الجمعة، 15 مارس 2019

أصنام المجتمع

جريدة الرؤية
15-03-2019
عماد أحمد العالم



قد يبدو للوهلة الأولى من العنوان أن المقصود بالأصنام المجتمعية هي تلك الآلهة التي دأبت الديانات الوثنية على صنعها وتجسيدها لواقع وشكل ما تعبده، وهذا بالطبع ما لا أقصده، فالمعني هنا هو كل ما وجد في مجتمعٍ ما وتم عده واعتباره من المسلمات التي لا يمكن الجدال حولها، هذا من جهة، ومن أخرى كل ما يشمل الشخصيات والأفراد والعادات الموروثة والتقاليد، ليتعداها لكل ما لا يُقبل النقاش والجدل بشأنه، في حين يقود التشكيك فيه لفيضانٍ من الغضب المجتمعي، لا يقتصر فقط على الأفراد بل جميع الشرائح الرسمية والدينية والارستقراطية وحتى الطبقات الفقيرة والغنية، بما فيها فئات من النخبة المثقفة التي لم تخرج عن الخطوط الحمراء التي ربت فيها ووضعتها مقياساً لما لا يمكن الحديث عنه وممارسة فكرها وأبحاثها فيه.
فالمسلمات بنظرها ذات قدسية وطابع لا تكفي مقولة «جرت العادة لوصفها»، بل أصبحت عاملاً أساسياً من البنية الفكرية وعقل المجتمع ككل وجزءاً من شخصيته وتكوينه، يتم توارث جيناتها عبر الأجيال، ومن ثم فأي انقلاب عليها مهما كانت ماهيته والغرض منه سيعد خروجاً لن يُقبل وسيؤدي بصاحبه ليس فقط إلى خصام مع من حوله، بل مع الأرض ومن عليها.
الأصنام المجتمعية إذاً ليست وليدة الطبيعة، ولا تم فرضها من الخارج، بل هي إما صنيعة فئات من المجتمع امتلكت سلطة ما أياً كانت، لكنها ذات تأثير في الأغلبية، واستخدمتها وسيلة لتمكين مكانتها والاستمرار بالحظوة في ما بين يديها، واستطاعت بعد إدراكها للطبيعة النفسية والأخلاقية والفكرية والعقلية والدينية لأبناء المجتمع من تجييرها لتكون دعايةً لصنمها التي ترنو ليكون ذا قداسة (كرمز)، أو هي الوهم والخرافة المحصورة بزمنٍ بعينه لفئةٍ ما تدعوها لتقوية الأواصر فيما بين أفرادها، فتتعاون للوصول للأهداف ومن ثم الرضا والسعادة والاكتفاء.
أياً كان الاحتمالان، ربما واجهت دعايتها في البداية إشكالات، لكنها تغلبت عليها لتتمكن من تكريس التبعية لذاك الصنم المجتمعي، الذي وإن كان وليد المصلحة فإنه تحول لذي مكانة لا يمكن التشكيك فيها، وأصبح حديث العامة واستشهادهم ويحتل مكاناً من الجانب في الدماغ الذي يدين بالولاء والطاعة العمياء.


المصدر: جريدة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2038079/آراء/أصنام-المجتمع

ثلاثيّة التغيير

جريدة الرؤية
08-03-2019
عماد أحمد العالم



حين قرأت كتاب الباحث الياباني بواكي نوتوهارا «العرب وجهة نظر يابانية»، لم أصب بصدمةٍ ولم أستغرب وصفه «العرب متدينون جداً.. فاسدون جداً»، ومع أنّ المبالغة في التعميم على مجملهم خاطئة وظالمة؛ إلا أن الفكرة العامة وفي أطر بعينها صحيحة، فلو عدنا إلى مقولة ‏علي الوردي «لو خيروا العرب بين دولتين علمانية ودينية... لصوتوا للدولة الدينية وذهبوا للعيش في الدولة العلمانية..!»؛ لوجدناها هي الأخرى تصب في نفس الإطار وإن عكست نمطاً آخر، وهذا يحدونا أيضاً أن نتذكر المقولة المنسوبة للشيخ محمد عبده عندما ذهب لمؤتمر باريس عام 1881، والتي اشتهرت بعد عودته لمصر حين قال: «ذهبت للغرب فوجدت إسلامًا ولم أجد مسلمين.. ولما عدت للشرق وجدت مسلمين ولكنني لم أجد إسلامًا".
لو فتحت الباب لاقتباس المزيد من الأقوال فلا أظن المساحة قد تكون كافية لذلك، ومع وضوح الفكرة من الاستشهاد، لا داعي لأن أبدأ بجلد الذات والتنظير، فالجميع قد ملّ وأنا منهم من هذا السلوك الذي بتنا نجيده أكثر من الإصلاح، فرغم كون الاعتراف بالخطأ أولى خطوات إصلاحه، إلا أن التغيير لا يحصل باللطم ولا يمكن حصر قوة الدين بالوسيلة الوحيدة لإحداثه، والدليل أن أكثر الدول العلمانية واللا دينية هي الأكثر أخلاقيةً واستشهاداً من الجميع بأخلاقهم واحترامهم لمنظومة القيم والعدل، وجميع ذلك لا يعني قصوراً من الدين، فجميع الأديان والمذاهب إلاّ القلة قامت بمبادئها على الدعوة للخير والنظام والإنسانية، إلا أن ذلك لم يمنع معتنقيها من بدائيتهم وفسادهم وعنصريتهم وطبقيتهم وتشددهم المنافق الذي لا يعكس حقيقة تصرفاتهم! جوهر القضية هو القانون، فبدولته يُحكم البشر، وبه عبر منظومة التعليم يتم تأصيله، كما أنّ تطبيقه الذي لا يعرف المهادنة والمحاصصة هو ما يلزم اتباعه، لذا وبعد أن يتقمص الشعب روحه، يتحول لسلوك هو في الواقع ما يميز معتنقيه من مواطنين بلدان نتغنى بحرياتها ونتمنى العيش فيها دون أن نحاول حتى الاقتداء بها والتعلم منها! الدين وهنا أتحدث عن الإسلام منظومة متكاملة للحياة، ومنهج لم يترك شقاً إلا وغطاه، لكن الالتزام بتعاليمه والظهور به لا يعني الصلاح المجتمعي ما لم يتوافق مع قوانين صارمة وعقوبات فورية قانونية تؤطر للنظام ووجوب احترامه، والشعب الذي يبدأ صلاحه بالخوف من العقوبة ينتهي بنمط حياة لأجياله القادمة.
جوهر القضية هو القانون فبدولته يُحكم البشر وعبر منظومة يتم تأصيل التعليم


