الجمعة، 20 ديسمبر 2019

الحكايات محور حياتنا

جريدة الرؤية
20-12-2019
عماد أحمد العالم



كثيراً ما يتردد السؤال: لماذا نقرأ؟ تتنوع الإجابات وكل حسب هواه وميوله، إلا أن البقية من التساؤل الذي أجد من الأولى عدم تغافله وطرحه هو: لماذا تحوز الروايات على النسبة الأكبر من الإقبال وتجذب جمهور القراء رغم أنها قصص يحكيها لنا آخرون بتكرار لا نهاية له؟
والفرق فيها أسلوب من يصوغها ويسردها ونمط طرحه، فالعديد منها اختبرناه في حياتنا كما فعل سوانا أو سمعنا عنها بأقل تقدير، ومع ذلك نرغب في الاستماع لها مجدداً بفضول ونشوة وتلهف وكأنها المرة الأولى، ولكن ليس عبر وسيط كان في عقود وقرون سابقة يسمونه «الحكواتي»، يتجمع حوله حشد يولونه اهتمامهم، وإنما عبر رواية ورقية من كلمات أحدهم نحن من يتحكم بإنهائها، وبأيدينا نصنع علاقتنا معها لنكملها في جلسة أو على مدار أيام.
ما الجديد في الرواية إن كانت مواضيعها محصورة بمواضيع غالباً ما تكون معروفة، ومع ذلك تجذبنا إليها لنعيش بأجوائها وكأننا جمهور في مدرج يشاهد مسرحية تجري أحداثها أمام ناظريه دون أن يكون مشتركاً فيها؟
أليست هي القصة التي تسترعي انتباهنا، لأنها المكون الرئيس لطبيعتنا البشرية، ليس فقط من ناحية اجتماعية وإنسانية ودينية؟ علماً بأن أغلب الديانات على كثرتها وتنوعها لو أمعنا النظر بها لوجدناها مزيجاً من تعاليم وقصص تروى، مستهدفة الأتباع عبر فن الحكاية المثير للفضول البشري، والجاذبة لانتباههم والمثيرة لمخيلتهم والمتحكمة بعواطفهم والمتلاعبة بوجدانهم، لتسوقهم للانقياد دون تفكير بولاء التابع بعد أن يترسخ لديه شريط من أحداث جارية أمام ناظره لأمر ونهي، أو تحفيز وترهيب يقبل على اتباعه والتسليم به.
الحكايات هي ما يجعل منا بشراً يتفاعل سمعهم وحواسهم مع ما يثير مخيلتهم وفضولهم، وهي ما يثير لدينا الرغبة في التعلم والمحاولة والانتباه، وإيجاد ما نسعد ونسر بتكراره مِراراً دون ملل للآخرين، لإظهار حكمتنا ومعرفتنا أو للاستدلال، وهي ما يستدرج تطفلنا فتسوقنا لعوالم متعددة مختلفة مكاناً وزماناً، إلا أن الرواية التي تحويها بين طياتها كعمل أدبي من الصواب عدم حصر القصة عليها ولها، لأن جميع ما نعيشه ونجربه ونحلم به بأحلام يقظتنا هو في واقعه عبارة عن قصة ورواية تتكرر أحداثها معنا كبشر مهما اختلفنا.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-87/2102967-الحكايات-محور-حياتنا

قصصنا ليست مسلَّمات

جريدة الرؤية
13-12-2019
عماد أحمد العالم



يقول الكاتب ستيفن جاي جولد: «إن أكثر القصص خطأ هي تلك القصص التي نظن أننا نعرفها أفضل معرفة، ولذلك لا نفحصها ونتحرى صدقها»، وكذلك يمكن إسقاط القول على العديد من المسلَّمات المجتمعية والموروثات من السابقين، التي يجري تداولها والعمل بها والدفاع عنها، كلما ظهرت أصوات مشككة بها وداعية إلى إعادة النظر بمصداقيتها، لكنها وبما تفعل تتعرض لموجات تلطمها، مستهجنة ورافضة لأي محاولة تتعرض لها، فالموروث مثلاً كالمقدس لا يمكن أبداً للجماهير المتعصبة التطرق له بغير ما يضفي عليه مزيداً من المصداقية، التي لا تحتمل أي رأي رافض.
من هنا ومن مناحٍ أخرى تبرز دوماً الخرافة، سواء كانت بقصة وحدث وشخصية أو معلومة وظاهرة، جميعها باللاوعي الجمعي والفردي ومع تكرارها المستمر، تكرست لدرجة أن جميع من يؤمن بها ويرددها يدعي معرفته المطلقة بكافة تفاصيلها رغم ما يُضفى عليها من زوائد نتيجة تناقلها وتوارثها، إلا أن الجميع يراها حقيقة معروفة لا تحتمل إلا أن تكون صحيحة ودون أدنى شك بخطئها، برغم أنها ولمن يمعن البحث بها والتأمل سيجدها مختلقة، وربما غير واقعية وخيالية لا يتقبلها العقل والمنطق السليم والفكر القويم.
من جهة أخرى، ساهمت موجة الكتابات والندوات والدورات المتخصصة بتطوير الذات، في انتشار العديد من المفاهيم العلمية المغلوطة، ومنها على سبيل الاستشهاد تحفيز العقل للقراءة السريعة أو استخدام أكثر للجزء الأيمن من الدماغ، أو ما يجري تداوله على أن الإنسان لا يستخدم إلا 10% من قدرات دماغه، وهو الأمر الذي لم يثبت علمياً بالمطلق، وتم نفيه من منطلق أن العضو الذي لا يستخدم يضمر أو تسيطر عليه الأجزاء الفاعلة في الدماغ، أو حتى حين يتعرض للاستئصال طبياً بعمليات جراحية نتيجة أمراض بعينها، يتوجب ألّا يكون لذلك أي آثار جانبية بسببه وهو ما ينافي بالطبع الحاصل لمن خضع لمثل هذه الجراحات من فقدان لمهام وظيفية أثرت على قدراته.
إن التاريخ من جهته وكما درسناه وتعلمناه، بتنا بما جاء به من قصص نعرفها ولكن من وجهة نظرنا، لكننا إن قرأنا القصص نفسها واستمعنا لها من الآخر المختلف عنا فربما سنجد النقيض لما عرفناه عنها، ورغم ذلك يدعي كل طرف أنه يعرف القصة بمنظوره وهو الصواب، فيما من يرويها سواه جاهل بها ولا يعرفها!


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-87/2102041-قصصنا-ليست-مسلَّمات

المستشرفون الجدد

جريدة الرؤية
06-12-2019
عماد أحمد العالم



شاهدت مقطعاً مصوراً دعائياً لمنتج تجميلي قامت به إحدى من دُرج على تسميتهن بمشاهير وسائل التواصل، فمررت عليه بنظرة غير المكترث، الذي لم يستوعب مادته لأنها لم تثر اهتمامه.. الغريب أنني وبعد أيام لفت انتباهي حجم الضجة التي أثارها المقطع المذكور، وحالة الاستنكار تجاهه، والتهم التي وجهت لمن قامت به والشركة الراعية.
كانت النقمة تجاه ما سمته جموع الغضبى بالمادة المستفزة والعبارات غير الأخلاقية التي تمس ثوابت الدين والمجتمع، وهي اتهامات أصبحت سمة تطلق على كل ما يثير نقمة الجماهير التي ترى فيما يختلف مع أيديولوجياتها الدينية والثقافية المجتمعية مساساً بمسلماتها، حتى لو لم يكن الأمر موضع الاتهام كذلك.
وبدافع الفضول لم أجد صعوبة في إيجاده لإعادة مشاهدته، فقد بات الآن حديث الساعة، حتى إن أصحاب الحسابات الموثقة المؤثرة والمستشرفين منهم على وجه الخصوص، لم يتركوا الأمر دون تعقيبهم الذي أثار بالطبع استحسان الأتباع الممتعضة.
مجدداً، لم أنتبه لأسباب الشقاق حوله، فظننت في البداية أنه بسبب وجنسية «المشهورة»، أو ربما لمبالغتها في «الميك أب»، لكني لم أقتنع بذلك، وحال التركيز به لأكثر من مرة لفت انتباهي ترديدها لجمل يبدو أنها فُسرت من قبل «دعاة الفضيلة»، لما فُهم بكونه ترويجاً للشذوذ الجنسي، وللعلاقات المحرمة شرعاً وتلفظ بكلمات خاصة بالجسد، سارع مسيئو الظن لفهمها وفق عقليتهم التي ربطت الأشياء بأمور ثابتة في مخيلتهم، مع أنها في التأويل تحتمل أكثر من وجه، وهو ما يقودنا إلى معضلة اجتماعية ونفسية في العقل العربي المعاصر لبعض مجتمعاته، التي باتت سيئة الظن وتنتهي جميع المفاهيم لديها كما تبدأ بالجنس ولا شيء غيره.

فلو مثلاً ابتسمت فتاة أو شكرت من باب المجاملة أو حتى نظرت خطأً لشاب لا تعرفه، فذلك لا بد له أن يعني أنها أحبته أو معجبة به، ولو روجت فنانة لمستلزمات نسائية تستخدم لنضارة الجسد، ولها ما يُجمّل العلاقة الجنسية فذاك ترويج للفاحشة!
عموماً، ما استنبطته من المقطع سابق الذكر حين تعاملت بحسن النية المفترض، أنه لا يعدو أن يكون دعاية بريئة ولكن صريحة لمنتج تجميلي.. أجزم أن الإقبال عليه سيكون كبيراً من المستشرفين أنفسهم الذين شنوا من قبل حملاتهم عليه!


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/119-86/2101018-المستشرفون-الجدد

الأحد، 1 ديسمبر 2019

خرافات في علم النفس

جريدة الرؤية
30-11-2019
عماد أحمد العالم



العديد من الأفكار والقناعات التي ترددها الشعوب دون استثناء هي في الواقع لا صحة لها دون أسانيد علمية تؤكدها، بل على العكس تدحضها الدراسات العلمية الرصينة وتنفي صحتها، فيما تشير إلى ما تحقق على أنه الاستثناء الذي يرجعون أسبابه للتأثير الوهمي، وهو المشابه، إن أردنا استيعاب معناه، لحبة الدواء المصنوعة من السكر أو النشا دون مادة طبية فعالة بها تعطى لشخص متوتر على أنها ستسكن قلقه، فتكون نتيجتها اللحظية إيجابية عليه دون أن يكون فعلياً قد تناول أحد مضادات القلق.
يعود هذا لاقتناع العقل الباطن واللاشعور بمؤثر رغم وهميته، ويتشابه ذلك مع خرافات التفكير الإيجابي في الشفاء من الأمراض المستعصية التي تعج بها المواقع الإلكترونية، وحتى كتب مشهورة جداً بيعت منها ملايين النسخ، تدعو لتعزيز مناعة الجسم عبر تصورات ذهنية وجمل لفظية، يرددها المريض من على شاكلة تخيله لكريات الدم البيضاء في دمه على هيئة فرسان تقوم بالقضاء على الفيروسات أو الميكروبات أو ترديد المريض «سأنتصر على المرض»، جميعها لم تثبت صحتها ولم تستطع أي من الأبحاث الرصينة تأكيد فعاليتها، وما فسرته كسبب لتحسن حالة بعض المرضى أو نجاتهم من أمراض مستعصية، هو فعلياً نجاعة العلاجات المستخدمة في حالاتهم وتجاوب أجسادهم معها، مع مساهمة التفكير الإيجابي في تحسين جودة حياتهم وتغلبهم على حالة التوتر والخوف التي يمرون بها وتمكينهم من الاستمتاع مع تخفيف لحالتهم الشعورية والنفسية والجسدية وتقبل واقعهم.
يبدو أن تجارة الوهم التي أثرت في العديد ومن أبرز المستفيدين منها تجار الدين والدجالين والعرافين ومن يسمون بالوسطاء الروحيين؛ سينضم إليهم تجار من علم النفس الشعبي أبطال برامج تطوير الذات والدورات الخارقة لتحسين القدرات، ومعهم كتاب التنظير الذين يملكون حلولاً لما استعصى على العلم، مروجين لخرافات من على شاكلة تنشيط الجزء الأيمن من الدماغ وقوة العقل الباطن والتلقين والتعلم أثناء النوم، ومبالغين بهالة على أخرى كالتنويم المغناطيسي، ومساعدته في استرجاع الأحداث المفقودة وأجهزة كشف الكذب ومصل الحقيقة والحاسة السادسة، وغيرها من خرافات باتت سلعة شائعة يستغلها غير المتخصصين لبيع الوهم لأشخاص يطمعون في التغيير بدون بذل مجهود يتناسب مع مطالبهم ورغباتهم، ساهم أيضاً في خداعهم بها الفن السابع والتلفزيون ببرامجه المضللة التي يستضيف بها غير المختصين وإعلاميي الإثارة الجماهيرية.



المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2100106/آراء/الساحة/خرافات-في-علم-النفس

سيكولوجية التغيير الجماهيري في العراق ولبنان

صحيفة الوطن
23-11-2019
عماد أحمد العالم


تغيّرت المعادلة، ولم تعد سيكولوجية الثائر العراقي واللبناني، وحتى المواطن العادي، كما كانت عليه في السابق. فاللاوعي الجمعي العاطفي المغيّب، الذي أحدثته الحرب الأهلية في لبنان وحرب الخليج الثانية، وما أعقبها من سقوط حكم نظام البعث «الأوليغاركي» بالعراق، لم يعد يكترث لخطاب التوافق الطائفي والمحاصصة السياسية، ولم يعد يهمه سوى تغيير كلي لمنظومة الحكم الحالي، والتي أنتجتها ظروف زمانية ومكانية مؤقتة، نتج عنها في الحالة العراقية الارتماء في أحضان المرجعيات الدينية، البديل الروحي المتوافر ضد البعث، والمخيّر وقتها بين النجف وكربلاء وجمع من السياسيين والقوات الأميركية، التي رغم أنها حملت المعارضة العراقية بالخارج لسدة الحكم، إلا أنها بقيت في عيون الغالبية من الشعب قوات غازية.لذا، لم تشأ أن تتعاون معها، فكانت المرجعية البديل الوحيد وقتذاك، فاستقت من المظلومية والقهر شعارا للمرحلة التي نادت بها، فالتفت الجموع حولها، فكانت لها السطوة في المشهد العراقي، بعد أن غذّت النزعة الطائفية، وشكّلت نظاما ثيوقراطيا في الحكم لم ينكره السياسيون، بل استمدوا قوتهم منه.في لبنان، كانت ويلات الحرب الأهلية التي استمرت أكثر من ربع قرن، وتسببت في مقتل وإصابة وتشريد ما يقارب ثلث اللبنانيين، الدافع لِلُورْدات الحرب وميليشياتها، والأحزاب المتنازعة، والمحفز للقبول باتفاق الطائف الذي كان الحل الأمثل وقتها لسلام لبناني- لبناني معدوم، فنزع فتيل الأزمة عبر المحاصصة، وخلال نظام انتخابي يضمن أن ينال الجميع مكانا في الحكم، دون طغيان أحدهم على الآخر، وهو ما تسبب في سنوات من الاستقرار الأمني والسياسي الهشّ، لكنه أدى إلى غياب دولة العدالة والقانون، وتفشي الفساد المالي الذي حضرت فيه جميع القوى، دون خوف من محاسبة يعززها نأي المعارضين والحلفاء عن الاصطدام.قد يكون النظامان السابقان للحكم في لبنان والعراق، واللذان ما زالا يتصدران المشهد السياسي، متوافقين مع حالة اللاوعي الفردي والجمعي لجيل شهد ويلات الحرب، وحكم الحزب الواحد الاستبدادي، لكنهما -وبكل تأكيد- يتعارضان مع الجيل اليافع للبلدين، وتطلعاتهما الوطنية الصرفة والعدلية والاقتصادية، في حياة مختلفة بعيدة عن خوف الآباء، ودونما ارتباط روحي بأيديولوجيا دينية وطائفية وحزبية، يرون فيها المتسبب الأول لحالة الفساد المستشري والانفلات الأمني، ومن هذا المنطلق، جاءت مظاهراتهم عفوية وبشجاعة منقطعة تطالب بتغيير المنظومة السياسية بالكامل ودون استثناء، وترفض السلطة الدينية وسط دعوات باتت صريحة وواضحة بنفاد صبرها من التدخلات الخارجية في شؤون أوطانهم، وموجهين -على وجه التهديد- الاتهام الصريح لإيران بإفساد المشهد السياسي والديني في بلادهم، ورافضين الارتهان لها ولرجال الدين والسياسيين المنفذين لأجندتها دون مواربة.شباب اليوم في العراق ولبنان، باتوا يعون جيدا ألا عودة عن مطالبهم بعد أن ملّوا وعود الإصلاح الكاذبة، ولم يعد يجدي معهم التلويح بالقمع والتنكيل، ولا الانزواء تحت مظلة قيادات حزبية وسياسية، ومرجعيات أمعنت في تضليلهم.أما حاضرهم -على قتامته- فستجليه فقط دولة المواطنة والعدالة والنزاهة والشفافية، التي يقوم عليها الأكفاء بغض النظر عن طائفتهم وكتلهم السياسية، والذين لن يكون سبيلهم في التغيير المنشود سهلا بل صعبا ومعقدا جدا، في ظل تغلل عناصر وقوى الظلام في الحياة السياسية، ومعهم جماهير لا ننكر أبدا ولاءها المصلحي وتمسكها ببقائهم.


المصدر: - صحيفة الوطن https://www.alwatan.com.sa/article/1028911/نقاشات-/سيكولوجية-التغيير-الجماهيري-في-العراق-ولبنان

مقاصد الفلاسفة

جريدة الرؤية
15-11-2019
عماد أحمد العالم


خطر ببالي أن أطلق على هذا المقال اسم «دعونا نتفلسف» فخفت أن يُفهم المضمون خطأً قبل قراءته، والذي هو ببساطة تساؤل تراءى لي بعد قراءات لعدد من أهم الفلاسفة في التاريخ منذ اليونان والإغريق لقرننا الحاضر.
فجميعها رغم تباين نظرياتها أرادت أن تفهم وتعي ما هو الإنسان وما هي الطبيعة والكون والعدم والظواهر، كما سعت لاستنباط الإجابات والتدليل عليها بما يراه العقل ويستدركه كما رأى هيغل رائد المنهج الجدلي والمثالية الألمانية.
هل الفلسفة وجود أم هي بحث بالوجود؟.. كما سعى لذلك الدنماركي سورين كيركجارد، وعُرف هذا الاتجاه لاحقاً بالوجودية التي سعت لأن يكون الإنسان محور اهتمامها وأولوياتها، فيما أحدث كانط ثورة فلسفية تعد قاعدة لكل فلسفة كما وصفها ديورانت، وسعى لفهم مستقل بشأن الزمان والمكان والمادة والخالق والحرية والإرادة والوجود، رافضاً الإقرار بالمفاهيم السائدة، وساعياً لأن يكون العقل أساساً للعلم، فعقل الإنسان هو ما يمنح القوانين للطبيعة من خلال اشتغاله وتصوراته وأفكاره واستدلالاته.
كثيرون تساءلوا رافضين المطلق في الأخذ بالمسلمات التي تراها الشعوب لا تمس، وبديهية عزوها لما وراء الطبيعة، فيما بقي الفلاسفة يرفضون التسليم وبإصرار على إدراك الحقيقية عبر المعرفة، التي يسيرها التفكر والاستقصاء، مستفيدين من قدرات العقل البشري اللامحدودة وغير المقيدة بالمحظورات.

ينظر للفلسفة على أنها علم التلاعب بالكلام، والتساؤلات المسرفة، لكن العلم والتاريخ يثبتان عكس ذلك، فهي أم العلوم، والدافع لتطور الإنسان وتعلمه واكتشافاته وتقدمه العلمي والفكري، فلولا علامات الاستفهام التي طُرحت والمنطق لما كان للعلماء أن يبنوا أسس علم الفيزياء والرياضيات والبيولوجيا والفلك وغيرها، ولولا كتاباتهم لما قامت حضارة الإغريق واليونان الفريدة بتأملات ورؤى هيراقليطس وسقراط وأفلاطون وأرسطو، ومنها لعصر النهضة الأوروبي الذي سبقته كتابات جون لوك وروسو ولاحقاً نيتشه وماركس وأنجلز وشوبنهاور وديكارت وهيغل وفولتير وكانط، ولاحقاً الفرنسيين سارتر وكامو، والإنجليزي برتراند راسل، الذي رأى بالفلسفة تأملات عن الموضوعات التي لم تستطع المعرفة العلمية أن تحسمها، فالعلم يدور حول ما نعرفه، بخلاف الفلسفة التي تتمحور حول مالا نعرفه.
جميعهم، ومعهم الفلاسفة العرب والمسلمون وغيرهم، استغلوا العقل للاستكشاف، ومهدوا لمن جاء معهم وبعدهم الوصول إلى ما تصبو إليه الأمم من تقدم وتطور بشتى الصعد والعلوم، فالفلسفة تتأمل وتفكر بماهية الأشياء، فيما يقوم العلم بإثبات صحتها من عدمها. 


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2097992/آراء/مقاصد-الفلاسفة


الشائعات.. السلاح الخفي!

جريدة الرؤية
01-11-2019
عماد أحمد العالم



وضع العالمان الأمريكي إليوت غوردون وتلميذه الروسي ليو بوستمان ـ مختصان في علم النفس ـ معادلة مثيرة لقياس قوة الشائعة تقول: «ق ش=أ X غ» أي إن قوة الشائعة تساوي الأهمية في الغموض، كما أن قوة الشائعة تساوي الزمن في مجتمع الشائعة، فيما أضيف للمعادلة لاحقاً الاستعداد النفسي لتقبلها، وبذلك تكون حتى الشائعات قد خضعت لقياس رياضي يسهّل فهمها، ومن ثم إعادة تدويرها وترسيخها إن كانت موجهة من قبيل تلك التي تستخدم في الحروب أو التي تطلقها الأنظمة والمنخرطون في اللعبة السياسية.
جميعهم بدون استثناء استخدموها ولن يكف أحد حتى في أكثر المجتمعات تحضراً وصدقاً، فالطبيعة البشرية بما فيها من عنصر غالب يميل للثرثرة والنميمة؛ ستبقى وقوداً لوجودها، كما أن عوامل أخرى لا بد أن تكون مهمة لبقائها وأبرزها الفضول البشري تجاه الآخرين والأحداث، وهو ما يقودهم للرغبة في استطلاع الأمور التي تشكل للبعض - وربما من النساء أكثر- متعة خاصة كتلك التي يمارسها قارئ وقعت بين يديه رواية فجلبت اهتمامه حتى تركها وقد قرأها كاملة رغبة منه في معرفة نهايتها.
لقد عمد الألمان وكذلك الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية إلى الاستفادة من سلاح الشائعات بإرباك الخصم وتحطيم معنويات جيشه، ويقال إن وزير الإعلام النازي غوبلز كان من أكثر من أجادوا استخدامها، ففي أحد ما روي عنه أنه أوعز لأجهزته الدعائية أن تنشر على نطاق واسع ومؤكد أن هاينريش هيملر أحد أبرز زعماء الحزب النازي ومن أكثر المقربين لهتلر قد تم القبض عليه ومحاكمته، وذلك بعد أن زعم الحلفاء سابقاً مقتل عدة قادة نازيين، فعمد لهذه الإشاعة التي نسفت ادعاءات الإعلام المضاد حين ظهر هيملر بعد ذلك وأفقدهم مصداقيتهم.
الشائعة التي تم تعريفها على أنها خبر مختلق أو به جانب قليل من الحقيقة أو مبالغ به ومطعم بجزئيات كاذبة أو حتى صحيح وفُسر بشكل مغاير لحقيقته؛ تعتمد قوتها ونجاحها على عناصر مهمة، ومنها البيئة التي انطلقت بها وحجمها ومدى احتوائها على أجزاء رئيسة صحيحة منها تضفي المصداقية عليها، وطبيعة المتلقي وثقافته وخلفياته المعرفية والاجتماعية والسياسية والظرف والزمان والمكان التي أطلقت بها والهدف منها، الذي ربما يكون نابعاً من ثقافة القيل والقال لجمهور ما أو غاية مدروسة وموجهة بقصد تضليل الرأي العام، ولخدمة أفراد وجماعات تسعى لتحقيق هدف شخصي مع مضرة لغريم، كما تعمد بعض الأحزاب السياسية أثناء المناسبات الانتخابية معتمدة على المثل الشعبي القائل «العيار اللي ما يصيب يدوش»! 



المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2095664/آراء/إعلامية/الشائعات-السلاح-الخفي

الأربعاء، 30 أكتوبر 2019

المجتمعات.. ورموز الأحزاب

جريدة الرؤية
25-10-2019
عماد أحمد العالم



إذا أراد كيان سياسي أن يظفر بالتأييد الشعبي فعليه فهم طريقة عمل الدعاية السياسية قبل أي شيء آخر، فالأيديولوجيا لم تعد كافية، والمُثل لا تمنح طريقاً معبداً بالورود، بل عليه أن يدرك أن السياسة هي فن الوصول للغاية أياً كانت الوسيلة، وليست هي النموذج الأخلاقي الذي يمكن النظر إليه دون شك حتى بأعتى الديمقراطيات في العالم.
تميل الأحزاب إلى أن تتخذ لها رموزاً بصرية تمثلها، مثل ما هو على شاكلة الصليب المعقوف، رمز الحزب النازي، والذي فهم الحلفاء بنهاية الحرب العالمية الثانية أهميته فعمدوا لتدميره وطمسه ما إن دخلت قواتهم المدن الألمانية المحررة، في حين اتخذ الجانب المنتصر حرف V بالإنجليزية كشعار له، وهو الذي على بساطته عنى كلمة (Victory) أي النصر.
في مصر، تلتزم جميع الأحزاب السياسية برموز لها منذ إنشائها تطبع على الورق الانتخابي ليستدل بها الناخب على خياره الانتخابي. حزب الوفد تبنى شعار الهلال، وعادة ما يزامنه مع الصليب، معطياً الانطباع باللحمة الوطنية بين الأغلبية المسلمة ببلاده والأقلية القبطية المسيحية، في إطار علماني يبعث مبدأ أن الوطن للجميع والدين لله.
حزب الخضر اليساري في أغلب دول العالم اتخذ له شعاراً بلون أخضر يرمز للطبيعة والأرض الأم التي يسعى للحفاظ عليها من التلوث البيئي والصناعي، أما الأحزاب الشيوعية فاتخذت أعلامها اللون الأحمر مرسوماً عليها المطرقة التي تشير إلى العمال الصناعيين والمنجل للفلاحين، وهما وقود الثورة البلشفية وحاضنتها القائمة عليها منطلقة من البروليتاريا الكادحة والتي لا تملك سوى مجهودها العضلي والفكري للسيطرة على وسائل الإنتاج من البرجوازيين.
وفي الهند تحتفظ مفوضية الانتخابات بحق توزيع الرموز على الأحزاب المتنافسة دون منحها إمكانية تصميمها بنفسها، في بلد تغلب على سكانه الأمية حيث يعد ربع سكانه غير متعلمين، وبالتالي تسهل عليهم التفرقة بين الكيانات المتطلعة لأصواتهم، إذ لا تستغرب أن تكون بعض الرموز صوراً لمكنسة شفط كهربائية وفرشاة أسنان ومكيف وغاز وفلفل أخضر ومقلاة طبخ.. إلخ.
في الولايات المتحدة الأمريكية تنحصر مقاعد البرلمان والكونغرس وكذلك الرئاسة بين أيقونتين حيوانيتين هما حمار رمادي اللون جميل المظهر وفيل، حيث كان المرشح الرئاسي أندرو جاكسون أول من تبنى الحمار كشعار، أما الفيل فهو ضخم مذعور تحطم قدماه ما يتراءى له، ويرمز لغنى الحزب الجمهوري وثقله الانتخابي. 


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2094374/آراء/سياسية/المجتمعات-ورموز-الأحزاب

للكبار فقط.. الزمن الجميل!

جريدة الرؤية
18-10-2019
عماد أحمد العالم



حين نشاهد فيلما قديما من أيام الأبيض والأسود نشعر بالحنين للماضي، وحين نقرأ رواية لنجيب محفوظ من أمثال الثلاثية؛ تلتهب مشاعرنا بحقبة الزمن الجميل، يماثلها بذلك حين نستمع لأغنية تتحدث عن الماضي، وحياتنا فيه كذكرى جميلة نفتقد إليها في حاضرنا، لا تختلف عن هيامنا حين يطربنا عبدالحليم في أحد أفلامه، حيث البساطة والعفوية وأوائل الانفتاح على العالم من شوارع القاهرة النظيفة والبسيطة وغير المزدحمة بالناس، الذين يرتدي كلا منهم زيا رسميا وكأنهم ذاهبون لمناسبة مهمة، رغم كونه سلوكاً عاديا يظهر ما كانت عليه ثقافة المظهر بأوائل ومنتصف القرن الماضي.
الحنين إلى الماضي أو كما يسمى نوستالجيا، لا علاقة له بالطبع هنا باستذكار حضارتنا القديمة ولا استدعاء فتوحاتنا وانتصاراتنا، كما أنها لا تعني ذكر ابن سينا والرازي وابن خلدون، فذاك زمان ولى لا علاقة له بعصور ظلمتنا الحديثة، التي لست بصدد التباكي عليها؛ فما يتبادر الآن لذهني هو ذاك الوهج من الصدق فيه والبساطة والعفوية رغم عدم كماله بالطبع، لكنه يمتلك بريقاً مختلفا عن الحاضر الأكثر تقدما في شتى العلوم، ومع ذلك ورغم ما يوفره من سبل أكثر وأسهل لبلوغ المرام إلا أن به شعاع من قتامة تجعل منه مثار مقارنات بالماضي، تأخذني لأجد المبرر لطائفة الآمش المسيحية المنشقة عن طائفة المينونايت؛ ببساطة عيشتها ونأيها عن المدنية وأحدث مظاهر التكنولوجيا والتنافس المادي وانتهاجها الانعزال، وعدم الاختلاط بغيرها بمجتمع مغلق يعمل معظمه بالزراعة.
لكم أن تتخيلوا لو لم يتم اختراع الهاتف الجوال لكنا الآن ما نزال نمارس عادة كتابة الرسائل الورقية بما فيها من شجن وعتب وحب وندم واعتراف وسؤال وتطمين ودردشة، ومعها نرفق البطاقات البريدية بأحر الأماني؛ عوضا عن الرسائل النصية اللحظية التي مكنتنا منها الهواتف الخلوية ومعها تطبيقات التواصل المشبعة بالرموز والإيموجي المختصرة للكلمات بدلا من الجمل المنمقة والمعبرة لما يعتمر في نفس كاتبها، لتستغرق بعد ذلك رحلة بحرية وجوية وبرية لتصل إلى مقر لها بين يدي منتظر يجد فيها الإجابات والأخبار، فيطويها جيدا بعد قراءتها ليحتفظ بها في درج مكتبه أو صندوق رسائله المحتل لمكان بعينه في خزانة ملابسه..


