الأربعاء، 15 أغسطس 2018

تركيا والأزمة مع واشنطن......الحقيقة والواقع

بقلم: عماد أحمد العالم
15-08-2018



هذا المقال ربما لا يلقى قبولاً لدى فئتين من العالم العربي بشتى مشاربه, أحدهما موغل بالعاطفة والتفاؤل المفرط بقيام دولة إسلامية عظمى يرى في تركيا بشخص الرئيس أردوغان ممثلاً لها وزعيماً يعيد للعالم الإسلامي مكانته, التي يناطح بها "ما يسميه" الغرب المُجحف وعلى رأسه الولايات المتحدة, وآخر هو نقيض جمع بين علمانيين وشوفينيين وليبراليين وشعبويين عرب يرون ضرورة تحجيم المارد التركي الذي يسعى لإعادة قيام الإمبراطورية العثمانية التي استعمرت الدول العربية وأذاقتهم الأمرين "كما يصفون" فترة حكمها, ويتوجسون الخوف من الليبرالية العلمانية المعتدلة ذات الطابع الإسلامي الذي ينتهجه حزب العدالة والتنمية التركي ورئيسه رجب طيب أردوغان.
في الأغلب تغيب العقلانية في التحليل بما يخص الأزمة السياسية القائمة حالياً بين الأمريكان والأتراك ولاحقاً الاقتصادية، والتي بدأها  الرئيس الأمريكي ترامب حين أصدر عقوبات بحق وزيري الداخلية والعدل التركيين عقب رفض السلطات التركية الإفراج عن القس الأمريكي الذي تحتجزه بذريعة دعمه للإرهاب وارتباطه بجهات مرتبطة بالمعارض التركي فتح الله غولن والمقيم ببنسلفانيا بالولايات المتحدة, وترفض السلطات الأمريكية تسليمه, فيما تتهمه أنقرة بضلوعه ودعمه للمحاولة الانقلابية الأخيرة فيها.
تسارعت وتيرة الخلاف, ففرضت واشنطن عقوبات اقتصادية على الصلب والالمنيوم التركي بما يعادل 20% و50%, مما أفقدهما القدرة التنافسية وبالتالي أثر على إنتاجهما وكمية المصدر منهما للسوق الأكبر لها. الليرة التركية تراجعت بشكل غير مسبوق مقابل الدولار الأمريكي، مما تسبب لفقدان عملات أخرى عالمية لقيمتها السوقية, مما يعكس ارتباط اقتصاديات الدول ببعضها, وذلك وسط مخاوف من المستثمرين بالإقدام على استثمارات جديدة بتركيا وعلى الأقل التوقف مؤقتاً عنه لحين استجلاء ما ستؤول اليه العملة التركية, التي قد يتسبب المزيد من الانخفاض بها لهروب مضطرب للمستثمرين الأجانب مما سيتسبب بدوره بركود اقتصادي تركي, سيتبعه تضخم وزيادة في نسب البطالة.
رد البنك المركزي التركي بضخ عشرة مليارات ليرة تركية في السوق وستة مليارات دولار أمريكي واثنين مليار دولار من الذهب, مما أوقف التراجع الدرامي لسعر صرف الليرة مقابل الدولار, أتبعها دعوة رئاسية لمقاطعة البضائع الأمريكية والتوقف عن الاحتفاظ بالدولار واستبداله بالليرة, وسبقها حملات عربية شعبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي للمثل ظهر بها أفراد وهم يقومون بتحويل مبالغ واستبدالها بالليرة, فيما استنكر الطرف الآخر الأمر واتهمهم باستغلال الدين وبالانقياد والتبعية وحتى بالعمالة للأتراك, لتزيد من حالات التناحر القائمة بين أطياف العرب أنفسهم على مشكلة تركية بحتة, من الممكن أن نتحدث عنها ونناقشها وفق المصلحة العربية والإسلامية والفائدة المتبادلة, لا وفقاً للعاطفة والتطرف بالكره!
للعلم, فحجم التبادل التجاري السنوي بين أنقرة وواشنطن يزيد على 15 مليار دولار, ومعدل استثمار الأتراك في أمريكا خلال الأعوام الأخيرة يبلغ نحو 700 مليون دولار، في حين أن مجموع استثمار الأمريكان في تركيا خلال الـ 4 أعوام الأخيرة يتجاوز الـ 15 مليار دولار, فيما وصل حجم الاستثمارات الأجنبية إلى 165 مليار دولار في الفترة ما بين الأعوام 2003-2015, وهو رقم يعكس أهمية الاستثمار الأمريكي بأنقرة والذي زاد منذ تولي الرئيس الأمريكي ترامب ومقارنةً بالرقم العالمي, إلا أنه ورغم وقع تجميده لن يصيب الاقتصاد التركي بالشلل في ظل تواجد أوروبي قوي بتركيا وخصوصاً من قبل المانيا التي يعمل الاف من شركاتها بها ويصل حجم التبادل التجاري لها ما يزيد عن الستين مليار يورو, وجاءت ألمانيا في مقدمة المستوردين من تركيا في 8 قطاعات هي السيارات، والملابس الجاهزة، والحديد، والماكينات، وأجهزة التكييف، والبندق، والفواكه والخضراوات، والفواكه المجمدة.
