الأحد، 28 ديسمبر 2014

إيران وحلم الاتفاق مع أوروبا وأميركا

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة العرب اللندنية 26-12-2014

 
 
سواء قامت طهران باتفاق مع الغرب وأميركا برعاية روسية أو استمرت في التفاوض وحظيت بتمديد المهلة للتوصل لاتفاق لستة شهورٍ قادمة كما حققت مؤخرا، فهي ونظامها المراوغ إلى انكشاف وستسقط ومعها حزب الله والحوثيون وطائفيو العراق وبشار وكل الطغاة لو توحدت مواقف العرب.
فالعرب اتفقوا سويا بعد طول اختلاف على رد حازم تجاه كل من يقف مع من كان يسمى محور الشر “إيران” والذي لا يزال موجودا لحد الآن، طالما استمرت في سياسة تصدير الثورة وتحريض الإخوة الشيعة العرب على دولهم ودعم الفاشية والمساهمة في إثارة القلاقل في دول الجوار والتحريض على قلب أنظمة الحكم لدول خليجية تتميز باستقرارها وتواءم شعوبها مع نهج قياداتها.
أما حزب الله اللبناني فقد بات آيلا للانهيار بعد انكشاف أيديولوجيته الطائفية وتبعيته العمياء لإيران والتي زجت به في أتون الصراع السوري متغافلا عن “بروبوغاندا المقاومة” التي طالما رفعها كشعار له، فيما بات اندحـاره مرهونـا بزوالهم، وهما وإن طال الوقت إلى زوال، فالباطل وإن طال أمده إلا أن له نهاية.
ورغم ذلك فإنه لا يعني أن نستكين ونسكت، فالمطلوب الآن وأكثر من أي وقتٍ مضى أن نعود كعرب لرشدنا ويكون لنا قوة تقف في وجه كل معتدي، وأن لا نتوقع من الغرب والولايات المتحدة أكثر مما شاهدنا، فمصالحهم فوق صداقتهم معنا، وحربهم المزعومة وضرباتهم التي طالما هددوا بها لن تحدث، فخيارهم هو احتواء طهران أكثر من قصقصة أجنحتها.
سياسة الاحتواء تجاه البرنامج النووي الإيراني التي يمارسها الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “الناتو” لا يمكن أن تجدي نفعا مع نظامٍ قام أصلا في الأساس على تصدير الفكر الثوري الطائفي لدول الجوار والعالم الإسلامي، وعمل من خلاله على نفث نار الفتنة وجيّش الأقليات العربية لتنقلب على دولها وشعوبها، وهي التي طالما عاشت معها بوئام دون مشاكل حقيقية تذكر.
في الحقيقة النظام في إيران هو نظام لم يُعرف عنه سوى نكث العهود والمواثيق والابتسام في وجه مقابليه، فيما هو يمارس بسياسة التقية التي يتبناها، الباطل في الخفاء ويعمل على زعزعة استقرار دولهم.
إن صح ما قيل عن نية الولايات المتحدة، كبادرة حسن نية من طرفها، فك التجميد عن أموال إيران لديها، فسنرى في قادم الأيام انتعاشا سريعا وارتفاعا لقيمة العملة الإيرانية المتدهورة، ولن أستبعد إن حدث ذلك أن تقوم حكومة طهران باستخدام تلك الأموال للحصول على التكنولوجيا الأميركية والأوروبية لدعم وإصلاح قطاع الطيران والمواصلات فيها الذي يعاني من القدم ومن التهالك، فضلا عن دعم ميزانيتها التي زاد العجز فيها نتيجة انخفاض أسعار النفط لما دون الستين دولارا.
قد نكون مفرطين في التوجس، لكنه توجس إيجابي، فالمؤمن كيسٌ فطن وعليه أن ينتبه لما يحدث حوله ويتدارك نفسه، قبل أن يتقدم الآخرون ويتفوقون عليه فيما هو منشغل وفي محلك سر.


