إلى لشبونة، وغيرها مما تضيق المساحة عن ذكره، لكنها عالقة في الذاكرة بأحداثها وأبطالها، وزخم المشاعر وعبقرية الوصف بها، حتى ليظن قارئها أن ليس بعدها شيء كفيل بملء فراغ النهِم لقراءة ما يماثل عظمتها ووقعها الشديد على النفس العطشى دون أن ترتوي بعد أن ذاقت حلاوة الأدب، وجمال الكلمة، وعذب الوصف، ورهافة الإحساس، وصدق المشاعر، وواقعية الحدث ومآلاته.
ما السر حولها، وما الذي فيها ليجعلها خالدة، وما هي التعويذة التي تحرسها فتحافظ على فرادتها، وما السحر الذي يلفها ليتفرد بها بهالة عما سواها؟
جميعها أسئلة عجزت عن أن أجد إجابة تشفي التصاقي أو تفسر هيامي وتعلقي بها، ونهمي لأن أجد ما يماثلها في رحلة القراءة ومتعة النص وحلاوة البيان، التي بتنا نفتقدها وسط ضوضاء أعمال لا ترتقي لمصاف أساتذة الكلمة، عازفي نوتات موسيقاها الأدبية.


المصدر: صحيفة الرؤية - أوركسترا الكلمة - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

مآلات اغتيال محسن فخري زاده ومشروعيته

 موقع ميدل ايست أونلاين MEO
01-12-2020
عماد أحمد العالم


قبل أن نتحدث عن حادثة اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده قبل أيام بضواحي طهران العاصمة، علينا أن نشير إلى حقيقة محل خلاف في انطباقها عليه وفق الإطار القانوني (مع تحفظات على شخصه واتهامه بالانتماء للحرس الثوري الإيراني أو على الأقل علاقاته الوثيقة به وبعملياته في الخارج)، وتحديداً على جميع من تعرضوا للتصفية الجسدية خارج إطار القانون لغير المنتمين للكيان العسكري والأمني من المدنيين، وفي غير حالات الحرب المباشرة؛ وهي التي نصت على منعها القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن وجرمتها الاتفاقيات الدولية. من هذا المنطلق، فحتى الدول التي تملك علاقة معقدة ومستمرة من الخلافات مع إيران من دول الجوار العربي الخليجي والإسلامي نأت بنفسها عن تأييد عملية الاغتيال، فيما سارع بعضها الإقليمي والدولي كألمانيا والاتحاد الأوروبي وحتى سياسيين وقيادات في الكونغرس والاستخبارات الأميركية للتنديد بها، ملحقين تصريحاتهم بتداعياتها وتأثير ذلك على المنطقة ومصالحهم الاستراتيجية.
لتحديد الجهة التي نفذت العملية، منطقيًا سيكون البحث عن المستفيد منها، وهو الذي حددته إيران قطعاً وتحدثت عنه الصحف الأميركية عبر تسريبات بإسرائيل، فيما لم تنكر الأخيرة ذلك، ولم تؤكده على المستوى الرسمي، وإن صرحت به وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤكدة أن فخري زاده كان على قائمة الموساد منذ سنوات، وأنها من تقف خلف مقتله.
يمثل فخري زاده الشخصية الأولى في البرنامج النووي الإيراني والتصنيع العسكري، وهو شخصية إدارية أكثر من كونه تنفيذية، وفقدانه لطهران لا يعني توقف طموحاتها النووية عن العمل أو احتمال تعثرها، فهذا الأمر بالمستبعد عملياً، كونه مؤسساتي لا فردي، وقائم على مجموعات متعددة من الخبراء تعمل وفق آلية تضمن استمراريته بفقدان أفراد منه أو القائمين عليه، كما أنه ليس بقيد التأسيس، وإنما وصل لمراحل متقدمة من تخصيب اليورانيوم، وتخزين كميات كبيرة منه أكثر من السقف الذي حددته الاتفاقية السابقة مع إيران، وبالتالي اغتيال من يترأسه هو انتصار معنوي أكثر منه عملي، ويشير في طياته بأن من قام به قد تمكن من اختراق المنظومة الأمنية والعسكرية لطهران، وبات قادرا أن يوجه لها ضربات موجعة في الداخل، عبر عناصره الفاعلة وخلاياه النائمة التي يتم تفعيلها عن بعد لتنفيذ المهمات المطلوبة منها، أو بالاستفادة من تحالفات غير معلنة ومصلحية مع مجاهدي خلق والثوار الأحوازيين والبلوش لتنفيذ العمليات، علما أن هذه ليست المرة الأولى التي يُعتقد أن إسرائيل تقف خلفها. ففي العام 2010 تم اغتيال العالم الفيزيائي مسعود علي محمدي، وكذلك في نفس العام تكرر نفس الأمر مع كبير علماء البرنامج النووي الإيراني آنذاك مجيد شهرياري، ليُغتال في العام التالي داريوش رضائي نجاد، أستاذ الفيزياء المشارك في البرنامج النووي الإيراني، ليليهم سنة 2012 مصطفى أحمدي روشن، خبير الفيزياء النووية الذي شغل منصبا مهما في منشأة تخصيب نطنز، بالإضافة إلى علماء آخرين وباحثين تمت تصفيتهم بصمت دون الإعلان عن ذلك، يُضاف إليهم عمليات قرصنة واختراق وزرع فيروسات وتفجيرات مجهولة طالت المنشآت النووية الإيرانية وقواعد اختبار الأسلحة وتخزينها، ومباني لأجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم.
استشهاد البعض بقانونية الاغتيال، وتشبيهه بقتل جنرال الحرب قاسم سليماني في بغداد من قبل الأميركان سابقا له مسوغاته الجديرة بالنقاش، فعدا عن كونه أساسا عالما متخصصا، إلا أنه أيضا ذو ارتباط بالمؤسسة العسكرية الإيرانية وأذرعها في الخارج، لذا فهو مشارك بالعمليات، وداعم "وإن كان بشكل غير مباشر" للنظام السوري والحوثيين وحزب الله، وبالتالي فهو عدو للشعوب المتضررة من تدخلات إيران بشؤونها وإسهامها في دمارها، كما أن البرنامج النووي الإيراني غير سلمي، ويطمح لامتلاك السلاح النووي المستبعد استخدامه، والمانح لطهران مجالاً للتفرد العسكري المطلق بالمنطقة، وإحكام هيمنتها عليها مع إضعاف التواجد الدولي بها، عدا عن كونه ورقة ضغط للحصول على إقرار بمكانتها وبكونها لاعب لا يمكن تجاهل مصالحه وقوته ووجوده، وهو ما يتعارض مع مصالح الغرب والولايات المتحدة وتل ابيب، التي تريد أن تكون القوة النووية الشرق أوسطية الوحيدة، والساعية لفك العزلة تجاهها، وإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع أغلب الدول العربية والإسلامية الغير معترفة بها.
من الجدير ذكره أن الجمهورية الإسلامية المنقلبة على الشاه ومنذ تأسيسها قد مارست ولعقود التصفية الجسدية بحق من تراهم أعداءها، كما أنها اعتمدت الاغتيال كنهج ثابت ومتواصل في العراق بحق نخبه وسياسيه ومفكريه وعلمائه وأكاديمييه وباحثيه وشخصيات حزب البعث المنحل، وكل من يقف بطريق مطامعها للسيطرة عليه إما مباشرة عبر عملاء استخباراتها، أو بواسطة الحشد الشعبي والمليشيات المسلحة العراقية التي أنشأتها وسلحتها ودربتها، لتتولى بالنيابة عنها تصفيتهم، أما أعدادهم فهم بالمئات فضلا عن المختفين، مع الإشارة إلى تحدث منظمات قانونية وحقوقية محلية ودولية وتأكيدهم على أنه منذ العام 2003 كان الاغتيال سياسة ممنهجة اعتمدتها طهران وإسرائيل والولايات المتحدة وداعش والقوى العسكرية الشيعية في العراق لتحييد العناصر المؤرقة لأجندتها والمخالفة لسياساتها المصلحية.
ربط العديد من المحللين بين اغتيال فخري زاده ورغبة إسرائيل في الاستفادة من الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب لشن عمليات عسكرية تستهدف إيران ومشروعها النووي إن قامت باستهداف إسرائيل أو أميركا وقواتها، كما نظر آخرون بأن الاغتيال تم بضوء أخضر أميركي بأجندة حزبية لفرض واقع من الصعب التعامل معه لاحقا من قبل الرئيس المنتخب جو بايدن، ليكون مضطرا بسببه للبقاء بدائرة القرارات والعقوبات والمواقف التي اتخذها سلفه بحق طهران.
جميعها لا يمكن الجزم بمدى صحتها من عدمه، وتبقى تكهنات بانتظار رد الفعل الإيراني "الغائب عن المشهد بعد جميع العمليات السابقة التي طالتها وعلمائها"، والذي سيجلي طبيعته من حيث كونه مباشرة عبر شخصها، أو متريثا لحين استلام بايدن مقاليد الرئاسة في يناير من العام القادم أملا في التوصل لاتفاق جديد مع إدارته، أو من خلال أذرع إيران بالمنطقة عن طريق الايعاز مثلا للمليشيات العسكرية العراقية باستهداف الشخصيات أو القواعد والقوات الأميركية بها، وكذلك يقاس الأمر على حزب الله وإسرائيل، والحوثيين وتكثيفهم الهجوم عبر الزوارق المفخخة والطائرات المسيرة أو إطلاق الصواريخ على مواقع في السعودية والإمارات، أو ستتغاضى إيران عن الضربة الموجعة التي تلقتها كما فعلت سابقاً مع اغتيال قاسم سليماني وستكتفي برد شرفي غير موجع لإدراكها العواقب، وكي لا تحييد عن خطتها الطموحة بامتلاك القنبلة النووية أو ما يعيق حدوث ذلك.
بقي أن نؤكد أن اغتيال العالم الإيراني طالما كان خارجاً عن القرار الخليجي وبغير اشتراكها به؛ يفرض عليها موقف الحياد السلبي منه، فلا ترحيب به أو إدانة شديدة له، حتى لا تكون طرفا فيما يعقبه من نزاع ستستغله إيران بالتأكيد كذريعة لتبرير سياساتها العدوانية تجاههم.


المصدر: موقع ميدل ايست أونلاين - مآلات اغتيال محسن فخري زاده ومشروعيته | عماد أحمد العالم | MEO (middle-east-online.com)

مصداقية النقل والاستشهاد

 جريدة الرؤية
23-11-2020
عماد أحمد العالم


زاد مع انتشار المواقع والمنصات الإعلامية والإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي ادعاءات في مختلف المواضيع والمجالات، وهو ما أسهم بدوره بانتشار الشائعة والمعلومات المغلوطة، التي عادة ما يقترن الحديث عنها بعبارات تأكيدية ليست من قبيل التوثيق وإنما من باب لفت الانتباه وصبغها بالمصداقية، ومنها من على شاكلة القول «أكّد العلماء» مثلا، ولكن دون ذكر من هم العلماء وما هو مجالهم، وما هي مواقعهم البحثية ومصدر دراساتهم، وأين نشرت، وهل نشرت في مجلات علمية موثوقة وجرى اعتمادها أم أنها مجرد نظريات غير مبنية على أبحاث ودراسات معمقة؟
نفس المبدأ ينطبق على الأخبار الرنانة التي عادة ومن باب التمويه يتم نسبها للإعلام، ولكن هي الأخرى لا تستند إلا «للقيل والقال» وبعض المواقع الزائفة التي لا تتحرى الدقة ولا تستقي أخبارها من وسائل إعلامية حقيقة، وإنما تحترف صناعة الأخبار المفبركة لجذب الزوار لمواقعها، مرددة القول «أكدت المصادر» ولكن دون ذكرها وتحديدها، وبغض النظر عن مصداقيتها واطلاعها على الخبر من مصدره وتوثقها منه.
الدراسات العلمية بدورها من أكثر ما يتم الاستشهاد به والاقتباس المتجزأ منه، ومنها على الدوام مادة خصبة جداً للصحف والقنوات التلفزيونية بمختلف برامجها وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي، فما إن تصدر دراسة ما في موضوعٍ بعينه حتى يتم تجاهل جميع الدراسات المماثلة لنفس الموضوع، وكثيراً ما يتم عمداً أو جهلاً انتقاء الجزء الأكثر إثارة للفضول فيها ونشره دون الأخذ بجميع ما ورد فيها والإلمام بكافة تفاصيلها،، وهو ما يعرضها لسوء الفهم ومن ثم ما يترتب على ذلك من نتائج عكسية.