تتصدر ألمانيا والعراق والولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا قائمة الدول المستوردة من تركيا, فيما يبلغ حجم التجارة بين تركيا والاتحاد الأوربي نحو 160 مليار دولار حاليا، يتوقع أن يصل إلى 200 مليار خلال عام ونصف العام, وهو الذي يعطي بدائل لأنقرة في حال استمرار الخلاف مع واشنطن ويعزز من فرص تعاونها أكثر مع الأوربيين وروسيا والصين وإيران, التي شددت الإدارة الأمريكية العقوبات عليها مؤخراً, فيما رفض أردوغان الاشتراك بذلك وبتنسيق مع بوتين, وسط دعوات قد تلقى تنفيذاً باعتماد العملات المحلية في التعامل التجاري بدلاً من الدولار وهو ما سيؤثر على أسعار صرفه ويقلل من ثقة المستثمرين به, ولكن ليس للحد الذي يتسبب بانهياره أو تراجعه الحاد وسط التعامل الدولي الأعم به.
التصريحات الألمانية الأخيرة للمستشارة ميركل والمؤسسات المالية ببرلين أظهرت دعماً ملحوظ لتركيا رغم الخلاف السياسي بين الطرفين, إلا أن المصلحة الاقتصادية المتبادلة قلصت من الهوة, فبرلين تعاني هي الأخرى من العقوبات الأمريكية التي ستنال شركات منها تتعامل مع طهران, يُضاف إلى ذلك ما نالها من فرض تعرفة جمركية مرتفعة تفقدها التنافسية على العديد من صادراتها للولايات المتحدة التي تعد من أكبر أسواقها, وتخشى تبعاتها الاقتصادية وسط تذمر أوروبي ولكن بردود فعل ضعيفة تتجنب الاصطدام مع واشنطن, لذلك تجد المانيا من تركيا حالياً حليفاً في الأزمة قد يتصدر المشهد نيابةً عنها في التصادم مع الأمريكان, تقوم بدعمه سياسياً واقتصادياً وتقدم له المشورة وربما تعد بمباحثات واعدة وتسهيلات لانضمامها للاتحاد الأوروبي.
لا بد من الإقرار أنه من شبه المستحيل تركيع سياسات ترامب الارتجالية والانفعالية وغير المحسوبة, فأمريكا ما زالت الدولة الأقوى, لكن اتحاد الأوربيين وتركيا من جهة, وحلف روسي صيني إيراني من جهة أخرى, سيضعف من موقف واشنطن وسيجبرها على إعادة تقييم سياساتها الإقتصادية الأخيرة تجاه حلفائها, وربما الوصول لتفاهمات جديدة وحلول وسط, ستحد من سلاح التلويح بالعقوبات الاقتصادية ومطالب الإذعان.
أما الرئيس التركي أردوغان فعليه أن يكون أكثر براغماتية ويستعين بتكنوقراط متخصصين في الاقتصاد بدل الاعتماد على حزبه في ذلك ومن أي الأطياف حتى لو من المعارضة، فيما يحبذ أن يتواصل مع رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد, والذي تمكن سابقاً أثناء الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالنمور الآسيوية من مواجهتها والنوء عن الاقتراض من البنك الدولي واستطاع بسياسات اقتصادية حكيمة تخطيها فيما فشل الآخرون.
على الطرف الأمريكي أن يُدرك الآن أن السيطرة المطلقة والتفرد السياسي والاقتصادي والعسكري والأممي بات غير ممكن الآن لكيانٍ واحد في آنٍ معاً, فالنفوذ السياسي والعسكري الأمريكي مرتبط بالاقتصاد العالمي, الذي يذعن لمواقف أمريكية وفق مردود اقتصادي مصلحي منها يتمثل بتمكينها من حصة وافرة من السوق الأمريكي, الذي إن أقفل بوجهها, سيترتب عليه تغير في سلم الأولويات, ومن ثم نشوء خلل في السيطرة الأمريكية, التي لن تتمكن بعد الآن من الاستمرار في لعب دور شرطي العالم وقوته الاقتصادية العظمى والمتفرد بالقرارات الأممية والنهم لتواجد قواعده العسكرية في كل مكان, وهو أمر أدركه الرؤساء والسياسيين الأمريكان على الدوام من كلا الحزبين الديموقراطي والجمهوري, فلا بد لك أن تعطي حتى تأخذ!
يعي كلا طرفي الأزمة أهمية العلاقات التركية الأمريكية القائمة منذ زمن بعيد، والمتزايدة خلال الأعوام الأخيرة، فهي شراكة استراتيجية سياسية اقتصادية عسكرية وأصبحت تنصب بشكل عام في محور الأمن ومكافحة الإرهاب، فقاعدة أنجرليك الجوية بتركيا ودور الأخيرة الفعال في حلف الناتو لا يمكن الاستغناء عنه، كما أن الأمريكان بالنسبة للأتراك صمام أمان تجاه الأوربيين يعادل معهم الكفة في خلافاتهم.
يبقى أن نشير إلى أن النظرة الجد متفائلة والعاطفية الكمالية دون تحفظ تجاه تركيا وأردوغان تقع في نفس الخطأ الذي ينتهجه منتقديهما من الشامتين والمتربصين والمنتقدين دون مبرر, فتركيا ورئيسها رغم كونهم من منبع إسلامي وداعم لقضايا عربية, إلا أن لهم أجندتهم الوطنية الخاصة بهم والتي قد تتعارض معنا, فليس كل ما هو تركي سياسياً كان أو عسكرياً واقتصادياً صائب, والمثل ينطبق على الحزب الآخر, الذي تناسى أن استقطاب تركيا للضفة العربية والوقوف معها سيشكل صمام أمان للعرب وسيحد من علاقاتها مع طهران, بل ربما سيشكل ورقة ضغط عليها وروسيا لاتخاذ مواقف إيجابية تجاه قضايا تمس الأمن القومي العربي.