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2090389/آراء/للكبار-فقط-الزمن-الجميل

الأساطير والدين والوثنية

جريدة الرؤية
04-10-2019
عماد أحمد العالم



يُرجع العلماء نشأة الوثنية للعصر الحجري ـ الذي حُدد بمليون سنة قبل الميلاد ـ إلى خمسة آلاف سنة ق.م، حيث كان الإنسان القديم يسعى للتأقلم مع الظروف التي وجد بها، ومعرفة أسرار الكون الذي يعيش فيه مرتبطاً فكرياً وعقلياً، بالعوامل الخارجية المؤثرة بالبيئة التي يعيشها، حيث كان يرى الشمس والقمر والنجوم والمطر والنور قوة للخير عظمى، فيما يخشى الرعد والبرق والظلام ويتجنب شرها وسطوتها، لكنه وفي مسعاه لتمجيد الخير واتقاء الشرّ ألّهها جميعاً، وقدم لها القرابين لشكر الأولى واتقاء شرّ الثانية، فكوّن بذلك مفهوم الرغبة واللذة والمتعة والألم والخوف، التي أدت بدورها لتشكيل فهمه للدين والعبادة وارتباطها الوثيق بكينونة الحياة ونمط عيشه، بما لها من محاذير وواجبات.
يرى هوميروس أن الآلهة من أبناء آدم، في حين يعتقد باحثون أن أولى مظاهر التقديس البشري والممارسة الدينية، قد جاءت بسبب تبجيل أبناء القبيلة لأميرهم ورئيسهم فعبدوه، وبالتالي تكون «عبادة السلف أساس الأديان جميعاً» كما وصفها الفيلسوف هربرت سبنسر.
لكن الإنسان القديم الذي بدأت فكرة العبادة تتكون لديه نتيجة الحاجة والخوف والشكر، وحين تعاقبت أجياله تحولت الممارسات التي انتهجها كتوقير لغلوٍ على يد اللاحقين، الذين كوَّنوا المفهوم الوثني الحقيقي لعبادة الظواهر والخوارق والأشخاص والكائنات الحية من حيوانات ضارية ورعوية، فتناقلوا الأساطير المختلقة حولها التي منحتها المكانة المتوارثة بعد ذلك عبر الأجيال المتلاحقة، فوهبوها ما تصوروا لها من قوى خارقة تتحكم بحياتهم، ومن هنا جاء انقيادهم لعبادتها وإنشاء المعابد، التي يقوم عليها الكهنة، وفيها تقدم القرابين قربى لها وطلباً لمساعدتها وشفاعتها.
لعبت الأساطير، وكان أول من ابتدعها السومريون، دوراً أساسياً في تشكيل الديانات الوثنية الأولى، وعادة ما كان محورها يتركز حول تفسيرات ما وراء الطبيعة وقواها وخلق الإنسان والكون والطوفان الذي قضى على البشرية وسرد القصص بشأنها، مُشكلة من الخرافات التي كان أبطالها الإنسان والجن، وفيها يُحكى عن مغامرات وبطولات خارقة بمبالغة كبيرة، فيما الحكايات الشعبية التي يتم تداولها بين الناس في تلك الفترة، فكانت تستوحي شخصيات الآلهة في مهام وأدوار الحياة اليومية.

إجمالاً تبقى الأساطير في مفهوم الصدق كذباً، ولكنها تمنحنا الوسيلة لفهم كيف كان يفكر إنسان العصور الأولى والقديمة التي سبقتنا وزالت، لكن البعض من آثارها لا يزال قائماً.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2066076/آراء/الأساطير-والدين-والوثنية

الأحد، 29 سبتمبر 2019

الإفراط في التحريم والاستفتاء

جريدة الرؤية
27-09-2019
عماد أحمد العالم



أتمنى أن يقتصد بعض الدعاة في استخدام مصطلح «حدثني ثقة»، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع )، فهذه الوسيلة التي من اللائق القول عنها أنها باتت رتيبة ومملة ومكشوفة؛ هي نهج يستخدمه البعض حين يتحدث ويروي للآخرين رأياً يستشهد به لتجارب مر بها غيره، فكرسها قلة من الدعاة لسرد قصص بعضها قد يكون صحيحا في الأساس قبل إضافة النكهات عليه، وأخرى مُختلقة من نسج مخيلتهم، التي أباحت لهم التأليف في سبيل التوجيه، ظناً منهم أنهم بما يفعلون يحسنون صنعاً ولا يكذبون، فالغاية سامية وهي الدعوة الدينية التي في سبيلها لا بأس بقليلٍ من الخيال!
هذا النهج وكما أراه هو كمن يبتدع بدعة فيسير الآخرون خلفها حتى لو كان الغرض منها الخير، فهو قد سمح بتناقل روايةٍ وانتشارها والتحدث بها، رغم أنها غير صحيحة ولا وجود لها إطلاقاً، وكذلك الأمر شأن البدع التي كانت السبب ببعض فتاوى التحريم قياساً واجتهادا من بعض العلماء والباحثين، الذين أفتوا بتحريم بعض الممارسات، أو ما كان غريباً بمجتمعهم، ويستخدمه الآخرون في الغرب أو دول غير عربية ومسلمة، فاجتهدوا عند سؤالهم عنها واستهجنوها ورفضوها ظناً منهم أن العمل بها او استخدامها من قبيل ما لم ينص عليه الشرع، فبالتالي هي محرمة على المسلمين لأنها مُبتدعة!.
طالعت قبل فترة خبرا ساقه أحدهم عن كتاب قديم صعقني عنوانه الذي سماه مؤلفه «بالرد الصاعق على مجيزي الأكل بالملاعق»، لم أقرأه أو أطلع عليه، لكن وجدت تقديما لأحدهم عنه واصفا إياه بالرسالة القيمة المختصرة، والتي تتضمن تحريم استخدام الملعقة أو ما شابهها لأنها بدعة والبدعة ضلالة، وهي بالنار!.
فكثيرا ما حُرمت أمور قياسا به وعملاً، مع أن في ذلك معارضة جليّة للقاعدة الشرعية التي تقول إن الأصل في الأمور الحلال إلا ما حرّم الله.
إنّ الفتوى يجب أن تصدر بعد استطلاع رأي ونصيحة أهل الاختصاص في العلوم الدنيوية إن كان لهم شأنٌ بها حتى لا تعم الفوضى، فيتهكم علينا العالم مثلاً لأن محدثٍ ما قال بأن الأرض مسطحة وليست بالكروية، وغيرها من الفتاوى الغريبة المسيئة.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2064968/آراء/الإفراط-في-التحريم-والاستفتاء

الفن المنشود

جريدة الرؤية
20-09-2019
عماد أحمد العالم



مُنشية.. تلك القدرة الموجودة بالفن، التي تحرك فينا مشاعر يصعب وصفها أو التعبير عنها، لا تُعرف إلا لمن يمُر بها، حينها سيدرك ماهيتها، التي لا يمكن أن توصف فقط بالتوهان في عالم الأحاسيس اللاشعوري الممزوج بقشعريرة، كتلك التي تصيبك حين تشعر بنسمة هواء باردة تخترق جسدك على حين غفلة، فتستقبلها بإرادة المستسلم الذي لا يملك من أمره شيئاً!
وصف الفن بالرسالة تعبير حقيقي أفقدناه معناه السامي الذي يعبر عنه، بعد أن اقتحمه الدخيل والسفيه، فتحول من أداة للسمو لأخرى تجارية تُثري الجيوب وتثير الغرائز وترسم على محيانا ابتسامة مؤقتة تتبعها قهقهات فارغة لا تلبث أن تزول بعد انتهائها، لنعود بعد ذلك لرتابة حياتنا وانشغالنا من دون أن تنعم أرواحنا بلحظات التحليق في عالم الإنسانية الجميل الذي افتقدناه في زخم دنيا لا ترحم، حولتنا لما يشبه الآلات البشرية المشغولة باستمرار والمستهلكة فيما ينفع وما لا جدوى منه على السواء.
لو استفتينا عينة عشوائية من فئة الشباب عن أكثر ما يثيرهم ويترك مفعولاً رقت له أفئدتهم من موسيقى أو أفلام، لكانت النتائج في أغلبها، ولن أقول صادمة بل شبه متفقة على مقطع ربما رومانسي، هو في حقيقته مبتذل ويحمل مشاهد مكررة للعتاب والفراق أو التلاقي، بعد خصام لحبيبين فرقهما قهر الظروف التي لا تعدو أن تكون فقراً أوغنى أو مكانة اجتماعية، أو عادات وتقاليد مجتمعية من صنع ثقافتنا الفوقية.
إنّ المأساة التي أستشعرها من مثل هذه الرؤى هي أننا بلورنا تفاعل إنسانيتنا وقصرناها بالمشاعر العاطفية، مع أن الأخيرة رغم جمالها وروعة العيش فيها؛ إلا أنها لا تعدو أن تكون الحلقة الصغرى في سلسلة طويلة من الحلقات التي تجاهلناها وتجاوزنا روعة أثرها الطيب في النفوس.
والفن المنشود والغائب عن تصورنا هو ذاك المشابه للحظات يتملكك فيها صوت كورال وعازفو رائعة الموسيقي الألماني كارل أورف، والمعروفة «بكارمينا بورانا» أي الأشعار الدنيوية، وأفضل حركة معروفة فيها المُسماة «أو فوروتنا».. ستتلبسك حالة من النشوة أثناء استماعك لها أشبه بالهلوسة، والانفصام رغم صعوبة كلماتها المستخدمة من عدة لغات، والتي يصعب حفظها وفهمها، إلا أن لها أثراً أشد وقعاً من السحر على الفؤاد، وكفيلة بأن تفصمك وتأخذك معها إلى تلك الأجواء الفنية المنشودة والغائبة. 


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2063989/آراء/الفن-المنشود

الفهم الديني.. والانتقائية

جريدة الرؤية
06-09-2019
عماد أحمد العالم



في الدول الثيوقراطية أو الديكتاتورية المتحالفة مع نخبة مختارة من رجال الدين، يسود مبدأ: «الدين في خدمة السلطة»، والسياسة ورجالاتها لتدعيم مكانة وحظوة رجال الدين.
ليس هناك تاريخ بعينه يُظهر لنا بداية التزاوج المصلحي بين الدين والدولة، هذا التزاوج المصلحي ليس مقصوراً بدين بعينه، فجميع المذاهب والمعتقدات والأديان مارسته واستغلته سياسياً، مجتمعياً، وقانونياً، مساهمة بترسيخ مفهوم التسلط الذي انتقى من المعتقد ما يلائمه لتأكيد الأحقية ووجوب الانقياد والخضوع والطاعة، ومقتبسة بانتقائية التعاليم والنصوص المؤكدة قولها وطلبها، فيما لا يملك المؤمن من الأفراد المكونين للجماعات سوى السمع والطاعة خوفاً من العقاب.
هذا التكتيك الانتقائي يتجاهل عمداً النصوص الدينية الثورية والحقوقية والإنسانية والإبداعية التغيرية والعدلية والمالية التي توجب الشفافية والأمانة والصدق، وتشرح وتوضح للأفراد مالهم وما عليهم، وكذلك الحاكم ورجال الدين وشكل السلطة والحكم.
يجري تعمد تجاهل دعوات التجديد وفق النصوص الدينية المغيبة، ومحاربة المنادين بالتغيير ووصفهم بالمبتدعة، الذين تجب محاربتهم لما لأقوالهم وأفعالهم وزندقتهم من مخاطر هدامة على المجتمع والدولة، رغم أن المطالب تتعلق بالحرية والكرامة والعدالة.
ما يشيع في المجتمعات القبلية والعشائرية ليس ببعيد عن التسلط الديني المرتكب من قبل القائمين عليه، فالعادات والتقاليد والأعراف المجتمعية تتجاوز في سطوتها الانتقائية لنصوص المعتقد الذي يمارسه رجال دين، ولكن هذه المرة المتحكم هم القادة القبليون والعشائريون، الذين يمتلكون سلطة مطلقة مُلزمة لأفراد قبائلهم.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2061925/آراء/الفهم-الديني-والانتقائية

أزمة المقال.. وضحالة كُتّاب الرأي

جريدة الرؤية
23-08-2019
عماد أحمد العالم



هل يصح القول: إني متفاجئ من ضحالة فكر بعض كتاب الرأي في الصحف العربية؟، حيث الانحطاط الفكري والأدبي بات يميز جزءاً لا بأس به من الكتاب وكذلك الكاتبات الذين يتصدرون المشهد الثقافي، فزمن الفكر والمقالة التي تهتز لها السلطة، ويضج لها الشارع، وتتحرك بسببها الأحزاب وتنتفض قد ولَّى، وما بقي منه سوى الورق الذي تتم الكتابة عليه، وفقد فعلياً انتباه القارئ واكتراثه.
ربما يحلو للبعض إلقاء اللائمة على الوضع الاقتصادي وانشغال الشعوب بهمومها، إلا أن المنطق ينفي هذه التهمة، فأسعار الصحف ما زالت على حالها ورخص ثمنها لم يشجع على اقتنائها كالسابق، كما أن ضائقة أغلب شعوبنا لم تتغير منذ الاستعمار ولحد اليوم، ولهذا لا يمكن أن يكون العزوف اقتصادياً! الصحافة في العالم العربي تعاني ولا خلاف في ذلك، ومعاناتها ليست فقط بالحرفية والحيادية وسرعة نقل الخبر وتحليله، فذاك شأن تنازلت عنه لأخرى، واحتلت فيه الصدارة وسائل التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية والقنوات التلفزيونية؛ وإنما بسبب ضعف المنتوج الفكري والثقافي والسياسي الذي ينشر، وتكراره ورتابته وانزواء كُتَّاب الصف الأول عن المشهد بعد انحسار تأثيرهم وعدم اكتراث العامة، يُضاف إلى ذلك انعدام الفائدة المادية من الصحافة الورقية وانعكاس ذلك على ما يتم دفعه نظير النشر.
أغلب الصحف العربية لا تمنح مقابلاً مادياً لكتابها بسبب ضعف المدخول المادي وتقليص الدعم الحكومي وحتى انقطاعه وتقلص حجم الإعلانات بها، كما أنها باتت منبراً للعديد من الدخلاء والمبتدئين والمحظوظين ممن مكنتهم المكانة والجاه والسلطات والسلطان من احتلال الشواغر، التي حرمت منها الصفوة التي تستحقها، وقلصت أعدادها الممنوحة لها.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2060131/آراء/أزمة-المقال-وضحالة-كتاب-الرأي

