الثلاثاء، 21 مايو 2019

الديمقراطيات.. والتواصل السياسي

جريدة الرؤية
17-05-2019
عماد أحمد العالم



«الإيزيغوريا» هو اللفظ المرادف للديمقراطية، وإن كانت الأخيرة قد قامت عليه، ويعني حق كل مواطن من أثينا أياً كانت مهنته، سواء كان فلّاحاً أو محارباً أو حرفياً في التحدث والتصويت في الجمعية التي كانت تمثل المجلس النيابي بأثينا القديمة، والتي كانت الأولى في تبني الديمقراطية كمفهوم للممارسة السياسة في العالم، حيث ظهرت فيها أولى مظاهر حكم الشعب، فحرصت على عدم تبلده، وارتباطه المباشر بالحاكم ومن يمثله من نواب الجمعية، الذين كان ارتباطهم مع الجماهير أكثر حسية وجسدية عبر التواصل الخطابي المباشر معهم، مستخدمين الموهبة والقدرة الخطابية لإقناع أكبر عدد من الحاضرين المستمعين إليهم.
لم يسِر الرومان والدولة الأوليغاركية (حكم الأقلية) على النهج الأثيني وإن لم تنقطع صلتهم بالشعب، فقد انتهجوا أسلوب الترفيه والمشاركة الشعبية في المناسبات والأعياد والاحتفالات للاحتفاظ بصِلاتهم بالمحكومين، وهو وإن كان يمثل صلة الوصل بين الشعب وحكامه؛ إلا أنه يُرى من جانب المشككين كتهميش لدور الجموع في السلطة وإلهائهم عنها بالبدائل الاجتماعية والدينية والاحتفالية، وهو وإن كان شكلاً من التواصل الديمقراطي إلا أنه عادة ما ينتهي للديكتاتورية التي تسبقها حالة اللامبالاة الشعبية السياسية.
اعتباراً من نهاية القرن التاسع عشر انحسر التواصل الحسي والصالونات السياسية والتجمعات النخبوية وإن لم تنته؛ للدعاية الإعلامية القائمة على وسائل الإعلام من صحافة ونشر في البداية للإعلام المسموع والمرئي لاحقاً، والذي وإن لم يلغ المؤتمرات والندوات الخطابية، إلا أنه اقتصر دورها على الأتباع والمؤيدين أثناء المناسبات الانتخابية وفي التحضير لها، فيما كرست وسائل الإعلام الجديدة الوصول لجميع أطياف المجتمع بمختلف فئاته وشرائحه، لتنشر الوعي من جهة، لكن بعضها بالمقابل شوهت الديموقراطية عبر عدم استقلاليتها ونهجها للأساليب الرخيصة لتشويه الخصوم وتضخيم الأخطاء، وجرفه صوب الاستقطاب الهدام.
كما أنها قلصت العفوية لدى محترفي السياسة ومنحتهم فرصاً أكثر لتورية عيوبهم وللتغير والتلون حسب استطلاعات الرأي ورغبات الناخبين والجو السياسي العام، يساعدهم في ذلك نخبة من المستشارين والمساعدين وكتاب النصوص والبيانات الصحفية والإعلامية وشركات العلاقات العامة وحتى علماء الاجتماع المستقطبين، فلم يعد التميز والنجاح حكراً فقط على تلقائية السياسي ومهارته في الخطابة واستعمال لغة الجسد كما كان سارياً في ديمقراطية أثينا القديمة.


المصدر: صحيفة الرؤية: - https://www.alroeya.com/article/2046801/آراء/الديمقراطيات-والتواصل-السياسي

السبت، 11 مايو 2019

أخلاقيَّات الحرب في الأديان

جريدة الرؤية
09-05-2019
عماد أحمد العالم



يُصر أغلب المؤرخين على أن الأديان المسبب الرئيس للحروب لما تحتوي عليه بين ثنايا قوانينها، التي تنسبها للإله، من نصوص مقدسة ينبغي الأخذ بها كمسلمات، فيما تعمل السلطات الدينية على تعزيز تلك القناعة باستنباطها الدليل اللاعقلي، الذي تستشهد به لضمان الطاعة والمشاركة.
في الكاثوليكية المسيحية مثلاً، قالت الكنيسة إنه يوحى لها من الروح القدس بالأوامر التي تحقق مشيئة الإله، فهي الوسيط بين عامة الشعب أو المؤمنين وبين الخالق الذي يتوجب إطاعة أوامره عبرهم، وهذا الدور الذي انتهجته الكاثوليكية بالاضطلاع بالوساطة لم يقتصر على الحرب، بل على مفهوم المغفرة عبر طقس الاعتراف وصكوك الغفران، التي تسببت بالانشقاق الثاني عليها بعد الأرثوذكسية، وتأسيس البروتستانتية لتغرق أوروبا بالاضطهاد الديني الأبشع في التاريخ الغربي بحجة الدين، وإن كانت أسباب أخرى كثيرة، أبرزها: سياسي استعماري تغلفت بها واستغلتها لاستمرار الزخم الضروري لإعطاء بشاعة الحرب والنهب والسلب والاعتداء والقتل الممنهج ما يبرره، في تضارب مع المبدأ الأسمى الذي دعا له المسيح عليه السلام «لا تدينوا لكي لا تدانوا» وقوله «الله محبة»....«وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم وباركوا لاَعِنِيكم».
هذا التغاضي عن دعوات رسول المحبة لم يكن فقط للمسيحيين أنفسهم، وإنما شمل المختلفين والأعداء، تم تجاوزها بتبريرات دينية قام على تحويرها وفق ما يخدم الغرض رجال دين استنبطوها وفسروها، وبتوافق مصلحي مع الأخلاقيين السياسيين (حسب تعبير الفيلسوف إيمانويل كانط)، الذين استغلوا مفاهيم الدين بخطابهم التعبوي (الواقعية السياسية) لتبرير حروب هي في الحقيقة سياسية ولكنهم روّجوا لها كدينية.
لم يبتعد الإسلام كذلك عن كونه دين سلام وداعياً للمحبة ونابذاً للحرب إلا في حال الضرورة ووفق قوانينها، فقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «لن تدخلوا الجنة حتى تحابوا»، ويقول الله سبحانه وتعالى «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين» أهمل التاريخ كيفية إسهام الأديان في منع العديد من الحروب عبر الزمن، والتي جرى البعض منها بتكليفٍ انتقائي منها، مقابل القرن العشرين الذي شهد أوج اللادينية المادية والعلمانية المتسببة حروبها بعشرات الملايين من الضحايا، تفوق الناتجة عن سابقاتها عبر التاريخ أجمع!.


المصدر: صحيفة الرؤية: - https://www.alroeya.com/article/2045871/آراء/أخلاقيات-الحرب-في-الأديان

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...