الأحد، 11 يوليو 2021

ألوية الأدب في حروب الكلمة

 جريدة الرؤية
05-07-2021
عماد أحمد العالم


رفاق الكلمة هم صناع عالم الأدب، وهم جنوده المجهولون الذين يخلدهم إرثهم الأدبي، لا تمثال صامتاً مجهولاً نحت على عجل أو مهل بركن مختار، هم حاملو لواء أمم تقرأ ولا تقرأ ومع ذلك نقشوا بالذكرى صورة لا تمحى لما كتبوه وأبدعوه، لتطلع عليه الأجيال دون أن تتعمق بشخصياتهم وحياتهم وما أرادوا قوله بعيداً عن شخوص رواياتهم، وأحياناً ما وراء المعاني الظاهرة في كتبهم ومؤلفاتهم.

لنبحر معاً ونستعرض بعضاً من قصص كتّابٍ عظماء، بعضها يتنافى مع إرثهم الخالد، الذي يتصوره قارئه حالما ينتهي من أحده.
حين كتب تولستوي «الحرب والسلام» أعلن عن فكره تجاه الدمار الذي يولده وحبه للسلام الذي كان داعيةً له وسار على إثره فيه متأثراً بكتاباته، خصوصاً «مملكة الرب داخلك» بين المهاتما غاندي ومارتن لوثر كينج، ليحمل كفاحهما صفة المقاومة السلمية النابذة للعنف.
حين كتب عن «آنا كارنينيا» التي صدمتنا بمشهد انتحارها المشابه للحظة بداية روايته، أراد أن يعلمنا درساً في الأخلاق التي تتعارض مع شهوات النفس ولذاتها، حيث الدوام للأولى والفناء للأخيرة التي لا بد أن يعاني مرتكبها من تبعاتها التي أنشته لحظات ودمرت حياته كمحصلة!
حاول تولستوي أن يجد حلولاً لمشكلات العالم، وأشغل نفسه بنقد كنيسته الأرثوذكسية وانبرى دفاعاً عن الفقراء، فهرب للعزلة في آخر حياته، التي ألبسته صفة التوهان والانفصام عن المجتمع الذي جعل منه كونتاً، وأحد أعظم الأدباء الروس وبالعالم أجمع، لكن فكره الذي اتّسم بصفة الناقد والمصلح هو من أبعده لمقره الريفي، حيث اختار معيشة البسطاء تاركاً خلفه أمجاده وعائلته الثرية المترفة.


المصدر: صحيفة الرؤية - ألوية الأدب في حروب الكلمة - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

التاريخ.. وموثوقية الكتب

 جريدة الرؤية
21-06-2021
عماد أحمد العالم


لا توجد إحصاءات حصرية تحدد على وجه الدقة عدد الكتب والدراسات التاريخية المنشورة في العصر الحديث، أو على الأقل في القرون الماضية حتى اليوم، لكن من المؤكد أن هناك آلاف الكتب التاريخية المنشورة حول العالم وبشتى اللغات، والفروق الأساسية فيها ليس فقط في تناولها الخاص لدول وأقاليم وشعوب وحضارات بعينها، وإنما فيما يصنع من كلٍ منها إضافة حقيقية يعتمد عليها ويؤخذ بها ليمنحها مكانة المصدر، الذي يعتد به ويتم الرجوع إليه من قبل الخاصة والعامة على حد سواء كلما دعت الحاجة لذلك، أو حتى على سبيل الاطلاع والمعلومة المجردة.

من أهم العوامل التي يجب الأخذ بها في التقييم هو أن يكون الكتاب موثقاً معتمداً في المعلومات الواردة فيه على مصادر متعددة معروفة وموثوقة وعلمية بحتة غير مؤدلجة، ولا ترتكز على أسس عقائدية أو تستند على مسلمات قومية ووطنية متوارثة تصنعها عواطف الشعوب ورغبات المنتصرين.
حين ردد ديكارت «أنا أفكر إذاً أنا موجود»، فتح مدخلاً للشك وإنكار اليقين المطلق بالمسلمات، فمنح العقل الحرية المطلقة في الاستنتاج، الذي إن أسقطناه على التاريخ، فسندرك وجوب عدم الأخذ به كحقائق تُرددها الأجيال دون تفحيص دوري، يقوم عليه الباحثون المستقلون لتنقيحه وإعادة قراءته وفق المعطيات الجديدة المُكتشفة، وحتى عبر إعادة دراسة ما كتب عنه سابقاً، والاطلاع على المصادر التي استشف منها كتبته رواياتهم، مستشهدين بها لآرائهم المعدة كتأريخ لما جرى للسابقين من أقوام ودول ومن أحداث، بعضها انتهى وانعدمت صلته بالحاضر، وأخرى لها توابعها أو تأسست عليها قناعات وتصورات وقوانين تتابع في التطبيق قرناً بعد آخر.