الثلاثاء، 20 أغسطس 2019

أجنبي ومواطن

جريدة الرؤية
16-08-2019
عماد أحمد العالم



لنقترض جدلاً أننا مواطنون بدولتنا التي نحظى فيها بكامل المزايا التي تميزنا عن باقي السكان من مختلف المِلل والأعراق الذين يمثلون الأقليات ببلدنا، فهم لا يتمتعون بوضعية المواطنة وإنما بصفة الوافدين والمقيمين الذين اختاروا وطننا للعمل لحاجتنا لهم بمقدار رغبتهم اغتنام الفرصة ليحظوا بعائد مالي مجزٍ لم يجدوه في الغالب حيث ينتمون، ومن ثم تحول مسعاهم المادي لنمط حياة تعودوا عليه فأصبح من الصعب عليهم بعد ذلك تغييره والعودة لأوطانهم، ففضلوا الغربة وبدؤوا بتكوين عائلات جيلاً بعد جيل، لكن ذلك لم يغير من حقيقة كونهم أجانب بيننا.
لنقرب الصورة أكثر، دعونا نتحدث عن بلدان أخرى بعيدة عنّا ولكنها تتشاطر معنا بكونها مقصداً للآخرين الحالمين بحياة كريمة، مثلوا بعد تواجدهم بها أقليات متعددة المشارب، ربما كان بعضهم ينتمي للدولة التي تحدثت عنها في بداية المقال، حيث كانوا بها مواطنين لكنهم حالما تركوها لأرضٍ أخرى انتفت عنهم صفة المواطنة، ليكونوا حالاتٍ لاجئة شكلت من جديد أقلية في بلاد الآخرين!.
قبل فترة من الزمن حدث معي موقف حين كنت بزيارة لأحد الدول الآسيوية الفقيرة، ففي السوق وحين كنت أتجول مع صديق وإذا بأحدهم يربت بيده على ظهري، وما إن التفت إليه حتى بادرني بسؤال فضولي باللغة العربية، إلا أنني لم أرغب بالإجابة عليه فتجاهلته ومضيت، فقاطعني معترضاً طريقي قائلاً: «صديق، أنا هنا مواطن وأنت أجنبي، لازم تحترمني»!.
صمت مجدداً ومضيت ولكن كلماته لازمتني، فقد عرّف ذاك الفضولي ومن غير قصد معنى الغريب والمواطن، وهما اللذان يُشتق منهما مفهوم الأقلية والأغلبية، فكل إنسان بوطنه مواطن، لكنه ما إن يغادره لأي غرض سواء كان سياحة أو عملاً أو زيارة، حتى يتحول لغريب أجنبي في دولة سكانها هم المواطنون وزائروها هم الغرباء أو الأجانب الذين لا ينتمون للمكان وفق المفاهيم الدارجة.
الخلاصة، قبل أن نمارس نحن البشر فوقيتنا على الآخرين بحكم تمتعنا بكينونة المواطنة في دولنا، يجب أن نعي جيداً أن هذا العالم هو أساساً عبارة عن كانتونات من الأقليات الكثيرة التي تعيش ببقع جغرافية مختلفة، متقاربة ومتباعدة.. علينا أن ندرك ألاّ أفضلية لأحدنا على الآخر، فالغريب عندنا مواطن ببلده وكذلك المواطن أقلية، وغريب في بلاد الآخرين!


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2059245/آراء/أجنبي-ومواطن

زوجة واحدة لا تكفي

جريدة الرؤية
09-08-2019
عماد أحمد العالم


عادة ما نسمع في المناسبات والمسّرات دعاء الضيف لمضيفه أو شكر أحدهم لآخر بعبارة: «بارك الله فيك وزوّجك بكراً»، وما على شاكلتها التي بمجملها دعوات ومجاملات شائعة بين العرب، وهو ما يظهر دون مواربة ثقافة ذكورية أخذت من التعدد ظاهره دون شروطه التي يستحيل تحقيقها وعلى رأسها «العدل»، الذي ورد بقول الحق: «وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ»، وبالتالي التعدد الذي لا أنفي جوازه شرعاً بل أدعوا للأخذ بشروطه والعمل بها في الحالات الخاصة جداً التي تستدعيه، حتى لا تُظلم الأنثى بسبب نزوات رجل مِزواج لا هم له إلا الجري وراء شهواته دون اعتبار لحقوق نسائه الأخريات.
الغريب أن العرب فطاحل في اللغة، ولديهم من الشعر والنثر وعبارات الشكر والثناء ما يملأ السطور، لكنهم يتجاهلونها بمجملها في مقابل ما يرضي غرورهم ويسعد الأنا لديهم، فجميعها، والحديث هنا عن عبارات الثناء، يُثاب قائلها حتى لو كانت ابتسامة توازي الصدقة بأجرها؛ ومع ذلك وبانشراح لا يخلوا من بلاهة وضحكات تتبعها قهقهات، يتم تكرير الدعوة لصاحبها بالزواج رغم عقود عمره المديدة «ودرزينة» أبنائه في المنزل إن كان كهلاً، أو حديث عهد بالزواج والذرية!
للأمانة، قلما تجد رجلاً قيلت له هذه الدعوة فرفضها، وأنّب قائلها مع دعوات بأن يديم الله عليه وزوجته المحبة والمودة، وتركه بعد ذلك بعد أن أشاح بنظره عنه متبرماً غضبان حزيناً على هذه الدعوة التي تجعل في القلب حسرة عبر أخرى غير رفيقة الدرب والعمر.لكل رجل ينظر إلى زوجته بعد عقود وسنوات من الزواج فتبادره نفسه مراودة لتكرار التجربة، أدعوه فقط لأن يتصفح ألبوم صور زواجه، وليرى كيف كانت من ينوي كسر فؤادها؛ مترفة الحسن والدلال والقدّ، لكنها وبعد الإنجاب والسهر على تربية الأبناء وتعليمهم والقيام بواجباتها تجاه زوجها ورعايته والصبر على نزقه وتغير شكله وكبر «كرشه»؛ اكتسبت بعض الوزن وازدان شعرها بالمشيب مع هالات حول العين وتجاعيد الزمان التي لم تشأ أن تخفيها بعمليات تجميل تثقل كاهله، الذي يشكو من نوئه بسبب كبر الأبناء وازدياد متطلباتهم في الحياة، لكنها جميعاً سرعان ما تختفي حين تلمع فكرة التثنية والتثليث والتربيع في مخيلته والحجة العمل بالسُنة التي تكثر سُبلها لمن أراد الاقتداء بالمصطفى الأمين!


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2058460/آراء/الساحة/زوجة-واحدة-لا-تكفي

النسوية بين المشروع والممنوع

جريدة الرؤية
02-08-2019
عماد أحمد العالم



الحديث عن النسوية هذه الأيام ليس بذي شجون وإنما بذي سجون، والتي ليست هنا بالمتعارف عليها قضبان حديدية تستخدم لنزع حرية من ينال ويستحق العقاب، وإنما سجن العقل بين مشروعية الحقوق وبلاهة المطالبة بها! إن لكل قضية عادلة منهجاً ناجحاً يفترض السير عليه، ولضمان تحقيق المطالب لا بد من أن يكون السعي لها على كثرة العوائق وفق خطوات محسوبة، ودلائل لا تقبل الدحض، وحجج تتغلب على عقود من ثقافة مجتمعية، وقبلية ذكورية مستفحلة، ومتمكنة من روح الجموع، وجزء من كينونتها التي باتت بفعل الزمن جينية من الصعب تعديلها وراثياً.
لذا لا بد من ثورة فكرية كتلك التي تَصدرها «روسو» بالعقد الاجتماعي، لتنتفض فرنسا وتثور لتغيير المفاهيم وتعلن المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، ولتحصل المرأة على الإعلان المفروض لحقوقها فلا بد من أن تبدأ ثورتها بمطالب توعوية غير تصادمية مع مجتمعاتها، وتقدم أطروحاتها برُقي فكري عقلي ومنطقي وإنساني لا يملك المقابل لها وهو «الرجل» سوى الإذعان ليس فقط بسبب القانون الذي يؤطره، وإنما الاقتناع وهو الأهم للاتباع والانقياد، دون استفزاز كالذي جربت العديد من المنضويات للنسوية اتباعه كمنهج للتعريف بمظلومية المرأة، والمطالبة بحقوقها المهضومة، وهو أمر لا بد من الإقرار به كواقع يمثل المجتمعات الشرقية بجميع أطيافها.
ليس من الذكاء مثلاً أن تتظاهر مجموعة نسائية بعري كي تلفت انتباه المجتمع للعنة الاغتصاب ولتجريمه أو زواج القاصرات، كما ليس من الحكمة مثلاً أن تُنشر مقالات مستفزة كتلك التي تتبجح كاتبتها بممارستها للجنس خارج إطار مؤسسة الزواج، أو تطالب بتعدد الأزواج، ولو كان كلا المطلبين من قبيل الاستعارة المجازية لفضح ممارسات ذكورية قلصت حقوق الأنثى بالمجتمع وسلبتها إنسانيتها وعرضتها للجور والظلم.
للجسد، سواء المرأة أو الرجل، حُرمته وعِفته، وانتهاك تلك الهالة البشرية من كلا الجنسين على حد سواء خطأ لا يخدم القضية، ‏فابتذاله بعبودية رخيصة امتهانٌ له لا يسمى «حُرية» ها هنا.
ومن المفروض بالنسوية ولكل المطالبات بحقوق المرأة أن ترفض ابتذال الجسد لأنه لا يخدم قضيتها نهائياً في مجتمعاتها وإن صفق له الآخرون، فرغم أن الحرية الشخصية لها قداستها إلا أنها ضمن الإطار المقبول مجتمعياً وليس حصراً تنفيذه على المرأة، بل الرجل كذلك الذي يتساوى معها في القوانين الوضعية والسماوية في الثواب والعقاب والحقوق والواجبات.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2057438/آراء/النسوية-بين-المشروع-والممنوع

أدب الصعاليك.. نماذج عربية

جريدة الرؤية
26-07-2019
عماد أحمد العالم



أن تقرأ لأدب الشُطار أو «البيكارسكية» المعروفة أيضاً بالصعلوكية فتلك مشقة تتبعها ظنون تُغالب القارئ، وهلاوس ومشاعر متناقضة من التقزز والإعجاب، إلى الاستياء والنقمة، من القهر الذي يولده الحرمان والحاجة والفقر والظلم الاجتماعي والأسري، الذي يتأثر به أفراد فينعكس على نمط حياتهم وما ستكون عليه الأيام عليهم من مشقة وضناء ستلعب دوراً أساسياً في تصرفاتهم ونمط معيشتهم.
بدأ هذا الخط الروائي النثري بإسبانيا، ومنها انتشر لأوروبا وأمريكا، وتميز اهتمام النص فيه بالطبقات الدنيا وكفاحها المستميت في سبيل حياة وبيئة قاسية مليئة بالمحن والمخاطر، والحياة المتحررة من القيم، تُروى عادة بضمير المتكلم أو الغائب، وأشبه بالسيرة الذاتية الهِجائية للمجتمع المنحاز لقيم بعينها فرقته لطبقات، المتضررة منها عادة ما تكون المهمشة والدنيا، التي لا يملك الراوي إلا انتقادها في إطار سردي وصفي ليومياتها بما فيها من معاناة وقهر وحاجة وضيم ومعيشة بلا ضوابط.
عربياً، أبرز من انتهج هذا النمط الأدبي الروائي المغربي محمد شكري، الذي يروي تفاصيل حياته في رواياته التي تمثل سيرته الذاتية ثلاثية الأجزاء (الخبز الحافي، الشُطار، وآخرها وجوه)، وأَطر فيها لأدب البائسين الحداثي، المتحرر من الضوابط الأخلاقية في الكتابة والوصف والكلمات المستخدمة، التي تطغى على البعض منها الإباحية والصراحة المطلقة بتسميته الأشياء بمسمياتها المجردة دون مواربة وتعفف، يستشعر العديد التقزز لفحشها، مصوراً مشاهد معاناته المؤلمة الواقعية بأبشع صورها، دون تجميل وبلا تلطيف تتوارى خلفه الكلمات المُميّعة والأوصاف المُبهمة المُخففة لقتامة الواقع.
محمد شكري، الذي وصف حياته بدايةً في روايته الأولى؛ بمزيج من التشرد والإجرام والانحلال، وجد لنفسه بالجزء الثاني منها (الشُطار) بصيص أمل في التعليم، الذي بدأه بالتحاقه بالمدرسة وهو في العشرين من عمره، لينتهي به الحال بعد كفاحٍ مُدرساً، ولم يمنعه وضعه الجديد من الاستمرار بنمطه القديم، والذي لم يندم عليه كما ذكر في خاتمة روايته (وجوه) وتحدث عنه بإسهاب ودونما مواربة وتجميل، والإباحية المفرطة في رواية الخبز الحافي منعتها من التواجد في العالم العربي وببلده المغرب حتى عام 2000، رغم أنها لم تنشر بالعربية إلا بعد سنوات من ترجمتها للإنجليزية والفرنسية، مثيرةً ضجة حال صدورها.
ومن أبرز كُتاب أدب الشُطار من المغرب الأقصى المتأثرين بالأدب الإسباني، منهم محمد زفزاف ومحمد الهرادي وبنسالم حميش والعربي باطما.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2056265/آراء/أدب-الصعاليك-نماذج-عربية

السبت، 20 يوليو 2019

عِش الشيخوخة إلكترونياً!

