الثلاثاء، 8 ديسمبر 2020

مآلات اغتيال محسن فخري زاده ومشروعيته

 موقع ميدل ايست أونلاين MEO
01-12-2020
عماد أحمد العالم


قبل أن نتحدث عن حادثة اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده قبل أيام بضواحي طهران العاصمة، علينا أن نشير إلى حقيقة محل خلاف في انطباقها عليه وفق الإطار القانوني (مع تحفظات على شخصه واتهامه بالانتماء للحرس الثوري الإيراني أو على الأقل علاقاته الوثيقة به وبعملياته في الخارج)، وتحديداً على جميع من تعرضوا للتصفية الجسدية خارج إطار القانون لغير المنتمين للكيان العسكري والأمني من المدنيين، وفي غير حالات الحرب المباشرة؛ وهي التي نصت على منعها القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن وجرمتها الاتفاقيات الدولية. من هذا المنطلق، فحتى الدول التي تملك علاقة معقدة ومستمرة من الخلافات مع إيران من دول الجوار العربي الخليجي والإسلامي نأت بنفسها عن تأييد عملية الاغتيال، فيما سارع بعضها الإقليمي والدولي كألمانيا والاتحاد الأوروبي وحتى سياسيين وقيادات في الكونغرس والاستخبارات الأميركية للتنديد بها، ملحقين تصريحاتهم بتداعياتها وتأثير ذلك على المنطقة ومصالحهم الاستراتيجية.
لتحديد الجهة التي نفذت العملية، منطقيًا سيكون البحث عن المستفيد منها، وهو الذي حددته إيران قطعاً وتحدثت عنه الصحف الأميركية عبر تسريبات بإسرائيل، فيما لم تنكر الأخيرة ذلك، ولم تؤكده على المستوى الرسمي، وإن صرحت به وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤكدة أن فخري زاده كان على قائمة الموساد منذ سنوات، وأنها من تقف خلف مقتله.
يمثل فخري زاده الشخصية الأولى في البرنامج النووي الإيراني والتصنيع العسكري، وهو شخصية إدارية أكثر من كونه تنفيذية، وفقدانه لطهران لا يعني توقف طموحاتها النووية عن العمل أو احتمال تعثرها، فهذا الأمر بالمستبعد عملياً، كونه مؤسساتي لا فردي، وقائم على مجموعات متعددة من الخبراء تعمل وفق آلية تضمن استمراريته بفقدان أفراد منه أو القائمين عليه، كما أنه ليس بقيد التأسيس، وإنما وصل لمراحل متقدمة من تخصيب اليورانيوم، وتخزين كميات كبيرة منه أكثر من السقف الذي حددته الاتفاقية السابقة مع إيران، وبالتالي اغتيال من يترأسه هو انتصار معنوي أكثر منه عملي، ويشير في طياته بأن من قام به قد تمكن من اختراق المنظومة الأمنية والعسكرية لطهران، وبات قادرا أن يوجه لها ضربات موجعة في الداخل، عبر عناصره الفاعلة وخلاياه النائمة التي يتم تفعيلها عن بعد لتنفيذ المهمات المطلوبة منها، أو بالاستفادة من تحالفات غير معلنة ومصلحية مع مجاهدي خلق والثوار الأحوازيين والبلوش لتنفيذ العمليات، علما أن هذه ليست المرة الأولى التي يُعتقد أن إسرائيل تقف خلفها. ففي العام 2010 تم اغتيال العالم الفيزيائي مسعود علي محمدي، وكذلك في نفس العام تكرر نفس الأمر مع كبير علماء البرنامج النووي الإيراني آنذاك مجيد شهرياري، ليُغتال في العام التالي داريوش رضائي نجاد، أستاذ الفيزياء المشارك في البرنامج النووي الإيراني، ليليهم سنة 2012 مصطفى أحمدي روشن، خبير الفيزياء النووية الذي شغل منصبا مهما في منشأة تخصيب نطنز، بالإضافة إلى علماء آخرين وباحثين تمت تصفيتهم بصمت دون الإعلان عن ذلك، يُضاف إليهم عمليات قرصنة واختراق وزرع فيروسات وتفجيرات مجهولة طالت المنشآت النووية الإيرانية وقواعد اختبار الأسلحة وتخزينها، ومباني لأجهزة الطرد المركزي المستخدمة في تخصيب اليورانيوم.
