الأحد، 28 ديسمبر 2014

إيران وحلم الاتفاق مع أوروبا وأميركا

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة العرب اللندنية 26-12-2014

 
 
سواء قامت طهران باتفاق مع الغرب وأميركا برعاية روسية أو استمرت في التفاوض وحظيت بتمديد المهلة للتوصل لاتفاق لستة شهورٍ قادمة كما حققت مؤخرا، فهي ونظامها المراوغ إلى انكشاف وستسقط ومعها حزب الله والحوثيون وطائفيو العراق وبشار وكل الطغاة لو توحدت مواقف العرب.
فالعرب اتفقوا سويا بعد طول اختلاف على رد حازم تجاه كل من يقف مع من كان يسمى محور الشر “إيران” والذي لا يزال موجودا لحد الآن، طالما استمرت في سياسة تصدير الثورة وتحريض الإخوة الشيعة العرب على دولهم ودعم الفاشية والمساهمة في إثارة القلاقل في دول الجوار والتحريض على قلب أنظمة الحكم لدول خليجية تتميز باستقرارها وتواءم شعوبها مع نهج قياداتها.
أما حزب الله اللبناني فقد بات آيلا للانهيار بعد انكشاف أيديولوجيته الطائفية وتبعيته العمياء لإيران والتي زجت به في أتون الصراع السوري متغافلا عن “بروبوغاندا المقاومة” التي طالما رفعها كشعار له، فيما بات اندحـاره مرهونـا بزوالهم، وهما وإن طال الوقت إلى زوال، فالباطل وإن طال أمده إلا أن له نهاية.
ورغم ذلك فإنه لا يعني أن نستكين ونسكت، فالمطلوب الآن وأكثر من أي وقتٍ مضى أن نعود كعرب لرشدنا ويكون لنا قوة تقف في وجه كل معتدي، وأن لا نتوقع من الغرب والولايات المتحدة أكثر مما شاهدنا، فمصالحهم فوق صداقتهم معنا، وحربهم المزعومة وضرباتهم التي طالما هددوا بها لن تحدث، فخيارهم هو احتواء طهران أكثر من قصقصة أجنحتها.
سياسة الاحتواء تجاه البرنامج النووي الإيراني التي يمارسها الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “الناتو” لا يمكن أن تجدي نفعا مع نظامٍ قام أصلا في الأساس على تصدير الفكر الثوري الطائفي لدول الجوار والعالم الإسلامي، وعمل من خلاله على نفث نار الفتنة وجيّش الأقليات العربية لتنقلب على دولها وشعوبها، وهي التي طالما عاشت معها بوئام دون مشاكل حقيقية تذكر.
في الحقيقة النظام في إيران هو نظام لم يُعرف عنه سوى نكث العهود والمواثيق والابتسام في وجه مقابليه، فيما هو يمارس بسياسة التقية التي يتبناها، الباطل في الخفاء ويعمل على زعزعة استقرار دولهم.
إن صح ما قيل عن نية الولايات المتحدة، كبادرة حسن نية من طرفها، فك التجميد عن أموال إيران لديها، فسنرى في قادم الأيام انتعاشا سريعا وارتفاعا لقيمة العملة الإيرانية المتدهورة، ولن أستبعد إن حدث ذلك أن تقوم حكومة طهران باستخدام تلك الأموال للحصول على التكنولوجيا الأميركية والأوروبية لدعم وإصلاح قطاع الطيران والمواصلات فيها الذي يعاني من القدم ومن التهالك، فضلا عن دعم ميزانيتها التي زاد العجز فيها نتيجة انخفاض أسعار النفط لما دون الستين دولارا.
قد نكون مفرطين في التوجس، لكنه توجس إيجابي، فالمؤمن كيسٌ فطن وعليه أن ينتبه لما يحدث حوله ويتدارك نفسه، قبل أن يتقدم الآخرون ويتفوقون عليه فيما هو منشغل وفي محلك سر.