المصدر: جريدة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2037204/آراء/ثلاثية-التغيير

الجمعة، 1 مارس 2019

كنائسهم المهجورة!

جريدة الرؤية
01-03-2019
عماد أحمد العالم



قرأت أكثر من مرة خبراً عن شراء مسلمين في دول غير إسلامية لكنائس مهجورة وتحويلها لمساجد، وهو الأمر الذي لقي استحساناً من جمهور القراء المسلمين، الذين كانت تعليقاتهم مزيجاً من السعادة لانتشار الدين الإسلامي في بلاد الغرب، فيما آخرون جاوزت السعادة لديهم المدى، فتصوروها هزيمةً للمسيحية في عقر دارها.
بين هذا وذاك، لن أعلق على تلك المشاعر، وإنما ‏ملاحظتي فقط هي اعتراضي على شراء الكنائس المهجورة ومن ثم تحويلها لمساجد، وهي التي عرفت كفترة طويلة لقاطني المكان وزائريه بكينونتها كدار عبادة مسيحية، ومن ثم تحولها المفاجئ لمسجد هو ما قد يترتب عليه ردة فعل القلة، ولن أقول الأغلبية التي لن تكترث، فهم الفئة التي يجب أن يحرص المسلمون الذين يعيشون بينهم على عدم إخافتها وإثارة ريبتها وتحريك المشاعر المناهضة في صدورهم، والأولى اكتسابهم أو على الأقل تحييدهم عبر إظهار روح التسامح تجاههم وعدم إعطائهم انطباعاً بالخشية من المسلمين، المهاجرين الجدد لبلدانهم والذين يسعون كما قد يتبادر لأذهانهم أنهم مقبلون على تغيير نمط حياتهم الدينية والاستيلاء على كنائسهم حتى لو كانت مهجورة ولا تلقى إقبالاً عليها.
‏الصليب هو رمز المسيحية، وهو عادةً معلق على تلك الكنائس، وبالتالي إنزاله بواسطة مسلمين في دولة غير إسلامية من على كنيسة مهجورة وتحويل البناء لمسجد يعطي حوافز لليمين المسيحي المتطرف بالغرب تجاه الإسلام والمسلمين ويزيد من الإسلاموفوبيا، ويبث رسائل سلبية، نحن كمسلمين في أمس الحاجة لتجنبها وخصوصاً مع تزايد موجات العداء للمظاهر الإسلامية ودور العبادة، لذا فالأولى حال الرغبة ببناء مسجد هو تجنب الأماكن ذات الرمزية الدينية وحتى التاريخية والسياحية، وإقامتها على مكان لا يثير الحفيظة ويسترعي اهتمام المتخوفين من الإسلام في دولهم، وعدم استفزاز مشاعرهم، لكيلا يترتب على هذا التصرف مستقبلاً مظاهرات مناوئة قد تؤدي لقوانين تحد من الحريات وحقوق المسلمين في دور العبادة.
بصراحة، كنت أتمنّى أن أرى المسجد يبنى مجاوراً للكنيسة المهجورة لا بدلاً منها، كما أحبذ حتى من الجالية المسلمة أن تقوم بجمع التبرعات لو احتاج الأمر وإعطائها للمسؤولين عن الكنيسة إن كانت أسباب هجرانها مادية، ففي ذلك بادرة إيجابية من المسلمين تعكس روح التسامح وتبعث الطمأنينة في الآخر المختلف ديناً، وتؤكد على القول الكريم «لكم دينكم ولي دين».
لنتذكر رفض عمر بن الخطاب الصلاة في كنيسة لحرصه على ألا يقوم المسلمون مستقبلاً ببناء مسجد بدلاً منها، في رسالة تؤكد عظمة الإسلام وتقبله للآخر ودعوته لاحترامه ودور عبادته وعدم التعرض لها بالأذى.


المصدر: جريدة الرؤية - 

https://www.alroeya.com/article/2036382/آراء/كنائسهم-المهجورة!

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...