المصدر: صحيفة الرؤية - مصداقية النقل والاستشهاد - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

الأربعاء، 18 نوفمبر 2020

الانتخابات الأميركية وآمال التغيير

 موقع ميدل ايست أونلاين MEO
16-11-2020
عماد أحمد العالم


لماذا تابع العرب على المستوى الشعبي والرسمي باهتمام الانتخابات الاميركية؟

بعيداً عن الخطاب السائد وبعقلانية واقعية تفرضها الظروف، ربما تكون الإجابة لأنها أعظم ديموقراطية في العالم، ولأنها واحة للحرية، ولأنها القوة العظمى، ولأنها الدولة الأكثر تنوعاً عرقاً ومعتقداً كونها كيان أسسه المهاجرون الطامحين لأرض الأحلام ووطن الفرص المتساوية، ولأن بها المؤسسات والصناعات والجامعات الأهم عالمياً، ولأننا ربطنا أنفسنا بها منذ عقود على المستوى الرسمي والاقتصادي والسياسي والأمني، وبنينا معها تحالفات استراتيجية في ظل غياب البديل عنها وموازين القوى الدولية الأخرى التي من الممكن أن نستعيض بها عنها.
إن كان هذا هو الحال، فمواكبة الواقع تتطلب منا في علاقتنا مع الولايات المتحدة أن تكون قائمة على العمل أكثر من اللوم والتمني، عبر إقامة علاقة متوازنة، وبالانخراط الحثيث والمتواصل الدؤوب بحوار وعمل مؤسساتي مدني إعلامي قانوني مجتمعي اقتصادي وتطوعي معها، وهو الأمر الذي لطالما قصرنا فيه وأهملناه، في حين حضر الآخرون مبكرا وسعوا بجد متواصل لتأسيس مراكز القوى لدى صناع القرار وعامة الجمهور، بينما ازداد غيابنا وانفصامنا وسلبيتنا وارتكاننا لذرائع نبرر بها فشلنا في تغيير بوصلة السياسة الخارجية الأميركية لتكون منصفة تجاه قضايانا العربية، ونحن الذين أهملنا التفاعل والانخراط في العمل التطوعي بها، ومؤسسات المجتمع المدني، وكذلك الهيئات العدلية والحقوقية والإنسانية والثقافية والاعلامية، التي خرج من مظلتها العديد من أعضاء الكونغرس والسياسيين وقوى المجتمع المؤثرة، وهو ما نحتاجه ليكون لنا حضور فاعل لا عبر المال والصفقات فقط.
على الأغلب حسم الانتخابات ااميركية وإعلان فوز نائب الرئيس السابق والسياسي الديموقراطي المخضرم جوزيف بايدن مسألة وقت، أما ما يقوم به الرئيس الحالي دونالد ترامب وحملته الانتخابية بدعم من الجمهوريين من دعاوي قضائية متعددة بدعوى قصور في العملية الانتخابية وتزويرها ببعض الولايات؛ ليست إلا محاولات تتعدى رغبته في الاقرار بالخسارة والفوز بولاية الثانية، لصالح الحفاظ على الزخم الشعبي الذي منحه حوالي نصف أصواته، وتبنى رؤاه وأفكاره وأيديولوجيته اليمينية الغير مسبوقة. أما الحزب الجمهوري وإن ما زال داعما لادعاءاته بعدم نزاهة العملية الانتخابية ولموقف الرئيس منها، فهو في موقف المضطر لذلك حتى لا يخسر الحاضنة الشعبية المؤيدة لترامب داخله إن تبنى موقفا مغايرا، وسيجاري حتى تتم إعادة فرز الأصوات في الولايات المتأرجحة والحكم بالقضايا المرفوعة، بما فيها المزعم تقديمها للمحكمة العليا الدستورية التي يغلب على قضاتها الخلفية الجمهورية، والذين عين ترامب ثلاثة منهم آخرهم القاضية باريت، ومع ذلك من المستبعد أن يكون حكمها متحيزا، فنظام العدالة الأميركي نزيه وشفاف لا يغلب عليه الهوى "إلا فيما ندر وعرضة للمحاسبة من مجلس الشيوخ حال ثبوت خرق للقانون"، ويستمد مكانته وقوته من الدستور المكرس للديموقراطية المؤسساتية غير المركزية، حيث لكل ولاية قوانينها الخاصة ومجلسها التشريعي، يشارك بها الجميع، والحقوق مصانة بالدستور، والتقاضي فيها متاح دون استثناء، وشفافيته تحت رقابة مؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام ومراكز الأبحاث وحديثا وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يستطيع الرئيس أو الكونغرس بمجلسيه أو أي قوة حكومية فرض رأيه مخالفاً لنص القانون والدستور.
شعبياً، ربما لا يكون المرشح الأوفر حظا (إن لم ندعه الرئيس المنتخب) جوزيف بايدن الأكثر قبولاً حتى بين الديموقراطيين أنفسهم، ومع ذلك حصل على أعلى نسبة شعبية منذ أكثر من مائة عام، ساعده بذلك أن العديد صوت له كرها بالرئيس ترامب وليس حبا فيه وبأجندته، ومرد ذلك عدة عوامل أبرزها فشل ترامب في التعامل مع أزمة كورونا التي استغلها الديمقراطيون أثناء حملتهم الانتخابية، وحالة الخوف من انقلابه على كينونة الحكم بعد تكرار تشكيكه مسبقا بالمنظومة الانتخابية والتصويت الغيابي عبر البريد، ووصفها والقائمين على بعضها بالمتحيزين، وبالمزورة والفاسدة، وهو ما يعد سابقة، كما تكرار رفضه الإقرار علنا بتسليم السلطة حال خسارته، متسببا بمشاركة غير مسبوقة من فئة الشباب والأقليات الدينية والعرقية الذين رأوا في شخصه وأقواله وأفعاله مسببا لتفاقم ظاهرة الفاشية والعنصرية اليمينية، والتي رفض إدانتها كونها جزء من قاعدته الشعبية والانتخابية.
خذلان ترامب لكبار السن وإساءته لهم في عدة مواقف وتصرفات رغم كونهم من أهم المصوتين له في انتخابات العام 2016، تسببت بدعمهم لخصمه ومعهم نساء الضواحي الفئة الأكثر عددا وتأثيرا في الأسرة الأميركية التقليدية متوسطة الدخل.
عدم وضوح رؤيته في الرعاية الصحية والبديل، ومحاولاته لإلغاء أوباما كير أثارت مخاوف لدى الطبقات الوسطى والفقيرة من فقدان امتيازاتها الصحية، كما أسهم انسحابه من اتفاقية باريس، وعدم امتلاكه استراتيجية للتعامل مع التغير المناخي وشؤون البيئة، والتي تسببت بأعاصير وحرائق وكوارث طبيعية; لمعاداة مناصري البيئة وجمعياتها ومؤسساتها بمن فيهم الخضر.
ما أثير حول تهربه الضريبي ورفضه نشر إقراره للعامة أثار الشكوك حوله، ونقضه للعرف السياسي بعدم تعيين قاضية للمحكمة العليا في السنة الأخيرة من حكمه وخصوصا أنها محافظة؛ أثار نقمة ومخاوف الديموقراطيين التقدميين، والمجتمع الليبرالي والحقوقي المحسوب عليه بايدن، والمؤيد لحقوق المثليين والإجهاض والأقليات، والأقل ارتباطا بالأديان، واكثر دعوة للمساواة الاقتصادية، وحقوق الطبقة الوسطى والعمال، التي يتبناها السياسي الديموقراطي التقدمي الأبرز بيرنيساندرز، والذي وصف ما يقوم به منذ شهور "بكيف يدمر الديماغوجيون الإيمان بالديمقراطية ويدفعوننا نحو الاستبداد".
"الترامبية" كما يصفها معارضوها الذين يشبهونها بـ"الفاشية" و"النازية" و"الشعبوية"، ويرونها متوافقةً مع الموجة اليمينية الاقصائية المتطرفة البيضاء المنتشرة منذ توليه الحكم، والتي يستلزم التخلص من تبعاتها العمل على إحياء الإنسانية والعدالة والمساواة.
إن صحت التوقعات وأعلن رسميا عن فوز بايدن رئيساً، باعتقادي ستكون أولوياته في السنة الأولى لحكمه منصبة على مواجهة وباء كورونا وتحفيز الاقتصاد المتضرر، وإعادة اللحمة المجتمعية، وتحجيم الشعبوية التي كرسها ترامب، وقادت لانقسام مجتمعي غير مسبوق، وبالحصول على موافقة الكونغرس على ترشيحاته لمناصب حكومته.
لن تكون السياسة الخارجية من اولوياته وإن تغير ذلك لاحقاً، وقد لا تختلف مواقفه كثيرا تجاه الدول العربية وإن أضفى عليها طابعا حقوقياً وإنسانيا كما فعل أوباما، مع تفاعل مع شعوبها أكثر من سابقه ترامب الذي اعتمد مبدأ الصداقة مع الرؤساء كمعيار لعلاقته مع الحلفاء، لكنها ستبقى محتكمةً للمصالح الاستراتيجية، وذلك ثابتٌ منذ عقود، وأيا كان الرئيس ديموقراطياً أو جمهورياً.
أما بشأن عملية السلام الفلسطينية الاسرائيلية، فمن المؤكد ألا تقوم إدارة بايدن بإلغاء القرارات الكبرى التي اتخذها ترامب سابقا كنقل السفارة الأميركية للقدس أو نزع الشرعية عن المستوطنات، أو انتكاسة في الانحياز الرسمي الأميركي لإسرائيل ودعمها على كافة الأصعدة. على الأغلب لن نشهد تدخلا أميركيا فعالا عبر إعادة إحياء المفاوضات في ظل وجود نتنياهو، وقد يتغير ذلك حال سقوطه، وتولي شخصيات أخرى الحكم، حينها قد يحدث تغيير لما سار عليه ترامب، وكان قائما على السلام مقابل الازدهار الاقتصادي، ليكون مجددا الأرض مقابل السلام، ويشمل ذلك خطوات إيجابية تجاه القيادة الفلسطينية، عبر استئناف دعمها ماديا وتقديم المساعدات لها، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير بواشنطن، وعدم إعطاء شيك على بياض للقيادة الإسرائيلية الحالية كما فعل ترامب سابقا، مع فتح قنوات اتصال مع الأحزاب الإسرائيلية الأخرى بمن فيهم حزب أزرق أبيض الذي يقوده بني غانتس وزير الدفاع بالحكومة الحالية، لإيجاد صيغة جديدة مقبولة إسرائيليا من حل الدولتين ووضع القدس الشرقية والأرجح أجزاء منها أو من محيطها كعاصمة لدولة فلسطينية.
بالنسبة لإيران، الهدف هو عدم امتلاكها للسلاح والقوة النووية، وتحجيم قدراتها الصاروخية، لذا ستعمل إدارة بايدن على انتهاج استراتيجية القوة الناعمة معها، وسيكون ذلك عبر العودة لمسار المفاوضات والتوصل لاتفاق صعب قد لا يحقق لطهران نفس المكاسب التي حصلت عليها سابقا، وذلك بسبب سلسلة العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب تباعا عليها، والتي سيصعب إلغاؤها جميعا، بل قد تستوجب الانتظار سنوات قبل حصول ذلك، هذا فضلا أن بعضها قد يستلزم موافقة الهيئات التشريعية.
ستشهد الساحة الليبية والسورية على وجه الخصوص مواقف أقل ضبابية من مثيلتها الجمهورية، وتغاضيا أقل عن موسكو وسياساتها التوسعية في الشرق الأوسط الذي تسببت بها إدارة ترامب،حيث أقامت علاقات صداقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على حساب المصالح الاستراتيجية الأميركية، مع تفعيل لعقوبات أكثر فعالية، ربما ستسهم جميعها في موقف أممي صوب الاتجاه لمعاقبة النظام السوري ومحاكمته بسبب ارتكابه لجرائم حرب وضد الإنسانية.
أشار بايدن أثناء حملته الانتخابية لنيته العودة لاتفاق باريس للمناخ، وكذلك لمنظمة الصحة العالمية، كما سيوقع مجموعة من القرارات التنفيذية بعد توليه المنصب في 20 يناير القادم، منها إلغاء حظر السفر للولايات المتحدة التي فرضها ترامب سابقا على سبعةٍ من دولها، وسيعيد برنامج يسمح للحالمين من المهاجرين الشباب الذين وصلوا للولايات المتحدة أطفالا بشكل غير قانوني بالبقاء في البلاد.
لا شك أن هناك ضبابية في بعض البنود الدستورية والنظام الانتخابي الأميركي، وكذلك بعض التباينات المتعلقة بقضايا حقوقية وإنسانية، لكن ومع ذلك ينبغي الإقرار بأن الديموقراطية الأميركية متفردة رغم بعض عيوبها عن سائر الديموقراطيات في الغرب والعالم المتمدن، ولم تكن نسخة مقلدة منها بما فيها أوروبا، بل قامت على الأخذ بتجاربها السابقة، ودراستها معمقا كي لا تقع في أخطائها.


المصدر: موقع ميدل ايست أونلاين - https://middle-east-online.com/%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D9%88%D8%A2%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%BA%D9%8A%D9%8A%D8%B1

الجمعة، 13 نوفمبر 2020

نقد الموروث

   جريدة الرؤية
09-11-2020
عماد أحمد العالم


ينبغي ألا يكون نقد الموروث مقتصراً على العادات والتقاليد المجتمعية السارية منذ عقود، والتي تعمل بها الأجيال المتلاحقة كمسلّمات لا يمكن التطرق إليها، علماً أن بعضها أصبح يُلحق بالدين رغم عدم انبثاقه منه، وهذا الاعتقاد مرده حالة الاستهجان المجتمعي في حال تركه، حتى بات الجميع يرى أن إتيانه واجب والتكاسل عنه وإهماله ذنب وخطيئة، عدا عن كونه عيب وانقلاب على الثقافة المجتمعية، وهو ما يقودنا إلى كون الموروث هنا، هو ما جرت العادة عليه ووجب القيام به وعمله أياً كان مرده.
لا بد من الإشارة إلى أنّ الموروث يشمل أيضاً الديني الممارس منه، والمقصود به ليس الأحكام الشرعية والمسائل الفقهية المتفق عليها، وإنما ما استُحدث منها وخرج على الإجماع عبر فئة معينه، حتى صار ممارسة ثابتة في بيئته وبين الأتباع أياً كانت مناطق معيشتهم، ويندرج تحته الممارسة لما تم استحداثه، ولم يكن معروفاً من قبل، واستخدم في ذلك أبواباً فقهية، لغرض التحريم لا التحليل، فنادى بها أفراد من سلطة دينية متشددة، وفرضتها كممارسات يجب اتباعها وعدم التفريط بها، في اختلافٍ مع جمهور الأغلبية الذي لا يرى لها وجوباً، وهو ما حدى بالفئة الأولى للتفرد بها وتضليل الآخر لعدم القيام بها، ما تسبب في خلاف، عادةً، ما انتهى لطرف يرى الآخر مفرِّطاً، ليقابله من يصفه بالمتشدد!
نقد التطرف والتشدد لا يتعلق بالديني فقط، فمن الإجحاف أن يُقتصر عليه، حيث يتشارك معه الليبراليون الجدد، وهذا اللفظ تعمدت إطلاقه عليهم للتفريق بينهم وبين الليبراليين الأيديولوجيين العاملين بروح القول «المبادئ لا تتجزأ».


