السبت، 22 فبراير 2014

العدل والعدالة

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الشرق القطرية 22-02-2014

 

أحد أهم مظاهر العدالة أنها عمياء؛ وعدم إبصارها لا يعني تغاضيها عن الحقيقة, بل يؤصل المبدأ العدلي بأنها لا ترى المظاهر, والتي تعني القوى السياسية والمالية والاجتماعية والعرقية والقبلية. لذا ستجد تمثالها دوماً "أي العدالة" معصوبة العينين, جميلة تظهر في هيئة فتاةٍ أنيقةٍ مهيبة تمسك بيديها رمز العدالة؛ بيمينها سيفٌ لتطبيقها, وبيسراها تحمل ميزاناً يمثل روح الإنصاف وتوازنه وحياديته.
قد يقول قائل أن العدالة امرأة؛ وقد يكون قولاً يستفز الرجال, لكن تفسيره يكمن بأن المرأة وخصوصاً الأمهات, يجسدن العناصر الأساسية للعدل؛ والمتمثلة بوحدة القواعد اليومية, العدالة والحكمة والقانون، المحبة والتصرف بعدل, كما القدرة على التطبيق دون مبالغةٍ أو تجن وشخصنة.
جوستيتيا "Justitia" , هي الهة مجازية تمثل العدالة عند الرومان, ومنها اشتق اسم العدل (Justice), وصفت بالرحمة والحيادية. تراها جاثمةً في دور القضاء وهيئاته, منبهة الزائر لحلوله ضيفاً عليها.
القضاة جُزءٌ من منظومة العدل وركنٌ أساسيٌ للحرية, فما قامت ثورة وأحققت مظلمة إلا كان وراؤها قاضٍ نزيه, وما دام حكم التسلط إلا بوجود قضاءٍ فاسد, أشاح وجهة عن العدل, وحلل الحرام للحاكم والقوي وطبق العدل على الضعيف, فانتشر الظلم والضيم وانعدمت المساواة.
في مجتمعاتنا المؤمنة, ابتلينا بكثيرٍ من قضاة الباطل. وجودهم واقعٌ لا يُنكر, فحبيبنا المصطفى علية صلاة الله وسلامه قد أخبرنا عنهم ونبأنا القول " قاضٍ في الجنة وقاضيان في النار ". القضاة هم القائمون على العدل الذي يجسد القاعدة لاستمرار حياة البشر مع بعضهم البعض.
تحول نفرٌ من القضاة في بلدان الربيع العربي لضيوفٍ دائمين على البرامج وأمسوا خبراء دستوريين ومنظرين ومحللين؛ فمتحيزين لجهةٍ على أخرى, فمؤيدين لطرفٍ ضد الآخر؛ حينها خرجوا من واقع كونهم قضاة, ليكونوا طرفاً في النزاع, فضاعت النزاهة وغابت القدسية واختل ميزان العدل, فوقع على رؤوس الشعب, وأُسقط بأيديهم, فتاهت عنهم الحقيقة, ووقعت القطيعة ودب النزاع, وتحول القاضي لجلاد والمجرم لبريء, فضاعت الثورة وتشتت أفكار ثوارها, فانقسم المجتمع بين مؤيدٍ ومعارض.
موقف بعض القضاة مشين ولا يمت للقانون بصلة, بل يعكس حجم الفساد المزروع فيه, والحل الأمثل لاستقامة الحال يكمن بقيام ثورتين تصحيحيتين تطهيريتين: أحدهما لإعادة إنشاء المنظومة الإعلامية وفق ميثاق شرف لا يقُبل خرقه, والأخرى عدلية يقوم بها قانونيون مستقلون وشرفاء لإعادة هيكلة المنظومة القضائية والعدلية, ويضمن النزاهة والحيادية, كي تمهدا لقيام الدولة المدنية الحديثة التي تسعى لها الشعوب بعد طول حرمانٍ منها.

المصدر: جريدة الشرق القطرية - http://www.al-sharq.com/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...