الثلاثاء، 8 ديسمبر 2020

أوركسترا الكلمة

جريدة الرؤية
07-12-2020
عماد أحمد العالم


هناك روايات قرأتها ما يزال أثرها خالداً في نفسي، أشعر بقشعريرة ونشوة وموسيقى تلتحفني على وقع اسمها كلما مرت ذكراها بخاطري، لعناوينها أثر سيمفوني عليّ كوقع مخطوطات كارمينا بورانا، وبالتحديد «أو فرتونا»، القصيدة اللاتينية من القرون الوسطى، التي أصبحت سيمفونية فيما بعد على يد الموسيقي الألماني كارل أوف، والآخذة حال الاستماع لها إلى حالة من الانفصام عن الواقع والتوهان في اللاشعور، وسط أغاني العشاق وهيام المتيمين، ونشوة الصوفيين، وأنت سابح بملكوت سرمدي لك وحدك دون أن يشاركك به أحد كناسكٍ متعبد، باع الدنيا وما فيها، زاهداً بها.
من هذه الروايات: الحارس في حقل الشوفان، و100 عام من العزلة، والحب في زمن الكوليرا، ومدام بوفاري، ودكتور زيفاجو، والبؤساء، وقطار الليل إلى لشبونة، وغيرها مما تضيق المساحة عن ذكره، لكنها عالقة في الذاكرة بأحداثها وأبطالها، وزخم المشاعر وعبقرية الوصف بها، حتى ليظن قارئها أن ليس بعدها شيء كفيل بملء فراغ النهِم لقراءة ما يماثل عظمتها ووقعها الشديد على النفس العطشى دون أن ترتوي بعد أن ذاقت حلاوة الأدب، وجمال الكلمة، وعذب الوصف، ورهافة الإحساس، وصدق المشاعر، وواقعية الحدث ومآلاته.
ما السر حولها، وما الذي فيها ليجعلها خالدة، وما هي التعويذة التي تحرسها فتحافظ على فرادتها، وما السحر الذي يلفها ليتفرد بها بهالة عما سواها؟
جميعها أسئلة عجزت عن أن أجد إجابة تشفي التصاقي أو تفسر هيامي وتعلقي بها، ونهمي لأن أجد ما يماثلها في رحلة القراءة ومتعة النص وحلاوة البيان، التي بتنا نفتقدها وسط ضوضاء أعمال لا ترتقي لمصاف أساتذة الكلمة، عازفي نوتات موسيقاها الأدبية.


المصدر: صحيفة الرؤية - أوركسترا الكلمة - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

