الاثنين، 31 ديسمبر 2012

ليبيا ما بعد القذافي

مقاله تم نشرها في شبكة الجديده الإخباريه 31-12-2012

بقلم: عماد أحمد العالم

 
ما بال الإخوة الأحباب في ليبيا هذه الأيام، وماذا جرى لوحدتهم وحريتهم التي بذلوا من أجلها عشرات الآلاف من الشهداء وتحملو لنيلها قمع القذافي واستماتته للبقاء في السلطة وجبروت مرتزقته وبطش أجهزته الأمنية.
هل من الحتمي بعد كل ثورة أن يحاول الثوار جني ثمار الانتصار المبكر حتى قبل أن ينضج، لم صبرو أربعين سنة على حكم الكتاب الأخضر وكذبه وهرطقته ونظريات “إسراطيل” والإشتراكية الخضراء ومحاولات الوحدة القومية الفاشلة، لم لا يمنحوا أنفسهم فسحةً من التأني والتفكير الجيد في مستقبلهم بعيداً عن التحزبات والمناطقية والقبلية والحكم العشائري الذي لم يكن له وجود يذكر أو سلطة تعلو على سلطة الجماهيرية.
ثورة السابع عشر من فبراير كانت عظيمة وعفوية في بدايتها، حيث خرجت الجموع المظطهدة من الشعب مطالبةً بقليلٍ من الحرية والكرامة؛ بل أجزم أن هذا كان مطلبهم، ولو استمع له لربما كنا الآن على موعد مع أحد خطب القذافي النارية حيث يعطينا درساً طويلاً عن ديموقراطيتة، إلا أن من مثله وبعد أربع عقودٍ في السلطة، لن يرى إلا ما تهيأه له شياطينه، ونهايته كما يعلمها الجميع!
إن كانت ليبيا الجديدية واقعةُ في شرك التقسيم من جديد عبر نعرة إكتساب منتجات الثورة وتطبيق المثل “من سبق لحق” حتى لو كان آخر من التحق بالثورة ودعمها، هذا إن لم يكن من الساقطين مع الحكم السابق؛ حينها أؤكد لكم أن ليبيا مقبلة على مرحله مشابهة لدخول فتح قطاع غزة عقب إتفاقية مدريد للسلام، حيث تغذت صطوة العائلات وتكونت ميليشيات من المرتزقة تنفذ سياسات أفراد ومصالح جماعات أبعد ما تكون عن خدمة الصالح العام؛ والمحصلة نموذج جديد لفشل حكم الشعب الديموقراطي مشابه للعراق ولبنان، حيث كل من شارك في التحرير يعطي لنفسه الحق بالاعتراض عبر إشهار سلاحه في وجه كل من يخالفه الرأي.
إن أرادت ليبيا أن تنهض وتصلح من أحوالها وتنفض عنها غبار أربعين سنه من التأخر، فعليها أن تسعى لذلك عبر غرس بذور الوعي المدني والصالح العام، وتترك عنها كل ما يمت للقبلية والمناطقية بصلة، وعلى وزارة دفاعها قبل أن توحد جل الميليشيات تحت عباءتها، أن تنزع سلاح الفصائل دون تفرقة وتقنن حمله عبر تصاريح رسمية. لا سلطة فوق القانون، ولا رأي أو اعتراض يفرض بالقوة. فهل من المنطق أن يغزو المئات جلسات البرلمان للاعتراض على الحكومة المشكلة وتعلق الجلسة لأن الأمن لا يستطيع أو لا يريد السيطرة عليهم.
مع كل الإعتراض على ما أجرم به سيف الإسلام القذافي ولكن هل من المنطق أن يبقى سجيناً لدى كتيبة الزنتان ويرفض نقله إلى سجن فدرالي تحت إشراف الحكومة المركزية، وأن يقوم بعض من بقايا النظام السابق بالبلطجة واحتلال بني وليد، حتى اضطر الجيش لاقتحامها بعد عدة محاولاتٍ فاشلة للتفاهم معهم.
على ليبيا الحاضر أن تجاهد لإعادة الإعمار والتقدم وإصلاح القطاع التعليمي والصحي والاقتصادي وإعادة هيكلة بنيتها التحتية وتنمية قطاعها النفطي وتنظيم وجود مؤسسات المجتمع المدني وتأطير وجودها وتقنينه، ليكون لها أخيراً حياة كريمة لشعبها الذي عانى من الحرمان رغم غنى أرضه بأحد أجود أنواع النفط في العالم.
 