المصدر: صحيفة العرب اللندنية - http://www.alarab.co.uk/?id=41256

الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014

فضوليون

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 09-12-2014



فضوليون ولا دواء شافياً حتى اللحظة، ولا نصائح وتوجيهات باتت تجدي نفعاً مع مارة يلفت انتباههم حدث ما أو حادث وقع في الشارع، ليهرعوا مباشرة لإيقاف سياراتهم والتضييق على الآخرين لمعرفة ما جرى.
مشهد يتكرر كل يوم ونراه يصدر من الآخرين فنحرك رؤوسنا استنكاراً له لما قد يتسببون به من إرباك للجهات الرسمية التي تباشر الحادث أياً كان نوعه؛ لكننا وفي الوقت نفسه نرتكب الخطأ نفسه وبالفضول نفسه نهرع أيضاً لرؤية ما يجري، فنسبب ربكة في الشارع ونضيق على أصحاب الشأن ونزيد من ارتباكهم وألمهم بأسئلتنا المتكررة لهم وعما جرى، لنتبع ذلك بنظرياتنا وتحليلنا وتفسيرنا، وطبعاً في كل مرة ينقل الحدث لسائل جديد نضيف عليه أحداثاً لم تحصل مع نكهة شخصية تنطبق والراوي ومدى خصوبة خياله.
في المقابل، هناك فئة لا مبالية وغير مكترثة ولن تتحرك وتبدي أي استعدادٍ للمساعدة ولو احترقت الدنيا أمام أعينها طالما لم يصبها من الضرر شيء!
لا وسطية في كلا الفريقين ولا وعي وإدراك بأهمية تقييم الموقف، وهل يستدعي التدخل والمساعدة أو ترك الأمر لذوي الشأن للقيام باللازم؟
 الفضول جزء من طبيعتنا الإنسانية التي إما تخاف المجهول ولا تتمنى حدوثه لها، وإن صار للغير تسعى لأن تراه ومن ثم تبحث عن مبرر له في نفسها حتى تتقبل صدمة مشاهدتها له، أو لتروي رغبة في رؤية ما تعرض له الآخرون من ضرر وشكله وعواقبه.
في نظري، ليس منا من لا يملك فضولاً ولكن الفرق يكمن في مدى تمكنه من الشخص وسيطرته على تصرفاته وردات فعله. على النقيض وفي الجانب الآخر، هناك أناس لا يملكون أي ذرةٍ منه، ولا يعنيهم ما يحدث حولهم طالما لم يكونوا طرفاً فيه، وغير مستعدين أن يدخلوا نقاشاً ليسألوا عن أمرٍ ما، أو يتوقفوا لمشاهدته وإن حتى حدث أمامهم.
ثقافتنا العربية تناولت الموضوع، وتحدثت عنه الأمثال بالعربية والعامية. بعضها واضح وسهل الفهم ولا يحتاج لترجمة كمثال: «من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه»، لكن أخرى صعبة الفهم أو ظريفة ومضحكة وإن كانت تصب في المعنى نفسه، يقول المثل: «ضب راسك عند مناوشة الدول» و«واحد مربي لحيته والثاني متثقل منها».
الشعوب الأخرى كان لهم الإسهام نفسه في وصف الفضول والحديث عنه، فيقال مثلاً في الإنجليزية: Curiosity killed the cat أو «الفضول قتل القطة»، والتي رغم كونها كما يعلم مربيها ومحبيها أنها تتمتع وكما يقول المثل الشعبي بسبعة أرواح إلا أنها ومع ذلك قد تفقدها في لحظات نسميها بالعامية «لقافة».
وعلى ذكر «اللقافة»، ليس هناك (وحسب رأيي الذي بالتأكيد قد أكون مخطئاً فيه)؛ أسوأ من صديق أو زميل يمطرك بأسئلته التي لا تنتهي أثناء حديثك معه عن موضوعٍ ما، يقوم بجرفك عنه بعيداً كلما استرسلت في كلامك، فيقاطعك مستفسراً ببلاهة عن تفصيل صغير ليس له أي علاقة بالموضوع ولن يفيد في شيء، فينسيك في لحظات سردك آخر ما قلته. تتناسى ما فعل، لكنه ما يلبث مجدداً أن يكرر فعلته التي ستنتهي على الأغلب باختصارك الحديث وإنهائه لعلمك أن استمرارك فيه قد يكون سبباً لفقدان أعصابك وغضبك وربما خسارتك لصديق صدوق لكنه فضولي!
أطفالنا وفي سنيهم الأولى لديهم نهم لاستكشاف ما حولهم، قد نسهم إيجاباً في صقله وإفادتهم وتعليمهم وتفتيحهم وتوسيع مداركهم وتنمية ذكائهم؛ أو سلباً في قصقصة أجنحتهم ولجمهم عن السؤال والتذمر من تكراره والشكوى من فضولهم الذي يستلزم التفاعل معه اقتطاع لحظات منا. قد نبخل عليهم بها متجاهلين أهميتها في تفتح عالمهم الصغير على الدنيا، ونحن نصرخ بهم أو نضربهم وننهاهم، رغم أن فضولهم هو فعلياً الرغبة بالمعرفة بما ينفع وهو المفروض دعمه وتشجيعه، متناسين أنفسنا وسوء تفاعلنا وتدخلنا نحن الكبار فيما لا يعنينا حال رؤيتنا له أو سماعنا عنه!