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-87/2176384-%D9%86%D9%82%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D8%B1%D9%88%D8%AB

قوة الشعوب الناعمة، وفرنسا!

موقع صفحة أخيرة
26-10-2020
عماد أحمد العالم



غرد "ماكرون" عبر حسابه في تويتر بالعربية قائلاً: "لا شيء يجعلنا نتراجع، أبداً. نحترم كل أوجه الاختلاف بروح السلام، لا نقبل أبداً خطاب الحقد وندافع عن النقاش العقلاني، سنقف دوماً إلى جانب كرامة الإنسان والقيم العالمية".
فيما أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بياناً يستنكر دعوات المقاطعة ومطالبة بوقفها، وهو ربما المؤشر والدليل على انفراج في الأزمة وبداية تحرك رسمي لاحتوائها، ليس لكون المقاطعة بدأت التأثير في الاقتصاد الفرنسي فهذا مستبعد الآن، وتأثيره سيكون على المدى الطويل مع استمرار الزخم الشعبي بالالتزام بها.
ليس من مصلحة فرنسا خلق عداوة مع العالم العربي والإسلامي، وخصوصا مناطق نفوذها بالمغرب العربي وأفريقيا، كما أنها تعي أن شعوب تلك المناطق لم تُشفَى بعد من جراح حقبتها الاستعمارية، فيما تزايد موجات العداء لها ستؤثر على أجندتها وسياساتها ومصالحها الاستراتيجية بتلك المناطق، ولن يشفع لها المواقف الرسمية التقليدية الداعمة لها والمتصالح معها.
تعي باريس أن حملة المقاطعة لها، والعداء المتزايد لمواقف "ماكرون" وتصريحاته ومعه المؤسسة الحاكمة ذو خلفية دينية لا سياسية، وهذا يعني أنها مست عقيدة الشعوب التي لم تكن لتكترث لو كان الحديث عن خلاف سياسي أو التطرف الديني، بل مست مقام الرسول الكريم، الرمز الديني الأوحد لجميع طوائف المسلمين على اختلافها وتفرقها العقائدي.
تجدر الإشارة إلى أن حجم التعامل التجاري الفرنسي مع العالم العربي والإسلامي والأفريقي كبير، لكن أغلبه مع الحكومات على شكل التسليح والتقنية المتطورة؛ وهو الذي لا يمس الشعوب بشكل مباشر، ولذلك تأثير المقاطعة الاقتصادية محدود على المدى القصير، وينحصر فعليا بجهة مصدري المنتجات الغذائية والزراعية والصناعية الاستهلاكية والسيارات والكماليات، مما يستدعي إيصال الرسالة الشعبية للكيانات الاقتصادية الفرنسية التي يهمها السوق الشعبي الإسلامي والعربي، وبيان أن موقف المسلمين منها متعلق بالرسول الكريم واحترام مكانته لدى المسلمين وعدم المساس بها تحت ذريعة حرية التعبير، كما الاستفادة منها لتشكل لوبيات ضغط على الحكومة الفرنسية لسن القوانين التي تُجَرِّم الإساءة له كما جرى سابقا مع الهولوكوست ومعاداة السامية.
يجب أن يتم التواصل مع النقابات العمالية وتجمعات رجال الأعمال والملاك الفرنسيين الذين يبيعون منتجاتهم للعالم الإسلامي، واستقطابهم للضغط على "ماكرون" والمشرع الفرنسي لتغيير موقفه من جزئية ما يسميه حرية الإساءة للمعتقد والمتعلقة بالرسول الكريم، كما يتحتم على مسلمي فرنسا مسؤولية القيام بدور مهم في التوعية الشعبية الفرنسية تجاه قضاياهم، وهذا يُحَتم اندماجهم في المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني والقضاء والسلك العسكري والنقابات، واستغلال نفوذهم فيها لصك القوانين مع مراعاة قيم الجمهورية الفرنسية واحترامها والاندماج بها.
يعي "ماكرون" أن علاقات فرنسا الرسمية مع الدول الإسلامية والعربية لن تتضرر كثيرا، فالحاكم لها القوانين والعلاقات والتبعية والمصالح المتبادلة، لكنه يعي أيضا أنها لا تكفي وقد تكون مدمرة إن تماست مع الشعوب، ولذلك يتوجب استغلال ذلك في تبيان موقف المسلمين من حرية الإساءة لرموزهم الدينية.
أخيرا؛ يتوجب على مسلمي فرنسا أن يستقطبوا أتباع الديانات الأخرى الفرنسيين من يهود وغيرهم وخصوصا الحقوقيين وذوي النفوذ منهم تجاه مطالبهم، وليُكوِّنوا جبهة واحدة داخلية تدعوا لسن القوانين المُجَرِّمة لجزئية الإساءة للأديان والمعتقدات.


المصدر: موقع صفحة أخيرة - https://www.saf7a-a5era.com/2020/10/public-soft-power.html



الاثنين، 9 نوفمبر 2020

أحقاً.. ما أجمل الفقراء؟

  جريدة الرؤية
26-10-2020
عماد أحمد العالم


ليت الفقر يظهر كرجلٍ فيفنى، وليته كان جيشاً تتضافر كل قوى الخير لتحاربه وتقضي عليه، الفقر أو العوز أو الحاجة أو الحرمان، هو أن يتمنى الإنسان أمراً ضرورياً لحياته ومعيشته وسكنه وطعامه، لكنه لا يستطيع الحصول عليه، لأنه لا يمتلك ما يمكنه منه في مجتمعات أصبحت المادة فيها هي المقياس، والحياة الكريمة تعتمد على ما تمتلك، والمتعة تقاس بمدى غناك، فيما الفقراء غرقى في دوامة حياة لا ترحم، همهم الأكبر فيها لقمة العيش المشبعة بالدموع التي تطغى عليها رائحة العرق من كد وجهد أو مذلة سؤالٍ وطلب، توسل فيها أهل الحاجة، ما يبقيهم أحياء عبر ملء معدتهم بما يُسكت جوعها، وما يُكسي أجسادهم براقع بالية عفا عليها زمن الأثرياء والقادرين، لكنها تكفيهم كيلا تكشف سوءاتهم، التي ليست بعارهم، بل بعوزهم وقصر ذات اليد.
إن أردت أن تتصور ألم الفقر، فلتنظر لعينَي جائع وحبذا لو كان طفلاً أو عجوزاً هرمة، سيتجلى فيهما سخط الدنيا على ذلّ الفاقة وتجاهل أهل الجاه والثروة والسلطة لزمنهم الذي لم يعد يكترث بهم، وهو الذي عرف له الماضي وقتاً كان يبحث فيه أهل الزكاة عمن ينفقونها في سبيلهم، فلا يجدونهم.
يقول الأغنياء ومتوسطو الدخل: ما أجمل الفقراء، وكأنهم بما قالوا قد منحوا الفقراء شرف الجمال، الذين ظهروا به في صورة لابتسامة أو ملامح عفوية أو بشرة صافية لطفلة أو امرأة أثناء ساعة استراحة من عملٍ بدأ بعد فجر يوم مُضنٍ في تكسير الحجارة، أو تنظيف الطرقات من بقايا مهملات المارة والمتسوقين!


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-87/2173377-%D8%A3%D8%AD%D9%82%D8%A7-%D9%85%D8%A7-%D8%A3%D8%AC%D9%85%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%81%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1

كلام ضد الطائفية

 جريدة الرؤية
12-10-2020
عماد أحمد العالم


من منا ليس بطائفي أو يحمل نزعاتٍ بداخله من بقايا تلك المذهبية النتنة، التي يحاول البعض أن يُجاهر بها، فيما آخر يُحاربها في ذاته ويدعو للتعايش المشترك تحت مظلة الوطن والإنسانية، لا الدين فقط!
من أهم طُرق محاربة الأخطاء وتصحيحها المكاشفة والحديث عنها بشفافية مطلقة وبعيداً عن المثالية، التي آذتنا كثيراً وأخرتنا، وهذا ما يجب فعله حين يستمر الحديث عن الخلاف المذهبي بشأن شخصياتٍ وأحداث جرت قبل 1400 سنة، لكنها لا تزال ألغاماً في طريق التعايش، لن يقتنع أيٌ من أتباع المذاهب حتى لو زُلزلت الأرضُ على من فيها بأنه على خطأ، ومن هذا المنطلق عادة ما تخرج الخطابات الطائفية التي إما تنتصر لفلان أو تنتفض لمظلومية الآخر، ليتسع الشقاق وتزداد الهوة السحيقة في الأساس، فيما أبطالها قد مضوا ومضى معهم ما حدث بينهم، ونفوسهم تقول: «أمري وأمركم لله»!
لمَ لا يكون الحديث النشط للدعاة والباحثين من كلا الطرفين وعلى قدم المساواة، بدلاً من التطرق لهم وتكرار القصص والروايات ذاتها على مسامع أتباعهم، حديث تنوير ومكاشفة وكشفاً لكهنوت ينهى عن التقديس، ويرفض سياسة «الإكليروس» ويدعو للوسطية والاعتدال، اللذين نادى بهما الدين الإسلامي في الأساس، والذي إن حصل سينعكس إيجاباً فيُكرس تقبل الآخر مهما كان اختلافه، وسط أجواء من الحرية الفكرية تتجلى بعدم الحجر على العقول، لنصل لحقيقة أن المسلم كيسٌ وفطن، ليس إمعة وتابعاً يفعل ما يأمره به بعض الغلاة والمتشددين دون تفكير، وكأنه من المسلمات التي لا يجوز التفكير بها أو النقاش!


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-85/2170537-%D9%83%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%B7%D8%A7%D8%A6%D9%81%D9%8A%D8%A9

الخميس، 8 أكتوبر 2020

الإعلام العربي.. التدحرج نزولاً

 جريدة الرؤية
28-09-2020
عماد أحمد العالم


لنكن صريحين، حين نتحدث عن ظاهرة البرامج الحوارية والسياسية الإخبارية في أغلب قنواتنا الفضائية العربية، والتي باتت تتدحرج نزولاً نحو التجاهل من عموم المشاهدين، لأنها بصراحة متحيزة وغير محايدة، وذاك واقع لا يمكن تجاهله، وحين تشاهد عينة عشوائية بانتظام لعدد من تلك البرامج فستجد دون عناء كمية كبيرة من الجهل وقلة الاختصاص، والفقر الإعلامي لدى عدد غير قليل من المحللين السياسيين، الذين تتم استضافتهم للتحدث في شؤون دولية ومحلية وأحداث مستجدة ومواضيع عاجلة، متزامنة مع ضعف الإعداد وافتقار من يدير الحوار لأساسياته.

جميع العوامل السابقة أسهمت في عدم اكتراث المشاهد العربي بتلك البرامج فاقدة الجودة والمصداقية، وهي التي إن قارنّاها بمثيلاتها في الإعلام الغربي فسنجد التباين الواضح بين إعلام أسوأ من التقليدي وآخر متخصص جداً يحترم عقلية المشاهد، ويحرص على استضافة ذوي الاختصاص والخبرة في التحليل والرأي أياً كان موضوعه.

من الملاحظ، حين مشاهدتك لأحد تلك البرامج في القنوات العربية تجد تأتأة المحلل المزعوم وعدم طلاقته بالحديث، وآرائه السطحية وفقره المعلوماتي، مع العلم أن تلك القنوات لا تدفع لضيوفها إلا إن كانوا من طبقة الفن على مختلف أصنافه، فهم من يسترعي اهتمام المشاهد العربي المشغول للأسف بالفن «الخائب»!

السؤال إذن: لمَ لاتزال القنوات العربية تبث هذه البرامج السياسية الفاشلة؟.. الجواب ربما يكون لأن القائمين عليها والممولين لا يزالون بالعقلية القديمة، التي تظن أن المشاهد أبله دون أن يعوا أنهم ليسوا كما ظنوهم بلهاء، وإنما فقدوا المتعة بالسياسة، واستبدلوا بها عن طيب خاطر ورغبة، المتعة الفنية فاقدة القيمة.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-86/2167538-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AF%D8%AD%D8%B1%D8%AC-%D9%86%D8%B2%D9%88%D9%84%D8%A7

العاطفة والواقع في الرواية

 جريدة الرؤية
14-09-2020
عماد أحمد العالم


من قراءات لكُتاب غربيين تحدثوا في رواياتهم عن قصص لعائلات وأفراد من العالم الثالث، ومثلهم لشرقيين رووا بدورهم حكايات عن عائلات غربية، خرجت بفكرة أنّ كلا الفريقين قد أصبغا كتاباتهما بطابع متولد من خلفيتهما الثقافية والمدنية والدينية.

فيما حاول آخرون أن يكونوا واقعيين جداً، فكانت أعمالهم جافة وخالية من اللمحة الإنسانية، بينما القلة الأقرب للندرة هي التي جمعت بين العاطفة والواقعية في العمل، الذي قد لا يكون لاقى النجاح الجماهيري، لكن من ناحية أدبية نقدية يجب أن يكون قد تفوق عليهما وقدم صورة ليست بلسان الراوي لما أراد قوله مضيفاً قناعاته الشخصية ورؤاه بصلافة، وإنما الحياة من وجهة نظر البيئة التي جرت بها الأحداث ومن منطلق المفاهيم والقيم الاجتماعية والثقافية والسياسية والإنسانية التي يعيش فيها أفراد الرواية أو القصة.

أن تكون غربياً ومن الدول الاسكندنافية مثلاً، وتعيش من باب التجربة لستة أشهر مع عائلة محافظة من أفغانستان في قندهار لتكتب عنها رواية، فتلك قصة أستطيع أن أتنبأ بطالعها حتى قبل كتابتها، فكاتبها لديه صور من مشاهدات وقراءات سابقة لديه أبطالها الملالي والبرقع وضرب النساء وسلطة القبيلة وظلم المرأة وأميتها.