الأحد، 30 ديسمبر 2012

ربيع الأنبار قادم

مقاله تم نشرها في جريدة بوابة الشرق القطريه 28-12-2012

بقلم: عماد أحمد العالم

 
هل أستبشر خيراً ببداية صحوةٍ أراها في الأنبار، وهل نشهد بداية انتفاضةٍ لسنة العراق المظلومين المقهورين على يد ديكتاتوري العراق المالكي ومن والاه من الأطياف السياسية المذهبية العراقية اسما والإيرانية هدفاً وأجندة. لم تأخرت صحوتهم وانتفاضتهم، حتى بتنا نظن أن السبات عميقٌ وأقوى من أن يستفيق، على رجالٍ أشداء قهروا الاستعمار والديكتاتورية والتتار على مدار تاريخهم، وانتفضوا دوماً على الطغيان، هل نحن على عتبات قادسيةٍ ثالثة تنطلق شرارتها من الأنبار وسامراء، في مشهدٍ يحبو لكسر حاجز الصمت ويحاول لاهثاً أن يثبت من جديد أن أشراف العراق ما زالوا أحياء تنبض قلوبهم بالعدالة المفقودة المنشودة، بعد أن سلبتها منهم الدولة الصفوية الموغلة في التدخل عراقياً، حتى بات من شروط أن تكون في المشهد السياسي العراقي، أن تنال رضا إيران عنك ومعها سياسيوها!
منذ سقوط النظام السابق في العراق، والبلد لم يشهد نهضةً تذكر على كل المستويات، بل استشرى فيها الفساد والمحسوبية والرشاوى وانعدمت الشفافية، وانتشر القتل على الهوية؛ الذي غالباً ما كان ضحاياه من أهل السنة، في دولةٍ تعد الأثرى عالمياً بمستويات مخزونها النفطي وإنتاجها اليومي، وفي المقابل لا يرى المواطن تحسناً يذكر، سوى رؤيته وبحسرة للثري يزداد غناً والفقير فقراً، ومعهما تهوي نسبة الطبقة المتوسطة إلى الحضيض. في العراق لن تجد مثيلاً لها بين أقرانها في ازدهار سلطة الأثرياء الجدد واتساع نفوذهم وسطوتهم التي هي للأسف قائمة في جوانب منها على التلاعب بالمشاعر الدينية المذهبية وتطويع الطائفة ومقومات الدولة، وتكريس مبدأ "فرق تسد"، وأفضل من أجادها تحالف ما يسمى بدولة القانون، وهي برأيي لا تعدو أن تكون "هادمة القانون"، فبحقبتها التي اقتربت نهايتها، ساد القمع وامتلأت السجون بما جادت العراق وأحرارها، وأصبح القضاء مسيساً، تهمه وإدانته حاضره لكل من يخالف المالكي؛ الإرهاب وليس سواه هو ما يُرمى به جزافاً ودوماً قيادات العراق السنيه ممن يختلفون مع المالكي، بدأها بحارث وأتبعهم الهاشمي، والآن رفيقه القديم العيساوي، الذي ما إن اختلف مع المالكي، إلا وجد أفراد حمايته أنفسهم متهمين بالقيام بأعمال وصفها أمن المالكي بالإرهابية!، في حين لم نر أو نسمع عن نزاهة القضاء وسطوة الأمن تجاه المليشيات الشيعية ورجال الدين من مانحي صكوك الغفران والعصابات المذهبية المجرمة التي تنفذ الأجندة الأجنبية وتفجر وتخطف وتقتل دون أن نرى للأمن قدرة عليها، فمهمته الوحيدة أمست هي خنق السنة في العراق والقضاء على قياداتهم وتعذيب نسائهم وامتهان كرامة أحرارهم.
آن للنظام الفاشي أن ينتهي، وأن تقطع أياديه وأرجله وأن يعاقب على ما أساء به وأفسد؛ وآن للشعب العراقي بكل طوائفه وفئاته أن تصحو من غفوتها، وتنتفض نجدةً لربيعٍ يجتث الزمرة المفسدة من مشهدها، فهم من أهلكوا العباد وسرقوا البلاد وعاثوا فيها فساداً، فأصبحت كأفقر دول العالم الثالث: إن أصابها مطر، غرقت وعامت شوارعها وتحولت بغداد فيها لمدينة البندقية! ربيع الأنبار وإن تأخر بدء يُبرز حالة تذمرٍ شعبي، أتمنى أن تتحول لانتفاضةٍ عارمة، يتوحد بها العراقيون بكل أطيافهم ليثوروا كأقرانهم العرب ويطلوا علينا بربيعٍ مزهرٍ، ينقل بلاد الرافدين لعراق ٍكانت يوماً تقودنا وتقود كل العرب!.
 