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/12/09/202783/%d9%81%d8%b6%d9%88%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%86/

السبت، 6 ديسمبر 2014

عُذراً معاليك

بقلم عماد أحمد العالم

مقالة لم تقبل الحياة نشرها رداً على مقالة وردت فيها بتاريخ 02-12-2014 للكاتب هاني الظاهري بعنوان "مسؤول الفلاشات السريّة" http://t.co/BKRrsoYQXg




هو تقدير واجب أكثر من اعتذار صريح لشخصكم الكريم، فأنا وغيري العديد من مقيمي هذا البلد الطيب ومواطنيه الكرام ممن يكنون لكم جزيل الامتنان لما تقومون به في سبيل خدمة وطنكم وإطاعة مليككم والحرص على تقديم ما يستحقه شعبكم من خدمات واجبة توليها الوزارة التي كان لولي الأمر الفضل بعد الله سبحانه في تحميلكم مسؤوليتها، التي لا يختلف اثنان على أنكم من خيرة رجالها؛ إلا البعض ممن يعانون من الشك وهاجس الرياء بعلم أو بدون علم، وبقصد أو بدون قصد. قد لا يثنيك قولهم او انتقادهم الفج وليته كان انتقادا فقط؛ عن القيام بمهامكم التي ستسألون عنها أمام المولى العلي القدير، ثم في متابعة مجلس الوزراء لكم وتقييمه لطريقة عملكم، وهل أنجزتم المطلوب منكم كما هو مفترض أو قصرتم به.بكل أمانة ولا أقصد هنا التجريح بأيٍ كان، هناك في كل مجتمع أعداء ولنقل بقول أكثر لطفا متشككين، ممن تتعبهم الوساوس والهواجس حين رؤيتهم لمسؤولٍ ما في منصبٍ رفيع يتعامل بأريحية ويتصرف كإنسان عادي لا يميزه عن بني قومه سوى منصبه، الذي لم ينعكس عليه ولم يصبه بلعنة الغرور والتكبر، بل زاده تواضعا ويقينا أن الأيام دول، وأنها لو دامت له ما أتت لغيره، وبأنه في نهاية المطاف جندي ممن يؤدون شرف خدمة مليكهم ووطنهم وشعبهم، ولذلك يتراءى لهم على الدوام يومٌ تنفض من حولهم جموع الموظفين، ويحال فيه للتقاعد أو يُقال ويُحاسب إن أخطأ وقصر!قرأت كما قرأ العديد ما كتبه أحد الكتاب الأجلاء في أحد الصحف هذا الأسبوع من انتقاد لم تذكروا فيه بالاسم، وإن كانت كل الدلائل تُشير لكم، في إشارة الى صورة يبدوا أن أحدهم التقطها اثناء انتظاركم الدور عند الحلاق، وهو الأمر الذي وصفكم به بالقول الشعبي (صورني من غير ما ادري)، مع توقعي وقد أكون مخطئا أن من الشائع