الجمعة، 28 فبراير 2014

ثقافة التغيير

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية الإماراتية 27-02-2014



المجتمعات التي انشغل مثقفوها، أو لنقلْ من يسمون أنفسهم بالصفوة عن هموم الشارع والفرد والمواطن البسيط، هي نفسها الفقيرة بمؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخدمية والهيئات الرقابية غير الحكومية. هي المجتمعات التي يمكن تسميتها بالعالم الثالث، ليس قياساً على حالتها الاقتصادية، وإنما على الدرجة التي وصلت إليها من الوعي المجتمعي، حيث التطور الإنساني شبه معدوم وثقافة الفرد تتناسب مع مستوى دخله المادي. لا طموح ولا إبداع ولا وعي ولا ثقافة فيها، وإنما سعي محموم لتجاوز خط الفقر والحصول على ما يبقيها آدمية.
ما الفرق بيننا لنقل كعرب أغنياء بمواردنا الطبيعية، وبين الغرب الغني بثقافة الإنتاج لا الاستهلاك، والتصدير لا الاستيراد، والتصنيع والتصميم والابتكار لا الحصول على المنتجات جاهزة ومستوردة؟!
ما الذي يجعل عقولنا المهاجرة للعالم الأول مبدعة وخلاقة ومنتجة يُعتمد عليها من قبل مستضيفيهم، بينما هي العقول الخاوية والأجساد الكسولة البيروقراطية الروتينية نفسها في دولها، والتي لا تتوانى عن كسر القوانين وخرقها وهي تضحك، فيما هي منضبطة ولا تتجاوز القانون والعرف العام إن هاجرت وتركت دولها.
ما الذي جعل أعظم دولتين متقدمتين في العالم على كل الصعد كألمانيا واليابان اللتين خرجتا مهزومتين في الحرب العالمية الثانية ولا تمتلكان موارد طبيعية تذكر مقارنة بدول أخرى؛ تتقدمان الصفوف وتصبحان مرجعاً في الحضارة الإنسانية والمجتمعية، وفي التقدم العلمي والطبي والصناعي، ويحظى مواطنوهما بقيمة ومكانة ومنزلة لم ينلها الآخرون في دولهم الغنية.
ألا نلاحظ أن ألمانيا في عهد العرق الآري تسببت في مقتل الملايين، وفي تدمير نفسها، وتسببت سياسة التعصب التي دعا لها هتلر في توحيد العالم ضده، ليخرج منتحراً مهزوماً في الحرب العالمية الثانية. أليست تجربة الإمبراطورية اليابانية هي الأخرى عنصرية عرقية وخاسرة ومكسورة ومدمرة عقب خسارتها الحرب واستسلامها بعد ضرب الولايات المتحدة لمدينتيها بالقنبلة النووية.
تطور أي أمة يعتمد على مربع متوازي الأضلاع، يعمل فيه بشكل متزامن ومتوالي النخب مع الهيئات العامة والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات البحثية والتعليمية، في ظل وعي مجتمعي مؤطر بقوانين تحدد ما للفرد وما عليه من حقوق وواجبات، كما للدولة من مسؤوليات ومهام يتحتم على موظفيها القيام بها من دون تقصير، وبتأصيل لمبدأ الرقابة الذاتية.
جلد الذات بهدف الإصلاح هو ما نفتقده، ولا يكفي أبداً التباكي على ماضٍ راح وانتهى، كما أن التنظير من دون طرح الحلول وبرنامج العمل اللازم لتنفيذها هو بالضبط كمن يكتب على الماء.
هذا هو واقع حالنا الذي أشغلنا فيه أنفسنا بالحلال والحرام البين، وتجاهلنا تأصيل الأخلاق والمساواة ونبذ العنصرية والطائفية والقبلية التي لم تمنحنا يوماً دفعةً للتقدم للأمام، بل كانت دوماً سبباً في تأخرنا. نحن من دون مبالغة مستعدون لقضاء أيام في نقاش حول المرأة وحقوقها، ومحاكمنا ملأى بالقضايا، فيما نتناسى قوله تعالى «إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
كمسلمين وعرب نستحق أفضل مما نحن عليه الآن، ولكي نتغير، علينا أولاً أن نكون بشراً وبإنسانية ومن دون طبقية أو عنصرية، وليكن سعينا للمصلحة العامة قبل الخاصة، وليكن خوفنا من خالقنا لا من الخلق، ولنترك عنا الاعتداد الأهوج بالنفس وتحقير الآخر، ولنعمل بصمت وبأهداف واضحة وثابتة ومتسارعة لنكون في صفوف العالم الأول كغيرنا من الأمم التي بدأت بعدنا لكنها تقدمت علينا.