الأربعاء، 26 ديسمبر 2012

يحيى العدل ودامت المجامله

مقاله تم نشرها في جريدة بوابة الشرق القطريه 25-12-2012

بقلم: عماد أحمد العالم

 
المجاملة ليست درباً للنفاق ولا المداهنة وإن كانت تدخل أحياناً ضمن الإطراء (سمة العصر الحديث). فبعد فراغ الساحة من جحافلة الشعراء. وإن كان بعضهم جارح القول ماجن القرض. إلا أنهم أورثونا مرجعاً أدبياً وشعراً ملهماً تُغُني به. على النقيض من شعراء الحداثة. ممن توافرت لهم كل السبل. فهم أكثر حظا بتوافر التكنولوجيا الحديثة. التي لو توافرت للعاشق الولهان "طرفة بن العبد" لما اضطر المحب لحمل رسالةٍ قادته لحتفه. ولكان استخدم التويتر أو الفيسبوك أو حتى البريد الإلكتروني.
عنترة بن شداد حينها ربما يكون أكثر راحةً لو استخدم الـ "بي بي". ولما اضطر لخوض الغزوات وإبراز المهارات القتالية وقرض الشعر وتحمل مساومات حماه (أبو عبلة).
صدقوني لا تدخل المسألة ضمن المزاح الثقيل ولا التهويل أو المبالغة. بل هي حقيقة ماثلة للعيان امتد تأثيرها ليصل الإخوة السياسيين وصناع القرار. فأتحفونا بنهجٍ جديد قائم على "خراب البيوت" لإرضاء الخصوم. خرجت علينا مصطلحات جديدة "كسلام الشجعان" و "شهيد السلام" و "دائرة العنف" و"العقاب الجماعي".
امتد التأثير للإعلام فقدم لنا "المحلل" و"الخبير" و"المتتبع" و"المختص" وكل الألقاب الأخرى التي لو كان حقاً ملقبوها جزءا من تركيبتنا السكانية. لما كان السواد الأعظم منهم يعيش في الخارج.
تدويل المجاملة أو عولمتها أصبح سمة العصر. فما كان يعد مخالفاً للأعراف والقيم ونفاقاً ومداهنة سابقاً. أصبح ضرورة هذه الأيام. والأمثلة كثيرة. ابتداء بإجماع الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة على الدعم اللا متناهي لإسرائيل. وليس انتهاءً بقرارٍ سابق للبرلمان الفرنسي يجرم على أثر رجعي الدولة العثمانية ويتهمها بارتكاب مجازر بحق الأرمن. وهو ما سعي له أيضاً في الكونغرس الأمريكي. في حين فقدت الجزائر أكثر من مليون شهيد لنيل استقلالها. وتعرضت البوسنة والهرسك لأبشع مجازر عرقية. أحدها كان في سيربينيتسا التي كانت بحماية الفرقة الهولندية التي لم تحرك ساكناً وكأن لسان حالها يقول "ماكو أوامر"! طبعاً هذا عن وعد بلفور سيئ الذكر واستعمار إفريقيا لعقود ونهب ثرواتها وإبادة الهنود الحمر و..و...و..و..و.. والقائمة تطول. ويحيا العدل ودامت المجاملة!
 

