السبت، 22 أكتوبر 2022

أخلاقيات الغرب في اللجوء

موقع سواليف
01-03-2022
عماد أحمد العالم


بعيدا عن المعركة الجارية رحاها بين روسيا وأوكرانيا، أو الغزو الروسي، أو استدراج الغرب وأمريكا على وجه الخصوص لبوتين للمستنقع الأوكراني، أجد ربما من غير المجدي الكتابة عما يجري على الأرض كون المشهد يتغير في كل لحظة، وتختلف معطياته باستمرار، ولذلك سيكون حديثي عن ظاهرة باتت واضحة ولن تتغير معطياتها مهما سيق من تبريرات تلطيفها لاحقا، وتخفيف وقعها الصادم، المتنافي بدوره مع منظومة حقوق الإنسان الغربية، والمواثيق الدولية والأممية في تعاملها مع اللاجئ أيا كان عرقه ودينه ولغته.
بشكل لا لبس فيه، ظهرت مقاطع عديدة لمراسلين ومذيعين ومسؤولين رسميين من أوكرانيا ودول أوروبية على قنوات تلفزيونية بما فيها الأمريكية، وهم يعبرون صراحة عن ضرورة مساعدة الشعب الأوكراني، ذو الأصول الأوروبية المسيحية، والخلفية المتحضرة المتعلمة، متماثلة القيم مع الغرب المتمدن، والذي يجب الوقوف إلى جانبه بمحنته، وتسهيل لجوء مواطنيه لدول الجوار والعالم دون تعقيدات، دون أن يضطروا ليكونوا بموقف مشابه لشعوب أخرى تعرضت لأزمات سابقا وحاضرا، بمن فيهم السوريين والعراقيين والأفغان، وبمقارنة فجة واضحة، وعنصرية تنتقص من قيمتهم مقابل الأوكرانيين. هذا بالإضافة لمقاطع مصورة وشهادات صادرة عن صحافيين بولنديين وغيرهم أظهرت رفض سلطات الأمن البولندية دخول غير اللاجئين الأوكرانيين لبلادهم، وتعمدها مع حرس الحدود الأوكرانيين منح الأولوية في الدخول والرعاية للأوكرانيين فقط، مع الإصرار على إهانة وتجاهل دونهم بمن فيهم الأفارقة والطلبة الأجانب، ومعاملتهم بلا إنسانية تصل لحد الايذاء البدني واللفظي.
مثل هذه المواقف بما فيها التصريحات والعبارات العنصرية، وإن كانت صادمة لتظهر بهذه الفجاجة والصراحة المطلقة دون مواربة، لم تكن مستغربة بالنسبة لي، فرغم كوني منذ بداية الأزمة وأنا أتبنى موقفا إنسانيا متعاطفا دون شروط ومقارنات سلبية مع أوكرانيا كدولة مستقلة وكيان وجغرافيا، ومع شعبها من مدنيين عزل لا ذنب لهم، إلا أن هذا لا يعني التغاضي عن هذه العنصرية الفجة اللاإنسانية، وازدواجية المعايير الغربية، والتصريحات المشينة، والمواقف المعلنة على الصعيد الرسمي والشعبي والإعلامي المتحيزة للاجئ الأوكراني على حساب كل ما لا ينتمي للعرق الأبيض الصافي.