المصدر: جريدة الرؤية - http://alroeya.ae/2014/02/27/131319

السبت، 22 فبراير 2014

العدل والعدالة

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الشرق القطرية 22-02-2014

 

أحد أهم مظاهر العدالة أنها عمياء؛ وعدم إبصارها لا يعني تغاضيها عن الحقيقة, بل يؤصل المبدأ العدلي بأنها لا ترى المظاهر, والتي تعني القوى السياسية والمالية والاجتماعية والعرقية والقبلية. لذا ستجد تمثالها دوماً "أي العدالة" معصوبة العينين, جميلة تظهر في هيئة فتاةٍ أنيقةٍ مهيبة تمسك بيديها رمز العدالة؛ بيمينها سيفٌ لتطبيقها, وبيسراها تحمل ميزاناً يمثل روح الإنصاف وتوازنه وحياديته.
قد يقول قائل أن العدالة امرأة؛ وقد يكون قولاً يستفز الرجال, لكن تفسيره يكمن بأن المرأة وخصوصاً الأمهات, يجسدن العناصر الأساسية للعدل؛ والمتمثلة بوحدة القواعد اليومية, العدالة والحكمة والقانون، المحبة والتصرف بعدل, كما القدرة على التطبيق دون مبالغةٍ أو تجن وشخصنة.
جوستيتيا "Justitia" , هي الهة مجازية تمثل العدالة عند الرومان, ومنها اشتق اسم العدل (Justice), وصفت بالرحمة والحيادية. تراها جاثمةً في دور القضاء وهيئاته, منبهة الزائر لحلوله ضيفاً عليها.
القضاة جُزءٌ من منظومة العدل وركنٌ أساسيٌ للحرية, فما قامت ثورة وأحققت مظلمة إلا كان وراؤها قاضٍ نزيه, وما دام حكم التسلط إلا بوجود قضاءٍ فاسد, أشاح وجهة عن العدل, وحلل الحرام للحاكم والقوي وطبق العدل على الضعيف, فانتشر الظلم والضيم وانعدمت المساواة.
في مجتمعاتنا المؤمنة, ابتلينا بكثيرٍ من قضاة الباطل. وجودهم واقعٌ لا يُنكر, فحبيبنا المصطفى علية صلاة الله وسلامه قد أخبرنا عنهم ونبأنا القول " قاضٍ في الجنة وقاضيان في النار ". القضاة هم القائمون على العدل الذي يجسد القاعدة لاستمرار حياة البشر مع بعضهم البعض.
تحول نفرٌ من القضاة في بلدان الربيع العربي لضيوفٍ دائمين على البرامج وأمسوا خبراء دستوريين ومنظرين ومحللين؛ فمتحيزين لجهةٍ على أخرى, فمؤيدين لطرفٍ ضد الآخر؛ حينها خرجوا من واقع كونهم قضاة, ليكونوا طرفاً في النزاع, فضاعت النزاهة وغابت القدسية واختل ميزان العدل, فوقع على رؤوس الشعب, وأُسقط بأيديهم, فتاهت عنهم الحقيقة, ووقعت القطيعة ودب النزاع, وتحول القاضي لجلاد والمجرم لبريء, فضاعت الثورة وتشتت أفكار ثوارها, فانقسم المجتمع بين مؤيدٍ ومعارض.
موقف بعض القضاة مشين ولا يمت للقانون بصلة, بل يعكس حجم الفساد المزروع فيه, والحل الأمثل لاستقامة الحال يكمن بقيام ثورتين تصحيحيتين تطهيريتين: أحدهما لإعادة إنشاء المنظومة الإعلامية وفق ميثاق شرف لا يقُبل خرقه, والأخرى عدلية يقوم بها قانونيون مستقلون وشرفاء لإعادة هيكلة المنظومة القضائية والعدلية, ويضمن النزاهة والحيادية, كي تمهدا لقيام الدولة المدنية الحديثة التي تسعى لها الشعوب بعد طول حرمانٍ منها.