جريدة الرؤية
19-07-2019
عماد أحمد العالم



في أوائل سنين المراهقة؛ يستعجل حديثو العهد بالرجولة الظهور أكبر عمراً مما هم عليه، وربما مردُّ ذلك لأسباب بيولوجية تقلب عالمهم الطفولي السابق رأساً على عقب، فتطمح أنفسهم للولوج إلى عالم الكبار المليء بالصلاحيات والامتيازات التي حُرموا منها وهم صغار في السن.
وهناك أسباب أخرى، والتي قد تكون مجتمعية وقبلية أو حتى عاطفية، فالشاب المتفتح على العالم الجديد، من السهولة أن تتأثر عواطفه بنظرة حانية أو لمسة والتفاتة من الجنس اللطيف، وبالتالي يصبح عرضةً لتيارٍ جارف من العواطف المتفجرة، التي ترفض الاستهزاء بها وترفض أن تُمنع عن غاياتها، فتميل تلك النفس إلى محاولات لإثبات الرجولة بتصرفات وأفعال يستهجنها من حوله ويرجعونها عادةً لفترة المراهقة، فيما يجد الشاب نفسه في دوامة تحدي الذات والمجتمع والأسرة دون عضدٍ أو مُعين.
والمهم أني ما بدأت مقالي هذا لدراسة الظاهرة، فلست من علماء النفس والاجتماع وإن كنت أتمنى ذلك، أما الموضوع الذي أريد التحدث عنه، وجرفتني مقدمتي عن سواه، هو انتشار تطبيق على شكل واسع جداً الأيام الماضية، تلقفه كلا الجنسين من رجال ونساء، فوضعوا صورهم فيه، وشاهدوا أنفسهم بعد انقضاء فورة الشباب في عالم الكهولة الذي نخافه جميعاً ونخشاه لما فيه من خسارة لنضارة وقوة ونشاط، ف «الستين» هي سن التقاعد في أغلب دول العالم تعد بعالمنا العربي مرادفاً لمشاعر الكآبة والمرض، فيما الشعوب المتصالحة مع ذاتها تجد فرصة للاستماع بالحياة.
ويقوم البرنامج وبعد تحميل صورتك بمعالجتها ليُظهر شكلك وأنت شيخ هرم.. انتشرت الصور بكثافة عبر وسائل التواصل، فتبارت النسوة بإظهار نضارة لا تزول وشعر لا يشيب، وعيون لم يُفقدها التقدم في السن بريقها، وشفاه لا تزال منتفخة ونضرة، وأسنان كاللؤلؤ المرصوص، وفمٍ كخاتم لازورد.
وبالمقابل، بدا الرجال بوجوه مكفهِّره وملامح قاسية ولحى كثّة وتجاعيد قاسية؛ يظهر فيها للرائي أنهم بنشرهم صورهم، وهم على هذا الحال، متصالحون مع ذواتهم، وبالمرحلة العمرية التي وجدوا أنفسهم بها بعد أن عاشوا دهراً، بمجتمعات يعكس العيش فيها ما تراه على وجه أحدهم بعد أن بلغ العقد السادس من عمره، هذا مع قليل القليل من حب البعض للدراما واللطم على ضياع الشباب، فيما تظهر صور النسوة أنهن يحببن الحياة ولا يَشِخْنَ ولا يذبلن بعد أن قهرن العمر فتوقف العداد عن الحساب، وتسمّر عند العشرين لا يجاوزها ساكناً!


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2055107/آراء/عش-الشيخوخة-إلكترونيا!

عشاق بني عذرة.. والـ «دون جوان»

جريدة الرؤية
12-07-2019
عماد أحمد العالم


«دون جوان» الفارس الأسمر الوسيم ذو السيف المتدلي من وسطه بزيه الجميل، وحضوره الفاتن، وطلعته البهية، ونهمه النسائي، وغريزته المتفجرة اتّضح لي أنه حقيقي، وكان أول من صاغه وتحدث عنه الشاعر الإسباني غابريل تيليز، الذي كتب مسرحية ماجن إشبيلية المنتقدة لفسادٍ أخلاقي تفشي ببلاده في عصرها الذهبي، حين أصبح تغرير الشباب بالعذارى من الفتيات شائعاً، فتصدَّى الكاتب للظاهرة ناقداً.
لكنه، وبعد خلقه تلك الشخصية نقل عدواها لسواه من الكتاب والكاتبات الذين ألهمهم قصصاً لرواياتهم، ولا تزال تُكتب حتى يومنا هذا، بل باتت وصفاً يطلق على من يُعتبرُ بعيون البعض النسوي الجميل المُتيم بالأنثى، فيما يراه آخرون فاسقاً ذا علاقات لا حصر لها.
أما النساء محور بطولاته ففيهن من تراه فارس أحلامٍ ما إن تنال وصاله حتى تلعنه بعد اكتشافها لحقيقته، فهو كالرجل المزواج، الذي لا تمضي شهور على اقترانه بفتاة حتى يتحول لغيرها، وهكذا حتى لا تعدوا الأنثى في مذكرته أكثر من رقم تضاف له أخريات كلما سنحت الفرصة، وهم وبكل أسف كثيرون في مجتمعاتنا، حيث المرأة الطرف الذي تُفرض عليه إرادة الآخرين.
قصة الدون جوان قادتني لكتابٍ فيه بجانب قصة اللعوب شرح لمعنى الحب العذري، فاكتشفت أن التسمية تعود لقبيلةٍ عربية اسمها بني عُذرة، عُرِف عن محبيها موتهم حباً وإخلاصاً لمحبوباتهم دون التفكير بالزواج بهن ولو كان متاحاً وممكناً، فالحب لديهم ربما كان من أجل الحب أو كي لا يفسده رباط الزوجية، فمتعته في لوعته ولذته في عذابه والسمو به بفقد صاحبه حياته فداءً له.
قول أحد «الحبّيبة» من بني عذرة حين استهجن سائلٌ حبهم واستحمقه: «والله لو رأيتم المحاجر البلج ترشق بالأعين الدعج من فوقها الحواجب الزج والشفاه السمر تفتر عن الثنايا الغر كأنها نظم الدرر، لجعلتموها اللات والعزى ولنبذتم الإسلام وراء ظهوركم»!
قد يستهجن البعض تجديف الشاب بوصفه لجمال محبوبته، فلو كن كما قال فلربما ضُرب المثل بنساء بني عُذرة من فرط جمالهن، ولتسابق العرب لخطبتهن، لكن ما أثارني بقوله هو أن بعض قصص المحبين، قد أنبأتنا أن منهم من قد تحول عن دينه واعتنق دين المحبوب أو المحبوبة، تتويجاً لانصهارٍ روحي وجسدي لا يكفيه أن يكون العشق لأجل كينونته فقط، وإنما من أجل النهايات السعيدة.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2054047/آراء/عشاق-بني-عذرة-وال-دون-جوان

فقه الأقليات المهاجرة

جريدة الرؤية
05-07-2019
عماد أحمد العالم



في المجتمعات مزدوجة المعايير، ومنها مجتمعاتنا العربية، نجدها كما وصفها علي الوردي في قوله: «العرب إن خيروا بين دولتين علمانية ودينية، لصوتوا للدولة الدينية وذهبوا للعيش في الدولة العلمانية..!».
من طرفي سأضيف: لن تستبعد أن تجدهم فيها قد خرجوا بمظاهرات للتنديد بعلمانية الدولة وقوانينها، مع خطاب متشدد، متناسين أن من كفل لهم حرية الرأي والتعبير عنه قوانين تلك الدولة العلمانية.! بصراحة شديدة جداً ودون تبرير، نتساءل: هل تسببت الجاليات العربية المسلمة المهاجرة في ردات فعل تجاهها، تمثلت لاحقاً بالقوانين التي تمنع النقاب، وتوجب السلام باليد في مراسم منح الجنسية؟، وهل لا يتلاقى مبدأ قدسية الحريات العامة معنا كمسلمين فقط، أم ينطبق على كل من هو غير مسيحي ويعيش في الغرب؟، وهل السبب بأن فصل الدين عن الدولة يتماشى فقط مع المسيحية التي تمثل المعتقد الأساسي لشعوب تلك الدول، ومع ذلك حُجمت ممارستها لدور العبادة ومُنعت من التدخل في الشؤون العامة والخاصة بعد التجربة المريرة للحروب الدينية التي مزقتها في عصور الظلمة؟.
لا بد أن نُقر بأن الغرب ليسوا ملائكة وبلدانهم ليست جنات عدن، كما يحلو لشعوب العالم الثالث تصورها، وقوانينهم عملياً وعلى أرض الواقع ليست على الدوام تقدس حقوق الإنسان وتضمن حريته، فهي وإن كانت طبقت ما لم نستطع الوصل إليه، إلا أنها وبالأساس وضعت لتسيير نمط حياة شعوبها، أما من يصلها طالباً اللجوء فيها فعليه إن شاء الاستمتاع بتلك المزايا والحقوق أن يلتزم بما يسبقها من قوانين وممارسات، وأن يكون عمله بها من باب تقمص روح القانون لا الخوف منه فقط أو التحايل عليه تجنباً لتطبيقه، فمن شاء أن يستوطن دولهم عليه بالمقابل أن يظهر لهم استعداده لأن يتأقلم معهم، وهو ما لا يستوجب التخلي عن المعتقدات والالتزام الديني، بل ببساطة الاندماج مع المجتمع والاحتفاظ بالموروث وممارسته في العلن بما لا يتسبب بإشكالات ثقافية ومجتمعية.
لا بد لعلماء المسلمين ومؤسساتهم تفعيل وتأطير «فقه الأقليات المهاجرة» التي تستهدف فقط المهاجرين المسلمين المستوطنين بالدول الغربية لمساعدتهم على فهم ما عليهم من حقوق وواجبات، تجاه الدول التي يقيمون بها من جهة، وتجاه دينهم من أخرى.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2053103/آراء/فقه-الأقليات-المهاجرة

الجمعة، 21 يونيو 2019

الخليج العربي أصل السامية

جريدة الرؤية
21-06-2019
عماد أحمد العالم



يقول سبتينو موسكاتي، الباحث في الحضارات السامية وأحد أبرز علمائها اللغويين، وأول من أكد أنها كلٌ لا يتجزأ ووحدةٌ غير منفصمة في كتابه «الساميون في التاريخ القديم»: إن لفظ «ساميون» حديث الوجود وقد استخدم في البدء أواخر القرن الثامن عشر على لسان أوجست شليزر، حين وصف ساكني البحر المتوسط من شعوب إلى نهر الفرات، ومن وادي الرافدين جنوباً إلى الجزيرة العربية بالساميين، لكونهم يتحدثون لغة واحدة رغم كونهم آشوريين وعرباً وعبرانيين وبابليين، وهو الذي استقى المسمى من أحد أسفار العهد القديم اليهودي، حين وصفهم بسلالة سام ابن نوح، وهم حسب التوراة أسلاف الآشوريين والآراميين والعبرانيين.
ينكر علماء آخرون هذا القول، الذي يُرجع سام بن نوح لأصل السامية بناء على دراسات علمية بحثية مطلقة قائمة على الدليل ولا «دينية»، اختلفت مع الأخيرة في تقديراتها من حيث عمر الوجود البشري وشجرته العائلية، التي تتنافى مع واقع انتساب شعوب وقبائل بعينها لسام بن نوح.
فيما يؤكد اللواء أحمد عبد الوهاب في أبحاثه المنشورة أن السامية، وفقاً للمعايير العلمية لعلم الأجناس، تنطبق على الشعب المكون من مجموعات إنسانية بعناصر وأجناس، مختلفة متجانسة مع بعضها بعضاً، بسبب موقعها الجغرافي وعوامل اللغة والثقافة والتاريخ، لذا نجده كمسمى لغوي ينطبق على الشعوب، التي تتحدث اللغة السامية، والتي سكنت منطقة سامية واحدة من شبه الجزيرة العربية والعراق وسوريا، والتي رغم تعدد لهجاتها المنطوقة إلا أنها متقاربة مع بعضها إلى حدٍّ كبير.
هذه الشعوب انطلق بعضها في الأساس من شبه الجزيرة العربية للمناطق المجاورة لها سعياً للتوسع بسبب الاكتظاظ والرزق، ومن هنا يمكن أن نُعرّف الساميين بأنهم في الأساس وبأولى عصور التاريخ هم سكان شبه الجزيرة العربية الذين عاشوا بتجانس لغوي واجتماعي وأصولي، وهم مهد الجنس السامي، الذي هاجر أفراده لبلاد الرافدين وسوريا والحبشة، وارتبطوا بلهجات الشرق الأوسط المستمدة من اللغة السامية كالعربية والأكدية والفينيقية والآرامية والعبرية والحبشية، وهي بذلك لا تعني جنساً بعينه وإنما صفة تطلق على بعض لغات الشرق الأوسط الحية، وما استمر منها في الاستخدام وتوارثته الشعوب وما اندثر ولم يعد موجوداً في عالمنا العاصر.


المصدر صحيفة الرؤية:- https://www.alroeya.com/article/2050983/آراء/الخليج-العربي-أصل-السامية

الخميس، 20 يونيو 2019

الكتابة.. جنون وفنون!

جريدة الرؤية
14-06-2019
عماد أحمد العالم



ما الذي يجعلنا نغوص في جنون الكلمة لنكتب ونكتب ثم نكتب مع اعتقادنا أحياناً أن لا أحد يكترث لتلك الدوامة من الجنون التي نعيشها لنوصل ما يعتمل في أنفسنا للآخرين، الذين قد تبدو النسبة الكبرى والعظمى منهم لا تكترث حتى لكلمة مما نسطره من أفكار اعتصرتها مخيلتنا، وبذلت فيها أغلى ما تملك، وهي الكلمات التي تمثل لها الثروة التي يجب ألا تنضب إن أرادت الاستمرار في الإكسير الذي يمدها بالحياة.
القراء هم الفئة المستهدفة، ومن يملك ذاك السحر القادر على زرع الابتسامة والرضى في قلب راوٍ أو كاتب عابس لم يذق طعم الراحة لساعات وأيام، وهو يسطر ما يعتمل في نفسه ليطلع عليه الآخرين، ليحدث ذاك التغيير المرجو عبر إيصال فكرته التي يظنها عصا موسى، عبر سطورٍ في ورقٍ قد يُقرأ، وقد يرميه أحدهم، أو تجعله إحداهن «كسفرةٍ لطعام» تُرمى مع ما تبقى منه، لكنه وإن كان ذا حظ، سيجد طريقه لأن يُحتفظ به ويُقدّر وينتقل من يدٍ لأخرى معجبة ومقدرة وإن كانت حتى ناقدةً وغير متفقةٍ معه، إلا أنها راضية بأن تناقشه وتفند طرْحَهُ.
الكتابة هي فن الحديث بصمت، وهي جنون الوحدة ودوامة التّيه وخرائط اللانهاية، وهي إيماءات ذاك الراعي الذي لا يعرف غير السهول التي يُرافقه فيها قطيعه، الذي يفهمه عبر ما يصدر عنه من حركات تمثل لغة التفاهم بين عاقلٍ ومُسيّر، أجبرتهما ظروف الزمان والمكان على أن يتحدا في بوتقةٍ واحدةٍ تشكل عالمهما المعروفة نهايته لأحدهما، والغامضة عن الآخر.
الكتابة إدمان يصعب التخلص منه، حتى لو لم تجد مكاناً تنشر فيه ما تكتب، فاضمحلال الفرص لا يعني التخلي عن ملكة تجري كالدم في العروق، فهي حوار الإنسان مع ذاته عبر الكلمات، التي بخروجها من عهدته يكون قد حررها لتجد طريقاً لها صوب قارئ مرجوّ يعرف قيمتها، وحتى إن ضلت الطريق فستجده يوماً، فندرة الفرص وصعوبتها لا تعني استحالتها، فليس فقط لكل مجتهد نصيب، بل هو لكل مثابر وصابر يأبى أن يصيبه قنوط تسببت به مملكة الصحافة في وطنه الغارق بهمومه هو الآخر، والذي يرى القائمون عليه أن رغيف الخبز أولى وأهم من كلام الجرائد!