ومن هذا المنطلق، سيكون الكاتب ـ أو الكاتبة - مفسراً لكل تصرف ومشهد على أنه موغل في القسوة والاستبداد، ومنتهك لحقوق المرأة، وهو الذي لا يمكن إنكاره لدى مجتمع ذكوري عُرف عنه عده لحقوقها من أقل أولوياته بل حتى المطالبة بها امتهان له وتعدٍ على سلطته الذكورية، التي تميزه عن المرأة في المرتبة التي يراها تحتل الأدنى فيها.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-86/2164454-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%B7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%82%D8%B9-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D9%88%D8%A7%D9%8A%D8%A9

صناعة الذوق العام

 جريدة الرؤية
21-08-2020
عماد أحمد العالم


هل الذائقة حرية فردية لا ينبغي التدخل فيها، أم أن وجودها صنعة تفرض التدخل ولا علاقة لها أو ارتباط مع الحرية الفردية والجمعية؟ وذلك من منطلق أنه كما يُخيَّر الجمهور في خياراته، إلا أنه لا بد من تسييره أحياناً، فهو، وإن كان له أمزجته، إلا أنه من واجب النُّخب والمسؤولين، تقويم سلوكه وفرض الرؤى عليه، والذائقة التي يراها تتماشى مع الثقافة والعادات والمعتقد والسلوك العام القويم.

مؤخراً، وفي خطوة مثيرة للجدل، تدخَّلت نقابة المهن الموسيقية بمصر عبر نقيبها العام، وأصدرت قراراً للحد من ظاهرة أغاني المهرجانات، التي بات يُسمع صداها في كل مكان، وتجتذب المستمعين ليس في مصر فقط، بل في الوطن العربي كافة.

هي ظاهرة مقلقة لا لمستواها الفني الهابط جداً، بل لمآلاتها على فئة صغار السن والشباب، والسلوك الذي تروِّجه والكلمات ذات المستوى الوضيع في بعضها، وكذلك المواضيع التي تتطرق لها، حيث تعدَّت مجرد كونها أغنية «فرايحية» راقصة، لبلطجة غنائية تُسوِّق لتصرفات ومظهر غير سويَّين يدعوان للانحلال والعدائية، وإثارة الغرائز وانتهاك القانون وممارسة الممنوع، يُخشى أن يُشكِّل قدوة سيئة، في ظلِّ محدودية حضور البديل الإيجابي الخلَّاق ذي المضمون الهادف الراقي، المضمحل لحساب موجة الغناء الصاخب المستفز والمثير، الرائج جداً هذه الأيام، متعدياً حدود الطبقات الشعبية وغير المتعلمة، ليمتد تأثيره ويشمل جميع فئات المجتمع التي باتت تتشارك مع بعضها المتعة في الكلمة السريعة والجمل الهابطة والرقصات ذات الإيقاع الصاخب.

التدخل رغم انتهاكه لقدسية الحرية مطلب ضروري قد يفيد في توعية الجمهور، ومنع انحدار ذائقته الفنية، واستدراكه قبل الغرق في موجة لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة، لذا فهو واجب لا بد من القيام به ليس لفرض نمط معين، بل لتحييد واستثناء الخارج عن المألوف والمتجاوز للحد الأدنى منه الذي يجب عدم تخطيه.

الفن الهابط سلعة مربحة، لذا فاستمراره مهم، والدفاع عنه يتجاوز كل الأخلاقيات والقوانين، فما يجلبه من ثراء ومكاسب يُحلِّل لبعضهم بقاءه وانتشاره، وإن لم تتم مواجهته بخطة عمل منهجية تدرس بيئة المستمعين واحتياجاتهم، فلن يكون لها أثر فعال في الاستقطاب، بل ربما ستزيد من انتشاره والتعاطف معه، وسيشجع الإخفاق في التصدي له العديد لركوب الموجة وامتهانه.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-87/2159748-%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D9%88%D9%82-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85

عرابو الكلاسيكيات الأدبية

 جريدة الرؤية
14-08-2020
عماد أحمد العالم


لمَ لا تزال الكلاسيكيات الأدبية العالمية تحظى بوهج يجعل البعض منها ليس فقط على قائمة الكتب المباعة، وإنما أيضاً المقروءة، رغم مرور قرون على نشرها وكتابتها، واختلاف الزمن والمكان والبيئة والأوضاع الاجتماعية والسياسية والثقافية، التي طبعتها وتأثر بها كتابها؟ وهل فعلاً هذه الكلاسيكيات أعمال على درجة من الفرادة ما يجعلها معجزات لا تتكرر ومن ثم تستمد استمراريتها من عظمتها؟ أم أن هناك أسباباً أخرى يُعزى لها الفضل وتعد بمثابة الجندي المجهول الذي تستمد منه البقاء والمكانة وسط إنتاج عالمي بعشرات الآلاف من الكتب بشتى اللغات والمواضيع، يصنف بعضها بالأكثر مبيعاً، إذ تتجاوز الملايين، وتحظى بإقبال شعبي كبير يرشحها حسب وجهات نظر لأن تكون خالدة بلغة الأرقام؟ وخلافاً للواقع الذي يجعلها منسية بعد بضع سنين من نشرها، حيث لو سألت عينة ممن اقتنوها وقرؤوها عن رأيهم فيها بعد 10 سنوات من صدورها، لربما كانت إجاباتهم مزيجاً من عدم الاكتراث ونسيان مواضيعها، وربما حتى الاستغراب من شرائها وقتها، ما يستدعي التساؤل عن السبب الكامن خلف هذا التجاهل لها، والتقدير لكلاسيكيات لا تزال حاضرة، أو على الأقل يُعترف لها بمكانتها المميزة، التي كرستها فئة محدودة من معجبيها، من ضمنهم المختصون والأكاديميون الذين استمروا بدون كلل في دراستها وتحليلها والحديث عنها والبحث فيها وتحليلها، ونشر ذلك عبر وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة وبالطبع في الأكاديميات العلمية، بتكرار خلق صورة نمطية عنها وذهنية لدى العامة جعلهم من تكرار سماعهم عنها يقتنعون بها ويؤمنون بها، حتى لو كانوا لم يطلعوا عليها أو يتصفحوها جزئياً. المتحمسون المخلصون هم القلة المؤثرة القابعة وراء بقاء الذاكرة العامة حاضرة على الدوام، وهم الدؤوبون سعياً لتشكيل ذائقة الجمهور الأدبية عبر تسلسل هرمي يتناوبون عليه على مرِّ العقود، رغم تنافرهم مع آراء مثقفين ومهتمين بالكتابة. وجدت أن بعض تلك الأعمال رغم تميزها إلا أنها حظيت بقدر من المبالغة بشأنها، في تناقض مع القول إن العمل ليس فقط بمحتواه وإنما بعوامل أخرى يجب أن تتوافر فيه لا يمكن لغير المختصين سبرها، الذين هم باختصار من يجعل من الكتب خالدة بعد فترات طويلة من صدورها، لا كتّابها ومؤلفاتهم التي ربما كان لها السبق بزمنها، لكنها بعد انقضائه باتت شهرتها بيد الشغوفين بها الذين منحوها خلوداً.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-86/2158278-%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D8%A8%D9%88-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%84%D8%A7%D8%B3%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%A8%D9%8A%D8%A9

كلام عن التاريخ

 جريدة الرؤية
07-08-2020
عماد أحمد العالم


الحديث عن التاريخ عدا عن كونه ذا شجون، هو أيضاً ذو سجون، والمقصد بالسجن هنا ليس الحبس القانوني المتعارف عليه، وإنما سجن العقل بين جدران غرفة تمثل أفكاراً بين هذا وذاك رغم اختلافها، لكن لا يجوز الخروج عليها والتحدث بغيرها!

لتفسير كيف انتقل التاريخ لِكُتّابه لا بد من الإشارة إلى أنّ مصادره، وخصوصاً ًالقديم منها، كان عبر الاكتشافات الأثرية التي استنبط منها علماء الآثار أحوال وعلوم الشعوب السابقة، فيما تعد الكتب المقدسة من أهم مصادره، فالتوراة مثلاً ولفترة طويلة، شكَّلت لباحثي الأنثرولوجيا والإثنولوجيا والميثولوجيا دلالات استُنبط منها أحداث وقصص، مثَّلت أدلة على سردهم التاريخي، لكنها بدأت تفقد بريقها مع التقدم التكنولوجيا العلمي والأبحاث المستقلة الرصينة والمزيد من الاكتشافات الأثرية، التي أسهم اكتشاف العالم الأمريكي ويلارد ليبي فرانك لمادة نظير الكربون 14 المشع المستخدم في قياس عمر الحفريات بنقض العديد من النظريات عن عمر دول وحضارات قيل إنها في فترةٍ معينه ليتضح بعد ذلك خطؤها، ما أسهم في ظهور أبحاث جديدة كسرت «تابوهات» وفتحت باباً للنقاش بين تيار يرفض نظرية المسلَّمات وآخر يدعو لإعادة كتابة التاريخ، وحتى تنحية المصادر القديمة ليصل إلى إعادة تنقيح التوراة والإنجيل وإعادة كتابتهما، وهو الذي جرى عدة مرات على أيدي علماء اللاهوت واللغات وحتى الإنسان.

في العالم العربي يصعب جداً وأحياناً يستحيل إعادة مناقشة مواضيع بالتاريخ العربي والإسلامي على وجه الخصوص، لأسباب تُدعى «دينية» وأخرى سياسية واجتماعية فرضت حظراً على دعاة التجديد التاريخي، فنال من حاول تهم عديدة وحظر رسمي وأكاديمي، تطور في حالاتٍ منه للسجن، ما حدا البعض للعيش في المنفى دفاعاً عن أطروحاتهم ونظرياتهم التي خالفت «ما جرت عليه العادة»، فيما آخرون يجنحون في حجتهم لمقولة: «إن التاريخ يكتبه المنتصرون»، وهو الذي يتماشى أيضاً مع فكرة أن الهوائية سيطرت على كتابات تاريخية نتيجة تدخل السلطات الرسمية ومثقفين وتاريخيين محسوبين عليها.

بعيداً عن جميع الآراء السابقة، يبقى لنا أن نؤكد على ضرورة استحداث مراكز أبحاث ودراسات تاريخية رصينة ومحايدة يقوم عليها خيرة العلماء من جميع الجنسيات، ويُناط بها المسؤولية حرصاً على الموضوعية والمصداقية والدقة.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-87/2156827-%D9%83%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE

الصحافة.. القراءة وضعف المحتوى

 جريدة الرؤية
31-07-2020
عماد أحمد العالم


كلما دار نقاش وبادر أحدهم فيه مستشهداً بالصحف كنمط وحيد لقراءته، ومكتفياً بها عن سواها من الكتب؛ وجدت نفسي أتذكر قولاً منسوباً للإنجليزي جورج برنارد شو متهكماً فيه على الصحافة: «لا فرق لديها بين حادث دراجة نارية وسقوط حضارة»، وهو الذي لا يفهم منه سذاجتها كواقع فهذا خطأ، فبالتأكيد فيها الرصين والرزين وكذلك الصحف الصفراء، ولكن المعنى الخفي وراء هذا الوصف هو التأكيد بأنها تبالغ في الأحداث والوصف من منطلق جذب القارئ، كما أنها قد تخلق حدثاً وواقعة من لا شيء حتى تجد ما تتحدث عنه في صفحاتها، وهو شأن لم توجد صحيفة مهما كانت مهنيتها لم تقع فيه وترتكبه، وإن كان ذلك بالطبع سمة لبعضها، إلا أنها جميعاً تشترك في كونها لا تتوجه صوب شريحة واحدة من القراء وإنما لجميع فئات المجتمع، ساعية لإرضاء جميع الأذواق، وفي الوقت ذاته ضمان المدخول المادي الكافل لاستمراريتها ودفع تكاليفها وتحقيق الأرباح.

مالكوم إكس، الناشط الأمريكي الراحل، كان له بدوره وصف أكثر حدة، حين قال: «الصحف ستجعلك تبغض المقهورين وتحب من يمارس القهر»، وهو الوصف الذي ينطبق بالطبع على الصحافة الموجهة غير المستقلة، وبالتحديد الحكومية أو السائرة في فلكها في الدول الاستبدادية والأوليغارشية، حيث لا يوجد رأيان يحتملان الاختلاف بدون خلاف، وإنما الرأي الواحد وخلافه خروج على الخط الرسمي الداعي للمنع والملاحقة الرسمية.

قراءة الصحف كالوجبات الخفيفة والمقرمشات المتخللة للوجبات الأساسية ضرورية لإبقاء الجسد والروح متيقظة، لكنها وكما تحدثنا سابقاً يجب ألا تكون فقط ما نقرأه، ولا تغني أبداً عن الكتاب، ليس فقط لمحدودية مواضيعها واختصارها، وإنما أيضاً لما وصلت إليه من تبسيط في اللغة المستخدمة فيها، والتي تدنت عن السابق، وأصبحت أقرب للعامية أو الفصحى الدارجة وليس اللغة العامرة والعبقة بجمالياتها ونحوها وبلاغتها، في توجه يتماشى مع تدني القدرات اللغوية الشعبية وميلها للبساطة أكثر من البلاغة من جهة؛ وأخرى لضعف المحتوى المقدم في العديد منها نتيجة نقص توظيف ذوي الخبرة والمقدرة الصحفية، لعدة أسباب اقتصادية وسياسية ومجتمعية، جميعها تسببت بانحدار المستوى، وليس كما يشاع بسبب التكنولوجيا وثورة الإنترنت وانحسار القراء، وإن صح ذلك، إلا أن المعضلة الحقيقة تكمن في انعدام البيئة الجاذبة نتيجة ضعف المحتوى والتكرار والإسفاف والتبعية.