جدا رؤيتكم في العديد من الأماكن العامة وبدون أي حراسة أو مظاهر سلطة، والكثير يشهد بذلك، وإن كنت أتمنى في المرة القادمة أن يبادروا لالتقاط صوركم ونشرها، علها تكون دليلا مقنعا لكل متشكك في عفوية الصورة أنكم كبقية أبناء هذا البلد و مقيميه، تمرضون وتتسوقون وترسلون ابناءكم للمدرسة، كما تشترون اللحوم من الملحمة والخضرة من باعتها، وحتى إن كان الجو لطيفا كأجواء الرياض الرائعة هذه الأيام، تأخذون أسرتكم في نزهة للبر أو تمشية في الشوارع.أتمنى أن نعي جميعا أن لنا الظاهر فقط، أما النوايا فعلمها عند الله سبحانه وتعالى، وحكمنا يجب أن يقوم على ما نراه قبل أن نسمعه، لا ما نفترضه؛ وإلا حينها سننتقص من قيمة الشخص والذي أعنيه المسؤول هنا، وسنحقر من تصرفاته وتواضعه ونقلل من إنجازاته، وبالتالي نضرب مثلا سيئاً في الدعم والتقدير، ونحول الإيجابيات لسلبيات، سنحصد يوما مساوئها إن لم نحسن الظن ونقدر، فمن لا يشكر العبد لا يشكر الله وتقدم المجتمع لن يحصل الا على يد أبنائه المخلصين الذين يجب أن يكون الجميع خير من يثني عليهم إن أصابوا، وأول من يوجههم إن أخطأوا.

الجمعة، 5 ديسمبر 2014

المعارضة البحرينية ضيعت الفرصة

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة العرب اللندنية 04-12-2014



من منا لم يتمنّ أن لو أنّ الانتخابات البحرينية التي جرت قبل أيام كانت قد تمت بمشاركة الجميع لتؤدي دورها الكامل كوسيلة ديمقراطية للمشاركة السياسية، ولتساهم في إعادة اللّحمة والاستقرار للشارع البحريني وفي ردم الفجوة التي أوجدتها المعارضة عبر زرع نار الفتنة الطائفية والانقسام عقب أحداث العام 2011 وتحريضها الجموع لقلب نظام الحكم ودعمها للغوغائيين الذين احتلوا آنذاك دوار اللؤلؤة وحاولوا أن يعيثوا في العاصمة تخريبا.
لكنّ المعارضة التي تتصدّرها جمعية الوفاق ذات التكوين القائم على الأخوّة في الطائفة، قبل الولاء للوطن، آثرت للأسف قطع حبل الوصل بالإصرار على مقاطعة الاستحقاق الانتخابي الذي من المؤكد أنّها لو كانت قد شاركت فيه لساهمت في تلطيف الأجواء وفتحت بابا للنقاش السياسي وللتغيير السلمي الذي يرضي جميع الأطراف ولا يكون لمصلحة فصيل على حساب آخر.