المصدر: صحيفة العرب اللندنية - http://www.alarab.co.uk/?id=41256

الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014

فضوليون

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 09-12-2014



فضوليون ولا دواء شافياً حتى اللحظة، ولا نصائح وتوجيهات باتت تجدي نفعاً مع مارة يلفت انتباههم حدث ما أو حادث وقع في الشارع، ليهرعوا مباشرة لإيقاف سياراتهم والتضييق على الآخرين لمعرفة ما جرى.
مشهد يتكرر كل يوم ونراه يصدر من الآخرين فنحرك رؤوسنا استنكاراً له لما قد يتسببون به من إرباك للجهات الرسمية التي تباشر الحادث أياً كان نوعه؛ لكننا وفي الوقت نفسه نرتكب الخطأ نفسه وبالفضول نفسه نهرع أيضاً لرؤية ما يجري، فنسبب ربكة في الشارع ونضيق على أصحاب الشأن ونزيد من ارتباكهم وألمهم بأسئلتنا المتكررة لهم وعما جرى، لنتبع ذلك بنظرياتنا وتحليلنا وتفسيرنا، وطبعاً في كل مرة ينقل الحدث لسائل جديد نضيف عليه أحداثاً لم تحصل مع نكهة شخصية تنطبق والراوي ومدى خصوبة خياله.
في المقابل، هناك فئة لا مبالية وغير مكترثة ولن تتحرك وتبدي أي استعدادٍ للمساعدة ولو احترقت الدنيا أمام أعينها طالما لم يصبها من الضرر شيء!
لا وسطية في كلا الفريقين ولا وعي وإدراك بأهمية تقييم الموقف، وهل يستدعي التدخل والمساعدة أو ترك الأمر لذوي الشأن للقيام باللازم؟
 الفضول جزء من طبيعتنا الإنسانية التي إما تخاف المجهول ولا تتمنى حدوثه لها، وإن صار للغير تسعى لأن تراه ومن ثم تبحث عن مبرر له في نفسها حتى تتقبل صدمة مشاهدتها له، أو لتروي رغبة في رؤية ما تعرض له الآخرون من ضرر وشكله وعواقبه.
في نظري، ليس منا من لا يملك فضولاً ولكن الفرق يكمن في مدى تمكنه من الشخص وسيطرته على تصرفاته وردات فعله. على النقيض وفي الجانب الآخر، هناك أناس لا يملكون أي ذرةٍ منه، ولا يعنيهم ما يحدث حولهم طالما لم يكونوا طرفاً فيه، وغير مستعدين أن يدخلوا نقاشاً ليسألوا عن أمرٍ ما، أو يتوقفوا لمشاهدته وإن حتى حدث أمامهم.
ثقافتنا العربية تناولت الموضوع، وتحدثت عنه الأمثال بالعربية والعامية. بعضها واضح وسهل الفهم ولا يحتاج لترجمة كمثال: «من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه»، لكن أخرى صعبة الفهم أو ظريفة ومضحكة وإن كانت تصب في المعنى نفسه، يقول المثل: «ضب راسك عند مناوشة الدول» و«واحد مربي لحيته والثاني متثقل منها».
الشعوب الأخرى كان لهم الإسهام نفسه في وصف الفضول والحديث عنه، فيقال مثلاً في الإنجليزية: Curiosity killed the cat أو «الفضول قتل القطة»، والتي رغم كونها كما يعلم مربيها ومحبيها أنها تتمتع وكما يقول المثل الشعبي بسبعة أرواح إلا أنها ومع ذلك قد تفقدها في لحظات نسميها بالعامية «لقافة».
وعلى ذكر «اللقافة»، ليس هناك (وحسب رأيي الذي بالتأكيد قد أكون مخطئاً فيه)؛ أسوأ من صديق أو زميل يمطرك بأسئلته التي لا تنتهي أثناء حديثك معه عن موضوعٍ ما، يقوم بجرفك عنه بعيداً كلما استرسلت في كلامك، فيقاطعك مستفسراً ببلاهة عن تفصيل صغير ليس له أي علاقة بالموضوع ولن يفيد في شيء، فينسيك في لحظات سردك آخر ما قلته. تتناسى ما فعل، لكنه ما يلبث مجدداً أن يكرر فعلته التي ستنتهي على الأغلب باختصارك الحديث وإنهائه لعلمك أن استمرارك فيه قد يكون سبباً لفقدان أعصابك وغضبك وربما خسارتك لصديق صدوق لكنه فضولي!
أطفالنا وفي سنيهم الأولى لديهم نهم لاستكشاف ما حولهم، قد نسهم إيجاباً في صقله وإفادتهم وتعليمهم وتفتيحهم وتوسيع مداركهم وتنمية ذكائهم؛ أو سلباً في قصقصة أجنحتهم ولجمهم عن السؤال والتذمر من تكراره والشكوى من فضولهم الذي يستلزم التفاعل معه اقتطاع لحظات منا. قد نبخل عليهم بها متجاهلين أهميتها في تفتح عالمهم الصغير على الدنيا، ونحن نصرخ بهم أو نضربهم وننهاهم، رغم أن فضولهم هو فعلياً الرغبة بالمعرفة بما ينفع وهو المفروض دعمه وتشجيعه، متناسين أنفسنا وسوء تفاعلنا وتدخلنا نحن الكبار فيما لا يعنينا حال رؤيتنا له أو سماعنا عنه!