مآلات اغتيال محسن فخري زاده ومشروعيته

 موقع ميدل ايست أونلاين MEO
01-12-2020
عماد أحمد العالم


قبل أن نتحدث عن حادثة اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده قبل أيام بضواحي طهران العاصمة، علينا أن نشير إلى حقيقة محل خلاف في انطباقها عليه وفق الإطار القانوني (مع تحفظات على شخصه واتهامه بالانتماء للحرس الثوري الإيراني أو على الأقل علاقاته الوثيقة به وبعملياته في الخارج)، وتحديداً على جميع من تعرضوا للتصفية الجسدية خارج إطار القانون لغير المنتمين للكيان العسكري والأمني من المدنيين، وفي غير حالات الحرب المباشرة؛ وهي التي نصت على منعها القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن وجرمتها الاتفاقيات الدولية. من هذا المنطلق، فحتى الدول التي تملك علاقة معقدة ومستمرة من الخلافات مع إيران من دول الجوار العربي الخليجي والإسلامي نأت بنفسها عن تأييد عملية الاغتيال، فيما سارع بعضها الإقليمي والدولي كألمانيا والاتحاد الأوروبي وحتى سياسيين وقيادات في الكونغرس والاستخبارات الأميركية للتنديد بها، ملحقين تصريحاتهم بتداعياتها وتأثير ذلك على المنطقة ومصالحهم الاستراتيجية.
لتحديد الجهة التي نفذت العملية، منطقيًا سيكون البحث عن المستفيد منها، وهو الذي حددته إيران قطعاً وتحدثت عنه الصحف الأميركية عبر تسريبات بإسرائيل، فيما لم تنكر الأخيرة ذلك، ولم تؤكده على المستوى الرسمي، وإن صرحت به وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤكدة أن فخري زاده كان على قائمة الموساد منذ سنوات، وأنها من تقف خلف مقتله.
يمثل فخري زاده الشخصية الأولى في البرنامج النووي الإيراني والتصنيع العسكري، وهو شخصية إدارية أكثر من كونه تنفيذية، وفقدانه لطهران لا يعني توقف طموحاتها النووية عن العمل أو احتمال تعثرها، فهذا الأمر بالمستبعد عملياً، كونه مؤسساتي لا فردي، وقائم على مجموعات متعددة من الخبراء تعمل وفق آلية تضمن استمراريته بفقدان أفراد منه أو القائمين عليه، كما أنه ليس بقيد التأسيس، وإنما وصل لمراحل متقدمة من تخصيب اليورانيوم، وتخزين كميات كبيرة منه أكثر من السقف الذي حددته الاتفاقية السابقة مع إيران، وبالتالي اغتيال من يترأسه هو انتصار معنوي أكثر منه عملي، ويشير في طياته بأن من قام به قد تمكن من اختراق المنظومة الأمنية والعسكرية لطهران، وبات قادرا أن يوجه لها ضربات موجعة في الداخل، عبر عناصره الفاعلة وخلاياه النائمة التي يتم تفعيلها عن بعد لتنفيذ المهمات المطلوبة منها، أو بالاستفادة من تحالفات غير معلنة ومصلحية مع مجاهدي خلق والثوار الأحوازيين والبلوش لتنفيذ العمليات، علما أن هذه ليست المرة الأولى التي يُعتقد أن إسرائيل تقف خلفها. ففي العام 2010 تم اغتيال العالم الفيزيائي مسعود علي محمدي، وكذلك في نفس العام تكرر نفس الأمر مع كبير علماء البرنامج النووي الإيراني آنذاك مجيد شهرياري، ليُغتال في العام التالي داريوش رضائي نجاد، أستاذ الفيزياء المشارك في البرنامج النووي الإيراني، ليليهم سنة 2012 مصطفى أحمدي روشن، خبير الفيزياء النووية الذي شغل منصبا مهما في منشأة تخصيب نطنز، بالإضافة إلى علماء آخرين وباحثين تمت تصفيتهم بصمت دون الإعلان عن ذلك، يُضاف إليهم عمليات قرصنة واختراق وزرع فيروسات وتفجيرات مجهولة طالت المنشآت النووية الإيرانية وقواعد اختبار الأسلحة وتخزينها، ومباني لأجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم.
استشهاد البعض بقانونية الاغتيال، وتشبيهه بقتل جنرال الحرب قاسم سليماني في بغداد من قبل الأميركان سابقا له مسوغاته الجديرة بالنقاش، فعدا عن كونه أساسا عالما متخصصا، إلا أنه أيضا ذو ارتباط بالمؤسسة العسكرية الإيرانية وأذرعها في الخارج، لذا فهو مشارك بالعمليات، وداعم "وإن كان بشكل غير مباشر" للنظام السوري والحوثيين وحزب الله، وبالتالي فهو عدو للشعوب المتضررة من تدخلات إيران بشؤونها وإسهامها في دمارها، كما أن البرنامج النووي الإيراني غير سلمي، ويطمح لامتلاك السلاح النووي المستبعد استخدامه، والمانح لطهران مجالاً للتفرد العسكري المطلق بالمنطقة، وإحكام هيمنتها عليها مع إضعاف التواجد الدولي بها، عدا عن كونه ورقة ضغط للحصول على إقرار بمكانتها وبكونها لاعب لا يمكن تجاهل مصالحه وقوته ووجوده، وهو ما يتعارض مع مصالح الغرب والولايات المتحدة وتل ابيب، التي تريد أن تكون القوة النووية الشرق أوسطية الوحيدة، والساعية لفك العزلة تجاهها، وإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع أغلب الدول العربية والإسلامية الغير معترفة بها.
من الجدير ذكره أن الجمهورية الإسلامية المنقلبة على الشاه ومنذ تأسيسها قد مارست ولعقود التصفية الجسدية بحق من تراهم أعداءها، كما أنها اعتمدت الاغتيال كنهج ثابت ومتواصل في العراق بحق نخبه وسياسيه ومفكريه وعلمائه وأكاديمييه وباحثيه وشخصيات حزب البعث المنحل، وكل من يقف بطريق مطامعها للسيطرة عليه إما مباشرة عبر عملاء استخباراتها، أو بواسطة الحشد الشعبي والمليشيات المسلحة العراقية التي أنشأتها وسلحتها ودربتها، لتتولى بالنيابة عنها تصفيتهم، أما أعدادهم فهم بالمئات فضلا عن المختفين، مع الإشارة إلى تحدث منظمات قانونية وحقوقية محلية ودولية وتأكيدهم على أنه منذ العام 2003 كان الاغتيال سياسة ممنهجة اعتمدتها طهران وإسرائيل والولايات المتحدة وداعش والقوى العسكرية الشيعية في العراق لتحييد العناصر المؤرقة لأجندتها والمخالفة لسياساتها المصلحية.
ربط العديد من المحللين بين اغتيال فخري زاده ورغبة إسرائيل في الاستفادة من الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب لشن عمليات عسكرية تستهدف إيران ومشروعها النووي إن قامت باستهداف إسرائيل أو أميركا وقواتها، كما نظر آخرون بأن الاغتيال تم بضوء أخضر أميركي بأجندة حزبية لفرض واقع من الصعب التعامل معه لاحقا من قبل الرئيس المنتخب جو بايدن، ليكون مضطرا بسببه للبقاء بدائرة القرارات والعقوبات والمواقف التي اتخذها سلفه بحق طهران.
جميعها لا يمكن الجزم بمدى صحتها من عدمه، وتبقى تكهنات بانتظار رد الفعل الإيراني "الغائب عن المشهد بعد جميع العمليات السابقة التي طالتها وعلمائها"، والذي سيجلي طبيعته من حيث كونه مباشرة عبر شخصها، أو متريثا لحين استلام بايدن مقاليد الرئاسة في يناير من العام القادم أملا في التوصل لاتفاق جديد مع إدارته، أو من خلال أذرع إيران بالمنطقة عن طريق الايعاز مثلا للمليشيات العسكرية العراقية باستهداف الشخصيات أو القواعد والقوات الأميركية بها، وكذلك يقاس الأمر على حزب الله وإسرائيل، والحوثيين وتكثيفهم الهجوم عبر الزوارق المفخخة والطائرات المسيرة أو إطلاق الصواريخ على مواقع في السعودية والإمارات، أو ستتغاضى إيران عن الضربة الموجعة التي تلقتها كما فعلت سابقاً مع اغتيال قاسم سليماني وستكتفي برد شرفي غير موجع لإدراكها العواقب، وكي لا تحييد عن خطتها الطموحة بامتلاك القنبلة النووية أو ما يعيق حدوث ذلك.
بقي أن نؤكد أن اغتيال العالم الإيراني طالما كان خارجاً عن القرار الخليجي وبغير اشتراكها به؛ يفرض عليها موقف الحياد السلبي منه، فلا ترحيب به أو إدانة شديدة له، حتى لا تكون طرفا فيما يعقبه من نزاع ستستغله إيران بالتأكيد كذريعة لتبرير سياساتها العدوانية تجاههم.