المصدر: صحيفة الرؤية - التاريخ.. وموثوقية الكتب - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

القصص.. متعة لا حدود لها

 جريدة الرؤية
07-06-2021
عماد أحمد العالم


لديّ اعتراف يليه اعتذار للرواية، بعد استذكاري لمفهوم خاطئ مضى عليه أكثر من عقد، كنت أظن فيه مخطئاً أن القراءة متعة لا تدخل الرواية ضمن إطارها، فهي كما كنت أراها مضيعة لوقت، الأجدى بذله في سبيل نيل المعلومة.
هذه الفكرة المغلوطة التي كان لماركيز وروايته «مئة عام من العزلة» فضلٌ باستجلاء خطئها، وتبددت تماماً بعد اقتنائي لرائعته الخالدة «الحب في زمن الكوليرا»، لتتوالى بعدها الروايات على مكتبتي بدءاً من روائع الأدب العالمي الحديث والكلاسيكيات.
جميعها كوّنت شخصيتي كقارئ، وكرست شغف الاطلاع الذي لا يعرف عنواناً أو مادة دون أخرى، حيث الولع بأوراق تلمسها اليد بعناق محموم غير قبل للانفصام.
هو أسلوب حياة، ونمط للمتعة الإنسانية التي قلما نجد لها مثيلاً يوفرها كما تفعل القراءة، حيث الفضول الذي لا ينضب صوب المعرفة.
الفكرة المنتشرة بين العديد أن قراءة الروايات مضيعة للوقت دارجة بالمجتمعات العربية، التي تعرف بالأساس مستويات متدنية من القراءة مقارنة بالشعوب الأخرى، رغم أن الإحصاءات تخبرنا أن أكثر المقروء القصص والروايات، حيث يتسع خيال الراوي للتنبؤ بالمستقبل ودراسة الماضي والتوعية بالحاضر عبر أحداثٍ أبطالها شخصيات تلعب دوراً يأخذ القارئ صوب المعلومة المسرودة بفن الحكاية، القريبة من النفس البشرية على المستويين الوجدانِي والديني، الذي بدوره لم تخل الكتب المقدسة منها للتدليل والترغيب والترهيب، فتحتفظ بها الذاكرة لتكون عامرة ومتوارثة ليس لصاحبها فقط، وإنما للأجيال المتعاقبة.
الرواية والقصة كما بها من متعة لا حدود لها وفوائد عديدة، فيها الغث والمضلل والفاسد والمستغل، لكن ذلك لا ينقص من قدرها ومكانتها وقيمتها.


المصدر: صحيفة الرؤية - القصص.. متعة لا حدود لها - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

الأدب.. وتجربة «حسن منتو»

  جريدة الرؤية
24-05-2021
عماد أحمد العالم


شاهدتُ فيلماً عن قصة حياة الكاتب الباكستاني «سعادت حسن منتو»، الذي تسببت الاضطرابات العرقية والمذهبية بالهند بعد استقلالها عن بريطانيا، بتركه لها والاستقرار بباكستان.

