الجمعة، 28 فبراير 2014

ثقافة التغيير

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية الإماراتية 27-02-2014



المجتمعات التي انشغل مثقفوها، أو لنقلْ من يسمون أنفسهم بالصفوة عن هموم الشارع والفرد والمواطن البسيط، هي نفسها الفقيرة بمؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخدمية والهيئات الرقابية غير الحكومية. هي المجتمعات التي يمكن تسميتها بالعالم الثالث، ليس قياساً على حالتها الاقتصادية، وإنما على الدرجة التي وصلت إليها من الوعي المجتمعي، حيث التطور الإنساني شبه معدوم وثقافة الفرد تتناسب مع مستوى دخله المادي. لا طموح ولا إبداع ولا وعي ولا ثقافة فيها، وإنما سعي محموم لتجاوز خط الفقر والحصول على ما يبقيها آدمية.
ما الفرق بيننا لنقل كعرب أغنياء بمواردنا الطبيعية، وبين الغرب الغني بثقافة الإنتاج لا الاستهلاك، والتصدير لا الاستيراد، والتصنيع والتصميم والابتكار لا الحصول على المنتجات جاهزة ومستوردة؟!
ما الذي يجعل عقولنا المهاجرة للعالم الأول مبدعة وخلاقة ومنتجة يُعتمد عليها من قبل مستضيفيهم، بينما هي العقول الخاوية والأجساد الكسولة البيروقراطية الروتينية نفسها في دولها، والتي لا تتوانى عن كسر القوانين وخرقها وهي تضحك، فيما هي منضبطة ولا تتجاوز القانون والعرف العام إن هاجرت وتركت دولها.
ما الذي جعل أعظم دولتين متقدمتين في العالم على كل الصعد كألمانيا واليابان اللتين خرجتا مهزومتين في الحرب العالمية الثانية ولا تمتلكان موارد طبيعية تذكر مقارنة بدول أخرى؛ تتقدمان الصفوف وتصبحان مرجعاً في الحضارة الإنسانية والمجتمعية، وفي التقدم العلمي والطبي والصناعي، ويحظى مواطنوهما بقيمة ومكانة ومنزلة لم ينلها الآخرون في دولهم الغنية.
ألا نلاحظ أن ألمانيا في عهد العرق الآري تسببت في مقتل الملايين، وفي تدمير نفسها، وتسببت سياسة التعصب التي دعا لها هتلر في توحيد العالم ضده، ليخرج منتحراً مهزوماً في الحرب العالمية الثانية. أليست تجربة الإمبراطورية اليابانية هي الأخرى عنصرية عرقية وخاسرة ومكسورة ومدمرة عقب خسارتها الحرب واستسلامها بعد ضرب الولايات المتحدة لمدينتيها بالقنبلة النووية.
تطور أي أمة يعتمد على مربع متوازي الأضلاع، يعمل فيه بشكل متزامن ومتوالي النخب مع الهيئات العامة والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات البحثية والتعليمية، في ظل وعي مجتمعي مؤطر بقوانين تحدد ما للفرد وما عليه من حقوق وواجبات، كما للدولة من مسؤوليات ومهام يتحتم على موظفيها القيام بها من دون تقصير، وبتأصيل لمبدأ الرقابة الذاتية.
جلد الذات بهدف الإصلاح هو ما نفتقده، ولا يكفي أبداً التباكي على ماضٍ راح وانتهى، كما أن التنظير من دون طرح الحلول وبرنامج العمل اللازم لتنفيذها هو بالضبط كمن يكتب على الماء.
هذا هو واقع حالنا الذي أشغلنا فيه أنفسنا بالحلال والحرام البين، وتجاهلنا تأصيل الأخلاق والمساواة ونبذ العنصرية والطائفية والقبلية التي لم تمنحنا يوماً دفعةً للتقدم للأمام، بل كانت دوماً سبباً في تأخرنا. نحن من دون مبالغة مستعدون لقضاء أيام في نقاش حول المرأة وحقوقها، ومحاكمنا ملأى بالقضايا، فيما نتناسى قوله تعالى «إن أكرمكم عند الله أتقاكم».
كمسلمين وعرب نستحق أفضل مما نحن عليه الآن، ولكي نتغير، علينا أولاً أن نكون بشراً وبإنسانية ومن دون طبقية أو عنصرية، وليكن سعينا للمصلحة العامة قبل الخاصة، وليكن خوفنا من خالقنا لا من الخلق، ولنترك عنا الاعتداد الأهوج بالنفس وتحقير الآخر، ولنعمل بصمت وبأهداف واضحة وثابتة ومتسارعة لنكون في صفوف العالم الأول كغيرنا من الأمم التي بدأت بعدنا لكنها تقدمت علينا.



المصدر: جريدة الرؤية - http://alroeya.ae/2014/02/27/131319

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...