المصدر: جريدة الشرق القطرية - http://www.al-sharq.com/

ثورة الشباب على اليوتيوب

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية الإماراتية 20-02-2014



شباب مبدع ومميز وخفيف الدم وذو أسلوب ممتع وشيق، لم يجد له فرصة في الإعلام ولا الصحافة ولم تلتفت له القنوات الفضائية ذات الميزانيات الكبيرة، وجد من اليوتيوب متنفسه الوحيد، والوسيلة المجانية ليعبر من خلاله عما يراه هماً له ولمجتمعه ولأبناء جيله، فيما آخرون احترفوا النقد وأوصلوا صوتهم المكبوت، الذي لم تسنح له الفرصة بأن يُسمع. تمرد على ما فُرض عليه من نمطٍ لما يجب أن يراه ويسمعه من قبل القنوات الإعلامية الخاصة، ذات الأهداف الربحية البحتة أياً كانت وسيلتها في تحقيق ذلك؛ فما كان منه إلا أن بدأ في نقدها وتعرية ما تقدمه للجمهور من برامج سطحية وزائفة، بعضها مغاير لعاداتنا وتقاليدنا، فيما أخرى سخيفة ومملة ومكررة!
أستغرب لم لا يلتفت لهم أحد، ولم لا تُقدم لهم العروض ليكون لهم برامجهم على الشاشة الصغيرة، ولم لا يتم الاستفادة منهم في منظومة الإعلام الجديد. هل يتوجب عليهم المشاركة في برامج المسابقات لاكتشاف المواهب لكي يحظو بفرصةٍ. مع تشككي بأن يحظو بها، فهذه البرامج أمست لأهل الطرب والمغنى، ولا حظوظ تمنحها لشباب يريد أن يقدم برامج "التوك شو" الهادفة ولا حتى الكوميدية الظريفة او ما يسمى بالكوميديا الحية المرتجلة (Stand-up comedy)!
إن توجهوا "للعربجة والدرعمة" والأفعال الطائشة لاموهم, واستضافوا خبراء ومنظرين ليفسروا لهم طيش شبابهم، لكن لن يتطرق أحدهم لواقع كونهم من يغلق الأبواب أمامهم، فيما القنوات العربية الفضائية التي باتت بالمئات تفتح برامجها لفنانين وفنانات ومقدمي برامج مملين ومكررين، في حوارات متكررة ورتيبة يتخللها دقائق مملة لإعلانات تجارية او تروج لبرامج القناة نفسها!
للنيام في العسل من المنتجين والمعدين والمسوقين لهذه القنوات أتوجه بأن يستيقظوا من سباتهم، وبأن يدخلوا على اليوتيوب لمشاهدة بعض مما يقدمه هذا الشباب المبدع المُستبعد من حساباتهم, ليروا بأنفسهم أن ما يقدمونه "ببلاش" وبدون مخرجين ولا ميزانيات أفضل مما تمطرنا به فضائياتهم في كل دورة تلفزيونيةٍ من برامج ومسلسلات مستهلكة وعقيمة!



المصدر: جريدة الرؤية - http://alroeya.ae/2014/02/20/129701

الأربعاء، 19 فبراير 2014

بوابة أمريكا اللاتينية

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في مجلة فكر الثقافة العدد السادس 19-02-2014