الخميس، 20 ديسمبر 2012

بلا حريه، بلا عداله إجتماعيه

مقاله تم نشرها في جريدة بوابة الشرق القطريه 17-12-2012

بقلم: عماد أحمد العالم


وانتهت المرحلة الأولى من الاستفتاء على الدستور المصري، وبدأت معه قنوات الردح الإعلامي في الصوات واللطم والزعيق، وبتنا نحن المشاهدين على أبواب فصلٍ جديد من مسرحية حرية الإعلام، وديمقراطيات ما بعد الخريف العربي المشؤوم لنفرٍ من القوم، والربيع للإخوة المنتفضين، وفي كلا الحالتين وبدون تحيز أو غبن، أرثي أوقاتاً ستضيع وسيضيع معها وقتنا "ويرتفع السكر والضغط" والسبب كما لا يخفى عليكم ( وأنتم أهل المعرفة) هو تجدد الغث الذي لا يحتمل من التهم والنظريات والفتاوى والتحليل برعاية المذيع الفلتة "زغلول"والإعلامية الجهبذ "فتكات"، وبالطبع لا ننسى ضيوفهم الأفاضل "معترض وغضبان ومُخوِّن ومخلل وسياسي ومعارض"، كما نخبةٌ أخرى من ضيوف المخمل وزوار السفارات وراقصي التانجو " والوحدة ونص". جميعهم اتفقوا على عدة أمور، منها المطالبة بإعادة الجزء الأول من الاستفتاء الباطل المزور، والمدار بإشراف نفر من "رد السجون" انتحلو صفة القضاء، "وعدت الخدعة" على الدولة ووزارة العدل واللجنة العليا المشرفة، ولم يكتشفها إلا فطانة بعض الجمعيات الأهلية (الممولة خارجياً)، وأحزاب الورق وفاشيو المعارضة والرافضون الدائمون وذوي الباع والخبرة في التمحيص وكشف المستور!. خرجوا حتى قبل أن تعلن النتائج، مكفهرين غضبى لأن بعض السيدات المصوتات طلبن من قضاة بعض اللجان إبراز هوياتهم، فارتبكو وأبو واستنكروا!، حينها اتضح لهن أن القائمين على الصندوق ليسوا إلا منتحلين لشخصية القضاة، فسارعوا بإبلاغ عمر ولميس ومعهم وائل وسيد ومنى وووو، فأقاموا هم بدورهم الدنيا ولم يقعدوها، وصموا آذاننا بالمونولج "إياه" عن الزيت والسكر والشاي والنسكافيه، حتى باتت الموضة لكل من يصوت بنعم - كما أخبرني صديقي المحترم - أن يأخذ المصوت لنفسه صوره وهو يحمل كيس الغنيمه ومكافأة الإخوان! أحد الذرائع الأخرى للمشككين كانت بأن ستين بالمائة من القضاة قاطعو الاستفتاء، فيما تحدث مستشار وزير العدل بالقول أن العدد المطلوب وصلنا له واكتفينا ومن رفض فذلك حقه، مع العلم بأن القانون لا يعطي القاضي الحق بالرفض إن تم توجيهه رسمياً، لكن لهذه القاعدة استثناء في الوقت الحاضر، فالاستقطاب على أشده، والغنائم "تزغلل" الأعين، والكل أضحى بين ليلةٍ وضحاها وطني مخلص وثوري مُبجّل! والله لقد مللت منهم، وملت زوجتي من قضائي الوقت مستمعاً لخزعبلاتهم، وملّت ابنتي من استحواذ التلفزيون لأوقاتهم التي يقضيها أبوهم ممسكاً "بريموت الرسيفر"، الذي تعب بدوره وتطايرت أزراره مع كل ضغطةٍ بعصبيه لتغيير القناة واستبدالها بأخرى أسوأ منها؛ وحتى يحين موعد نومي فأنا مستفز وغاضب لأن السياسة والأخبار والديمقراطية والثورات قد أعيتنا واستحوذت جُل اهتمامنا وأنستنا الهدف الأسمى الذي طالما هتفوا له: العيش ولا شيء سوى رغيف العيش!، "وبلا" حرية "وبلا" ديمقراطية "وبلا" عدالة اجتماعية.