المصدر: صحيفة الرؤية -  https://www.alroeya.com/119-86/2155414-%D8%A7%D9%84%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%A1%D8%A9-%D9%88%D8%B6%D8%B9%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%AA%D9%88%D9%89

الديمقراطية.. الزائفة والحقيقية

 جريدة الرؤية
24-07-2020
عماد أحمد العالم


السطحية في فهم معنى الديمقراطية يقود البعض لنبذها والتشهير بها، بناء على معطيات سابقة يراها فيها غائبة عن قيادة دولهم للعدالة والرفاه، أما أهم هذه الاستنتاجات فمردها الانتخابات التي يعبر الشعب من خلالها عن ممثليهم في السلطة التنفيذية والتشريعية، بنسب عادة وحتى بأعتى الديمقراطيات بالعالم تتراوح بين 50 و70% من مجمل من يحق لهم الانتخاب إن لم يكن أقل من ذلك، فيما تغيب البقية طوعاً عن ممارسة حقها بالاقتراع لأسباب عدة وإن كان أهمها: غياب الأمن والحروب والجهل والحالة الاقتصادية وغياب التسهيلات الحكومية الضرورية لتنقلاتهم وتوعيتهم بأهمية انتخابهم وإدلائهم بأصواتهم، كما القنوط من الحالة السياسية وفقدان الأمل بالسياسيين والأحزاب والنقمة عليهم.

جميعها اعتبارات تقود الأغلبية الصامتة للعزوف عن المشاركة، رغم ما تحمله من مخرجات قد تؤدي في حضرة البيئة النزيهة والرقابة لطيف سياسي يمثل الإرادة الشعبية، لكن لامبالاتها تتسبب بتكتلات برلمانية فائزة بفضل من اقترعوا لها ليس لأنها تحظى بإجماع شعبي، وبالتالي تحظى بفرصة تشكيل الحكومة والحصول على مقعد الرئاسة وفق تفاهمات وتنازلات من كل طرف لإنجاح العملية السياسية.

لا بد من الإشارة لحالة دارجة ديمقراطياً، وبالتحديد حين يحصل مرشح أو تيار سياسي على أغلبية كبيرة بالانتخابات تمكنه من أن يشكل الحكومة منفرداً، دون أن يضطر للتوافق مع منافسيه، عاكساً تفويضاً شعبياً أوصله إلى سدة الحكم وفق المفهوم الديمقراطي، إلا أنه لا يعني بالضرورة جميع جماهير الشعب ممن تمتلك حق التصويت، والتي غاب ولنقل نصفها على سبيل المثال عن الاقتراع.

الديموقراطية، وقبل أن تطبق يجب أن تسبقها توعية فكرية وثقافية وسياسية لجميع أطياف المجتمع، حتى يدرك الفرد فيه ما له وعليه تجاه الحكم، وحتى يعلم الجميع أن الانتخابات ليست إلا جزئية من الحياة الديمقراطية التي تشمل ما قبل وبعد الانتخابات، أي العقد الاجتماعي الذي يكرس الحقوق والواجبات، وإلا فما الفائدة من حكومة منتخبة ديمقراطياً وبنزاهة في ظل مجتمع جاهل غارق بالفساد والمحسوبية ومراكز القوى الرديفة للدولة وانعدام الأمن؟ وماذا ستكون النتيجة إن حاول الحكام مواجهتها في ظل غياب الوعي والإدراك للجماهير وحتى النخب؟

الجهل هو العدو الأول والأقسى للديمقراطية وضامن فشلها، أما الوعي والإدراك فهما محفز نجاحها وضامن استمراريتها، إلى جانب فصل السلطات، ومؤسسات المجتمع المدني واستقلالية القضاء وحرية الإعلام.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-85/2153874-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B7%D9%8A%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B2%D8%A7%D8%A6%D9%81%D8%A9-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A9

الثلاثاء، 21 يوليو 2020

حروب من نوع آخر

جريدة الرؤية
17-07-2020
عماد أحمد العالم



لم تعد الحروب بمفهومها العام، ذلك الشكل التقليدي لخصام الدول والكيانات السياسية، حيث باتت التجارة حرباً وكذلك الصيدلة والأمراض.. جميعها حروب من نوع آخر تهدف للربح وتحقيق المكاسب، وبأشكال أكثر جدوى للرفاه وأسرع للغنى والسيطرة التي لا تعدو كونها اقتصادية فقط، وإنما تتعداها للتحكم والتوجيه ومن ثم ضمان التبعية.
فالقوي الذي يسيطر على الضعيف لا يحتويه بل يبتلعه ليضمن عدم خروجه عن الخط المرسوم له والمتوجب عليه اتباعه، في تكريس للإمبريالية الجديدة الهادفة لاستمرار الاستعمار الجيوسياسي والاقتصادي بدل القديم، الذي بات لا يلائم روح العصر الحديث، حيث لا المجتمع الدولي والشعوب ستقبل بالوصاية الدولية، التي مثلتها عصبة الأمم المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، والمستغلة لظفرها ففرضت وصايتها أولاً بالمفهوم القانوني، ومن ثم تحول ذلك لاستنزاف الأرض، وما فيها لصالح القوى العظمى، التي وإن منحت الدول استقلالها إلا أنها لم تتخلَّ عن مطامعها، لتعمد للرأسمالية المتوحشة التي نظرت لها مدرسة «شيكاغو».
وكان البنك الدولي ومؤسسة النقد ومنظمة التجارة العالمية، وقبلها اتفاقية الجات أهم منتجاتها، التي تولت بدورها عقد الاتفاقيات الثنائية والإقليمية مع دول العالم، التي بظاهرها تشجيع الدول النامية ومنحها مزايا تفضيلية، إلا أن الواقع يحمل خلاف ذلك، فبنودها مكرسة لسلطة الشمال القوي وضامنة لتدفق بضائعه ومنتجاته بدون قيود جمركية، تخفف من سيطرته على الأسواق، مع رفع الدعم الحكومي عن المنتج المحلي، ما يجعله غير قادر على المنافسة مع الأجنبي المستورد.
في الطب تحولت صناعة الدواء لتجارة مربحة أكثر من السلاح، ويكفي أن نعلم بأن أرباح إحدى الشركات الصيدلانية الكبرى تفوق الميزانية السنوية لعدة دول أفريقية مجتمعة، أما نفوذها فكبير جداً عبر لوبياتها الإعلامية القادرة على نشر الذعر الشعبي من مرض أو فيروس ما، فتهرع الدول لشراء اللقاح والدواء المعالج بالمليارات، لكنها ما تلبث أن تتلفه بعد سنوات من عدم استخدامه وتخزينه، لتعقب ذلك حرب فيروسية أخرى من صنع البشر، تثير بدورها استنفاراً عالمياً لمواجهتها، لتستمر عجلة الربح في الدوران جالبة مكاسب هائلة لشركات الأدوية، التي وإن كانت مملوكة للقطاع الخاص في الدول المتقدمة إلا أنها تخضع لسياساتها وقوانينها، وتسهم في اقتصاداتها عبر تشغيلها للقوى العاملة من المواطنين ودفع الضرائب.


سباق السرعة.. والبطء

جريدة الرؤية
03-07-2020
عماد أحمد العالم



ليس كل فكر سريع حميداً وإيجابياً، والمثل كمحصلة ينطبق على من يعتنقه، أي المفكر السريع، والذي لا يعني بالضرورة كما سيتبادر لأذهانكم الأشخاص ذوي الفطنة والمقدرة على استحضار الحلول والأجوبة، فالمعني هنا ثقافة العجلة والسرعة التي ألغت الرويَّة والتمهل من حياتنا وجعلتنا دوماً في عجلة من أمرنا، فنحن مشغولون ولا وقت لدينا، ونتذرع بضيق الوقت وقصره رغم أننا نقضي في غير المفيد ساعات طوال، ومع ذلك عادة ما نشير للساعة كعذر نسوقه دوماً للتدليل على تقصيرنا واستعجالنا غير المبرر في كثير منه وإن كان بعضه حقاً.
غير أن الطابع العام بات عصر السرعة لنا في كل شيء، فحين نتحدث ستلاحظون سيلاً من الكلمات دون منصت، أما في العمل فستجدون الوتيرة المتسارعة، الصفة التي يروج لها المديرون التنفيذيون في تنظيرهم وخبراء التنمية البشرية، حاضين الموظفين على الإبداع الخلاق، ونبذ الخمول العملي الذي يرونه في الإحجام عن القبول بالمزيد من المسؤوليات دون الأخذ بالاعتبار الصحة الجسدية والنفسية، ومآلات عبادة العمل على الحياة الشخصية.
«كلاوس شواب» مؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي ورد عنه قوله: «إننا ننتقل من عالم يأكل فيه الكبير الصغير إلى عالم يأكل فيه السريع البطيء»، فلم تعد القوة والجبروت صفة الغالب، بل باتت السرعة معياراً للتقدم والإنجاز، دون الأخذ بالاعتبار المجمل وليس المحصلة الآنية فقط، التي في باطنها مفيدة لقلة على حساب الأغلبية الضائعة في رتم الحياة السريع من بداية يوم أفرادها، حيث استيقاظهم في ساعة محددة للذهاب إلى العمل وإيصال الأبناء إلى المدرسة، ومن ثم الانصراف بسرعة عند نهايته والعودة إلى المنزل لتناول وجبة الغداء وقيلولة، يليها التسوق مساء، ومن ثم العودة بسرعة إلى المنزل لتناول العشاء ومشاهدة فيلم أو زيارة أصدقاء.
علينا القول إذن: «لا تكتف بالفعل، اجلس» ، فالاسترخاء والتأمل وأحياناً في الفراغ أو في سقف الغرفة ـ كما دأب ألبرت أينشتاين ـ فعله مفيد جداً للعقل ومحفز للإنتاجية وصاقل للذكاء، فليس الانشغال والسرعة دلائل النجاح والتفوق والإنجاز، بل العكس، فربما البطء والخمول الخلاَّق هما لبنتا البناء والتطور وفوق ذلك كله الاستمتاع بالحياة واللحظة والأجواء والبيئة المحيطة، وحتى الطعام الذي بتنا نمارسه كعادة بدلاً من أن يكون متعة وعافية.


التواصل الاجتماعي ودوره في التغيير

جريدة الرؤية
26-06-2020
عماد أحمد العالم



كثيراً ما يُعزى لوسائل التواصل الاجتماعي السبب بإشعال ثورات الربيع العربي بموجتها الأولى والثانية، لكن من النادر جداً أن تجد أحداً يتحدث بواقعية علمية عن أسباب فشل البعض منها وحتى الناجح عن الاستمرار وتحقيق المطالب المرجوة منها.
إن التكنولوجيا والتواصل الفوري التي وفرته الهواتف الذكية، كالإنترنت والمواقع الاجتماعية والأخبار لم ولن تصنع ثورة حقيقية، وإن بات يُنسب لها الفضل في التحشيد، والسبب ببساطة لهذا اللبس يكمن في عدم فهم طبيعة الثورة وارتكازها أساساً على المكونين المتمثلين بالثقافة الجمعية والفردية لجماهيرها ووعيها حيث قوة الفرد من الجمع، وكذلك تستقي الجماهير قوتها من أفرادها، التي ستتمكن التكنولوجيا من تسهيل المهمة عليها عبر سرعة جمعها وتحفيزها ونشر الأنباء ذات الصلة بها، لكنها لن تصنع بالمطلق من الجماهير ذاتها صاحبة وعي مدرك وقادر على التخطيط لمرحلة ما بعد الثورة بعقلانية تحقق التغيير المرجو والمطلوب، بل ستجد نفسها تدور بحلقة مغلقة من الفراغ الثوري بشعارات ترددها عبر مظاهرات وتجمعات تفتقر للفكر، وهو العامل الأساسي والفارق بين شعوب واعية تدرك ما تريد حين تنتفض وكيف تحققه وتحافظ عليه، وبين أخرى عاطفية انفعالية آنية يثيرها حدث وظرف ما، أو حالة اقتصادية متردية وانعدام للأمن، لكنها وبعد نفاذ مخزونه تنطفئ حدته وتسلم أمرها مجدداً لمن يتمكن من تطويعها واستغلالها عاطفياً للسيطرة عليها، بخلاف الجموع التي خضعت لسنين وعقود لتيار لا ينقطع من الإعداد الفكري التوعوي المشكل لكينونتها والحريص على حضور الوعي الفردي فيها القائم على العقل والإدراك، والناتج كذلك كمحصلة عن حرص جمعي على الاطلاع والقراءة والبحث عبر النقاشات الجادة والكتب الرصينة التي تقدم الأفكار وتطرح المشكلة ومن ثم تتطرق لأسبابها وطرق حلها، كما عمل على ذلك جان جاك روسو في كتابه العقد الاجتماعي الذي قدَّم مبحثاً للعلاقة بين الفرد ودولته، وواجباتها تجاهه وحقوقه المفروضة عليها، ليمهد الطريق بعد ذلك للثورة الفرنسية التي استلهم مفكروها ومنظروها من كتاباته أسس ثورتهم.
لذا، فقد سهَّلت التكنولوجيا حشد الجماهير ونقل ما يجري معها للعالم، لكن افتقارها للوعي هو ما يجعلها غير كافية لأن تنجز المهمة المنوطة طالما افتقر الثائرون لثورة فكرية تحضرهم لبناء الأسس القويمة لتغيير ما ينشدونه، يقوم عليها كتاب ومفكرون، فالأمة التي تحترم الفكر وترعاه يكون صداها جماهير واعية.