لا أجد متعةً تضاهي أن أكتب ما أشعر به حين أقرأ لغابرييل غارسيا ماركيز، الأديب العالمي وبوابة أمريكا اللاتينية، الروائي الذي أدخل الحب والجنس والسياسة والخرافة والواقع والسحر في مزيجٍ غريبٍ في العديد من رواياته، وربطه بالرغبة الجامحة التي لا تعرف الحدود ولا الأخلاقيات، وإنما سعى ليظهرها كغريزة متحررة من كل القيود، حتى إن كانت بين أفراد الأسرة ذاتها كما سرد في روايته "مائة عام من العزلة".
الحب في عُرف ماركيز له رونق خاص، ولذة أفلاطونية نرجسية سرمدية، لا تقدر أن تتخيل أن بين بني البشر من هم بهذه القدرة على التمسك به أو حتى مجرد الحلم!
في روايته "الحب في زمن الكوليرا"، تناول قصة حب امتدت لأكثر من خمسين سنه، ابتدأت بطرفين لكنها ما لبثت ان انتهت، لتكون من جانب عاشقٍ بائس، أضمره في قلبه لخمسين عاماً حتى يحيى ما عاش من أجله. استوحى قصته من كفاح والده للزواج من أمه في ظل رفض أهلها له، الذي قابله إصرارها لتكون زوجةً له!
حين يصف غارسيا يجبرك على أن تعيش معه الأحداث بكل تركيز، يجعل من القارئ رهن كلماته، غير قادر على أن يترك ما ببن يديه، ليستمر في تخيل الأحداث بطريقة تشعرك وكأنك طيفٌ يشاهدها عن قرب، فيما الشخصيات تمر أمامك كشريطٍ سينمائي لا متناهي. تعتري القارئ حينها الرغبات المحرمة، أو الكره أو الحقد أو السعادة بناء على الحدث الذي يمر به، فيما تجعله تركيبة الشخصية المسرودة رهن جمالها وحتى إن كانت شريرة ومتجبرة.
استوحى ماركيز في بعض رواياته الشخصيات من سمات بعض من عاصرهم، كما يبدو التحرر الفكري اليساري جلياً في كتاباته، مع نفيه الدائم لمن وصفه بالشيوعي ووصفه لنفسه بالا منتمي لأي حزبٍ سياسي وإن كانت صداقته المعروفة بياسر عرفات والزعيم الكوبي فيديل كاسترو تشير عكس ذلك، لكنه كان يصفها دوماً بالأدبية البعيدة عن السياسة.
ما تقرأه له قد لا يعني فقط ما يخطر ببالك لحظتها، وإنما من الواجب أن تدقق في المعنى العام والفكرة التي يريد إيصالها لك!
استخدم في روايته الأولى المونولوجات النوكنرية الثلاثة، حيث تشاطر ابطال الرواية الثلاث وهم الاب والابنة والحفيد دور الراوي في روايته الأولى عاصفة الأوراق التي نشرت له في العام ١٩٥٥. فيها ورد أول ذكرٍ "لماكوندو"، وهي البلدة التي ستشهد تلك الأحداث العظيمة والقصص المستوحاة من الواقعية السحرية في رائعته "مائة عام من العزلة".
بعض أحداث قصصه ترجع لتأثره بتاريخ عائلته العسكري والثوري وعيشه لبعضها وخصوصاً من جهة جده لأمه، إلا أن الطابع الغالب له هو تجرده من الموروث الديني وتبنيه الفكر التحرري، الذي طغى على فترة الاقتتال في جمهوريات أمريكا اللاتينية أو ما عُرفت بجمهوريات الموز.
لم يجمل ماركيز في رواياته واقع الحياة اليومية ولم يضفي عليها صفاتاً لم تكن فيها، بل كان موضوعياً في نقله للنمط السائد وقتها. استخدم في سبيل ذلك خليطاً من أحداثٍ حقيقةٍ وقعت وأخرى كتبها من نسج خياله، فخرج علينا بصورةٍ هي الأكثر شبهاً لتلك الحقبة الزمنية، وما تخللها من صراعات فكرية وعقائدية وثورية وارستقراطية واقطاعية، كما تطرق للفساد السياسي والمالي وجنون السيطرة والتحرر الوحشي اللاإنساني الذي اتسم به البعض كنهج لتحقيق مطالبه.
لم تغب الأقليات عن كتاباته، فقد نالوا هم ايضاً قسطاً أوضح ما كانوا عليه. تحدث عن الغجر بإسهاب ونبوآتهم وترحالهم الدائم والهنود والسود والمستوطنين الاوروبيين وحتى المهاجرين العرب كالحلاق السوري في رواية "في ساعة نحس"
شعورك بالبلل والضيق من ارتفاع الحرارة والرطوبة هي ما تشعر به وأنت منسجم في القراءة له، وهي نفس الأجواء التي ميزت قصصه وهي في الواقع طقس بعض مدن أمريكا اللاتينية التي جرت فيها أحداث رواياته.
استرساله في السرد ودقة وصفه وجمال تعبيره يشعر القارئ بأنه جزءٌ مما يقرأ، فيحدث اندماجاً روحياً وعقلياً يجعل الجسد متأثراً بما يدور ويخرجه عن الواقع المختلف الذي يكون فيه.
بالضبط، هذا ما سيحصل وأنت تقرأ عن واقع حياةٍ لناس عاشوا حياةً بعيدةً عن الرفاهية وتأقلمت أجسادهم على الأجواء الاستوائية الحارة الرطبة الممطرة، لكنهم استمتعوا بهو لتترك أثرها على عاداتهم وطبائعهم وسلوكهم وتعاملهم الإنساني ونمط حياتهم اليومي. مزيجه الدائم الذكر كان يتجلى في تطرقه للكاريبي والبحر والعزلة.
شعوب أمريكا اللاتينية إن لم تعاشرها أو تزرها سائحاً أو مقيماً فيكفيك بظني أن تبحر في بحر روايات ماركيز، لتكتشف أهمية العائلة في تكوينها وقدسيتها لدى الطبقات الفقيرة والمهمشة والمتوسطة، وتأثرهم بالكنيسة الكاثوليكية وما دخل عليها من معتقدات هي أقرب ما تكون للوثنية، وهو ما تمرد عليه اتباع الطائفة الارثوذوكسية والبروتستنتية.
التدين لدى البعض فيما كتب قابله تحرر فكري لا ديني وجد صداً واسعاً لدى القارة اللاتينية، فازدهر التيار اليساري والشيوعي وتكاثرت الثورات التحررية، لتعاني على أثرها دولها ويلات الحروب الأهلية ووحشية الاقتتال الداخلي التي استمرت لعقود ونال ذكرها جزءً لا بأس فيه من أدب ماركيز الذي خلط السياسة بالدراما، فأنتج مزيجاً متكاملاً وصورةً مسهبة لمسار الحياة  وتداخل الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والتغيرات الاجتماعية والفوضى والقلاقل السياسية التي استمرت لسنيين طويلة، تاركةً اثراً بالغاً في تطور دول أمريكا اللاتينية، التي كان للتغيير فيها ظروف أكثر صعوبة من أي مكانٍ آخر.
هجر ماركيز دراسة القانون واتجه للصحافة لكنه تركها فيما بعد ليكون قاصاً أسس مدرسةً فكرية لم تُعرف من قبل، وتُرجع له فقط وهي الواقعية السحرية، التي تتلمذ بها العديد من الكتاب بعده، لكنهم لم يصلو بها ما وصل له من عبقرية الوصف والكلمة وجنون الابداع الذي لم يُعرف له نهاية في كل ما أبدع قلمه وأدبه بكتابته.