الرابط: http://userarticles.al-sharq.com/ArticlesDetails.aspx?AID=13953

الأحد، 16 ديسمبر 2012

سيكولوجية الثائر العربي

مقاله تم نشرها في جريدة بوابة الشرق القطريه 15-12-2012

بقلم: عماد أحمد العالم


أظهرت ثورات الربيع في أربع دولٍ عربية غيرت نظام حكمها الشمولي إلى حكم الشعب، وما تلاها من هيجانٍ خلف نزعةً من الوطنية المحلية؛ غير القائمة على أيديولوجية فكرية، وإنما رغبة في التغيير، بعد أن فاض الكيل بالشعوب من أنظمة حكمٍ استبدادية، جثمت عقوداً على الصدور وأكلت الأخضر واليابس، ومارست القمع والحرمان، وأطرت الفساد. أظهرت لنا "الثورجية الجدد" وأغلبهم حديثي عهد بالسياسة، بعضهم من جيل "البلاي ستايشن" وشبكات التواصل الاجتماعي، لكنهم حولوا اتجاهاتهم فجأة للسياسة، فكانوا هدفاً سهلاً للاستقطاب من قبل مخضرمي الساحة، ممن لفظتهم الأيام (وغسلت يدها منهم)، وجدوا فيهم أتباعاً يسهل تسييرهم وتلقينهم وزرع الأفكار في رؤوسهم لتنفيذ الأجندة أياً كانت.
ما توفر للأجيال الناشئة لم تحظ به سابقاتها ممن عانت القهر والسجن والعزل إن عارضت؛ فقد ولدت في عصر التكنولوجيا والعولمة والانفتاح الإعلامي الفضائي، فسهُل عليها أخذ المعلومة جاهزة، دونما مجهود يبذل قائم على الاستنتاج الشخصي والقناعة أو التعمق في المسألة لفهمها من جميع الجوانب، ومن ثم الإيمان بالهدف المرجو. أصبحوا ملقنين، مسيرين، يسهل تحريكهم عبر دغدغة العاطفة لديهم أو التخويف أو إعطاؤهم حجماً أكبر لشخصهم، فأمسوا لعبةً بيد الإعلام وصناع القرار والسياسيين من معارضة وموالين. أُطلق عليهم مسمى الشارع العربي بعد أن نزع الوصف عن الأغلبية الصامتة، التي كانت سابقاً القوة المدمرة إن تحركت. إن وصفتُ فكرهم بالسطحية لن أظلمهم، فهم أشبه ببناءٍ عالٍ يتم تعميره في شهرٍ، سيكون آيلاً للسقوط في أي وقت، لأن أساساته الفكرية لم تبن بالشكل السليم، بل جمعت على عجل، فكانت في الواقع عمدان هشة يسهل كسرها والتخلص منها.
الثورات المتحضرة والناجحة تميزت بكونها قامت على أساسٍ فكري لم يكن وليد اللحظة أو عفويا، بل سبقتها ثورة فكرية وصراع أيديولوجي بين طبقةٍ حاكمة وأرُستقراطية وكنسية مثلت الأقلية المسيطرة، وأغلبية مقهورة وجدت نفسها أسفل الهرم الاجتماعي ومحرومة، تواصلت معها النخب الأدبية وبدأت حملة للتوعية بضرورة التغيير، مستشهدةً بواقع الحال والحرمان والتفرقة، مطالبةً بحقوق المواطنة والمساواة وإلغاء الامتيازات الإقطاعية وسطوة الفكر الديني المتشدد وتحكمه في الفكر، داعيةً لفكر الإنسان الفرد، صاحب الحق في الحكم والاختيار والممارسة، رافضةً الوصاية على العقول والتسليم المطلق للكنيسة وصكوك الغفران والتكفير والتجريم لمجرد الاختلاف في الرأي. فبدأت على إثر ذلك تتشكل تيارات فكرية عملت للتغيير عبر سياسة تثقيف العقول وتنبيه الناس للحقوق والواجبات المفروضة عليهم والمطلوبة لهم. تم ترسيخ مبدأ الدولة الحديثة عبر تنويع العمل وتقسيمه لمؤسسات المجتمع المدني التي وضعت الضوابط وشكلت الرقيب، والجهات التشريعية والتنفيذية، وهيئات الرقابة والمحاسبة؛ فما أن قامت الثورة، حتى بدأت بعدها مرحلة انتقالية وفق أسس سليمة، والنتيجة ما نراه الآن من ديمقراطيات متقدمة تشكل جوهر الحياة الحرة والعيش بكرامة. على النقيض، فالثائر العربي محدود الثقافة، مسير، وعجول، انفعالي لا يقبل بالرأي الآخر، داعٍ للتغيير دون أن يملك أجندة ما بعد التغيير، متحمس ولكن عاطفي لا يحكم العقل والمنطق، مستعجل لجني الثمار دون أن يحسن سقاية ما زرع، والمحصلة ثورات قامت لقهر الباطل وللتغيير، لكنها فشلت في بناء الدولة، فتفاقمت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية وخلقت حالة من الإرباك والفوضى السياسية والاستقطاب والفراغ الفكري وسطحية التفكير والمطالب وزرعت بذور الفتنة وقسمت المجتمع بدلاً من توحيده واهتمت بالسفاسف وتركت الأصول، فأوجدت بيئة خصبة للطفيليات لأن تتكاثر وتفسد وتشغل العامة في مالا فائدة منه، ومن ثم تثنيهم عن أهداف التغيير المرجوة.إن أرادت شعوبنا أن تحيا حقاً في كنف المدنية الإنسانية، فعليها أولاً أن تثقف نفسها وتطور فكرها وأن تنمي داخل شخصيتها مبدأ التغيير للإصلاح وأن تتخلص من هيمنة الفكر المتعصب، وأن تؤطر العمل المدني والتطوعي والثقافي والاجتماعي، وقدسية المواطنة والتحفيز الذاتي ومحاسبة الذات، وأن تتخلص من فكر العائلة والقبيلة وجنون العظمة وسمو العرق، وأن تجعل من الإصلاح الغاية المنشودة وأن تترك عنها المصالح الفردية الفئوية للصالح العام.
 