نكديون.. بلا حدود

جريدة الرؤية

19-06-2020

عماد أحمد العالم



ما هي مشكلتنا مع الفرح، ولماذا نتفنن في إظهار مظاهر الحزن، التي تعيدنا لاختراع طرق فريدة من نوعها في زرع الكآبة.
النكد هو الصنعة التي يجيدها الكثير والعديد منا، وهم بما يفعلون يظنون أنهم يحسنون صنعاً، بينما هم مفسدون ومخربون وقتلة لمظاهر السعادة المرتبطة بالبشر، والتي يجب أن يتحلوا بها ويستمتعوا! في مقاطع الفيديو المنتشرة عبر أثير الإنترنيت، ستجد الخلفيات مصحوبة بهمهمات وأصوات مبحوحة وعواصف تُبشر بنوعية ما أنت مُقبل على رؤيته وسماعه! بعضهم يظن أنه بما يفعل يُضيف المؤثرات الصوتية اللازمة لذاك المحتوى، الذي أنفر منه فأقوم بتجاوزه ومسحه أياً كان محتواه، فقد مللنا وعفنا مثل هذا النمط الترهيبي! نحن احترفنا الغمّ بامتياز بخلاف شعوب أخرى سعيدة ترقص طرباً ومرحاً، وتحيي ليالي سنواتها احتفالاً وضحكاً، أوقاتها مقسمة بين الجد واللعب والمرح والحزن، لينعكس ذلك على كل ما حولها، من معابدها لمدارسها ودوائرها الحكومية لشوارعها المزدحمة المليئة بالمتناقضات التي لم تنجح في تحويلها لشعوب غاضبة مكفهرة، وإنما على النقيض لأمم مُحبة للحياة رغم ما فيها! العديد من دعاتنا وعلمائنا تَغلب على مُحيّاهم مظاهر الجدية المُبالغ فيها، وتغيب عنهم الابتسامة ويندر أن ترى منهم خفة ظلة وممازحة، بل شدة وصرامة وكأن محبة الحياة والاستمتاع بها ذنب عقابه شديد.
أحاديثهم يغلب على الكثير منها الترهيب دون ترغيب وكأن الدين وُجد للعقاب فقط، بينما هو ومن جماله اصطفاه الله سبحانه وتعالى وأوجده وسطاً معتدلاً غير مفرِّط ولا متشدد، يمزج في محتواه بين ترغيب العباد لعمل الصواب وترهيبهم من عمل الخطأ ليجتنبوه، فينعموا برحمة المولى الكريم! إذا مشى الغريب في طرقاتنا يسهل معرفته حتى لو كانت سماته ولون بشرته مماثلة لنا، فنحن أصحاب كشرة وكأننا نتأبط شراً، نمتعض لأقل نظرة، فالبحلقة ولو كانت غير مقصودة في مفهومنا بداية لاشتباك بالكلمات قد يتطور لحرب وتشابك، بينما في بلاد أخرى لن تجد أحداً إلا ما ندر يقضي وقته في المقهى مثلاً أو المطعم أو أي مكانٍ عام وهو ينظر لما حوله، فيركز في هذا ويكاد تبتلع عيناه تلك، وإن صادف أن تلاقت نظرات عيناكما، سيبادرك بابتسامة لطيفة، بخلاف ما قد ينتج عن ذاك التلاقي غير المقصود لدينا من تبعات عافانا ربنا وإياكم منها!


السيلفي.. وصناعة الواقع

جريدة الرؤية

12-06-2020
عماد أحمد العالم



كثيراً ما استوقفتني مشاهد أشخاص «السيلفي» وهم يحركون هواتفهم وكاميراتهم يمنة ويسرة بغية التقاط صورة، في خلفيتها يقبع مبنى أو شارع تجاري أو معلم أثري، لا يلبثون بعد توثيق وجودهم بجواره وزيارتهم له تركه لأخذ سيلفي آخر في يومهم القصير الحافل بالصور، التي ما تلبث بدورها التوجه مسرعة صوب نشرها في وسائل التواصل الاجتماعي.
حيث أغلبها ليس لقبيل طرح نقاش جاد أو نشر معلومة، وإنما لقول: «لقد كنت هنا بينما أنتم قابعون في بيوتكم خلف شاشات حواسبكم وهواتفكم تتابعون ما أنشر لكم، ومرسلين عشرات اللايكات والإعجاب لما عرضته لكم»، وبذلك يكون المرسل والمستقبل جزءاً من عالم افتراضي موازٍ للواقع، ولكنه مختلف عنه من حيث المبادئ المشكلة لأخلاقياته وتعاليمه الإنسانية والقانونية والعرفية، فزِر الإعجاب الممثل افتراضياً للاستحسان بات وسيلة مجاملة رقمية أكثر من كونه مشاعر بشرية حسية صادقة تلهج بها الألسن وتظهر بها الوجوه، فيما عدم الإتيان به يثير السخط والغضب والنقمة، ليشعل حروباً افتراضية فحواها الأنا الغارقة في الشهرة والتمظهر بما لا يعكس الواقع.
التكنولوجيا الرقمية التي صنعتها رغبة في مشاركة المعلومة حين بدأت؛ تحولت لمنجم يدر ماساً على الشركات الكبرى في العالم التي تسيره، فكل شيء بات لتسويق منتج، لا يقتصر وجوده على السلعة الاستهلاكية بمعناها المجرد، فالفكرة والأيديولوجيا وحتى التاريخ والعلم والثقافة تمت رقمنتها لا لنشر المعرفة، وإنما للتوجيه والاستقطاب وبث الشائعة والكراهية وتحقيق الانتصارات بعيداً عن حروب تقودها جيوش تقليدية.
في العالم الافتراضي الذي غزته برامج الدردشة والحوار المصطنعة بات الكلام من أجل الكلام لا في سبيل النقاش، وأضحت الصورة رمزاً للابتذال بدلاً من الذكرى، التي أُفرغت من فحواها الماس لجوهر أرواحنا التواقة لنوستالجيا الماضي، ليدخل على حسابها فئات من المشاهير الجدد للساحة حاملين معهم خصوصياتهم التافهة، ومستعرضين بها للجموع المتفاعلة معها بالمشاهدة والتقدير الافتراضي، الذي ينال جزءاً يسيراً منه حاملو لواء التفاهة الذين يظهرون بها، فيما المستفيد الفعلي هو القوة الحاضنة للوسط الذي يظهرون فيه، والمليء الدعايات والإعلانات، التي بدورها تحرك الدولاب كل يوم بوسيلة جديدة تضمن لها انتشار التفاهة المستقطبة لجيل التكنولوجيا السطحي، والمهمشة في الوقت ذاته لأصحاب العقول والفكر الذين انحسرت إضاءاتهم وسط الإيقاع السريع.


اقرؤوا.. تصحوا

جريدة الرؤية

29-05-2020
عماد أحمد العالم



ما الفرق بين الأمم التي تقرأ والعازفة عن القراءة؟ وهل هو في كون الأولى متقدمة إنسانياً ومعرفياً حقيقي وواقعي، أم أن المسألة لا تعدو أن تكون ثانوية في مقاييس التطور؟ بل ربما هي كما يبرر المشككون المقللون من شأنها بينهم.

وهل هي عادة وطبع وفضول غير ذي بال، ولا يرقى لهالة الأهمية التي تمنح لها، ولا تُقدم في كلا المثالين في السؤال السابق من حيث معايير أخرى حقيقية وواقعية كالأمية والشفافية والنزاهة والرفاه؟ فهم - على حد قولهم - المعيار الحقيقي لتقدم الأمم، وبالتالي مواطنوها هم الأكثر وعياً ورقياً، وليست القراءة هي التي قادتهم لما هم فيه بل الوعي والعدل والأمن والاستقرار الاقتصادي!

القراءة والثقافة والوعي والرفاه والأمان.. جميعها على حد كبير من الأهمية التي تكمن بترابط الناس، فهم حلقات في السلسلة ذاتها تقود جميعها لبعضها، مُشكلة ومُكونة قوتها وتماسكها، فبغياب إحداها تتفكك وتهوى البقية، لذا لا يمكن الحديث إلا عنها مُجتمعاتٍ، وإن كانت القراءة برأيي المشكل الأول والأساسي لأولى الحلقات، فالوعي مثلاً لا يتحقق إلا بالاطلاع ولا يكفيه الاستماع فقط والمشاهدة، كما أن الثقافة بدورها لا تتحصل إلا بالقراءة، ‏ومن هنا تكمن أهميتها بكونها المعيار الأساسي لكل ما هو متقدم وخير ونفعي وإنساني، فهي التي تهذب السلوك عبر إثرائها المعرفة، وتسهم في التطور الذي يتحصل بعد توسيع المدارك وخلق آفاق فكرية واحتياجات جديدة، ومن ناحية صحية لها فوائد علاجية، فهي تجعل للحياة متعة، وللأداء فيها صبر وللكلام خلالها جمال ووقع حميد على النفس.
الإنسان الذي يقرأ وإن مر بمراحل انهزام وكبوة، لا بد له أن يقف مجدداً وأن يواصل حياته، وإن فاتته علوم ومعارف إلى حين نتيجة ظروف معينة فسيتحصل عليها لاحقاً بالقراءة، كما أنه وإن كان جزءاً من بوتقة اجتماعية معينة إلا أنه يبقى محافظاً على الوعي الفردي وغير منقاد بالكامل لثقافة الجموع بدون دور بها، بل يحظى بتأثير فيها عبر امتلاكه للمعلومة والفكرة، كما أنه ومهما كانت درجة تعليمه وواسع اطلاع لديه حصيلة وافرة من المعلومات، تمكنه من فهم ما يدور حوله والمشاركة برأيه فيه.

القراءة عوالم لا حدود لها، يبحر فيها ويجول من يملك سلطانها مستمتعاً، متنعماً بنعيمها، أما خاسرها فلا عزاء يكفيه وإن امتلك الدنيا وما فيها.


هاجس السرعة

جريدة الرؤية
22-05-2020
عماد أحمد العالم



«بسرعة، لا تتأخر، مشغول، مستعجل..»، كلمات عادة ما نسمعها من أفراد وهم يقفون في طابور بانتظار إنهاء معاملاتهم، سواء في بنك أو دائرة حكومية أو حتى متجر لبيع البقالة، أما الذين لم يتفوهوا بها فغالباً ما تتحدث وجوههم بها دون أن تنطق، ويمكن ملاحظتها بتململهم ووقفتهم المضطربة، وهرش للرأس وبحلقة بالعين غاضبة، وبتمتمات غير منطوقة ترتعش بها الشفاه مشيرة لما يعتمر في النفوس بالانتظار، والمستعجلة في أغلبها بعد أن تطّبعت بالسرعة دون أعذار منطقية للعجلة من أمرها.

في الشارع، وحيث تقود بتأنٍ في شارع ضيق قصير ينتهي بإشارة ضوئية، يمر بجانبك مسرعاً أحدهم لتنتهي به الحال بالوقوق بجانبك بعد ثوانٍ سبقك بها بجانب الإشارة، التي ما إن يخرج ضوؤها الأخضر معلناً السماح بالقيادة حتى تتعالى أصوات بوق سيارته في أوامر غير منطوقة متبرمة مطالبة من سبقه بالتحرك، ولكن مرة أخرى صوب الإشارة المقبلة، في مشهد لا مبرر فيه للعجلة سوى اللّهم كرهه لانتظار مستحق، يدل إن تحلَّى به، على احترامه للآخرين ولنفسه قبلهم، ولقبولها بدقائق مسروقة منّا جميعاً دون استثناء، في زحمة الشوارع والمكتظة دونما حل لها طالما نعيش في المدن الكبيرة الممتلئة بالسيارات ووسائل النقل المختلفة، ليس فقط لسكانها، وإنما لمن جاورها من الضواحي والقرى ومن قدموا إليها للعمل والمتعة.

ثقافة السرعة التي كانت أولى بوادرها مع اختراع الساعات بشكلها الحديث، باتت السمة لطبائع البشر ونمط حياتهم التي لا نُعد فيها الوحيدين، فالاستثناءات وإن بدأت بالظهور مع حركات البطء في العالم، إلا أنها في بداياتها، رغم وجود بوادر إيجابية مدللة على رغبة بتخفيف حدة الإيقاع، والدعوة للاستمتاع بالوقت في جميع المناحي، من الطعام للنزهة والرياضة وحتى العمل والعلاقات الحميمة.
جميعها جرفتنا في تيارها حتى تحوَّلنا لآلات بشرية مبرمجة على أنماط سلوكية محسوبة، اتسمنا بها ونمارسها، مفتقدين لمتعة التأني والإبطاء، وعدم الخوف من انقضاء الوقت دون القيام بأعمال أخرى تداخلت مع بعضها في جدول مواعيدنا المزدحم بالضروري وغير المهم.

العشوائية على ما تبدو عليه من صفة غير حميدة، كونها ارتبطت بأذهاننا بعدم النظام، ضرورية بل مهمة لبشريتنا وإنسانيتنا المحتاجة للانعتاق مما يكبلها ويجعلها حرة بالاستمتاع باللحظة دون الخوف من هاجس انقضاء الوقت بسرعة!


«الحضرنة».. بناء أم هدم؟

جريدة الرؤية

15-05-2020
عماد أحمد العالم



أصبح أفراد وقاطنو المدن الجديدة والمستحدثة على أنقاض القديمة والتاريخية، نتيجة التوسع الكبير في الحضرنة المعمارية والاقتصادية والثقافية التي تسببت بتغيير أسلوب ونمط حياتهم، أكثر انعزالية وقلقاً وعرضة للاضطرابات العصبية والضغوط والمشكلات النفسية والاجتماعية رغم مظاهر الرفاه والنعيم البادية.

فقد غدت وأصبحت مقسمة ومشرذمة وعرضة للصراعات دوماً، مكونة من أحياء غنية تتوافر فيها جميع مقومات الحياة من نظافة ومتعة وأمن، ومدارس مثالية وحدائق نخبوية ومرافق خدمية وصحية، فيما تفتقر الأحياء الفقيرة إلى أدنى المقومات السابقة التي يحظى بها الفريق الأقل عدداً والأوفر حظاً، ويمكن ملاحظة ذلك كمثال حي بإلقاء نظرة على ناطحات السحاب التجارية والسكنية الحديثة في مدينة مومباي الهندية، والتي يقابلها آلاف المنازل العشوائية المركبة من الصفيح والخيام، والتي تفتقر إلى الخدمات العامة كالكهرباء والصرف الصحي والمياه، وليس بمختلف عنها مدينة ريو دي جانيرو البرازيلية، التي تضج بنقيضي الحياة من عصرية مترفة، وفقيرة معدمة!