من المهم تبيان منذ أن بدأت الحرب في سوريا، استقبلت دول الجوار وأوروبا وأمريكا الشمالية ملايين اللاجئين السوريين دون شروط، بل بتعاطف كبير رسمي وشعبي، تكشفت سوءاته بعد وضوح الفجوة الثقافية، وتزايد هوة اندماج اللاجئين السوريين بدول المهجر، لتتحول الأنظمة المتساهلة لشديدة التعقيد، مع تزايد الأصوات الرافضة والمطالبة بتقييد اللجوء. فبين بداية متعاطفة، ووسط متفهم ساعيٍ لدمجهم، لنهاية متشددة ترفضهم، استكمل السوريون مراحل اللجوء الثلاث، التي حتما يمر الأوكرانيون الآن بمرحلتها الأولى، دون أدنى شك بأن الأزمة لو طالت، ستخضعهم للمرحلتين اللاحقتين. لذلك لن أستغرب أن تظهر أصوات أوروبية غربية بعد فترة، عنصرية تجاه الأوكرانيين الأوروبيين الشرقيين، غير المتوائمين مع قيم أوروبا الغربية، بعد انقضاء فترة التعاطف، والتعامل على أرض الواقع بعقلانية مصلحية بحتة.
بداية، ألتمس العذر لكل من تتعرض بلاده للغزو والاحتلال، وسأفترض أن معاييره الأخلاقية شعبيا ورسميا تضمحل مع المعاناة، فإن صرخ طالبا الغوث متذرعا بكونه أوروبي مسيحي من أبناء جلدته، فهذا من منطلقات عفوية تفرضها اللحظة لاستدرار عطف من ينتمي لهويته. فالجميع يمارس الأسلوب نفسه، ونحن كعرب ومسلمين رددناها مرارا وتكرارا، مستصرخين وطالبين العون من إخوة الدين والعرق بكل أزمة مر بها أحد شعوبنا، ولذلك لا يمكنني لوم الآخرين إن قاموا بها. أما ما لا يمكن تقبله هو طلب النجدة على حساب الاستنقاص من الآخر، والاستخفاف بآدميته ومآسيه التي لا تقل عنه سوء. وهذا ينطبق على الأوكرانيين والغرب بصفة عامة بكافة مؤسساتهم وأفرادهم كما سمعنا وشاهدنا. وهو ما يشير إلى تلك العقيدة من الذات الاستعلائية الغربية المترسخة في اللاوعي الأوروبي، بفوقيتها وعلو مكانتها عرقا ودينا وحضارة على سواها، وهي بواقعها من لم تغب عن وجدانهم خلاف ما يدعون ونصت دساتيرهم. فهي وإن توارت، فسرعان ما تظهر حال نشوء الأزمات، كما شاهدناها الآن جلية دون تجميل.
مرة أخرى، سأحاول أن أكون واقعيا بطرحي، موضوعيا بعيدا عن العاطفة. مفترضًا أن ظاهر المقاطع والتصريحات المذكورة آنفاً عنصري كباطنه، ولكن ألا يجدر بنا القول إن نظرة الشعوب إلينا نابعة مما تسببنا به أولاً لأنفسنا، فنحن كشعوب من يعلي مكانتها ويخفضها. كما أننا كعرب ومسلمين، وشعوب العالم الثالث لسنا بعيدين عنها، ممارسين بتفوق للعنصرية والاقصاء والتصنيف نفسه وأقسى على بعضنا، فلو كنا أمة عربية مسلمة ذات مكانة وقيمة عليا بين الأمم لما تجرأ أحد توصيفنا بما يقلل من قدرنا ومكانتنا.
علماً أنني لا أنكر عنصريتهم الظاهر منها والباطن، وازدواجية المعايير لديهم، فقد مررنا بأزمات أثبتتها على مدار عقود، ولكن ألا يجدر بنا مرة أخرى من باب المكاشفة ألا نلقي باللائمة على عنصرية الآخرين وإقصائيتهم بتعاملهم معنا دون الأخذ بالاعتبار كونها تشكل نظرتهم لنا منذ قرون. أليس الأجدى بنا أن نثبت لهم ولأنفسنا عمليا لا افتراضا بأننا قيمة عليا لا تقل عنهم مكانة. حينها، أغلب الظن ألا أحد سيجرؤ على ازدرائنا واستنقاصنا.
‏لماذا لا نقر قبل لعن الغرب ولومه بأن العلة فينا قبل الآخرين. ومن هنا يكمن الحل والنهج إن شئنا أن نعامل بما نستحق!