المصدر: صحيفة الرؤية: - https://www.alroeya.com/article/2050797/آراء/الكتابة-جنون-وفنون!

روايات متمردة .. وآراء متعصبة

جريدة الرؤية
07-06-2019
عماد أحمد العالم



قليلة هي الروايات التي تترك أثراً في قارئها يتعدى السعادة والحزن لما جرى بها ولشخصياتها؛ إلى حالة من المتعة التي تتجاوز النشوة وتمتد لأيامٍ بعد ذلك، فتبقى مع مطالعها متشابكةً مع أفكاره ومتمازجةً مع أحاسيسه، تتبادر لذهنه على فترات يستحضر بها أحداثاً وحوارات وأفكاراً ومشاعر، يتصورها بمخيلته وتراها عيناه كأنها واقعٌ يحدث أمامه، ليجد نفسه جزءاً منها يدلي برأيه بها، الذي يمتد لمحاولات عقله تغيير مجراها على غير ما سارت عليه لتتخذ مناحٍ أخرى تتناسب مع رغباته.
دأبت على النأي في الأغلب عن قراءة الروايات التي تثير جدلاً من نوع المحرم بمجتمعاتنا العربية، وتركها لتخمد عواصف النقد التي تترافق معها، لقناعتي أن الحملات الإعلامية والمجتمعية رغم قدرة الفرد المحصن على النأي بنفسه عن تأثيراتها؛ فإنه وباحتمال لا بأس به قد يناله قسط من قناعات سابقة، في حالٍ تتشابه بها الظروف مع هيئة المحلفين في المحاكمات، الذين يحرص القضاة على توجيههم بعدم التأثر بما يثيره الإعلام حول القضية، إلا أنهم بشرٌ في النهاية ولا بد أن ينالهم جانب من التأثير الخارجي على قراراتهم.
بعد أن يطال النسيان ذاك العمل الروائي، وتتوقف المقالات والندوات والكتب التي تنال منه أو تؤيده وتدافع عنه؛ أعود لأقرأه بعيداً عن أية أفكارٍ مسبقة، نحيتها لأتفرد بالعمل بروح قارئ يرضي نهمه للاطلاع.. غالباً ما أكتشف بعد الانتهاء منه أن الكثير مما قيل من كلا الضدين المدافع والمناوئ؛ بني على أفكارٍ مسبقة متسرعة ولا موضوعية، أخذت الرواية بمفهوم ضيق قائم على سطور وأفكار محدودة جدلية تاركةً الكُّل، ومتغافلةً عما يُراد قوله.
التركيز الانتقائي على الاختلاف هو ما يذكي الانتقاد الانتقائي، الذي يظلم نتاجاً مميزاً بسبب خروج مؤلفها عن تابوات ممنوعة ومحرمة، يتعرض كل من يرويها حسب مفهومه لهجوم مبني على موروثات دينية وثقافية ومجتمعية قد تكون على صواب، تقابلها أخطاءٌ للراوي، الذي بعد أن أشار البعض لعمله بغفلةٍ عن الأغلبية غير المنتبهة وحتى التي لا تكترث؛ تحول لفجور بالخصومة وإثم أخذت العزة صاحبه.
حين تتقادم القصة أو الرواية المميزة المثيرة للجدل، تزداد قيمتها الأدبية وتتضح أكثر أفكارها، حينها يكون الحكم عليها قائماً على المنطق والعقل بدلاً من الحمية اللحظية، التي يغذيها التعصب والاستنتاجات المحسومة مسبقاً.


المصدر: صحيفة الرؤية: - https://www.alroeya.com/article/2049154/آراء/روايات-متمردة-وآراء-متعصبة

الثلاثاء، 21 مايو 2019

الديمقراطيات.. والتواصل السياسي

جريدة الرؤية
17-05-2019
عماد أحمد العالم



«الإيزيغوريا» هو اللفظ المرادف للديمقراطية، وإن كانت الأخيرة قد قامت عليه، ويعني حق كل مواطن من أثينا أياً كانت مهنته، سواء كان فلّاحاً أو محارباً أو حرفياً في التحدث والتصويت في الجمعية التي كانت تمثل المجلس النيابي بأثينا القديمة، والتي كانت الأولى في تبني الديمقراطية كمفهوم للممارسة السياسة في العالم، حيث ظهرت فيها أولى مظاهر حكم الشعب، فحرصت على عدم تبلده، وارتباطه المباشر بالحاكم ومن يمثله من نواب الجمعية، الذين كان ارتباطهم مع الجماهير أكثر حسية وجسدية عبر التواصل الخطابي المباشر معهم، مستخدمين الموهبة والقدرة الخطابية لإقناع أكبر عدد من الحاضرين المستمعين إليهم.
لم يسِر الرومان والدولة الأوليغاركية (حكم الأقلية) على النهج الأثيني وإن لم تنقطع صلتهم بالشعب، فقد انتهجوا أسلوب الترفيه والمشاركة الشعبية في المناسبات والأعياد والاحتفالات للاحتفاظ بصِلاتهم بالمحكومين، وهو وإن كان يمثل صلة الوصل بين الشعب وحكامه؛ إلا أنه يُرى من جانب المشككين كتهميش لدور الجموع في السلطة وإلهائهم عنها بالبدائل الاجتماعية والدينية والاحتفالية، وهو وإن كان شكلاً من التواصل الديمقراطي إلا أنه عادة ما ينتهي للديكتاتورية التي تسبقها حالة اللامبالاة الشعبية السياسية.
اعتباراً من نهاية القرن التاسع عشر انحسر التواصل الحسي والصالونات السياسية والتجمعات النخبوية وإن لم تنته؛ للدعاية الإعلامية القائمة على وسائل الإعلام من صحافة ونشر في البداية للإعلام المسموع والمرئي لاحقاً، والذي وإن لم يلغ المؤتمرات والندوات الخطابية، إلا أنه اقتصر دورها على الأتباع والمؤيدين أثناء المناسبات الانتخابية وفي التحضير لها، فيما كرست وسائل الإعلام الجديدة الوصول لجميع أطياف المجتمع بمختلف فئاته وشرائحه، لتنشر الوعي من جهة، لكن بعضها بالمقابل شوهت الديموقراطية عبر عدم استقلاليتها ونهجها للأساليب الرخيصة لتشويه الخصوم وتضخيم الأخطاء، وجرفه صوب الاستقطاب الهدام.
كما أنها قلصت العفوية لدى محترفي السياسة ومنحتهم فرصاً أكثر لتورية عيوبهم وللتغير والتلون حسب استطلاعات الرأي ورغبات الناخبين والجو السياسي العام، يساعدهم في ذلك نخبة من المستشارين والمساعدين وكتاب النصوص والبيانات الصحفية والإعلامية وشركات العلاقات العامة وحتى علماء الاجتماع المستقطبين، فلم يعد التميز والنجاح حكراً فقط على تلقائية السياسي ومهارته في الخطابة واستعمال لغة الجسد كما كان سارياً في ديمقراطية أثينا القديمة.


المصدر: صحيفة الرؤية: - https://www.alroeya.com/article/2046801/آراء/الديمقراطيات-والتواصل-السياسي

السبت، 11 مايو 2019

أخلاقيَّات الحرب في الأديان

جريدة الرؤية
09-05-2019
عماد أحمد العالم



يُصر أغلب المؤرخين على أن الأديان المسبب الرئيس للحروب لما تحتوي عليه بين ثنايا قوانينها، التي تنسبها للإله، من نصوص مقدسة ينبغي الأخذ بها كمسلمات، فيما تعمل السلطات الدينية على تعزيز تلك القناعة باستنباطها الدليل اللاعقلي، الذي تستشهد به لضمان الطاعة والمشاركة.
في الكاثوليكية المسيحية مثلاً، قالت الكنيسة إنه يوحى لها من الروح القدس بالأوامر التي تحقق مشيئة الإله، فهي الوسيط بين عامة الشعب أو المؤمنين وبين الخالق الذي يتوجب إطاعة أوامره عبرهم، وهذا الدور الذي انتهجته الكاثوليكية بالاضطلاع بالوساطة لم يقتصر على الحرب، بل على مفهوم المغفرة عبر طقس الاعتراف وصكوك الغفران، التي تسببت بالانشقاق الثاني عليها بعد الأرثوذكسية، وتأسيس البروتستانتية لتغرق أوروبا بالاضطهاد الديني الأبشع في التاريخ الغربي بحجة الدين، وإن كانت أسباب أخرى كثيرة، أبرزها: سياسي استعماري تغلفت بها واستغلتها لاستمرار الزخم الضروري لإعطاء بشاعة الحرب والنهب والسلب والاعتداء والقتل الممنهج ما يبرره، في تضارب مع المبدأ الأسمى الذي دعا له المسيح عليه السلام «لا تدينوا لكي لا تدانوا» وقوله «الله محبة»....«وأما أنا فأقول لكم: أحبوا أعداءكم وباركوا لاَعِنِيكم».
هذا التغاضي عن دعوات رسول المحبة لم يكن فقط للمسيحيين أنفسهم، وإنما شمل المختلفين والأعداء، تم تجاوزها بتبريرات دينية قام على تحويرها وفق ما يخدم الغرض رجال دين استنبطوها وفسروها، وبتوافق مصلحي مع الأخلاقيين السياسيين (حسب تعبير الفيلسوف إيمانويل كانط)، الذين استغلوا مفاهيم الدين بخطابهم التعبوي (الواقعية السياسية) لتبرير حروب هي في الحقيقة سياسية ولكنهم روّجوا لها كدينية.
لم يبتعد الإسلام كذلك عن كونه دين سلام وداعياً للمحبة ونابذاً للحرب إلا في حال الضرورة ووفق قوانينها، فقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «لن تدخلوا الجنة حتى تحابوا»، ويقول الله سبحانه وتعالى «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين» أهمل التاريخ كيفية إسهام الأديان في منع العديد من الحروب عبر الزمن، والتي جرى البعض منها بتكليفٍ انتقائي منها، مقابل القرن العشرين الذي شهد أوج اللادينية المادية والعلمانية المتسببة حروبها بعشرات الملايين من الضحايا، تفوق الناتجة عن سابقاتها عبر التاريخ أجمع!.


المصدر: صحيفة الرؤية: - https://www.alroeya.com/article/2045871/آراء/أخلاقيات-الحرب-في-الأديان

الجمعة، 26 أبريل 2019

التداوي بالوهم

جريدة الرؤية
26-04-2019
عماد أحمد العالم



ذكر الفيلسوف الإيطالي (بومبانازي) أن بعض المحتالين قاموا في القرن السادس عشر ببيع عظام حيوانات لمرضى على أنها لقديسين مسيحيين؛ شفوا بالفعل مما عانوه من أمراض رغم خداعهم بطبيعتها، حيث سادت اعتقادات في تلك الأزمنة بأن الإيمان والروحانية وعظام الأولياء قادرةٌ على شفاء المرضى، وبالفعل مارسها بعض الأطباء وأتت بنتائج إيجابية.
لم يقتصر التداوي بالدين على أتباع المذاهب السماوية، بل إن الوثنية منها ومنذ أقدم العصور تشابهت في ذلك معها، فجميعها أدركت ما للتلقين والوهم من قوة فعالة في مخاطبة اللاشعور لدى الإنسان والتحكم به، لتفعيل قواه الداخلية ومناعته للسيطرة على ما يعتريه من علل، دون أن نغفل العامل النفسي الذي يكمن خلف العديد من الأمراض، والذي إن استطاع المعالج السيطرة عليه وفهمه؛ تمكن من التحكم بما يتسبب به من مشاكل ومعضلات وآفات جسدية وعقلية.
من المحير كيف تمكن الوهم من تحقيق المعجزات التي عجز العلم عنها، ومن المستغرب كيف لساحر ومشعوذة من قبيلة بدائية تعيش في الأمازون أو من قبائل الهنود الحمر بالأمريكتين؛ من مقدرة على معالجة المرضى وشفاء أجسادهم بتصرفات وأفعال لا يقبلها العقل والمنطق، فكيف مثلاً بطقوس عبادة عبارة عن ركوب رجل دين على ظهر ممسوس أو حرق بخور والتلفظ بكلمات غير مفهومة؛ تكون كفيلة بنزع العلة من جسد المصاب! ربما يكون التلقين هو صاحب العصا السحرية القادرة على خلق الهوس الجماعي، والذي يعتمد بدوره على حاسة النظر، التي تتأثر هي الأخرى بالوهم السمعي الذي يصدر عن شخص ما مثلاً يدعي أنه قد رأى الزعيم الروحي لطائفته قد ارتفع مترين عن الأرض وهو يحدثهم، ليتناقل المجتمعين الرؤية حتى تتكرس لديهم القناعة بأنهم رأوا ما رآه الراوي.
هوس الجموع ورغبتها بما يشبع تعطشها للخوارق، هو ما مهد لها تكوين خرافة سرعان ما آمنت بها واقتنعت لتنقلها إلى أخرى غائبة، تناقلت عنها الحدث، ليتحول الأمر فيما بعد إلى مكرمةٍ تروى وتدون كجزء من العقيدة القائمة على المشاعر أكثر من العقل، وعلى الإيمان ـ دون الذكاء الفردي الفاقد الوجود ـ في ظل روح الجماعة المسيطرة والمتحكمة لزرع القناعات، التي يجب الأخذ بها دون إرجاعها لمنطق التفحيص العقلي لتبيان صحتها من عدمه.