أطفالنا......صنيعة أيدينا

جريدة الكويتية
 12-09-2018
عماد أحمد العالم



طفلي عصبي، الولد خلقه ضيق، دائما مكشر، عقله «خُزق»، ضايق صدره، ما عنده لعب ولا مزح، أبو تكشيرة، ضارب بوز، ما يسمع الكلام، لا يُحب المشاركة، يده طويله، تنح وقفل........، وغيرها الكثير من المصطلحات العامية التي نتفاخر بإطلاقها ونحن نضحك بل نقهقه في سوالفنا الأسرية ونحن نروي للآخرين سلوك رضعنا وأطفالنا الصغار، ونكررها بدل المرة مليون وتارةً تلو أخرى وأمامهم وعلى مسامعهم، لنؤصل فيهم تلك الطباع وذاك السلوك الذي إن كبروا وشبوا عليه بتنا نلطم ونتباكى لم رزقنا الله بذرية عابسة كئيبة مملة وجدية زيادة عن الحد، وتناسينا أن جزءاً لا بأس به وقد يكون أغلبه بسببنا نحن الذين ربيناهم على تلك الصفات عبر التفاخر بها والتندر، حتى تبنتها وتشبعتها عقول الصغار وتقمستها لا إرادياً ورغبةً منهم أيضاً بالتحلي بما دأب والديهم والمقربون منهم وصفهم، ليتحول التمثيل إلى طبع سيصعب فيما بعد التخلص منه ويتحول لسمة لجيلٍ كامل تعقبه أجيال تتوارثه، ولا غرابة أبداً في ذلك، فالمتجول في شوارع ومدن وأزقة أغلب مدننا العربية نادراً ما سيجد في طريقه من يوزع الابتسامات على المارة والجلوس كلما تلاقت أعينهم في نظرة والتفاتة، على النقيض ستجد العبوس والقنوط ونظرات من تأبط شرا ويبحث كما يقولون شعبياً عن «شكل» أي مشكلة تروي ظمأ صاحبها الذي رضع منذ طفولته النكد والسأم.
لمَ نحن عدائيون في وصفنا لأطفالنا دائماً، ولمَ نحرص على الصاق صفات غير حميدةٍ بهم، ولمَ نسعد ونبتسم حين نرى غضباً طفولياً مصطنعاً على وجوههم، ولمَ لا نحرص على ثنيهم عن التحلي بتلك الهيئة الكئيبة التي نفرح لرؤيتهم بها، وليكن بدلاً من ذلك تشجيعهم على الا تختفي الابتسامة عن وجوههم البريئة، وتعويدهم على المحبة والحنان والعاطفة التي يجب أن نحفزهم لإظهارها للآخرين وممارستها بشفافية وبراءة الطفولة، كي تتأصل بهم وتصبح في مراهقتهم وشبابهم طبعاً ينعكس عليهم ومن حولهم، فتكون المحصلة بيئةً خصبةً للاستمتاع بالحياة واحترام الآخرين، ما سيأخذنا لنكون شعوباً متحضرة إنسانية رفيعة الخلق وحسنة المعشر والجوار بدل ما عُرف عنا وشاع من النقيض وهو حقيقةٌ لا يُمكن إنكارها.
في مسلسلاتنا وأغانينا الحزن هو الصفة السائدة، والمصائب والكوارث هي السيناريو الأغلب، والدموع والبكاء والنواح في كل حلقة، وكأننا لم يكفينا كمية التعاسة التي تظهر علينا لنزيدها غماً وهماً سينزع ما تبقى من لحظات فرح مأمولة لواقعٍ أردناه ليكون حزيناً بعد أن أصلناه في أطفالنا، الذين بدورهم وحين كبروا كرروه مع أبنائهم، حتى تحولت الكآبة لطبعٍ أصيل وجينات متوارثة لجيلٍ عربيٍ يخلفُ آخر لا يعرف حس الفكاهة الا بالابتذال ويستمتع بأن يوصف بالتناحة.



المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=470517

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...