عملية الحضرنة، الرأسمالية الطابع، والاقتصادية المتسرعة للمدن والمناطق، قامت باقتلاع الطبقات الشعبية والبسيطة والفقيرة من بعض الأماكن، التي استوطنتها لفترات طويلة وسكنتها عبر أجيال عديدة، فهدمتها وأعادت تخطيطها لإعادة إنشائها وبنائها بحجة المصلحة العامة والتنظيم والاستفادة المثلى من المكان وإلغاء العشوائيات التي توصف بتشويهها للوجه الحضري للمكان، كما تمّ تحسين البنية التحتية وتطويرها، واستغلال المكان لأغراض تجارية أو سياحية ذات طابع عصري، لكنها لم تولِ في الوقت ذاته العامل الإنساني ما يستحقه من أهمية تماثل أغراض التطوير، فتركته بدون تأهيل ساكنيها لحياة كريمة تنقلهم على الأقل للطبقة المتوسطة، أو ضمن نطاق ما فوق خط الفقر والحد الأدنى للأجور والمعيشة، بل قامت بزجهم بأماكن جديدة مستحدثة سريعاً لإسكانهم بشكل عشوائي، لم يتم التخطيط له ليكون توطيناً مدروساً بتأنٍ وبنظرة مستقبلية تضمن عدم بروزه كبؤرة تحمل في طياتها، وتتسبب بظروفهم السابقة ذاتها في أحيائهم التي تم تهجيرهم منها إن لم يكن أسوأ!
العديد من مدننا العربية حديثة نسبياً بمقياس الزمن والنشوء، ومع الطفرة الاقتصادية يتحتم علينا عدم الانجراف صوب الحضرنة المهتمة فقط والحريصة على المظاهر الجمالية والعمرانية غير المدروسة، وإنما مزامنتها مع الأصالة والحفاظ على الهوية الروحية الإنسانية، التي تضمن تماسك المجتمع فيها والعدالة في توزيع الخدمات والتمسك بطابعها الثقافي.


الفن.. والأدب

جريدة الرؤية

08-05-2020
عماد أحمد العالم



للفن علاقة بالأدب، وأفضل تشبيه يمكن وصفهما به كالتابع الحر والمتمرد للسيد النبيل، حيث يستفيد أحدهم من الآخر في علاقة مصلحية غير متكافئة، يُكافح الأدب فيها لشق طريقه كي يرى النور في ظلمة سرمدية إن انجلت للمحظوظين فيه؛ ينبري لهم الفن سارقاً أو -ربما بلفظ أكثر تهذيباً- مستغلاً ذاك النجاح المستحق، بعد جهد جهيد لم يكن ليكون له لولا عظمة أسبغت عليه فنال استحسان النقاد والمتخصصين، ولاقى إقبالاً جماهيرياً كبيراً على اقتنائه وقراءته.

هناك فرق بين الأعمال الروائية التي تكتب لتكون سينمائية وتليفزيونية وبين تلك التي سطرتها أيدي رواتها لتقرأ فقط دون أن يضعوا في اعتبارهم تحولها لأعمال مرئية، ومع ذلك وبسبب ما نالته من شهرة تم تحويلها لفيلم على يد مخرج لا يمكن مقارنته بالطبع مع الراوي، فكلاهما وإن كانا من عرابي العمل، إلا أن من كتبه وسرد تفاصيله وعبر عما فيه من مشاعر وأحاسيس ورسائل بجمل وعبارات وكلمات مكتوبة لكن متصورة لقارئها؛ سيختلف عن تصوير مخرج قرأ العمل، فعمد على انتقاء ما يناسب الرؤية السينمائية مع اقتباسات محددة لنصوص منها معروف وقعها المسبق وتأثيرها على المشاهد، وضعها جميعاً بساعتين أو أقل لتكون مرئية، وهو ما قد يتسبب بصدمة بالذات لمن قرأ العمل سابقاً، وعاش طوال تفاصيله ساعات من الخلوة معه، والتخيل الذاتي لمجراه وحواراته ومشاهده، والعزلة مع شخصياته، بضمائرهم وما يعتري نفوسهم، بأفكارهم وظنونهم، بشرهم وخيرهم، بتأنيب الضمير وصحوته، وباستحضار للبيئة المحيطة بأجوائها وطقسها وزمانها ومكانها وتفاعل الآخرين معها، ودورها في التأثير بهم وعليهم، جميعها قد تظهرها الصورة، ولكن ستكون فعلياً مجردة من الإحساس الفريد من نوعه الذي يعتري القارئ حال قراءتها، ويصعب استحضار مثيله بالنظر فقط.

العديد من الأعمال السينمائية المستوحاة من روايات عالمية فريدة وعظيمة؛ طواها النسيان وتجاهلها المشاهدون، وغابت عن الذاكرة، ليبقى العمل الأدبي وحيداً وبعيداً عنها متفرداً بأصالته، ومجسداً لما أراد كاتبه روايته، لا ما ظهر عبر طاقم فني من مخرج بارع جداً، ومصورين محترفين، وممثلين أداؤهم بلا روح رغم ما في الصورة من جودة، والأداء من إبداع، والموسيقى التصويرية من أذن موسيقية لم تكن كافية رغم جمال وقعها في إحداث أثر يشبه ذلك الذي اعترى قارئاً صامتاً.


الثلاثاء، 5 مايو 2020

القراءة والصورة والرمزية

جريدة الرؤية
31-04-2020
عماد أحمد العالم



من مآثر الرئيس الثالث للولايات المتحدة الأمريكية ‏ ‏توماس جيفرسون شغفه بالقراءة وتشجيعه عليها وهو القائل عنها: «إن الذين يقرأون فقط هم الأحرار، لأن القراءة تطرد الجهل والخرافة، وهما من ألد أعداء الحرية».
وتماشت عبارته مع ‏رد فيلسوف فرنسا فولتير حين سئل عمن سيقود الجنس البشري، ليجيب: «الذين يعرفون كيف يقرؤون»، وكلا القولين ينطبق عليهما الوصف: «المعركة من أجل القراءة هي نفس المعركة من أجل الديموقراطية».
في العالم العربي وحسب أحد الإحصائيات الصادرة عن اليونسكو؛ ينشر 35 كتابا لكل مليون عربي، بينما الرقم هو 558 في أوروبا لكل مليون نسمة، وهو ما يقودنا للتساؤل: هل تدني نسبة القراءة في العالم العربي في عصرنا الحديث نتيجة لتفشي ظاهرة حضارة الصور المتمثلة بالمطبوعات المصورة والتلفزيون مقابل مرجعية الكتب، لتتسبب بعزوف الفئات الشابة عن الاطلاع واستبدالها بالمشاهدة، التي توفر المعلومة في زمن ومجهود أقل لجمعها بين السمع والبصر بآن واحد، مسهمتان بذلك في الحصول على تفاصيل أكثر لا تحتاج لنفس درجة التركيز والخيال لدى القارئ؟
نفى بعض المتخصصين «عن الشاشة» قدرتها على توسيع المدارك، وأكدوا محدوديتها بسبب اعتمادها على الصورة والحركة مع القليل من الكلام فيما تعرضه، وبالتالي لا يمكن أن تكون المنافس للمعرفة ومن باب أولى للقراءة، التي تعمل على توسيع المدارك والأفق، مع الإقرار دون تجاهل بأن ثقافة الصورة ستسهم في إدخال تعديلات على الكتب مما سيمنحها قبولا أكثر لدى الأطفال وصغار السن عبر تفعيل الصورة المكتوبة في المنشورات الموجهة إليهم، والمازجة بين الاثنين فيما تنشره.

التشجيع على القراءة يقابله اصطدام بعوامل مجتمعية تكبح الشغف بها نتيجة تردي الأوضاع السياسية والحقوقية في الدول، محبطة مواطنيها ومشكلة بالنسبة إليهم حاجزا نفسيا بين الفكرة والواقع، وهي التي تتطلب توفير مناخ من الحرية والتعبير عن الرأي، وممارسة النقد دون الخوف من عواقب ذلك.
وللتعليم دور مهم في تكريس منهجية محبذة للقراءة عند النشأ والشباب في المراحل المتقدمة، عبر إعادة تحرير الكتب المدرسية وجعلها مستقطبة للطلبة ومتوائمة مع تطلعاتهم واحتياجاتهم العمرية، فتخاطب خيالهم وتثير شغفهم، بدلا من أن تكون منفرة ورتيبة معتمدة على الحفظ والتلقين، لتُستبدل بالمعلومة الرمز التي ترسل أفكارا مرتبطة بالماضي والحاضر والمستقبل، مساعدة بذلك على التفاعل مع البيئة والمنزل، وصاقلة ومهذبة للأفكار والتطلعات.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-86/2132863-القراءة-والصورة-والرمزية

ثورة التشكيك

جريدة الرؤية
24-04-2020
عماد أحمد العالم



يقول عالم الفلك كارل ساغان: «الادعاءات الاستثنائية تتطلب أدلة استثنائية»، وبناء على ذلك قد يصح القول: «أنا أفكر إذا أنا موجود وأنا أشكك فأنا يقظ»، ولا تعني أبداً أنني متغطرس وأنظر للآخرين بفوقية نتيجة ما أمتلكه من معلومات ومعرفه.
صحيح أن التشكيك سلوك مستهجن اجتماعياً ومرفوض من قبل الغالبية التي تصف فاعلها بالنرجسية والاستكبار، لكن من الواجب أن نعطي التشكيك حقه ونمنحه النصف الإيجابي المتغافل عنه، بعيداً عن خوفنا من أن نوسم بالمشككين، فهذا العالم الذي لا يعد البشر فيه سواء من حيث القيم والأخلاق الحقة، يشهد تزايداً ملحوظاً في النصب والاحتيال والشائعات والأخبار المغلوطة والمعلومات المضرة، حيث لم تمنع القوانين والأديان البشر من التجرد من الشرور، حتى إن بعض أهل المكانة قد استغلها لتضليل الأفراد لتحقيق غايات شخصية غير قويمة ومضرة.
التشكيك يستمد فاعليته من التفكير، الذي بدوره يغذيه السؤال والتأمل والنباهة والمواجهة والمحاججة بغرض إجلاء الحقيقة، فحين يتحدث شخص ما في مجلس عن حكاية خرافية طعّمها بما يزغزغ عاطفة وخوف من حوله لتصديقها وتقبلها، ينبغي هنا على العاقل أن يواجهه ويطرح عليه رأيه المشكك في روايته، ولتحقيق ذلك ينبغي طرح الأسئلة التي يتحتم أن تكون إجاباتها منطقية تدعمها الأدلة والبراهين، مع مشاركة الحضور الفكرة وتقديم ما يؤكد منطقيتها بعيداً عن إعطاء الإيحاء السلبي بكون المشكك يفرض الرأي بالقوة مستحقراً الآخر ومقللاً من شأنه، حينها ستكون أنت المشكك اللئيم ومقابلك المتحدث المسكين، وخصوصاً إن كانت مكانتك الاجتماعية ودرجاتك العلمية أعلى منه، فوقتها سيظن الجميع أنك مزهو بنفسك، وسيمطروك بهجوم من قبيل: «أن الحياة أعظم جامعة في الكون، وأن الخبرات بها أكثر قيمة من الشهادة الكرتونية التي حصلت عليها»، كما أن الجهل باللغات الأخرى وعدم معرفة قانون نيوتن في النسبية لا يعني الجهل والسذاجة، فهناك من لم يكملوا دراستهم لكنهم أنبه من خريجي الجامعات والباحثين.
من الإنصاف التذكير هنا بأن الحقيقة والصواب لا يقومان على المراتب المجتمعية، وقد ينبعان من البسطاء والأقل حظاً في التعليم على حساب الكذب والخطأ، الذي يتصدره أحياناً الأعلى مرتبة وفق التصنيفات الوضعية، فالجوهر المتمثل بالصواب هو الرسالة الأهم لا الخطأ الذي يتمثل بالمظهر، كما يصفه المثل القائل: «المظاهر تكذب وكذلك العدالة عمياء لأنها لا ترى المظاهر».



المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-85/2130961-ثورة-التشكيك

اللغة.. بين مفهومين

جريدة الرؤية
17-04-2020
عماد أحمد العالم



الفيلولوجيا أو علم اللغة المقارن هو فرع من اللسانيات التاريخية، التي تندرج تحت الأنثروبولوجيا الثقافية، المعنية بمقارنة ودراسة الأصول والعوامل المشتركة للغات وتطورها ونشوئها، وعلاقتها بأخريات تنتمي معها للعائلة ذاتها وتتميز كل منها بسمات خاصة بها حسب المنطقة التي ظهرت بها.
ظهور اللغات لم يكن على درجة الكمال التي تحظى بها في حاضرها، فقد بدأت أولاً كمنطوقة نتاج تفاعل الحواس البشرية مع البيئة المحيطة بها، ومن ثم استقبال الدماغ البشري لمرئيات الحواس الخمس لترجمتها لكلمات وعبارات منطوقة بالتزامن من مخارجها مع انتقال الإنسان من البدائية المطلقة الفردية للجماعة، وتزايدت الحاجة للتعبير لديه ومن ثم استطاع تطوير قدراته لتجاري ما استُحدث في حياته، التي رويداً ما نقلته لمنظومة اللغة المتكاملة الأركان من حيث النطق والكتابة، لكنها ورغم ذلك كانت على صورتها الأبسط، التي لم تتطور إلا مع مرور السنين وازدياد الحاجة لأن تتزامن مع ثورة العقل المعرفية، فاللغة لا تولد بالفطرة وإنما هي استجابة لبيئة الكائن البشري وما حوله، فهي مكتسبة بفعل التلقين منذ الصغر، الذي يسمح للدماغ بمواءمة الفرد مع حواسه، وبالتحديد النطق ومخارج الحروف ومعانيها المرتبطة بالصورة والإحساس والحاجة والرغبة وغيرها من مقومات معيشته.
تأثرت اللغات ببعضها البعض بفعل الهجرات البشرية والتجارة والحروب والعلاقات الدبلوماسية، ولذلك من الشائع جداً حتى في حالات اللغات غير المنتمية لشجرة العائلة الواحدة، أن تجد بها كلمات مستخدمة في لغات أخرى تفصلها عن بعضها قارات، ففي الإنجليزية مثلاً، يتداول متحدثوها أيام الأسبوع التي ترجع أصول أسمائها مع بعض التحريف لكلمات مستقاة من مسميات لأساطير ومعتقدات أسكندنافية وأوروبية غربية، فيوم الأحد يرمز ليوم إله الشمس والاثنين ليوم إله القمر، أما الأربعاء فهو يوم أودِن رئيس آلهة الفايكنغ، والخميس يوم ثور «Thor» ابن الإله أودِن سالف الذكر والجمعة يوم فريا زوجة أودين، أما السبت فيرمز ليوم الإله ساتورن إله الخصوبة والزراعة الروماني، الذي جرت عادتهم على الاحتفال به في 17 ديسمبر من كل عام ولمدة أسبوع، ومنه كما يظن بعض الباحثين استقيت العادات المتبعة الآن في أعياد الميلاد كإقامة الولائم ومنح الهدايا.
اللغات السامية بدورها تمتلك هي الأخرى منظومة لغوية واحدة، تفرعت لمجموعات منطوقة ومكتوبة على يد ولسان شعوب عديدة، طورتها وفقاً لبيئتها وأماكن تواجدها على مر العصور والأزمنة. 



المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-86/2129069-اللغة-بين-مفهومين

الساميّون.. والكتابة

جريدة الرؤية
10-04-2020
عماد أحمد العالم



ابتكر السومريون الذين سكنوا بلاد الرافدين قبل أكثر من 3500 عام قبل الميلاد الكتابة التي يطلق عليها العلماء المسمارية أو الوتدية (التصويرية)، وكانت أولى استخداماتها من قبل التجار لتدوين تعاملاتهم، وذلك بالضغط بقطع معدنية على صلصال مبلل، لتتحول بعد ذلك لصور على الألواح تمثل أسماء للأشياء، لتُخلق لغة الكتابة المكونة من 3000 حرف والممثلة لمقاطع الكلمات.
تمكن العلماء من فك لغز غموض الكتابة المسمارية، وقد أرشدتهم تراتيل وترانيم دينية وملاحم كانت متداولة مثل: ملحمة البطل جلجامش، التي حسب باحثي الميثولوجيا قد وردت قصة مشابهة لها في سفر التكوين ولكن بمسمى مختلف وهو الطوفان، جلجامش هو الملك السومري الشجاع الذي خاض حروباً ونزالات أحدها مع الآلهة عشتار التي أرادت حسب الأسطورة الزواج منه فرفضها، فيما سعى لعشبة الحياة التي تمنحه الخلود في قاع المحيط، لكنه بعد أن وجدها أخذتها منه الحية (الثعبان).
وظهرت الكتابة الهيروغليفية بمصر بعد ذلك حوالي 3200 قبل الميلاد وقيل إنها سبقت المسمارية، لكن الكتابة الأبجدية ظهرت لأول مرة في البلاد السامية، وخصوصاً بلاد الشام من قبل الفينيقيين الذين اعتمدوا تخصيص الحرف الواحد كرمز لكل صوت، ومنها استنبطت اللغة العربية بعد ذلك وتطورت، وكذلك الآرامية والعبرية، وبذلك تكون الشعوب السامية أول من ابتكر منظومة اللغة الحديثة المتكاملة المكتوبة كما هي منطوقة.
أما اليونان والحضارة الإغريقية فآراء الباحثين المحايدة النزيهة أثبتت أنها استفادت من الأبجدية الفينيقية في صياغة حروفها الأبجدية مع إضافة بعض الحروف لها، وبهذا يكون الساميون أصحاب فضل على حضارات العالم القديم ليس فقط اليونانية وإنما الرومانية أيضاً. 



المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-86/2127104-الساميون-والكتابة

الجمعة، 3 أبريل 2020

صناعة التفاهة

جريدة الرؤية
01-04-2020
عماد أحمد العالم



مقارنة بالسابق وتحديدا بعقود قد مضت، باتت صناعة التفاهة وأنظمة التهريج في عصرنا الحالي هي من تشكل الذائقة لغالبية جمهور المشاهدين من مختلف الأعمار، وإن كانت أكثر بكثير بين الفئات الشابة وربّات المنازل والأطفال، المكونين بدورهم للعملاء المحتملين والمرغوبين للشركات المعلنة والراعية للبرامج، والتي تقوم بدورها على سياسة الكم والعدد وليس الكيف وجودة المحتوى، فليس المهم ما يخلق أثرا راقيا ويرتقي بالذائقة الجماهيرية، وإنما المجدي اقتصاديا والمحفز لسرعة دوران العجلة التجارية المدرة للأرباح، في سلسلة حلقاتها هي المستهلك سواء كان المتفرج في منزله أو الشركة التي تدفع مبلغا ماليا للقناة التلفزيونية كي تعلن لها أثناء عرض أحد البرامج التلفزيونية.
أما أكاديميا، باتت الجامعات والمعاهد البحثية وحتى بعض الرصين منها تابعة لقوى المال الراعية لكراسٍ بحثية فيها لأغراض معينة، والمساهمة عبر أعضاء منها مُعينين في مجالس الإدارة الجامعية، لاستقطابها صوب المواضيع والآراء الداعمة لعمالقة الصناعة والتجارة والتعدين والزراعة وغيرها في العالم، لتسهم كنتيجة بتأكيد وجهات نظر الرعاة الماليين، من خلال ما ينشر ويصدر من أبحاث أكاديمية ومخبرية تنفي شكوك المنظمات الدولية والمجتمعية وغير الربحية المثيرة لها ودفنها بحجج ملفقة، والتي أصبحت الطرف الأضعف في المواجهة بسبب فقدانها قدرتها على استقطاب المتخصصين، وخصوصا بعد التحول الجذري الاقتصادي الذي يشهده التعليم والذي أمسى مؤثرا على استقلاليته، من لحظة ما بات جزء من ميزانياته يتحصل عبر المساهمات والتبرعات من أقطاب الصناعة ولوبيات ضغطها وتأثيرها، المستفيدة بدورها من الجانب الأكاديمي في سبغ المصداقية على بياناتها ومنشوراتها كلما ظهرت احتجاجات مشككة بها ومطالبة بردعها ومعاقبتها والحد من أنشطتها.
صناعة الترفيه هي الأخرى رهينة لسطوة التجارة والمال، بما في ذلك الفن والفنانين، وأحد أهم المسهمين بصناعة التفاهة والإسفاف والانحدار بذائقة العامة الشعبية للحضيض، عبر استغلال النفوذ والمكانة والحضور لتمرير أجندة المنتجين وأغراضهم الربحية.
في هوليوود، صناعة الترفيه ليست فقط مادية بحتة، وإنما أيضا هي أيدولوجية تتعمد تكريس أفكار وقناعات ومفاهيم للمشاهد عن مواضيع بعينها تتناولها بتكرار متعمد وبصورة سواء كانت سلبية أو إيجابية مقصودة لما يُراد الحديث عنه والإشارة اليه.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-87/2125111-صناعة-التفاهة

الأنا المتحولة من الصورة

جريدة الرؤية
27-03-2020
عماد أحمد العالم



استوقفتني كلمة سيلفي التي احتفل بها قاموس أوكسفورد ككلمة السنة في عام 2013، لأبحث عنها من باب الفضول لمعرفة تاريخها، حيث اتضح لي وكما قرأت ظهورها لأول مرة عام 2002 في موقع أسترالي، أما الاسم المضاف له حرفا «ie» لإضفاء البعد العاطفي فمشتق من كلمة «self» الإنجليزية التي تعني نفسي، أي «أنا نفسي» وربما تعني «أنا وحدي» ومع تحوير قليل من قبلي سيخدم المعنى الذي أريد إيصاله؛ ستعني «الأنا» المتحولة من الصورة التي نحب أن نرى أنفسنا فيها، ويجدنا عبرها الآخرون كما نريد لهم أن يفكروا عنا؛ للنرجسية والذاتية المفرطة المفتعلة والبعيدة عن الواقع حتى لو تعارضت معه، وشكلت تناقضاً بين المؤمن به والظاهر المرئي للآخرين، الذي لم يعد يقود لواءه الشباب والمراهقون وإن كانوا في طليعة مستخدميه حالياً، فقد انضمت إلى عاصفته جميع الفئات العمرية والمجتمعية الطامحة بتدوين اللحظة للاحتفاظ بها، ربما بقدر يقل بكثير عن غاية أخرى وهي نشرها والاستعراض بها في العوالم الافتراضية المحيطة بنا من كل جانب، والمسيطرة على حياتنا دون أن نستطيع الاستغناء عن وهجها وهالتها المحكمة قبضتها علينا يوماً بعد آخر.
ربما أصبح من الصحيح القول: إن التكنولوجيا الرقمية لم تغير العالم بمقدار ما غيرتنا نحن مستخدميها بعد أن اختلف فهمنا لهذا الكون مفتوح الحدود، والذي يعد السمارت فون وإخوته التابليت والحواسيب المحمولة وسيلة تواصلنا مع بعضنا، ولساننا الذي استبدلناه برمزية الإيموجي اليابانية، حيث الصورة تتحدث دون أن تنطق، وحيث كلمة «مودتي» «وشكراً» نعبر عنها بباقة ورد، «وأشعر بالخجل» بوجه محمر الوجنتين، وغيرها من رمزيات أفقدتنا جمال عواطفنا الإنسانية الصادقة، فباتت جامدة مستهلكة المعنى وإن كانت رسمت له إلا أنها كحال السيلفي خالية من المشاعر، وربما استعراضية أكثر من كونها وجدانية، وتنبع من الذات في ظل خرسنا الإرادي، الذي فرضته الصورة الرمز التي تحمل في طياتها ما يرتسم على وجوهنا، ونريد قوله وفعله وإظهاره لمن في الطرف الموازي من العالم الآخر الافتراضي السريع الوتيرة والعملي مقارنة بالحقيقي، من حيث الاختصار المجرد من كل ما تتسم به طبيعتنا الإنسانية المختلفة عن الآلة، التي بتنا نعرف بها، وأضحت من تَسِمنا وتعرفنا برقم يسمى الآيبي (IP) فريد، ويمثل اسمنا في بحر الإنترنت لا نهائي الحدود.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-87/2123151-الأنا-المتحولة-من-الصورة


الشفافية.. وجهة نظر أخرى

جريدة الرؤية
20-03-2020
عماد أحمد العالم



كثيراً ما تمر بنا كلمة الشفافية محدثة تلك الرعشة اللذيذة لنسيم ربيعي في يوم صيف لاهب، وقرصة برد مؤلمة ذات شتاء قارص، بمرورها الذي يحمل الضدين من الترحيب والرفض، ندرك جيداً أننا لسنا من العالم الأول الذي يقدسها، وجعلها سمة حياته السياسية والاقتصادية والمجتمعية، ولا تلك الكيانات القابعة في آخر القائمة من دول تمثل الشفافية بالنسبة إليها، ضحكة تثير القهقهات بدلاً من الخوف من العقاب، إذا نحن في منتصف البين وبين، حيث نتمنى أن نرقى لأعلى درجات السُّلم، وفي الوقت نفسه نخشى مآلات هذا الرُّقي وما يمكن أن يُكشف من سوءات نراها فتنة ملعون من يوقظها من سباتها العميق، فطالما هي غارقة في ظلماتها، فدعوها فربما تكون منتنة، ومن الأسلم عدم كشفها حتى لا تزكم الأنوف رائحتها.
بعيداً عن المثالية في الطرح وأحلام المدينة الفاضلة، دعونا ننظر للشفافية من وجهة نظر أقل إجلالاً، ولنرى إن كانت بالفعل مطلوبة بالمطلق، أم يجب أن تطبق، فقط، وفق حدود مرسومة، حتى لا تتحول من سلاح للنزاهة والأمانة إلى وسيلة لإلغاء الخصوصية والسبق الإعلامي والسياسي، وطريقة يلجأ لها الأضداد في كل مجال، للنيل من خصومهم عبر إثارة علامات استفهام حول شؤون، من العبث السعي للكمال فيها، فوجود أخطاء وتجاوزات أمور يجب أن تُغتفر طالما نحن بشر معرضون للخطأ والزلل، ولا مانع من تجاوزها، طالما لم تؤدِّ إلى الضرر.
تشكيك الشفافية في كل شأن لا يُعلن عنه، يجعل منها عنيفة وظالمة أحياناً، ومنتهكة للخصوصية أحياناً أخرى، وبالذات حين تَعد ما هو غير مرئي، مثيراً للريبة، والذي بدوره قد يكون، فقط، غير مستدعٍ للظهور نتيجة عدم أهميته، فالغموض لا يعني السلبية التي تحاربها الشفافية المتسمة بالإيجابية، بل هو ربما ما يخفي الجمال، الذي لن نُغرم به طالما كان مكشوفاً لناظره دون إخفاء المثير فيه.
بقدر ما للشفافية من أهمية لا يمكن إنكارها في صنع المجتمعات المتقدمة فكرياً وإنسانياً، والتي أوجدتها الليبرالية الجديدة، بقدر ما يتوجب تطبيقها، الأخذ بالاعتبار ألا تقضي على الخصوصية والسمات الإنسانية الحميدة، والقيم الاجتماعية، كالثقة والسرية والخجل.
وفي هذا السياق، يقول عالم الاجتماع والفيلسوف الألماني جورج سيمل: «إننا لا نحتاج إلى نسبة معينة من الحقيقة والخطأ، فقط، كأساس لحياتنا، لكننا أيضاً في حاجة إلى قدر من الوضوح والغموض»


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-87/2121174-الشفافية-وجهة-نظر-أخرى

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...