الجمعة، 14 ديسمبر 2012

العاطفه والسياسه

مقاله تم نشرها في جريدة بوابة الشرق القطريه 08-12-2012

بقلم: عماد أحمد العالم

 
العزف على وتر العاطفة واستمالتها أسلوب أزلي قديم، لم يحدث أن حكم حاكم، إلا واستخدمه، سواء كان محبوباً لشعبه ومختاراً أو متسلطا متشبثا بكرسي الحكم، ديكتاتوريا بغيضا. جميعهم عزفوا على شعوبهم ألحاناً مختلفة، تتفق فيما بينها على مداعبة مشاعرهم وتحريكها وفقاً لأهوائهم ومصالحهم.
باباوات الكنيسة الكاثوليكية من أوائل مستخدميها؛ ومنح صكوك الغفران أحد الأمثلة، كما الغزوات الصليبية التي دُعي لها باسم الدين. لم يختلف العرب عنهم وإن اختلفت المقاصد؛ فالغزوات والفتوحات الإسلامية التي طالت أقاصي أوروبا، سُيرت بداع التوسع الجغرافي الديني الذي لم يكن ليحدُث لولا دغدغة العواطف الدينية وبيان الفضل العظيم لنشر الدين الإسلامي.
هتلر استطاع استمالة الجموع الألمانية إليه عبر تغذية روح الثأر لما خسرته ألمانيا عقب توقيعها لمعاهدة فرساي، التي كانت السبب وراء نشوب الحرب العالمية الثانية، حرك خلالها الجموع عبر إثارة عواطف الاستياء لديهم مما أفقدتهم إياه المعاهدة، وشحنهم بسمو العرق وتفوقه.
استقلال الدول الإفريقية والآسيوية بما فيها العربية عقب الحقبة الاستعمارية، لعب فيه تجييش الحشود دوراً من خلال أدبيات الحرية والوطنية والمظاهرات التي قادتها النخبه لنيل الحقوق المسلوبة، حتى الدول اللاتينية انقلبت على الإقطاعية واعتنقت الاشتراكية بحثاً عن العدالة، وكان لها ذلك عبر الطبقات الفقيرة العامية التي سيرتها شعارات ومهدت لها ثورة ثقافية لعب فيها الأدباء دوراً مهماً أمثال مكسيم وماركيز كاتب الرائعة " مائة عام من العزلة" والبرازيلي إقليدس دي كونا وماريانو اثويلا المكسيكي الذي ألف رواية "الكلاب الخفية" عن الثورة المكسيكية.
ثورات الربيع العربي الحديثة، أشعلها شاب أحرق نفسه، فسقطت على إثر ذلك أربع ديكتاتوريات سلطوية حكم أقلها ثلاثين سنة متواصلة بقوانين الطوارئ والانتخابات المزورة وتخويف الشعب من الإرهاب والفقر والفوضى وإسرائيل والإمبريالية.
إذاً الحكم بالعاطفة والتسلح بها لا يقتصر فقط على إثارة نزعة التفوق أو الوطنية والتخلص من الخوف والقضاء على الطبقية، وإنما أيضاً بالترهيب وتخويف عاطفة الشعوب وتطويعها لتصدق روايات الرعب الخرافية التي يروجها لهم الحاكم وبعض من علماء السلاطين من أصحاب نظرية " افعل ما يطلب منك؛ تكن في الجنة، وإلا مصيرك للنار"!
في الجانب الآخر بدأت المعارضة تدرك أهمية التأثير بالعاطفة للأغلبية الصامتة من الشعب وتخلت عن نرجسيتها وأيديولوجياتها، فنزلت للشارع بمطالب محددة، ذات سقف عالية، لا تنازلات فيها، فكان للمقهور أن تغلب على من رتع عقوداً على كاهله وأسقطه سريعاً.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...