الجمعة، 14 ديسمبر 2012

القطاع الصحي بين الطموح والآمال

مقاله تم نشرها في جريدة عكاظ السعوديه 13-12-2012

بقلم: عماد أحمد العالم


لم يصل القطاع الصحي لنقطة التفوق حتى الآن رغم كل ما يعلن عنه من مشاريع صحية ومستشفيات وأبراج طبية ومراكز صحية؟ ولم دائما ما تقارن جودة الخدمة في القطاع الصحي التابع للوزارة بمثيله لدى المستشفيات العسكرية والتخصصية؟ ولم نجد نوعا من فقدان الثقة والتوجه للتداوي في القطاع الخاص؛ في وقتٍ لا يخفى على أحد حجم الإمكانيات الطبية والأجهزة المتوفرة ومواكبتها الدائمة للأحدث والأكثر تطورا عالميا، كما سبق لوزارة الصحة على الدوام الحصول عليها وتوفيرها في قطاعها، حتى أن بعض هذه الأجهزة تجدها موجودة محليا مقارنة بعدد أقل بكثير من مستشفيات الجهات المصنعة والموردة.
إن الهيكل التنظيمي والتوزيع الجغرافي للوزارة قد تم تنظيمه بشكلٍ من المفترض أن يؤدي إلى تخفيف الضغط عن المدن وتسهيل الاستطباب على المريض بعناءٍ أقل. لكن هل نجح هذا المخطط لاستحداث نظام صحي متطور وعملي وسلس بما يكفي لتحقيق آمال الدولة بتوفير نظام صحي على درجة عالية من الكفاءة؟.
إن كان الحديث عن المكننة والإمكانيات؛ فأظن أن الوزارة قد أنجزت أغلب ما خططت له وأوجدت البنية التحتية السليمة، لكن إن تحدثنا عن جودة الخدمة المقدمة، فمن الصدق والإنصاف القول بأن القطاع قد قام بواجبه ولكن بدرجةٍ لم تصل بعد لحد ما يطمح إليه الجميع مقارنة مع إمكانيات القطاع المتوفرة والعناية الممنهجة والمؤطرة بسخاء مادي متزايد كل سنة..
في اعتقادي: إن استطاعت وزارة الصحة زرع سياسة الترغيب والترهيب وإن أحسنت خلق نوع من التوأمة بين موظفيها من جهة ومهامهم من جهة أخرى وإن تمكن القائمون على برنامج الاعتماد الصحي التابع للوزارة ( سيباهي) من تطبيق روح البرنامج وغرس ثقافة العمل بها لتحسين الأداء والتطوير الذاتي وتقديم الخدمات الصحيه بالشكل المطلوب؛ فإنني أتوقع حينها أن القطاع الصحي الحكومي سيكون مثالا للنجاح الذي يثلج صدر القيادة السعودية التي تسعى على الدوام لتقديم الأفضل للوطن والمواطنين.