لا اختلف مع أحد في أن للمعارضة البحرينية مطالب يمكن تفهّمها، وبأن قسما من البحرينيين يعاني مصاعب اقتصادية واجتماعية، ومنهم من يلازمه شعور بعدم المساواة، وكلّها قضايا يمكن طرحها وأوضاع يمكن النضال سلميا لتغييرها، دون اللجوء بالضرورة إلى مقاطعة الانتخابات وتفويت فرصة التغيير عبر صناديق الاقتراع.
بكل أسف أثبتت المعارضة مجدّدا عدم سلمية قياداتها وأكّدت سعيهم وراء الشقاق بدل اللّحمة التي لو تحلّى بها كل مختلف في الرأي لضحّى في سبيلها وتنازل من أجل وطنه واستقراره ونمائه.
ألم ينكشف لمن غرّرت بهم “الوفاق” بشعاراتها المذهبية وولائها لإيران، أن المشي خلفها لم يجلب لهم الخير قط، وأن استجابتها لتحريض الجار الإيراني لا تصب في مصلحتها وإنما تدفع باتجاه عزلها عن محيطها العربي والوطني، وشككت في مشروعية أهدافها ومطالبها وأوجدت حالة من النفور تجاهها، بعد أن شاهد الجميع مظاهراتها التي خرج فيها الأتباع حاملين صور الخميني وخامنئي بدل أن تُرفع صور وشعارات لرموز وطنية.
ألا يُعدّ هذا خيانة للوطن وتآمرا مع طهران التي -وبعلم الجميع- تضمر الشر للبحرين وتتمنى تحويلها، كما فعلت في العراق، لباحة خلفية لها، تمكّنها من زرع شوكتها في خاصرة دول الخليج العربي.
لا أخفي أن الغالبية العظمى من شيعة البلاد لا يمكن المزايدة على وطنيتهم. لكني أتمنى أن يرجع البعض من المضللين منهم إلى وعيهم ويدركوا أن انتماءهم الوطني أهم من اللهاث خلف وعود الجار الإيراني الطامع لخلق القلاقل ببلدهم، والذي يستخدمهم كجنود لتنفيذ مخططاته، ولن يكون من الغريب عليه أن يتخلى عنهم في أي صفقة ترضي طموحاته التملكية التي جعل من سياسة تصدير “الثورة الإسلامية” منفذا لها.
للعلم ومهما حاولت وتآمرت، فلن تنجح إيران بخلق تجربة حزب الله اللبناني أيا كان مسماه في المنامة وستفشل مع جماعة الحوثي الإرهابية في اليمن وإن ظنت أنّه تحقق لها ما أرادت، وبالتأكيد ستسقط سياسة تصدير الثورة، التي لن يتأخر اليوم الذي سنرى فيه إيران مقسمة ومفكّكة تعمّها الفوضى وهي الهشة من الداخل بسبب تنوعها العرقي وتفرقتها التي تمارسها الأثنية الفارسية المتحكمة بالسلطة تجاه الأحوازيين والبلوش والعرب والسنّة والأكراد والتركمان.
حجج التجنيس في البحرين التي تتذرع بها المعارضة وتنمي فيها العداء بين أبناء الوطن الواحد، حجج بغيضة وعنصرية وفي غير محلّها، وتقوم على التهويل والمبالغة بشأن إجراءات اعتيادية في كل الدول بما أنه من حق أي حكومة وهي التي ترسم السياسة العامة للدولة أن تسعى لعمل كل ما تراه مشروعا لمصلحة البلد وأمنها واقتصادها. كما يجب أن يتذكر الجميع أن العالم بأسره أصبح قرية صغيرة وأن كل الدول وحتى الأكثر قوة مؤلّفة من أناس لا يعني أحدا التثبت في أصولهم ماداموا مواطنين صالحين.
الدروس المستفادة من تجارب فاشلة للربيع العربي في بعض الدول التي ثارت على حكامها بدون استراتيجية وخطط مدروسة، خير دليل على أن التغيير عن طريق الوسائل الديمقراطية، وهي متاحة في البحرين عبر الانتخابات، هي بالتأكيد أنسب وسيلة لنيل المطالب. فالمظاهرات العبثية وقتل الآمنين والتخريب لن يوصل لأي نتيجة إيجابية، وسيجعل من السلطة أكثر صرامة في حماية كيان الدولة، ليكون الحال بسبب تصرفات المعارضة وبالا على الناس وسببا في انفضاض الجمع من حولها.
أما محاولات تدويل “القضيّة” فهي بدون أي فائدة بعد إن استوعب العالم أن المطـالبة بالحقوق بخلفية طائفية وبدعم من غريب ذي مطامع لـن تجدي نفعا، بل ستكون مفتاحا للفتن والقلاقل ومزيدا من الشغب الـذي ستحدثه في دول الجوار الآمنة والمستقرة. ولنا في العراق خير دليل، وهو الذي دمّره وفكّكه وقسّمه تدخّل الملالي في السياسة وتسييسهم للمذهب، بدعم سافر من الجار الإيراني الذي أوغل في جراح العراقيين وفرّقهم وهم من لم يُعرف عنهم إلا التعايش المشترك طوال تاريخهم وحتى في أشدّ الفترات ديكتاتورية.