استشهاد البعض بقانونية الاغتيال، وتشبيهه بقتل جنرال الحرب قاسم سليماني في بغداد من قبل الأميركان سابقا له مسوغاته الجديرة بالنقاش، فعدا عن كونه أساسا عالما متخصصا، إلا أنه أيضا ذو ارتباط بالمؤسسة العسكرية الإيرانية وأذرعها في الخارج، لذا فهو مشارك بالعمليات، وداعم "وإن كان بشكل غير مباشر" للنظام السوري والحوثيين وحزب الله، وبالتالي فهو عدو للشعوب المتضررة من تدخلات إيران بشؤونها وإسهامها في دمارها، كما أن البرنامج النووي الإيراني غير سلمي، ويطمح لامتلاك السلاح النووي المستبعد استخدامه، والمانح لطهران مجالاً للتفرد العسكري المطلق بالمنطقة، وإحكام هيمنتها عليها مع إضعاف التواجد الدولي بها، عدا عن كونه ورقة ضغط للحصول على إقرار بمكانتها وبكونها لاعب لا يمكن تجاهل مصالحه وقوته ووجوده، وهو ما يتعارض مع مصالح الغرب والولايات المتحدة وتل ابيب، التي تريد أن تكون القوة النووية الشرق أوسطية الوحيدة، والساعية لفك العزلة تجاهها، وإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع أغلب الدول العربية والإسلامية الغير معترفة بها.
من الجدير ذكره أن الجمهورية الإسلامية المنقلبة على الشاه ومنذ تأسيسها قد مارست ولعقود التصفية الجسدية بحق من تراهم أعداءها، كما أنها اعتمدت الاغتيال كنهج ثابت ومتواصل في العراق بحق نخبه وسياسيه ومفكريه وعلمائه وأكاديمييه وباحثيه وشخصيات حزب البعث المنحل، وكل من يقف بطريق مطامعها للسيطرة عليه إما مباشرة عبر عملاء استخباراتها، أو بواسطة الحشد الشعبي والمليشيات المسلحة العراقية التي أنشأتها وسلحتها ودربتها، لتتولى بالنيابة عنها تصفيتهم، أما أعدادهم فهم بالمئات فضلا عن المختفين، مع الإشارة إلى تحدث منظمات قانونية وحقوقية محلية ودولية وتأكيدهم على أنه منذ العام 2003 كان الاغتيال سياسة ممنهجة اعتمدتها طهران وإسرائيل والولايات المتحدة وداعش والقوى العسكرية الشيعية في العراق لتحييد العناصر المؤرقة لأجندتها والمخالفة لسياساتها المصلحية.
ربط العديد من المحللين بين اغتيال فخري زاده ورغبة إسرائيل في الاستفادة من الفترة المتبقية من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب لشن عمليات عسكرية تستهدف إيران ومشروعها النووي إن قامت باستهداف إسرائيل أو أميركا وقواتها، كما نظر آخرون بأن الاغتيال تم بضوء أخضر أميركي بأجندة حزبية لفرض واقع من الصعب التعامل معه لاحقا من قبل الرئيس المنتخب جو بايدن، ليكون مضطرا بسببه للبقاء بدائرة القرارات والعقوبات والمواقف التي اتخذها سلفه بحق طهران.
جميعها لا يمكن الجزم بمدى صحتها من عدمه، وتبقى تكهنات بانتظار رد الفعل الإيراني "الغائب عن المشهد بعد جميع العمليات السابقة التي طالتها وعلمائها"، والذي سيجلي طبيعته من حيث كونه مباشرة عبر شخصها، أو متريثا لحين استلام بايدن مقاليد الرئاسة في يناير من العام القادم أملا في التوصل لاتفاق جديد مع إدارته، أو من خلال أذرع إيران بالمنطقة عن طريق الايعاز مثلا للمليشيات العسكرية العراقية باستهداف الشخصيات أو القواعد والقوات الأميركية بها، وكذلك يقاس الأمر على حزب الله وإسرائيل، والحوثيين وتكثيفهم الهجوم عبر الزوارق المفخخة والطائرات المسيرة أو إطلاق الصواريخ على مواقع في السعودية والإمارات، أو ستتغاضى إيران عن الضربة الموجعة التي تلقتها كما فعلت سابقاً مع اغتيال قاسم سليماني وستكتفي برد شرفي غير موجع لإدراكها العواقب، وكي لا تحييد عن خطتها الطموحة بامتلاك القنبلة النووية أو ما يعيق حدوث ذلك.
بقي أن نؤكد أن اغتيال العالم الإيراني طالما كان خارجاً عن القرار الخليجي وبغير اشتراكها به؛ يفرض عليها موقف الحياد السلبي منه، فلا ترحيب به أو إدانة شديدة له، حتى لا تكون طرفا فيما يعقبه من نزاع ستستغله إيران بالتأكيد كذريعة لتبرير سياساتها العدوانية تجاههم.


المصدر: موقع ميدل ايست أونلاين - مآلات اغتيال محسن فخري زاده ومشروعيته | عماد أحمد العالم | MEO (middle-east-online.com)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...