الرابط: http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20121213/Con20121213555459.htm

العاطفه والسياسه

مقاله تم نشرها في جريدة بوابة الشرق القطريه 08-12-2012

بقلم: عماد أحمد العالم

 
العزف على وتر العاطفة واستمالتها أسلوب أزلي قديم، لم يحدث أن حكم حاكم، إلا واستخدمه، سواء كان محبوباً لشعبه ومختاراً أو متسلطا متشبثا بكرسي الحكم، ديكتاتوريا بغيضا. جميعهم عزفوا على شعوبهم ألحاناً مختلفة، تتفق فيما بينها على مداعبة مشاعرهم وتحريكها وفقاً لأهوائهم ومصالحهم.
باباوات الكنيسة الكاثوليكية من أوائل مستخدميها؛ ومنح صكوك الغفران أحد الأمثلة، كما الغزوات الصليبية التي دُعي لها باسم الدين. لم يختلف العرب عنهم وإن اختلفت المقاصد؛ فالغزوات والفتوحات الإسلامية التي طالت أقاصي أوروبا، سُيرت بداع التوسع الجغرافي الديني الذي لم يكن ليحدُث لولا دغدغة العواطف الدينية وبيان الفضل العظيم لنشر الدين الإسلامي.
هتلر استطاع استمالة الجموع الألمانية إليه عبر تغذية روح الثأر لما خسرته ألمانيا عقب توقيعها لمعاهدة فرساي، التي كانت السبب وراء نشوب الحرب العالمية الثانية، حرك خلالها الجموع عبر إثارة عواطف الاستياء لديهم مما أفقدتهم إياه المعاهدة، وشحنهم بسمو العرق وتفوقه.
استقلال الدول الإفريقية والآسيوية بما فيها العربية عقب الحقبة الاستعمارية، لعب فيه تجييش الحشود دوراً من خلال أدبيات الحرية والوطنية والمظاهرات التي قادتها النخبه لنيل الحقوق المسلوبة، حتى الدول اللاتينية انقلبت على الإقطاعية واعتنقت الاشتراكية بحثاً عن العدالة، وكان لها ذلك عبر الطبقات الفقيرة العامية التي سيرتها شعارات ومهدت لها ثورة ثقافية لعب فيها الأدباء دوراً مهماً أمثال مكسيم وماركيز كاتب الرائعة " مائة عام من العزلة" والبرازيلي إقليدس دي كونا وماريانو اثويلا المكسيكي الذي ألف رواية "الكلاب الخفية" عن الثورة المكسيكية.
ثورات الربيع العربي الحديثة، أشعلها شاب أحرق نفسه، فسقطت على إثر ذلك أربع ديكتاتوريات سلطوية حكم أقلها ثلاثين سنة متواصلة بقوانين الطوارئ والانتخابات المزورة وتخويف الشعب من الإرهاب والفقر والفوضى وإسرائيل والإمبريالية.
إذاً الحكم بالعاطفة والتسلح بها لا يقتصر فقط على إثارة نزعة التفوق أو الوطنية والتخلص من الخوف والقضاء على الطبقية، وإنما أيضاً بالترهيب وتخويف عاطفة الشعوب وتطويعها لتصدق روايات الرعب الخرافية التي يروجها لهم الحاكم وبعض من علماء السلاطين من أصحاب نظرية " افعل ما يطلب منك؛ تكن في الجنة، وإلا مصيرك للنار"!
في الجانب الآخر بدأت المعارضة تدرك أهمية التأثير بالعاطفة للأغلبية الصامتة من الشعب وتخلت عن نرجسيتها وأيديولوجياتها، فنزلت للشارع بمطالب محددة، ذات سقف عالية، لا تنازلات فيها، فكان للمقهور أن تغلب على من رتع عقوداً على كاهله وأسقطه سريعاً.
 

