الأربعاء، 15 أغسطس 2018

أطفالنا......صنيعة أيدينا

جريدة الكويتية
 12-09-2018
عماد أحمد العالم



طفلي عصبي، الولد خلقه ضيق، دائما مكشر، عقله «خُزق»، ضايق صدره، ما عنده لعب ولا مزح، أبو تكشيرة، ضارب بوز، ما يسمع الكلام، لا يُحب المشاركة، يده طويله، تنح وقفل........، وغيرها الكثير من المصطلحات العامية التي نتفاخر بإطلاقها ونحن نضحك بل نقهقه في سوالفنا الأسرية ونحن نروي للآخرين سلوك رضعنا وأطفالنا الصغار، ونكررها بدل المرة مليون وتارةً تلو أخرى وأمامهم وعلى مسامعهم، لنؤصل فيهم تلك الطباع وذاك السلوك الذي إن كبروا وشبوا عليه بتنا نلطم ونتباكى لم رزقنا الله بذرية عابسة كئيبة مملة وجدية زيادة عن الحد، وتناسينا أن جزءاً لا بأس به وقد يكون أغلبه بسببنا نحن الذين ربيناهم على تلك الصفات عبر التفاخر بها والتندر، حتى تبنتها وتشبعتها عقول الصغار وتقمستها لا إرادياً ورغبةً منهم أيضاً بالتحلي بما دأب والديهم والمقربون منهم وصفهم، ليتحول التمثيل إلى طبع سيصعب فيما بعد التخلص منه ويتحول لسمة لجيلٍ كامل تعقبه أجيال تتوارثه، ولا غرابة أبداً في ذلك، فالمتجول في شوارع ومدن وأزقة أغلب مدننا العربية نادراً ما سيجد في طريقه من يوزع الابتسامات على المارة والجلوس كلما تلاقت أعينهم في نظرة والتفاتة، على النقيض ستجد العبوس والقنوط ونظرات من تأبط شرا ويبحث كما يقولون شعبياً عن «شكل» أي مشكلة تروي ظمأ صاحبها الذي رضع منذ طفولته النكد والسأم.
لمَ نحن عدائيون في وصفنا لأطفالنا دائماً، ولمَ نحرص على الصاق صفات غير حميدةٍ بهم، ولمَ نسعد ونبتسم حين نرى غضباً طفولياً مصطنعاً على وجوههم، ولمَ لا نحرص على ثنيهم عن التحلي بتلك الهيئة الكئيبة التي نفرح لرؤيتهم بها، وليكن بدلاً من ذلك تشجيعهم على الا تختفي الابتسامة عن وجوههم البريئة، وتعويدهم على المحبة والحنان والعاطفة التي يجب أن نحفزهم لإظهارها للآخرين وممارستها بشفافية وبراءة الطفولة، كي تتأصل بهم وتصبح في مراهقتهم وشبابهم طبعاً ينعكس عليهم ومن حولهم، فتكون المحصلة بيئةً خصبةً للاستمتاع بالحياة واحترام الآخرين، ما سيأخذنا لنكون شعوباً متحضرة إنسانية رفيعة الخلق وحسنة المعشر والجوار بدل ما عُرف عنا وشاع من النقيض وهو حقيقةٌ لا يُمكن إنكارها.
في مسلسلاتنا وأغانينا الحزن هو الصفة السائدة، والمصائب والكوارث هي السيناريو الأغلب، والدموع والبكاء والنواح في كل حلقة، وكأننا لم يكفينا كمية التعاسة التي تظهر علينا لنزيدها غماً وهماً سينزع ما تبقى من لحظات فرح مأمولة لواقعٍ أردناه ليكون حزيناً بعد أن أصلناه في أطفالنا، الذين بدورهم وحين كبروا كرروه مع أبنائهم، حتى تحولت الكآبة لطبعٍ أصيل وجينات متوارثة لجيلٍ عربيٍ يخلفُ آخر لا يعرف حس الفكاهة الا بالابتذال ويستمتع بأن يوصف بالتناحة.



المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=470517

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...