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/12/09/202783/%d9%81%d8%b6%d9%88%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%86/

السبت، 6 ديسمبر 2014

عُذراً معاليك

بقلم عماد أحمد العالم

مقالة لم تقبل الحياة نشرها رداً على مقالة وردت فيها بتاريخ 02-12-2014 للكاتب هاني الظاهري بعنوان "مسؤول الفلاشات السريّة" http://t.co/BKRrsoYQXg




هو تقدير واجب أكثر من اعتذار صريح لشخصكم الكريم، فأنا وغيري العديد من مقيمي هذا البلد الطيب ومواطنيه الكرام ممن يكنون لكم جزيل الامتنان لما تقومون به في سبيل خدمة وطنكم وإطاعة مليككم والحرص على تقديم ما يستحقه شعبكم من خدمات واجبة توليها الوزارة التي كان لولي الأمر الفضل بعد الله سبحانه في تحميلكم مسؤوليتها، التي لا يختلف اثنان على أنكم من خيرة رجالها؛ إلا البعض ممن يعانون من الشك وهاجس الرياء بعلم أو بدون علم، وبقصد أو بدون قصد. قد لا يثنيك قولهم او انتقادهم الفج وليته كان انتقادا فقط؛ عن القيام بمهامكم التي ستسألون عنها أمام المولى العلي القدير، ثم في متابعة مجلس الوزراء لكم وتقييمه لطريقة عملكم، وهل أنجزتم المطلوب منكم كما هو مفترض أو قصرتم به.بكل أمانة ولا أقصد هنا التجريح بأيٍ كان، هناك في كل مجتمع أعداء ولنقل بقول أكثر لطفا متشككين، ممن تتعبهم الوساوس والهواجس حين رؤيتهم لمسؤولٍ ما في منصبٍ رفيع يتعامل بأريحية ويتصرف كإنسان عادي لا يميزه عن بني قومه سوى منصبه، الذي لم ينعكس عليه ولم يصبه بلعنة الغرور والتكبر، بل زاده تواضعا ويقينا أن الأيام دول، وأنها لو دامت له ما أتت لغيره، وبأنه في نهاية المطاف جندي ممن يؤدون شرف خدمة مليكهم ووطنهم وشعبهم، ولذلك يتراءى لهم على الدوام يومٌ تنفض من حولهم جموع الموظفين، ويحال فيه للتقاعد أو يُقال ويُحاسب إن أخطأ وقصر!قرأت كما قرأ العديد ما كتبه أحد الكتاب الأجلاء في أحد الصحف هذا الأسبوع من انتقاد لم تذكروا فيه بالاسم، وإن كانت كل الدلائل تُشير لكم، في إشارة الى صورة يبدوا أن أحدهم التقطها اثناء انتظاركم الدور عند الحلاق، وهو الأمر الذي وصفكم به بالقول الشعبي (صورني من غير ما ادري)، مع توقعي وقد أكون مخطئا أن من الشائع جدا رؤيتكم في العديد من الأماكن العامة وبدون أي حراسة أو مظاهر سلطة، والكثير يشهد بذلك، وإن كنت أتمنى في المرة القادمة أن يبادروا لالتقاط صوركم ونشرها، علها تكون دليلا مقنعا لكل متشكك في عفوية الصورة أنكم كبقية أبناء هذا البلد و مقيميه، تمرضون وتتسوقون وترسلون ابناءكم للمدرسة، كما تشترون اللحوم من الملحمة والخضرة من باعتها، وحتى إن كان الجو لطيفا كأجواء الرياض الرائعة هذه الأيام، تأخذون أسرتكم في نزهة للبر أو تمشية في الشوارع.أتمنى أن نعي جميعا أن لنا الظاهر فقط، أما النوايا فعلمها عند الله سبحانه وتعالى، وحكمنا يجب أن يقوم على ما نراه قبل أن نسمعه، لا ما نفترضه؛ وإلا حينها سننتقص من قيمة الشخص والذي أعنيه المسؤول هنا، وسنحقر من تصرفاته وتواضعه ونقلل من إنجازاته، وبالتالي نضرب مثلا سيئاً في الدعم والتقدير، ونحول الإيجابيات لسلبيات، سنحصد يوما مساوئها إن لم نحسن الظن ونقدر، فمن لا يشكر العبد لا يشكر الله وتقدم المجتمع لن يحصل الا على يد أبنائه المخلصين الذين يجب أن يكون الجميع خير من يثني عليهم إن أصابوا، وأول من يوجههم إن أخطأوا.