المصدر: موقع سوالف - أخلاقيات الغرب في اللجوء - سواليف (sawaleif.com)

كلنا راح نفرط، أصحاب ولا أعز!

 موقع صفحة أخيرة
05-06-2022
عماد أحمد العالم


عادة ما تحملني الدعايات الموجهة ضد أي فيلم عربي إلى الابتعاد طويلا عن مشاهدته والتحدث بشأنه، ليس لسلبية لا أدعي تمتعي بها في ظل انحطاط ثقافي يعتري المشهد العربي على كافة المستويات؛ وإنما لأنني أدركت مبكراً أن الحراك الشعبي العربي تجاه أي عمل فني عادة ما يكون موجهاً. بمعنى، تلجأ الجهة المنتجة للفيلم لاختلاق عاصفة نقد موجهة لاستثارة فضول المشاهد العربي عبر المس بما يعده مسلمات ذات قيمة تتقاطع مع هويته العرفية والدينية. مجرد الإشارة ولو من بعيد لها أو المساس، أو التصادم مع قيمها المترسخة في اللاوعي العربي الشعبي رغم الظاهر المتضارب; ربما كفيل بأن يستثير ذلك الكبت بداخله تجاه أمور أخرى في الواقع بعيدة كل البعد عن قيمه المقدسة.
الاستثناء لما فرضته أعلاه على نفسي، رغم أنني قد نسيت إخباركم بأنني ومنذ العشر سنوات الماضية قد اعتزلت الفن العربي ومشاهدته مع بضع مشاهدات محدودة انتقائية لكسر الجمود ولزيادة اليقين تجاه العزلة؛ كان لمشاهدة الفيلم المصري، اللبناني فعليا "أصحاب ولا أعز". ليس لأنه إضافة نوعية لمشاهداتي المتواضعة، ولكنه ذلك الفضول الذي حطم قناعات صاحبه.
المهم، شاهدت الفيلم ولم أستغرب ما استثاره من غضب، ففيه ألفاظ جنسية خارجة، وتوصيفات حميمة، وأحضان وقبلات بين رجال الأصدقاء ونسائهم "بعفوية"، ولقطات ذات إيحاءات في غير سياق، وتلفظ بالأعضاء التناسلية البشرية بلحظات المزح والجد، نرفض قراءتها روائياً، ومشاهدتها تلفزيونيا وسينمائيا، رغم أن الكثير في الواقع عربيا يتلفظ بها من الصباح إلى المساء، وفي لحظات الغضب والفرح، بل حتى أثناء النوم والاسترخاء. كما أنني وأدعي الآن "لم أصب بصدمة" من حالة التحرر في اجتماع الأصدقاء، والقبلات المتبادلة بين رجالهم ونسائهم، والأحضان المشتركة، والتلامس الجسدي الاخوي البريء، والتحدث بأريحية بأمور زوجية خاصة جدا بالعلن، ومشاركتهم هموم البرود الزوجي، وحالة المظهر الجسدي المتجرد على طبيعته وكما خلق، مع تبادل النخوب وقرع الكؤوس، فتلك جميعها حالة طبيعية في مجتمعاتنا العربية العلمانية الليبرالية المادية المتحررة الطبيعية، التي لم تنتمي يوما لدين أو قبيلة وعائلة وعرف وتقاليد، وتعيش في الحالة الطبيعية من القيم الأخلاقية للإنسان البدائي بغابات الأمازون!
الفيلم نخبوي بامتياز، فالمنازل والديكور والملابس "والريد واين" والسيارات والأثاث تشير لانتماء أبطال الفيلم لطبقة لا يمكن أن تكون متوسطة فضلا عن كونها فقيرة، بدول نسبة خط الفقر فيها بازدياد مضطرد، والعملة منهارة، وسعر صرفها مقابل الدولار في تزايد، والسولار والبنزين إن لم ينقطع من محطات توزيعه فتعرفة لتراته بارتفاع، والمنتجات الأساسية المفقودة من السوق إلى جانب الخبز والطحين تشهد تضخم، والدعم الحكومي يتناقص.
أما السياسة والمشاركة بها والقائمين عليها والحراك الرسمي إن تحدثنا عن لبنان، البلد الذي جرى تصوير الفيلم فيه وأغلب الأبطال منه، فيشهد حالة غير مسبوقة من الانهيار السياسي والاقتصادي والمجتمعي. لم يتطرق الفيلم لأيٍ من مشاكله، ولا لمعضلات الدول العربية الأخرى اللامتناهية بدلا من لعبة الهواتف النقالة، وطرح ما فيها من أسرار للعلن أمام الأصدقاء حال وصول أي رسالة أو اتصال وأمام الجميع، فخبرتي المتواضعة بالحياة توحي لي بأن أقل هموم المجتمع العربي "بأغلبه" لا يكترث بمشاعر الطبقة المخملية البعيدة كل البعد عن توفير قوت يومها، وبمنح بناتها الأقل من ثمانية عشر سنة أو خمسين سنة حق الاختيار بممارسة العلاقات الجنسية الغير شرعية خارج إطارها المعروف. فضلا عن عدم الاكتراث إن وجدوا بعد حملة تفتيش أبوية "واقيات حماية جنسية" لدى بناتهم.