المصدر: مجلة فكر الثقافة العدد السادس - http://www.fikrmag.com/index.php

الاثنين، 10 فبراير 2014

حوار بين الأديان لا تقارب!

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الشرق السعودية 10-02-2014

 

هناك فرق بين الدعوة للحوار بين الأديان، والأخرى للتقارب بين الأديان. ففي حين الأولى تهدف إلى إيجاد قواعد مشتركة للعيش المشترك، على معايير إنسانية بحتة تنبذ الاختلاف الديني وتكرس لسبل التفاهم دون أن يلغي أحد الآخر، وبالتالي كمحصلة يحيا الجميع في وئام دون مشكلات مبنية على أسس دينية، فإن دعوات التقارب لا تؤدي المطلوب منها، وإن كان الغرض منها مشابها للأولى أو أنها أطلقت بنيةٍ حسنة، ولا أرى داعيا لأن أجد ما يشبهني كمسلم أو ما هو قريب مني في أي مذهبٍ آخر كي أحترم معتنقه وأتعايش معه على أساس تشابه بيننا في الخلفية والانتماء الوجداني والروحي والديني. التقارب بيننا والآخر المختلف عنا يجب أن يكون على أسس إنسانية مع البعيد والغريب، ووطنية مع أبناء الوطن والعرق والدم.
الاقتتال الديني والطائفي والمذهبي غدا في العالم أجمع. نصف ما نراه وسمعنا عنه من حروب ليس فقط في عصرنا هذا، وإنما أيضاً في عصور من سبقنا، لعب الضالون فيها من الكهنة والمتلبسين بلباس الدين دوراً فيها، بعد أن سيسوا الدين، ومهدوا للقتال، مع دعوات الترهيب والترغيب وتوزيع صكوك الغفران التي أغرت الجموع ووجدت فيها طريقةً لكسب الآخرة كلاً حسب معتقده.
ينبغي ألا يكون الحوار فقط محصوراً بين الأديان، بل يجب أن يشمل أيضاً المذاهب المنتمية لبوتقةٍ دينيةٍ واحدة، يتم التوصل فيها إلى جوهر القول الكريم «لكم دينكم ولي دين». عدا ذلك، تأكدوا أنه من الصعب جدا إقناع الآخر المختلف عنك في عقيدته بأنه على خطأ وبكونك على صواب، وبالتالي يتوجب عليه أن يتخلى عن معتقده الذي فطر عليه، وهو ما لن يحدث إلا بالنقاش الدعوي المبني على الحجة والمنطق والقادر على التعامل مع العقل واكتسابه وجهة النظر الصحيحة.
ينبغي تعميم الحوار، والتركيز فقط على الخاصة دون العامة خطأٌ. فحوار الصالونات المغلقة، وإن كان بعيداً عن التشنج وأكثر عقلانيةً، إلا أنه يبقى غير فعال إن لم يشترك الأتباع من العامة في برامج وندوات وجلسات ونقاشات حوارية إنسانية تخاطب العقل لتحد من التعصب، وتلغي الكره إن كان مبنياً فقط على الاختلاف الديني أو المذهبي.
أوروبا على سبيل المثال متنوعة طائفياً، لكنها لم تجد السلم والتوافق إلا حديثاً، بعد أن عانت من الانشقاقات على الكاثوليكية، وأُسس على إثر ذلك المذهبان المسيحيان الرئيسيان، وهما البروتستانتية والأرثوذوكسية، اللذان انبثقت عنهما على مر السنين طوائف عديدةٍ أخرى. ودمرت الحروب دولها وأقوامها وغذت نار الفتنة الطائفية وألهبت الأتباع، جميع ذلك بدعم وتأييد من رجال الكنيسة الذين شكل تحالفهم مع السلطة حلقة التحريض التي أشعلت الحروب، ولم تسلم منها أيٌ من دولهم في تلك الفترة على السواء.
طائفية بعض منا في مجتمعاتنا الإسلامية وإن انزوت خلف شعارات براقة، لن تنجينا من شبح التفتت والانقسام، الذي إن حدث سيكون فأل السوء الذي تحقق، وسيهدم جسور التواصل والحق في العيش المشترك التي أصلها الإسلام، وستكون سبباً في أننا ما زلنا متخلفين ورجعيين رغم كل ثرواتنا ومقدراتنا. لن نصل إلى ما وصل اليه الآخرون من تقدم وتطور، إلا إذا كان الغرض من حوارنا هو بناء الأسس الدائمة للتعايش لا المؤقتة، ولن يكون ذلك إلا عبر حوار صادق للأديان والمذاهب تشترك فيه الدول والشعوب.
 