المصدر: موقع ميدل ايست أونلاين - مآلات اغتيال محسن فخري زاده ومشروعيته | عماد أحمد العالم | MEO (middle-east-online.com)

مصداقية النقل والاستشهاد

 جريدة الرؤية
23-11-2020
عماد أحمد العالم


زاد مع انتشار المواقع والمنصات الإعلامية والإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي ادعاءات في مختلف المواضيع والمجالات، وهو ما أسهم بدوره بانتشار الشائعة والمعلومات المغلوطة، التي عادة ما يقترن الحديث عنها بعبارات تأكيدية ليست من قبيل التوثيق وإنما من باب لفت الانتباه وصبغها بالمصداقية، ومنها من على شاكلة القول «أكّد العلماء» مثلا، ولكن دون ذكر من هم العلماء وما هو مجالهم، وما هي مواقعهم البحثية ومصدر دراساتهم، وأين نشرت، وهل نشرت في مجلات علمية موثوقة وجرى اعتمادها أم أنها مجرد نظريات غير مبنية على أبحاث ودراسات معمقة؟
نفس المبدأ ينطبق على الأخبار الرنانة التي عادة ومن باب التمويه يتم نسبها للإعلام، ولكن هي الأخرى لا تستند إلا «للقيل والقال» وبعض المواقع الزائفة التي لا تتحرى الدقة ولا تستقي أخبارها من وسائل إعلامية حقيقة، وإنما تحترف صناعة الأخبار المفبركة لجذب الزوار لمواقعها، مرددة القول «أكدت المصادر» ولكن دون ذكرها وتحديدها، وبغض النظر عن مصداقيتها واطلاعها على الخبر من مصدره وتوثقها منه.
الدراسات العلمية بدورها من أكثر ما يتم الاستشهاد به والاقتباس المتجزأ منه، ومنها على الدوام مادة خصبة جداً للصحف والقنوات التلفزيونية بمختلف برامجها وكذلك وسائل التواصل الاجتماعي، فما إن تصدر دراسة ما في موضوعٍ بعينه حتى يتم تجاهل جميع الدراسات المماثلة لنفس الموضوع، وكثيراً ما يتم عمداً أو جهلاً انتقاء الجزء الأكثر إثارة للفضول فيها ونشره دون الأخذ بجميع ما ورد فيها والإلمام بكافة تفاصيلها،، وهو ما يعرضها لسوء الفهم ومن ثم ما يترتب على ذلك من نتائج عكسية.


المصدر: صحيفة الرؤية - مصداقية النقل والاستشهاد - أخبار صحيفة الرؤية (alroeya.com)

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...