خرجتُ بعد مشاهدة الفيلم مشوشاً بين ممتنٍّ وناقم، لأنني لم أخلق كاتباً مهموماً بضمير إنساني يبحر به عكس تيار المجتمع، وهذا الشعور منبعه كوني، إذْ أرى: من مهمة القاص والراوي أن يكون كذلك، بكل ما يتوافق مع ضميره وإحساسه تجاه مشاهداته ومرئياته للمجتمع، مهما خالف بذلك جمهور الأغلبية الغارقة بالواجب والممنوع والنهي والتحبيذ لما تراه مسلماتها، التي لا يمكن المساس بها، فالكاتب هو المرآة غير المزركشة والصادقة، التي تظهر واقع الحال بسلبياته وإيجابياته دون تجميل وتلطيف ومواربة، بل بكل أمانة مهما كان شديداً ومستفزاً للمتلقي.
«منتو» الذي هزمه التيار وأضنته هجرته من مومباي إلى لاهور بعد الأحداث التي أدت لهجرة المسلمين الهنود لباكستان، لم يتمكن من تجاوز عامه الثاني والأربعين، فقضى منهكاً مريضاً فقيراً ومعدماً بعد أن فقد حرية الكلمة في موطنه الجديد، المبني على تراث قبلي متشدد في نظرته لكل ما يسميه أدباً بذيئاً دافع عنه منتو في محاكمته، التي تسببت بها قصته «اللَّحْم البارد»، وسط استنكار شعبي لما كتبه.
كان دفاع منتو عنها يتلخص في أن البذاءة اللَّفظية دارجة جداً ومستخدمة في الحوارات اليومية، وعلى مسمع من الجميع، ومع ذلك لا يتعرض ناطقوها للمحاسبة، بخلاف الكاتب الذي إن تضمنها في كتاباته استُهجن فعله، ويتم معاقبته وإذلاله، لأنه فاحش القول «كما يصفونه»، رغم أن ما ورد بكلماته ليس إلا انعكاساً لحديث وقصص دارجة لا تلقى أيّ منع وردع!



المصدر: صحيفة الرؤية - الأدب.. وتجربة «حسن منتو» - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

أدعياء الفضيلة

  جريدة الرؤية
10-05-2021
عماد أحمد العالم


ما قصة الفضوليين متقمصي دور رعاة الفضيلة، المعروفين بتصوير الناس ونشر خصوصياتهم بدعوى النقد وكشف الخطأ، فرغم صحة البعض منها، إلا أن التساؤلات هي: ما مدى مشروعية التشهير وتنصيبهم أنفسهم كحماة للقيم في هذه الحالة؟ وما تبعات نشر المقاطع وضررها؟ وهل خطأ البعض يبرر فضحه؟ وهل أصبحت أمتنا بحق أمة المغالاة بالفضيلة أم أنّ الظاهرة لا تعدو سوى مظهر للتنمر الإلكتروني الذي أتاحته وسائل التواصل الاجتماعي والتقنية الحديثة، فمكنت الجميع من التقاط الحدث لحظة وقوعه ونشره عبر الإنترنت؟الملاحظ أنّ العديد من المقاطع يغلِّفها أصحابها برداء الوطنية والمصلحة العامة، لكنها غالباً تنحرف للشعبوية والتعصب والعنصرية، والمبرر دوماً من وراء نشرها هو النقد البناء، ولكن دون التوثق، مع تعمد زغزغة العواطف والمشاعر، وهو اللافت للانتباه في التعليقات التي تعقب انتشار المقاطع، وتحول النقاش حولها من تصحيح للخطأ ورفض للظاهرة والموقف إلى تصفية للحسابات.
بوسائل الإعلام التي تحترم الحقوق الفردية، عادةً ما يتم تغطية الوجوه كما في لقطات إلقاء القبض على أشخاص من قبل القوى الأمنية حتى لا تُعرف هويتهم، فالمتهم بريء حتى تثبت إدانته، وبالتالي ليس من حق أيٍ كان التشهير به، ومن حقه حال خرقه التقدم بدعوى، لذلك يلجأ الجميع في دولة القانون لعدم الوقوع بهذا الخطأ بخلاف دول العالم الثالث، حيث يكفي أن يدعي ملتقط المقطع وناشره أن هدفه الإصلاح ونقد الظواهر الاجتماعية السلبية لتبرير فعلته، رغم تجاهله لحقوق الآخرين، والواقع أنه نصب من نفسه قاضياً وجلاداً في نفس الوقت، بمهمة ليست من شأنه، وإنما هي من صلاحيات الجهات المختصة.


المصدر: صحيفة الرؤية - أدعياء الفضيلة - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)



أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...