المصدر: صحيفة العرب اللندنية - http://www.alarab.co.uk/?id=39607

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

شكراً نيوزيلندا

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الجزيرة 02-12-2014



ماذا لو تبرعت إحدى الفتيات من ذوات القد المياس والوجه المملوح وقررت أن تعيد تمثيل التجربة الأمريكية والنيوزيلندية في أحد بلداننا العربية، لتستكشف مدى اهتمامنا بالمرأة عدا حقوقها طبعا، وهل يا ترى سنكون كالسادة النيوزيلنديين أقل تحرشاً بها، أم كالنيويوركيين حين تعرضت السيدة شوشانا روبرتس البالغة من العمر أربعة وعشرين عاماً والمرتدية أزياء عادية حسب ما شاهدناه في المقطع، وبالطبع تتماشى مع ثقافتهم وانفتاحهم، ومع ذلك وفي عشر ساعات من تجولها في نيويورك؛ تعرضت لأكثر من مائة حالة تحرش لفظي، هذا بالطبع عن الغمز واللمز!
في نيوزيلندا قررت صحيفة هيرالد إعادة التجربة في مدينة أوكلاند ولكن هذه المرة على يد عارضة أزياء شابة مملوحة الطلة ومتغندرة، تجولت طوال ساعات في الشوارع، مع مراقبتها بكاميرا سرية، لمعرفة عدد الرجال الذين سيظهرون اهتماماً بها, المفاجأة كانت أنها لم تثر فضول أحد عدا اثنين وثالث سألها عن عنوانٍ ما. عدا ذلك، فقد تمخطرت وتمشت دون أن تتعرض لأية حالة تحرشٍ أخرى تجعلها تخشى على نفسها، أو تبكيها وتحزنها لأنها شعرت بانتهاك إنسانيتها!
في حاضرتنا العربية، ولن أحدد المكان لتشابه العقلية الذكورية وعلى ما أظن وأتمنى أن أكون مخطئاً؛ لن تنعم أي أنثى أو أغلبهن براحة البال وسعة الطريق مهما كان عرضه إن مرت بجوار أي تجمعٍ لشباب أو حتى عواجيز، فسواء كانوا من الجالسين على مقهى لشرب الشاي والنرجيلة أو متجهين بسياراتهم لمقاصدهم، ستنال أعينهم من كل أنثى تلاحظها، وستلتهمها من أخمص قدميها لأعلى رأسها بحثاً عن نقطةٍ فيها تشبع نهمهم، ولن يكترث العديد منهم إن كانت حتى تمشي بجوار أخيها أو والدها وزوجها، فاللمز والغمز حادث، أما إن كانت وحيدة وذات تحرر في اللبس والهندام، فلن تكون الآهات وحدها ما ستسمعه، وقد يتعدى التحرش اللفظ للمس وأمام الجميع الذي قد لا يبادر أي منه (إلا من رحم ربي) لأي ردة فعل أو شهامة تجاه أنثى تتعرض أمامه للتحرش. قد يعلل بعضهم ذلك لتبرجها ولزينتها المبالغة فيها وللبسها، الذي استفز الشباب للتعرض لها. فيما قد يعبر آخرون عن خشيتهم من المشاكل والدخول فيما لا يعنيهم، وخصوصا في ظل غياب قوانين صريحة تجرم التحرش وتعاقب مرتكبه بعقوبة تجعله يندم على ارتكابه لفعلته الدنيئة.