الثلاثاء، 4 ديسمبر 2012

ما فعلته بنا الديموقراطيه!

مقاله تم نشرها في جريدة بوابة الشرق القطريه 03-12-2012

بقلم: عماد أحمد العالم


الساحه أو الميدان ليست مكاناً دوماً للشرفاء، كما أنها لاتعبر أحياناً عن نبض الأغلبيه ولا الضعفاء، فقد تستغلها الأقليه لتكون مسرحاً لاعتراضها وقد تجعل منها الأغلبيه صوتاً لهدير جموعها؛ وفي كلا الحالتين الميدان مشغول من قبل المتظاهرين أياً كانت اتجاهاتهم ومطالبهم، والمتضرر في النهايه بشكلٍ عام الدوله واقتصادها، "ويندب حظه" من كانت شقته مطله على الميدان أو على أيٍ من نقاط التماس؛ فمصدر إزعاجهم لا يقتصر فقط على الهتافات، بل ينالهم جانب وجوانب من الغازات  المسيله للدموع، كما أن موظفو التحرير وتجارها الخاسر الآخر للسلسله اللامتناهيه من الإعتراض والفوضى السياسيه العارمه، وحالة التخبط الديموقراطي لما بعد الثوره، حيث أُشغِلت الأنفس بمالا فائدة منه ولاجدوى من طرحه في المرحله الإنتقاليه، فيما غاب عن طلاب الحريه ما دُفع من ثمنٍ لها!
اتعلمون ما هي أكثر الدول الأوروبيه تظاهراً؟: اليونان، وما أكثرها آسيوياً؟: بنجلاديش، وما أكثرها عربياً؟: مصر......
ثلاثتهم دول تنادي بالديموقراطيه، ولكن لنر ما فعلت بهم؛ في اليونان تفشى الفساد في أغلب أركان الدوله، حتى باتت على حافة الإفلاس ومهدده بالخروج من الإتحاد الأوروبي رغم ضخامة المساعدات الماليه المقدمه لها، لا يكاد يخلو يوم دون مظاهرات واعتصامات واضرابات، تسيرها المؤسسات النقابيه، والتي من المفترض أن تعي أن عدالة المطلب مرتبط بالمرحله وظروفها!
في بنجلاديش دمرت الديموقراطيه الدوله وقسمتها لحزبين تحكمهما امرأتين، أحدهما ابنة رئيسٍ سابق والأخرى زوجة رئيسٍ لاحق. دولتهم تعد الأفقر عالمياً والأكثر فساداً وأقل تعليماً، في المقابل جزء كبير من الشعب مسيس ويعي فيه أكثر من معرفته حروف هجائه!
في مصر ثالث أمثلتي؛ الشعب متعلم ومثقف، لكنه مسير وموجه من قبل إعلام ضال ومضلل ودعاة ثقافه وبعضٍ من المعارضه، استغلت عاطفة شعبها الجياشه، وشوقها للحرية والعداله، فتلاعبت بالحشود وأشبعتها بعبارات  دولة القانون، وقدسية القضاء، والثوره مستمره؛ فتحمس جيل منتفض من الشباب، ولد في زمن الديكتاتوريه، وتنشق الحريه بعد الخامسً والعشرين من يناير، لكنه أخطأ حين ظن أن الديموقراطيه مقدسه، فهي الأخرى من صنع البشر، وليست منزهه عن أن تطوع وتفصل بالمقاس الذي يراه أهل الرأي والإعتراض مناسباً لهم، فأساؤو لها ولهم ولشعبهم، وأظهرو للعالم الآخر وجهاً آخر لتداعيات الحريه، التي لو علم الغرب بأن تطبيقها سيُحدث فوضى لما نراه اليوم في ديموقراطيات الربيع العربي، لدعموها بدلاً من الديكتاتوريه، لأنه اتضح لهم أن ممارسة شعوبنا المتعطشة لها ستكون بها أكثر تبعيه ولهثاً وراء سراب العداله الغائبه، وتأطيراً لفساد القضاة وعمالة الإعلام برداءٍ بالٍ من الشعارات المستهلكه؛ فهل نعي الآن ما فعلته بنا الديموقراطيه، أو ما الصقنا بها جزافاً!


الرابط:


أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...