المصدر: صحيفة الرؤية: - https://www.alroeya.com/article/2044081/آراء/التداوي-بالوهم

الأحد، 21 أبريل 2019

«تهريج وزغاريد» قصة الحياة بتداعياتها

جريدة الجزيرة

20-04-2019
عماد أحمد العالم



الرواية كما نعرفها هي السرد القصصي الذي يعد حديثاً إذا ما قورن بما قبل العصر الكلاسيكي للقصة، التي أتاحت لها البرجوازية الظهور بعد تنامي اكتساب الفرد الحرية الشخصية، ورغبته في الانطلاق صوب مواضيع بعينها، لا تنحصر فقط ضمن الإطار الغرامي، الاجتماعي، البوليسي التشويقي والإثارة، وكذلك النمط التاريخي وتدوين السيرة الذاتية بأسلوب النثر القصصي.
‏كان لا بد لي من التعريف السابق قبل أن أبدأ بتدوين رؤيتي وانطباعي بعد قراءتي الرواية الأحدث للدكتور شاهر النهاري «تهريج وزغاريد» الصادرة عن دار تكوين العالمية للنشر والتوزيع.
في البداية توقعت أن تقوم مقومات الرواية على ما درج عليه الراوي والراوية من تصويرٍ للشخصيات الرئيسية فيها، وتفاعلها مع الأحداث المسرودة في مشاهد متعددة، تُظهر صورةً لها بانفعالاتها وإسهاماتها في الحدث، ودورها في صنع المشهد العام والخاص على السواء، وهو ما لا أنكره، لكنها من الوهلة الأولى لم تقتصر على ذلك؛ فوجدت نمطاً جديداً للرواية العربية على وجه الخصوص، قلما نجده، وهو المتماشي دونما تقليد بل بطابع المؤلف الخاص، وبتفردٍ نوعيٍ مع جمالية مدرسة الواقعية السحرية، التي أسسها (غابرييل غارسيا ماركيز)، أيقونة أمريكا اللاتينية في الأدب، الذي تجلت عبقريته في رائعته الخالدة «مائة عام من العزلة».
لقد عمد الراوي شاهر النهاري لفانتازيا من نوع آخر، أراه قد تفرد به سعودياً، وحتى عربياً؛ فلم يجنح فيه للوصف المفرط، ولا إلى الحوارات الطويلة والخيال الممل الطويل والغموض السلبي الذي ينزع من العمل جاذبيته، ويفقد القارئ التوازن، حين يُشغل بفهمهم المعنى بدلاً من إدراك المقصود منه، حيث تمكن في سرده من إدراك أهمية أن يُبقي القارئ بأجوائها، وكأنه أراد له أن يتصور نفسه جالساً في قاعة مسرح أو سينما يشاهدها عن قرب، وكأنه روحٌ تجول حول شخصياتها التي عمد لأن يكون قوامها رموزاً معروفة محبوبة ومكروهة حسب قناعاتنا، خيالية وواقعية، محلية ودولية، تحمل في طياتها صوراً مسيرة لدراما المشاهد والحبكة، ونزولاً عند مكانتها بالحياة والمجتمع، وآثارها التي فرضتها عليه وشكلته.
حُرّفت أسماؤها، واستُخدمت لطرح قضايا حيوية، أشغلت العالم وقت حدوثها، وما زالت آثارها قائمة لحد الساعة، مع تناولها لإشكالاتٍ داخلية اجتماعية وسياسية وثقافية ودينية، تمثل جزءاً مهماً من واقع المجتمع السعودي، وتسببت بانقساماته بين تيارات تُنسب للمحافظة والمجددة والليبرالية، بأسلوب تهكمي جاد، أقرب للكوميديا السوداء التي لا تُعنى بزرع الابتسامة بمقدار كشفها وفضحها المواقف، مستوجبةً التأمل فيما أحدثه النقاش بشأنها من انقساماتٍ مجتمعية، وردود دولية على السواء، وكلٌ حسب موضوعه.
‏للوهلة الأولى ظننت أن «مؤرّخ» هو الشخصية الرئيسية في تهريج وزغاريد، لكني فقدته ما إن بدأت التعمق أكثر بأحداثها، ومع تكامل ظهور الشخصيات الأخرى ليس بحجم المساحة المفردة لها، وإنما في عمق الطرح الذي تناولته، وأسهمت من خلاله بمنظومة متكاملة من القضايا المطروحة حياتيًّا، وفي حوار يحتوي على أسئلة وأجوبة ودردشات، لا تحتوي على تنظير خطابي ممعن في الوصف والتدليل والاستشهاد!
‏يبدو أن مَلَكة الخيال قد سيطرت على كاتب «تهريج وزغاريد»، لكنه خيال ممزوج بالواقع، ومنطلق من ثناياه، ويطمح صاحبه لطرح أفكاره مواربةً دون قيود الطرح الصريح والمباشر الذي عادةً ما يميل لقناعة مسبقة، يتم فرضها بقدرات القاص الروائية، فترك للقارئ بدلاً من ذلك مهمة تجسد المقصود والمُراد فهمه دون تدخُّلٍ مباشر منه لتلقيمه المعنى؛ وهو بالتالي لن يُدركَ الفحوى إلا بعد الانتهاء من القراءة، والتفكر بمدلولاتها لساعات من الصمت والتأمل!
«‏تهريج وزغاريد» هي قصة الحياة بتداعياتها ومسراتها ومنغصاتها وأحوالها وشخصياتها..
رواية هزلية، مزجت الفانتازيا بالواقع، والخيال بالحقيقة، دونما تفريط أو إسهابٍ ممل، فظهرت بلغة سلسة رغم عمقها، تتملك المطلع عليها، وتسترعي انتباهه من أولى صفحاتها حتى نهايتها غير المتوقعة، التي لا بد أن تثير علامات استفهام عديدة، مقامها: «ماذا أراد لنا الكاتب أن نعي؟»؛ لنكتشف عبر استحضارها مجدداً أننا، وبأغلبيتنا بما نسهم به من أفعال وأقوال وتصرفات بالحياة وتفاعلٍ معها، الطرف الذي لم يروَ، لكنه كان مستنسخاً، تجسد بشخصياتها!



المصدر: صحيفة الجزيرة - www.al-jazirah.com/2019/20190420/cm33.htm

السبت، 13 أبريل 2019

علم الاجتماع.. وانجراف المفكرين العرب

جريدة الرؤية
12-04-2019
عماد أحمد العالم



علم الاجتماع هو العلم الحديث نسبياً مقارنة بالعلوم الإنسانية، رغم أن البعض يرجع تأسيسه لابن خلدون الذي أطلق عليه علم العمران، ويعتني بدراسة كل ما يرتبط بالبشر وحياتهم، أي السلوك الإنساني للأفراد بالمجتمع وعلاقتهم مع بعضهم وتفسير الظواهر الطارئة التي تؤثر في حياتهم، كما تمتد دراسته لتشمل الدولة والقوانين والجريمة والمناسبات الدينية والتاريخية من وجهة نظر علمية قائمة على إعمال العقل والبحث عن الدليل والحقيقة، لكي يتمكن في النهاية من فهم الطبيعة الخاصة للمجتمع وعلاقته وتأثيره في المجتمعات الأخرى، فالغاية منه هو وضع منهج للحياة يسير عليه البشر عبر استيضاح الأسباب التي أدت للعمل أو الظاهرة ومن ثم تفسيرها.
تهتم الدول المتقدمة بعلم الاجتماع أكثر من العالم الثالث، بعد أن أدركت أنه سلاح الدفاع والهجوم في الوقت نفسه، فمن خلاله تستطيع إصلاح المجتمع وتهيئته، وهما: قطبا معادلة النجاح والاستقرار والتقدم والأمن والعدالة، وعلى النقيض نعاني في العالم العربي من إهمال مجتمعي ومؤسساتي، ولا توليه الدولة ومراكز الأبحاث والجامعات الأهمية نفسها التي توليها للأقسام العلمية، ومرد ذلك إلى جوانب ذات نظرة اقتصادية قصيرة تجاه سوق العمل وحاجات المجتمع الآنية، دون أن نغفل الاعتبارات الاجتماعية والدينية والعرفية، التي تأثرت بالكتّاب والمفكرين العرب والمسلمين الذين نظروا وكتبوا عن نقد الموروث، وأعادوا دراسة وتحليل أحداثه وشخصياته، وقدموا رؤى جديدة صادمة ومختلفة أثارت حفيظة الفئتين المحافظة والدينية، والتي عادةً ما تتمسك بالموروث، ويعود ذلك إلى حالة التحجر المجتمعي التي فرضتها السلطة الدينية والطبقات المحافظة والارستقراطية، التي وجدت فيها انقلاباً على سلطاتها. من شق آخر أراه بسبب فئة من حداثيي علم الاجتماع الذين أسقطوا أحد أهم الخصائص، وأغفلوا كونه ليس علماً أخلاقياً، ولا يعنى أن مسؤوليات عالم الاجتماع هي السؤال عما إذا كانت الأفعال الاجتماعية خيراً أم شراً، ولا يصدر أحكاماً أخلاقية؛ ولكنه ينشد تفسيرها وفهمها.
انجرف بعض المفكرين العرب من التحليل والتفسير لاستغلال الأحداث للاستدلال وإثبات صحة الأمر من عدمه، مستغلين قدراتهم العلمية، ففقدوا الحياد وانجرفوا صوب نظريات وقفت مع طرف ضد آخر، وأخرى لا تخضع لمبدأ المنطق والشك والدليل لإثباتها، كما أنهم مارسوا الإقصائية بعد أن طالبوا بأن يكون البحث والتقصي منوطاً بهم، وبعيداً عن السلطة الدينية.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2042334/آراء/علم-الاجتماع-وانجراف-المفكرين-العرب

الصحافة الورقية والإلكترونية.. تعايُش أم تنافُس!

جريدة الرؤية
05-04-2019
عماد أحمد العالم



نتساءل لمَ الصحف الورقية إلى انحسار ولمَ قلَّت أهميتها ودورها الفاعل والريادي المؤثر والمفترض بالمشهد، ولمَ باتت ما تسمى صحافة الإنترنيت الأكثر اطلاعاً رغم حداثتها والمآخذ التي لا يمكن التغاضي عنها، ومن أهمها لا مجملها تسرعها بالنشر وعدم التحري والدقة وبث الشائعات والأخبار المقتبسة دون الإشارة للمصدر، هذا فضلاً عن فتحها الباب لعديمي الاختصاص، وسهولة إطلاقها وقلة تكاليفها التي بمقدار ما تحمل من مزايا إلا أنها تسببت بسيل من المواقع المكررة التي تعتمد النسخ واللصق بلا طابع خاص بها.
لكن ما ذُكر، وللأمانة، لا يعني انتفاء الفائدة من الصحافة والإعلام الإلكتروني، فالفكرة بحد ذاتها وإن أسيء استخدامها تعد تطويراً لمقام السلطة الخامسة وتوسيعاً لانتشارها وضامناً لبث الفكرة والرأي والمعلومة والحدث لحظة وقوعه ولأكبر شريحة ممكنة، كما أنها تتماشى مع روح العصر وتطوره التكنولوجي والاجتماعي وتخاطب جميع فئاته.
توأمتها مع الورقية مطلوب وذلك بتبادل للأدوار فيما بينها من جهة، وكلٌ حسب الوقت والفئة المستهدفة ونوعية الخبر والطرح، ومن ناحية أخرى تكون كالنافذة بمصراعين لنفس الإطار، فالصحيفة يجب ألا يقتصر وجودها على الورقي فقط، وإنما تكون بنسخة إلكترونية تتزامن مع الورقية يتم الاستثمار بها لتمكينها من أن تلعب دور المعادلة في أن تطغى علي التقليدية في الجوانب التي تثير اهتمام القارئ والباحث، وتلبية رغباته في المعلومة والخبر لحظة وقوعه ودن أن يبرح مكانه، فيما يجب أن تحافظ الورقية على المصداقية وتكرس الحيادية فهي لم تزل مصدر ثقة القارئ أكثر من الإلكترونية، ويجب عليها أن تتفرد بالتقارير الصحافية الحصرية وبالمشهد الثقافي والفكري، مع التوسع بالاستقصائية التي تكشف ما وراء الكواليس، وتستقطب كبار الكتاب والمختصين بمقالات وأبحاث رزينة وبناءة ومثيرة للاهتمام والتميز عن نظيرتها الإلكترونية، مع تدعيم الأخيرة لتحظى هي الأخرى بطابع متجدد ومتنوع لا مكرر وناقل للخبر بتحديثٍ مستمر.
مع الاستفادة من التفاعل الفوري مع الجمهور وإشراكه باستطلاعات الرأي والتعليق على المادة المنشورة، حينها سيزداد عدد مطالعيها الذين سيشكلون مصدر دخل من الاشتراكات الإلكترونية الرمزية التي ستروج لانتشارها،‏ فتحظى حينها بقاعدة إعلانية كبيرة ستشكل مصدر الدخل والربحية، التي ستمكن شقيها الورقي والإلكتروني من الاستمرار والتطور لتصل لأكبر عدد من القراء.


المصدر: جريدة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2041507/آراء/الصحافة-الورقية-والإلكترونية-تعايش-أم-تنافس!

الأربعاء، 3 أبريل 2019

تهدئة الفتن بـ «الكابتشينو»

جريدة الرؤية
29-03-2019
عماد أحمد العالم



يعد الاقتصاد الاستعراضي جزءاً من بنية الاقتصاد السياسي الحضري، الذي جاء كنتيجة للنيو ليبرالية التي تتسم بنزوع شديد نحو التملك مشكلةً نموذجاً للتنشئة الاجتماعية لشخصية الإنسان الذي يعيش في عصر ما بعد الحداثة الرأسمالية المفرطة، التي عملت على استثمار الفائض في المال والإنتاج بإنشاء نمط استهلاكي جديد لم تعرفه المدن الحضرية من قبل ولا سكانها، حيث قامت أولاً بإحداث تغييرات جذرية في شكل المدن وإعادة بناءها عمرانياً عبر التمويل بالدين، كي تستوعب قوى عاملة تعاني من البطالة وفائض مالي تمثله تكتلات رأسمالية وتحقق في نفس الوقت أهدافاً سياسية.
مثال على ذلك حضرنة باريس، التي أشرف عليها البارون أوسمان الذي خطط للشكل الحديث لها بإيعاز من لويس بونابرت عقب انقلابه عام ١٨٥١، وذلك بهدف تكريس حكمه السياسي القمعي لمعارضيه، عبر إحداث تحولات اجتماعية تستوعب أي ثورة مضادة، فأعلن عن برنامج استثماري ضخم في البنية التحتية، والذي يشمل إلى جانب إعادة تشكيل البنية التحتية لباريس؛ بناء المرافئ وتطوير السكة الحديد وتجفيف المستنقعات المائية، التي راعى فيها المصمم والمشرف خلق بيئة حضارية جديدة يستطيع الحاكم والمسؤول أيضاً السيطرة الأمنية على العاصمة التي شهدت قبل ذلك عدة ثورات.
حوّل أوسمان باريس لمدينة الأنوار فأعاد تصميم الأحياء بها وألحق بها الضواحي، فغدت مركزاً للاستهلاك والمتعة والسياحة والأزياء، مع تغير في نمط وسلوك سكانها صوب الاستهلاكية النهمة، فقضت كما شعرت طبقات من المجتمع الباريسي آنذاك على حضرية المدينة المعهودة سابقاً وأوجدت بها حياة فاقدة للروح ببعض أحيائها. تكررت نفس التجربة في نيويورك في النصف الأول من القرن العشرين ولحقتها تجارب مماثلة في المكسيك والصين والهند وإسبانيا وبريطانيا وغيرها من الدول التي ظهرت بها مؤسسات مالية تم إنشاؤها مع ترتيبات لتنظيم الائتمان المالي المطلوب لاستمرارها.
نتج عن عملية الحضرنة السابقة تحولات هائلة في أسلوب حياة ساكني تلك المدن، ونشأ على إثر ذلك ثقافة شرائية جديدة قائمة على سلع كرست مفهوماً مستحدثاً اسمه «جودة الحياة»، نشأ على إثرها أسواق متخصصة لهذا النمط الاستهلاكي المخصص لمن يمتلك القدرة المالية، فظهرت مطاعم الوجبات السريعة متعددة الفروع وثقافات البوتيك ومراكز التسوق، في ظاهرة جديدة سمتها عالمة الاجتماع المتخصصة بالحياة الحضرية الحديثة الأمريكية شارون زوكين «تهدئة الفتن بالكابتشينو».