 

المصدر: الشرق - http://www.alsharq.net.sa/2014/02/10/1070789 

الشباب وأساليب الدعوة

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية الإماراتية 10-02-2014

 

«أعطِ الرجل قناعاً وسيخبرك بالحقيقة»، وأعطِ الشباب المراهق حديث العهد بالرجولة غترة أو شماغاً وسيتلطم بها ليقوم بممارسة هواية الخطر والمجازفة والتفحيط «والدرعمة».
ثقافة العيب والحرام والنهي والزجر واللوم على كل صغيرة وكبيرة هي التي تسهم في استدراج هؤلاء الشباب لجميع الممارسات الخاطئة، وهي التي تصور لهم حلالَ ما يفعلون، ولكن مع تغييب لوجوههم وإخفائها حتى لا يعرفوا. إذن ليست الشهرة فقط هي الدافع لما يفعلون، وإلا لكان إبرازهم لشخصياتهم أولى أولوياتهم.
ربما الدافع هو الفراغ الناتج عن تعوُّد لتدفق الأدرينالين في دمائهم، والذي يشبه الإدمان بحيث لا يستطيع الشخص الجلوس في مكانه من دون القيام بعمل يشعل جوارحه. ومع سياسة المنع والتحريم والتخويف والترهيب، تضيق أحياناً السبل بشباب مقبل على الحياة، فلا يجد أمامه سوى الخطر لركوبه وحتى لو أثر في حياته وعرّضها للخطر.
الكنيسة الغربية ابتكرت طريقة لم تكن موجودة أو متعارفاً عليها سابقاً لاجتذاب الشباب الذين خلت منهم قاعاتها، فسمحت لهم بترديد الابتهالات الدينية مع جوقة الكنيسة وبالطريقة الغنائية التي تعجبهم. زادت الخطوة من حضور الشباب لموعظة الأحد، وإن كان ما يجذبهم لها فقط هو حصة الغناء فيها.
ممارسة الدعوة والوعظ بحاجة ماسة إلى علم ومعرفة وأسلوب وطريقة حسنة يستطيع بها الداعية الحصول على اهتمام الفئة التي يتحدث إليها، كلّ حسب مرحلته العمرية، وسيسهم في ذلك أن يكون المتحدث من جيل قريب لهم وبشكل وأسلوب يحاكيهم حتى يلفت انتباههم ويجذبهم لدعوته. أساليب الصراخ والوعيد والترهيب لم تعد الحل المجدي مع جيل الإنترنت والعالم المفتوح وشبكات التواصل الاجتماعي، التي ستجعلهم بالتأكيد يغرمون بحضارة الآخر، وينأون عن واقعهم لأن به أناساً يعجبهم حديثهم، ويستقطبهم منطقهم.