أما بشأن طرح الفيلم لمشاكل الشذوذ الجنسي، والخيانة الزوجية، والحمل خارج إطار الزواج، وعلاقات المراهقين الجنسية، والمراهقة الزوجية المتأخرة، والبرود العاطفي، فذاك واقع لا يمكن إنكاره ووجوده. فجميع ما ذكر، مشاكل مجتمعية حقيقية لا ننكرها وإن لم تكن الغالبة والمعضلة الأكبر. فقد تحدث عنها الإعلام والكتاب والمثقفين والفلاسفة والأكاديميين، ورجال الدين وخطباء المساجد، والسياسيين والمعلمين وأرباب السوابق، وحتى ربما مرتادي المقاهي، وسواقي التكاسي، ومراهقي الحواري المجتمعين يوميا بعد العصر للعب كرة القدم في شوارع الحي. رغم ذلك، أجدها جميعا ورأيي مردودٌ عليه، لا ترقى لحقيقة أن العديد من دولنا العربية دون تحديد أي منها؛ تعيش بواقع مزري من الفقر، وغياب العدالة الاجتماعية، والجمود السياسي، والنقمة الشعبية، وضعف للمنظومة الصحية والتعليم، وبطالة متفشية، ورشاوي وفساد مستشري، وانعدام للأمن، وظلم مجتمعي غير مسبوق للمرأة، ليس ابتداءً من التحرش بها في وسائل النقل والعمل، وفي الشارع وبالعالم الافتراضي، دون الانتهاء بهضم حقوق الأنثى بالميراث، وجرائم "الشرف"، والعضل الأبوي، والزواج القسري، والحقوق الأدنى، والمعاملة التفضيلية للرجل بغير وجه حق، واللامساواة، والعنف الزوجي، والخطف والاغتصاب والتعذيب. إلى آخر القائمة الطويلة التي لم تسترعي انتباه لا السيناريست والمخرج، وبالطبع نيتفليكس الجهة المنتجة للعمل. وكذلك الممثلين، وجميع القائمين على هذا المنتج السينمائي، الذي للحق وللأمانة لم يصل لحالة الانحلال الاخلاقي الذي عرفته بعض من أفلام الستينات والسبعينات العربية المصور العديد منها بلبنان، وفيها حالة من التعري والجنسانية من غير الملائم التحدث عنها، فقد مضت لذلك الركن المنسي في حاوية التاريخ.
لعبة فضائح الهاتف المبتذلة سينمائيا من كثرة تكرار فكرتها عالمياً، هي محور الفيلم من بدايته لنهايته، وفيها تم تصوير رسالة الفيلم وأحداثه، ولكن بنهايته غادر جميع الأصدقاء السهرة وكأن شيئا لم يكن، فقد صورها المخرج كافتراض تخيلي ومكاشفة لما كان سيحدث فعليا لو قاموا بها، وحينها ستظهر حقيقة الأصدقاء والزوجات من حيث خيانتهم الزوجية، وحتى مع بعضهم أنفسهم، وشذوذ أحدهم، وعلاقاتهم وتصرفاتهم الغير أخلاقية، وغيرها التي منع حصولها إصرار الزوج المضيف للسهرة رفض لعبها منذ البداية، لإدراكه سهولة فضح التكنولوجيا وكشفها للمستور من الممارسات الغير أخلاقية!
العبرة والنصيحة المقدمة من فيلم "أصحاب ولا أعز" في نهاية الفيلم على يد أحد أبطاله أثناء مخاطبة زوجته، قبل أن ترسل هي نفسها رسالة خيانة من هاتفها لعشيقها الذي هو في الأساس صديق زوجها، وزوج صديقتها الحاضر في السهرة معهما وزوجته: "الهواتف النقالة فضيحة، فكل أسرارنا بداخله، "وكلنا راح نفرط، صحيح في ناس بتفرط أبل ناس، ولكن كلنا راح نفرط".
أتوقع أن مصممي برنامج بيغاسوس سيء الذكر، قد شعروا بالفخر بعد سماعهم النصيحة السابقة، ولم يغب عنهم أثناء صناعة برنامجهم أن العديد "هيفرط" بعد اختراق هواتفهم!


المصدر: موقع صفحة أخيرة - كلنا راح نفرط، أصحاب ولا أعز! | صفحة أخيرة (saf7a-a5era.com)

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...