المصدر: جريدة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2039963/آراء/تهدئة-الفتن-ب-الكابتشينو

الجمعة، 15 مارس 2019

أصنام المجتمع

جريدة الرؤية
15-03-2019
عماد أحمد العالم



قد يبدو للوهلة الأولى من العنوان أن المقصود بالأصنام المجتمعية هي تلك الآلهة التي دأبت الديانات الوثنية على صنعها وتجسيدها لواقع وشكل ما تعبده، وهذا بالطبع ما لا أقصده، فالمعني هنا هو كل ما وجد في مجتمعٍ ما وتم عده واعتباره من المسلمات التي لا يمكن الجدال حولها، هذا من جهة، ومن أخرى كل ما يشمل الشخصيات والأفراد والعادات الموروثة والتقاليد، ليتعداها لكل ما لا يُقبل النقاش والجدل بشأنه، في حين يقود التشكيك فيه لفيضانٍ من الغضب المجتمعي، لا يقتصر فقط على الأفراد بل جميع الشرائح الرسمية والدينية والارستقراطية وحتى الطبقات الفقيرة والغنية، بما فيها فئات من النخبة المثقفة التي لم تخرج عن الخطوط الحمراء التي ربت فيها ووضعتها مقياساً لما لا يمكن الحديث عنه وممارسة فكرها وأبحاثها فيه.
فالمسلمات بنظرها ذات قدسية وطابع لا تكفي مقولة «جرت العادة لوصفها»، بل أصبحت عاملاً أساسياً من البنية الفكرية وعقل المجتمع ككل وجزءاً من شخصيته وتكوينه، يتم توارث جيناتها عبر الأجيال، ومن ثم فأي انقلاب عليها مهما كانت ماهيته والغرض منه سيعد خروجاً لن يُقبل وسيؤدي بصاحبه ليس فقط إلى خصام مع من حوله، بل مع الأرض ومن عليها.
الأصنام المجتمعية إذاً ليست وليدة الطبيعة، ولا تم فرضها من الخارج، بل هي إما صنيعة فئات من المجتمع امتلكت سلطة ما أياً كانت، لكنها ذات تأثير في الأغلبية، واستخدمتها وسيلة لتمكين مكانتها والاستمرار بالحظوة في ما بين يديها، واستطاعت بعد إدراكها للطبيعة النفسية والأخلاقية والفكرية والعقلية والدينية لأبناء المجتمع من تجييرها لتكون دعايةً لصنمها التي ترنو ليكون ذا قداسة (كرمز)، أو هي الوهم والخرافة المحصورة بزمنٍ بعينه لفئةٍ ما تدعوها لتقوية الأواصر فيما بين أفرادها، فتتعاون للوصول للأهداف ومن ثم الرضا والسعادة والاكتفاء.
أياً كان الاحتمالان، ربما واجهت دعايتها في البداية إشكالات، لكنها تغلبت عليها لتتمكن من تكريس التبعية لذاك الصنم المجتمعي، الذي وإن كان وليد المصلحة فإنه تحول لذي مكانة لا يمكن التشكيك فيها، وأصبح حديث العامة واستشهادهم ويحتل مكاناً من الجانب في الدماغ الذي يدين بالولاء والطاعة العمياء.


المصدر: جريدة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2038079/آراء/أصنام-المجتمع

ثلاثيّة التغيير

جريدة الرؤية
08-03-2019
عماد أحمد العالم



حين قرأت كتاب الباحث الياباني بواكي نوتوهارا «العرب وجهة نظر يابانية»، لم أصب بصدمةٍ ولم أستغرب وصفه «العرب متدينون جداً.. فاسدون جداً»، ومع أنّ المبالغة في التعميم على مجملهم خاطئة وظالمة؛ إلا أن الفكرة العامة وفي أطر بعينها صحيحة، فلو عدنا إلى مقولة ‏علي الوردي «لو خيروا العرب بين دولتين علمانية ودينية... لصوتوا للدولة الدينية وذهبوا للعيش في الدولة العلمانية..!»؛ لوجدناها هي الأخرى تصب في نفس الإطار وإن عكست نمطاً آخر، وهذا يحدونا أيضاً أن نتذكر المقولة المنسوبة للشيخ محمد عبده عندما ذهب لمؤتمر باريس عام 1881، والتي اشتهرت بعد عودته لمصر حين قال: «ذهبت للغرب فوجدت إسلامًا ولم أجد مسلمين.. ولما عدت للشرق وجدت مسلمين ولكنني لم أجد إسلامًا".
لو فتحت الباب لاقتباس المزيد من الأقوال فلا أظن المساحة قد تكون كافية لذلك، ومع وضوح الفكرة من الاستشهاد، لا داعي لأن أبدأ بجلد الذات والتنظير، فالجميع قد ملّ وأنا منهم من هذا السلوك الذي بتنا نجيده أكثر من الإصلاح، فرغم كون الاعتراف بالخطأ أولى خطوات إصلاحه، إلا أن التغيير لا يحصل باللطم ولا يمكن حصر قوة الدين بالوسيلة الوحيدة لإحداثه، والدليل أن أكثر الدول العلمانية واللا دينية هي الأكثر أخلاقيةً واستشهاداً من الجميع بأخلاقهم واحترامهم لمنظومة القيم والعدل، وجميع ذلك لا يعني قصوراً من الدين، فجميع الأديان والمذاهب إلاّ القلة قامت بمبادئها على الدعوة للخير والنظام والإنسانية، إلا أن ذلك لم يمنع معتنقيها من بدائيتهم وفسادهم وعنصريتهم وطبقيتهم وتشددهم المنافق الذي لا يعكس حقيقة تصرفاتهم! جوهر القضية هو القانون، فبدولته يُحكم البشر، وبه عبر منظومة التعليم يتم تأصيله، كما أنّ تطبيقه الذي لا يعرف المهادنة والمحاصصة هو ما يلزم اتباعه، لذا وبعد أن يتقمص الشعب روحه، يتحول لسلوك هو في الواقع ما يميز معتنقيه من مواطنين بلدان نتغنى بحرياتها ونتمنى العيش فيها دون أن نحاول حتى الاقتداء بها والتعلم منها! الدين وهنا أتحدث عن الإسلام منظومة متكاملة للحياة، ومنهج لم يترك شقاً إلا وغطاه، لكن الالتزام بتعاليمه والظهور به لا يعني الصلاح المجتمعي ما لم يتوافق مع قوانين صارمة وعقوبات فورية قانونية تؤطر للنظام ووجوب احترامه، والشعب الذي يبدأ صلاحه بالخوف من العقوبة ينتهي بنمط حياة لأجياله القادمة.
جوهر القضية هو القانون فبدولته يُحكم البشر وعبر منظومة يتم تأصيل التعليم


المصدر: جريدة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2037204/آراء/ثلاثية-التغيير

الجمعة، 1 مارس 2019

كنائسهم المهجورة!

جريدة الرؤية
01-03-2019
عماد أحمد العالم



قرأت أكثر من مرة خبراً عن شراء مسلمين في دول غير إسلامية لكنائس مهجورة وتحويلها لمساجد، وهو الأمر الذي لقي استحساناً من جمهور القراء المسلمين، الذين كانت تعليقاتهم مزيجاً من السعادة لانتشار الدين الإسلامي في بلاد الغرب، فيما آخرون جاوزت السعادة لديهم المدى، فتصوروها هزيمةً للمسيحية في عقر دارها.
بين هذا وذاك، لن أعلق على تلك المشاعر، وإنما ‏ملاحظتي فقط هي اعتراضي على شراء الكنائس المهجورة ومن ثم تحويلها لمساجد، وهي التي عرفت كفترة طويلة لقاطني المكان وزائريه بكينونتها كدار عبادة مسيحية، ومن ثم تحولها المفاجئ لمسجد هو ما قد يترتب عليه ردة فعل القلة، ولن أقول الأغلبية التي لن تكترث، فهم الفئة التي يجب أن يحرص المسلمون الذين يعيشون بينهم على عدم إخافتها وإثارة ريبتها وتحريك المشاعر المناهضة في صدورهم، والأولى اكتسابهم أو على الأقل تحييدهم عبر إظهار روح التسامح تجاههم وعدم إعطائهم انطباعاً بالخشية من المسلمين، المهاجرين الجدد لبلدانهم والذين يسعون كما قد يتبادر لأذهانهم أنهم مقبلون على تغيير نمط حياتهم الدينية والاستيلاء على كنائسهم حتى لو كانت مهجورة ولا تلقى إقبالاً عليها.
‏الصليب هو رمز المسيحية، وهو عادةً معلق على تلك الكنائس، وبالتالي إنزاله بواسطة مسلمين في دولة غير إسلامية من على كنيسة مهجورة وتحويل البناء لمسجد يعطي حوافز لليمين المسيحي المتطرف بالغرب تجاه الإسلام والمسلمين ويزيد من الإسلاموفوبيا، ويبث رسائل سلبية، نحن كمسلمين في أمس الحاجة لتجنبها وخصوصاً مع تزايد موجات العداء للمظاهر الإسلامية ودور العبادة، لذا فالأولى حال الرغبة ببناء مسجد هو تجنب الأماكن ذات الرمزية الدينية وحتى التاريخية والسياحية، وإقامتها على مكان لا يثير الحفيظة ويسترعي اهتمام المتخوفين من الإسلام في دولهم، وعدم استفزاز مشاعرهم، لكيلا يترتب على هذا التصرف مستقبلاً مظاهرات مناوئة قد تؤدي لقوانين تحد من الحريات وحقوق المسلمين في دور العبادة.
بصراحة، كنت أتمنّى أن أرى المسجد يبنى مجاوراً للكنيسة المهجورة لا بدلاً منها، كما أحبذ حتى من الجالية المسلمة أن تقوم بجمع التبرعات لو احتاج الأمر وإعطائها للمسؤولين عن الكنيسة إن كانت أسباب هجرانها مادية، ففي ذلك بادرة إيجابية من المسلمين تعكس روح التسامح وتبعث الطمأنينة في الآخر المختلف ديناً، وتؤكد على القول الكريم «لكم دينكم ولي دين».
لنتذكر رفض عمر بن الخطاب الصلاة في كنيسة لحرصه على ألا يقوم المسلمون مستقبلاً ببناء مسجد بدلاً منها، في رسالة تؤكد عظمة الإسلام وتقبله للآخر ودعوته لاحترامه ودور عبادته وعدم التعرض لها بالأذى.


المصدر: جريدة الرؤية - 

https://www.alroeya.com/article/2036382/آراء/كنائسهم-المهجورة!

السبت، 19 يناير 2019

أخلاقياتنا في وسائل التواصل الاجتماعي

صحيفة جهينة الإخبارية
31-12-2018
عماد أحمد العالم



كُنا نظن وقد يكون الأمر في مُجمله صحيح أن ذائقة شعوبنا تُسير لا تُخير في ظل إدارة عليا تقرر لها ما تريد، وبهذا الحقنا أخطاءً وترهات وتجاوزات غير مقبولة لهذا العذر الذي اتضح خطأه في جزئيات عديدة منه، ويقبع الخطأ في الجانب الذي أعفى الشعوب من المسؤولية عن نتاج ممارستها لفسحة من الحرية أتاحتها لها وسائل التواصل الاجتماعي، التي لم تكن موجودة قبل عقدين ماضيين، وبالتالي حين توفرت شكل وجودها مساحةً من الحرية لكبتٍ طال أجيال كانت تمارس حقها في التعبير فيه عبر القيل والقال وسوالف المجالس، لكن ثورة الانترنيت العظيمة غيرت الأحوال، بعد أن تسببت بعولمة فتحت الحدود الافتراضية للجميع، فأصبح الاختلاط مع مواطني دول العالم الأخرى متاحاً بعد أن كان قاصراً إما على السفر أو مع من يتواجد في موطن الآخر، ولكن هل أظهر هذا الانفتاح المُشرَّعةِ أبوابه مدى ثقافتنا ومفهومنا الخلاّق للرأي والرأي الآخر؟ الحقيقة أنه قد كشف أسوأ ما فينا، ومع بعض المبالغة البناءة في المكاشفة، يمكنني القول أنها عرت سوءاتنا التي كنا نتخفى حولها بحجج المظلومية التي حرمتنا حرية إبداء الرأي، الذي بانت نتائج الإفصاح عنه وتمثل بالجانب القاتم في الشخصية العربية التي أظهرت ما تتمتع به من إقصائية وعنصرية وطائفية وتطرف فكري وغلو عقائدي وكُره لاختلاف الآخر ولفجور في الخصومة والعداء ولأنا مجنونة يكاد اعتدادها بذاتها أن يقسم بأنها على صواب وما عداها باطل.
الحوار المفتوح الذي وفرته شبكات التواصل بجانب السيل العارم من تدفق الأخبار والمعلومات هو ديموقراطية مشرعة النوافذ، أفسحت المجال للجميع أن يشارك بها دون قيود، فكانت النتيجة أنها فضحت مكنوناتنا وأبانت عيوباً كنا ننكرها، وفضحت سلوكنا الذي يعكسه افتقارنا لأخلاقيات النقاش وتقبل الخلاف والاختلاف على حد سواء، فما إن تنتشر أنباء أو خبر ما لا يتوافق مع المزاج الشعبي العام حتى تمتلئ صفائح أعمالنا بذنوب السنتنا وما تكتبه أقلامنا، مع سيل جارف من البغضاء الذي تمارسه النخب المتعلمة والمثقفة والرموز إلى جانب العامة تجاه كل مخالفٍ لها.
بأيدينا حولنا وسائل التواصل من نعمة إلى نقمة، وبجهلنا أسأنا لسمعتنا وكرّهنا الآخرين فينا، وأعطينا انطباعاً بدائياً عنا، فهل ما زلنا نستحقها، أم يجب أن نحرم منها حتى نتعلم من الصفر أدبيات التواصل مع الآخرين، وهذا بالطبع لن يكون بيوم وليلة، بل بإعادة تربية ممنهجة مع النشأ ومن سبقه من أجيال عديدة، يتم تعليمها أن التحضرّ في التعامل والنقاش أهم من تنتصر في العالم الافتراضي على المختلف عنك، نصراً إما سيظهر أخلاقياتك الرفيعة أو سوء خلقك.



المصدر: صحيفة جهينة الإخبارية - https://www.juhaina.in/?act=artc&id=53940

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...