 

المصدر: جريدة الرؤية - http://alroeya.ae/2014/02/10/127277

الأحد، 9 فبراير 2014

اعترافات شبابية

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الجزيره 29-01-2014

 

الفضفضة والتنفيس بالحديث علاج عند من يقدر أن للإنسان طاقة استيعابية ستوشك على النفاذ إن تجاوزت حد الاحتمال عنده بالبقاء متوازناً وبوعيه دون الانفجار. هي وسيلة إنسانية تنافي وتغالط القول الشهير بأن السكوت من ذهب، وهي فن لا يتقنه الثرثار ولا النمام ولا من يستمتع «بالحش» بالناس. هي المقدرة أن تعبر عما يؤرقك ويضايقك دون أن تخشى من تبعات ذلك، ودون أن يعرف الآخرون به؛ لعلمك أن افتضاح أمرك مصيبة في مجتمع يعشق القيل والقال، ويتنادى بالشرف، ومستعد أن يرتكب جرائم متسلسلة إن افتضح له واكتشف أن ابنته تحب ببراءة أو ترفض الارتباط قبل الحصول على غايتها، أياً كانت تعليمية أو اقتصادية أو عملية.
«اعترافات» هو فحوى عدة حسابات نشطت على تويتر، ولاقت تجمعاً شبابياً حولها، من جيل يخاف أن ينطق بكلمةٍ عما يضايقه. وجد فيها مكاناً يفضفض فيه دون أن يشعر بخجل أو خوف من افتضاح أمره. تغلب عليه اعترافات الأفراد عن الأسرة والجنس والخيانة والحب والاضطهاد الأنثوي، والتذمر من واقع المرأة، ومن ثقافة المجتمع الذكوري والعديد من المشاكل الزوجية.
بصراحة...، أصابتني صدمة وذهول انقلب إلى فضول، لأمضي ساعات وأنا فقط أقرأ معاناة وهموم وفضفضات شباب وبنات كسروا حاجز صمتهم، وأسروا ما في نفوسهم دون أدنى رهبة من أن تنالهم يد رقيبٍ ديني حرم وضيق، أو عُرفي وقبلي ومجتمعي سبب نفوراً أدى لانفلات ديني وأخلاقي وتمرد!.
بعض من تحدث في هذه الحسابات عبر عن كرهه لوالديه، إما بسبب إهمالهما، أو بسبب اكتشاف خيانة أحد الوالدين للآخر. أخريات تحدثن عن تعرضهن لتحرش أو اغتصاب من محارم وأقارب.. شباب اعترفوا بشذوذهم وكذلك بنات وأزواج وزوجات.
القمع الذي يمارسه بعض أفراد المجتمع على التحدث عن مثل هذه الأمور وطرحها علناً، أوجد حالة من الكتمان تجاهها، أدت إلى استفحالها، وحرمت المعانين والمتأثرين بها من العلاج والإصلاح.. حولتهم لضحايا أنفسهم دون أن تعالج تلك النفس المريضة، وتعمل على تحسين الفاسد منها واستصلاحه ليكون خيراً لها ولمجتمعها.
«عيب وحرام، «وفضحتونا» كلمات حولتهم لعبيدٍ لها، حتى بات المراهق والمراهقة ثائرين عليها بارتكاب الخطأ الذي ملوا من كثر تحذيرهم منه. هي بظني ردات الفعل السلبية الناتجة عن خطاب الترهيب المستمر دون ترغيب.. هي الغلظة في التعامل مع انعدام اللين والرفق والقول الحسن، هي الظن بالسوء وافتراضه قبل حسنه. جميعها مورست وتكررت فأوجدت جيلاً متمرداً ليس فقط على الصواب، بل على كل كلمة لا يسمعها وعلى كل ممنوع.. الوصاية التي فرضها البعض على المجتمع، وجعل من نفسه فيها ولياً لشئون الآخرين، حيث من ينال الرضا صالح، ومن يخالف الرأي طالح؛ هي أحد أهم أسباب النفور والتمرد، وهي الإبرة الصغيرة ولكن الكفيلة بتفجير فقاعة الكبت المستمرة، لينتج عن انفجارها ما يسمى بالتمرد السلبي، والعناد المؤدي إلى ارتكاب الخطأ.
على المجتمع العربي أن يكون أكثر حرصاً وانفتاحاً على جيل شبابه، كما يتوجب على المرشدين التربويين والاجتماعيين في المدارس والجامعات والمؤسسات التعليمية أن يلعبوا دوراً أكثر فعالية، وأن يكونوا مستمعين ومقومين للسلوك بعيداً عن الرتابة والروتين والتخويف, وأن يكتسبوا ثقة النشء عبر مساعدتهم على حل المشكلة من جذورها لا محاولة استدراك الخطأ لتحديد آثار تبعاته!.