لو بحثنا في الأمر من وجهة نظر بيولوجية لوجدنا أن سكان نيوزيلندا خليط من المهاجرين مختلفي الثقافات والمرجعية العرقية، ومع ذلك أظهرت التجربة تمتعهم بأخلاقيات المجتمع المثالي الذي تتساوى فيه المرأة مع الرجل في الحقوق، ولديهم التزام أخلاقي بالحرية الفردية واحترامها وعدم التعدي على الآخرين، كرسها بالطبع قانون صارم وواضح وثقافة إنسانية تربى عليها الجميع في المجتمع، أصلت احترام المرأة وعدم التعرض لها بأذى. ثقافة مجتمعهم عمل على إنشائها والدعوة لها نظام تعليمي مميز، وإعلام مُصلح، ومؤسسات مجتمع مدني متفانية لإيصال رسالتها، وحكومة بقانونيها ورجال أمنها صارمون في تنفيذ القانون وغير متساهلين مع كل منتهك لحرمة الإنسان.
على غرار ما حدث بأوكلاند النيوزيلاندية، أثبتت نيويورك أنها مدينة لا تتمتع بأخلاقيات الغرب المتحضر وبالتحديد فيما يتعلق بالمرأة والتحرش بها علناً، رغم كونها هي الأخرى مدينة تتشكل من مزيج كبير من المهاجرين مختلفي الثقافات والأعراق. فرغم صرامة القوانين، إلا أن الثقافة المجتمعية تعكس حالة اللاأخلاقية، وعدم تمدن الشباب وجهل عام للحقوق واحترام الآخر، كرسها جميعا نظام تعليمي لم يحقق المنشود منه، وتفرقة عنصرية منتشرة، ونسبة عالية لارتكاب الجريمة، وشبه غياب لثقافة مجتمعية واحدة يؤمن بها الجميع ويحرص على ألا تنتهك أبدا.
اما بالنسبة لواقعنا العربي، فالغريب أن الأغلبية هم من دين واحد وعرق عربيٍ واحد وثقافة وعادات وقبلية واحدة، ومع ذلك فالتحرش ظاهرة منتشرة بكثرة، لا تنعم المرأة بسببها بحقوقها كإنسانة من حقها أن تشعر بالأمان في حلها وترحالها وتجولها وتمشيها في الطريق وفي الأماكن العامة؛ وتتعرض باستمرار وبمرأى من الجميع لمختلف المضايقات، الذي سينشغل العديد منهم في تصوير المقطع وبثه فيما بعد على مواقع التواصل وبرامج المحادثة، دون أدنى شعور بالذنب لانتهاك خصوصية الآخرين وفضحهم والتشهير بهم، وما قد يتسبب لهم بأذى وضرر نفسي ومعنوي حال انتشار المقاطع المصورة، وبالطبع أنا لا أتحدث هنا عن المعتدي والجاني، بل عن الضحية، وهي المرأة التي تم مضايقتها والتحرش بها وانتهاك آدميتها من قبل وحوش بشرية، لا تتمتع بدين أو أخلاق، وتظن أن حرمات الآخرين حلال لها طالما لا تمت لها بصلة قرابة، ولا تشعر بوخز ضمير لما فعلت، ولا تخشى العقاب لأن القانون متساهل والمجتمع يتغاضى عن أخطاء الرجل ويغفر له ويجب كل ذنبه!


المصدر: جريدة الجزيرة - http://www.al-jazirah.com/2014/20141202/rj6.htm

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...