المصدر: جريدة الجزيره - http://www.al-jazirah.com/2014/20140209/rj12.htm 

السبت، 1 فبراير 2014

محبة الصالحين

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤيه الإماراتيه 01-02-2014


جميل أن يكون لنا كمسلمين دعاة على تويتر وفيسبوك وجميع وسائل التواصل الاجتماعي ومواقعه، لكن الأجمل لو كان لهؤلاء الدعاة مشاركات نشطة بدلاً من التغريدات الدينية فقط وكذلك الوعظية. فالدنيا حياة وعبادة، كما من الرائع أن يوجد دوماً من يذكرنا بديننا ويعظنا، ولكننا أيضاً بحاجه لمن يشاركنا مشاكلنا وهمومنا ويشعرنا أنه فرد منا وليس بداعيةٍ منزهٍ فقط يطل علينا بمظهر المصلح دوماً الناصح دون أن يكون له أي تجاوب مع ما يشغل عقول وقلوب شبابنا وبناتنا.
مشكلتنا في ابتعاد العديد من المشايخ والدعاة والمصلحين عن نبض الغالبية من جماهير الشارع وإصرارهم على الظهور بمظهر الموجه وعدم اندماجهم وتفاعلهم الإنساني مع هموم مجتمعاتهم. يضاف لذلك الهالة التي يسبغها البعض عليهم ويمارس فيها ترهيباً للعامة وتخويفاً لهم من التطرق لكل ما يخصهم وانتقادهم أو حتى استهجان بعض أقوالهم أو مواقفهم.
هو أمرٌ دُرج القيام به للتخويف والإرهاب باسم الدين، مع العلم أن لا ضرر في النقد البناء للتصرفات الفردية التي تبدر منهم، ولن يكون بذلك أي إشارة أو نقد لديننا الإسلامي الحنيف الذي كمله الله سبحانه وتعالى.
الاحترام واجب للجميع أياً كان، لكن هذا لا يعني التقديس والتنزيه وتحريم التطرق والنقد أو الاستفسار .. فالكمال لله وحده ولا عصمة لبشر إلا بما فضل الله به أنبياءه. عدا ذلك، فكلنا من لحمٍ ودم وخطاؤون، وخيرنا من يصحح نفسه ويتقبل الآخر ويدحض منطقه بالدليل والحجة المناسبة.
التهم الجاهزة والمعدة مسبقاً والتي يكثر تداولها من قبل العامة «حسنة النية» للأسف هي وسيلة قمع غير مقبولة وحجر على العقول بدلاً من مناقشتها ومواجهتها. الاتهام بالليبرالية والتغريب والإفساد، جميعها صفات قد تنطبق على بعض العقول الشاذة فكرياً والمقلدة بتبعيةٍ عمياء .. لكن من الخطأ وصفها لكل من يعارض عادات ليست من الدين ولا تمسه أو تتعارض معه، وإنما هي قرارات وقناعات بنيت على موروث ويجري تداولها عبر الأجيال دون تدقيق أو فلترة رغم عدم صلاحيتها لكل الأوقات.
يتحتم علينا كمسلمين أن نفرق بين الدين الكامل غير القابل للنقد ولا الخطأ وبين العادات والتقاليد التي تكون رهن الزمان والمكان والظروف، وجميعها متغيرة، وليكن سعينا فعلاً لأن نكون من الصالحين برغم أخطائنا وسهونا وذنوبنا لا أن نكون فقط من المرددين لعبارة «أحب الصالحين ولست منهم»!



المصدر: جريدة الرؤيه الإماراتيه  -  http://alroeya.ae/2014/02/01/124532

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...