الجمعة، 5 ديسمبر 2014

المعارضة البحرينية ضيعت الفرصة

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة العرب اللندنية 04-12-2014



من منا لم يتمنّ أن لو أنّ الانتخابات البحرينية التي جرت قبل أيام كانت قد تمت بمشاركة الجميع لتؤدي دورها الكامل كوسيلة ديمقراطية للمشاركة السياسية، ولتساهم في إعادة اللّحمة والاستقرار للشارع البحريني وفي ردم الفجوة التي أوجدتها المعارضة عبر زرع نار الفتنة الطائفية والانقسام عقب أحداث العام 2011 وتحريضها الجموع لقلب نظام الحكم ودعمها للغوغائيين الذين احتلوا آنذاك دوار اللؤلؤة وحاولوا أن يعيثوا في العاصمة تخريبا.
لكنّ المعارضة التي تتصدّرها جمعية الوفاق ذات التكوين القائم على الأخوّة في الطائفة، قبل الولاء للوطن، آثرت للأسف قطع حبل الوصل بالإصرار على مقاطعة الاستحقاق الانتخابي الذي من المؤكد أنّها لو كانت قد شاركت فيه لساهمت في تلطيف الأجواء وفتحت بابا للنقاش السياسي وللتغيير السلمي الذي يرضي جميع الأطراف ولا يكون لمصلحة فصيل على حساب آخر.

لا اختلف مع أحد في أن للمعارضة البحرينية مطالب يمكن تفهّمها، وبأن قسما من البحرينيين يعاني مصاعب اقتصادية واجتماعية، ومنهم من يلازمه شعور بعدم المساواة، وكلّها قضايا يمكن طرحها وأوضاع يمكن النضال سلميا لتغييرها، دون اللجوء بالضرورة إلى مقاطعة الانتخابات وتفويت فرصة التغيير عبر صناديق الاقتراع.
بكل أسف أثبتت المعارضة مجدّدا عدم سلمية قياداتها وأكّدت سعيهم وراء الشقاق بدل اللّحمة التي لو تحلّى بها كل مختلف في الرأي لضحّى في سبيلها وتنازل من أجل وطنه واستقراره ونمائه.
ألم ينكشف لمن غرّرت بهم “الوفاق” بشعاراتها المذهبية وولائها لإيران، أن المشي خلفها لم يجلب لهم الخير قط، وأن استجابتها لتحريض الجار الإيراني لا تصب في مصلحتها وإنما تدفع باتجاه عزلها عن محيطها العربي والوطني، وشككت في مشروعية أهدافها ومطالبها وأوجدت حالة من النفور تجاهها، بعد أن شاهد الجميع مظاهراتها التي خرج فيها الأتباع حاملين صور الخميني وخامنئي بدل أن تُرفع صور وشعارات لرموز وطنية.
ألا يُعدّ هذا خيانة للوطن وتآمرا مع طهران التي -وبعلم الجميع- تضمر الشر للبحرين وتتمنى تحويلها، كما فعلت في العراق، لباحة خلفية لها، تمكّنها من زرع شوكتها في خاصرة دول الخليج العربي.
لا أخفي أن الغالبية العظمى من شيعة البلاد لا يمكن المزايدة على وطنيتهم. لكني أتمنى أن يرجع البعض من المضللين منهم إلى وعيهم ويدركوا أن انتماءهم الوطني أهم من اللهاث خلف وعود الجار الإيراني الطامع لخلق القلاقل ببلدهم، والذي يستخدمهم كجنود لتنفيذ مخططاته، ولن يكون من الغريب عليه أن يتخلى عنهم في أي صفقة ترضي طموحاته التملكية التي جعل من سياسة تصدير “الثورة الإسلامية” منفذا لها.
للعلم ومهما حاولت وتآمرت، فلن تنجح إيران بخلق تجربة حزب الله اللبناني أيا كان مسماه في المنامة وستفشل مع جماعة الحوثي الإرهابية في اليمن وإن ظنت أنّه تحقق لها ما أرادت، وبالتأكيد ستسقط سياسة تصدير الثورة، التي لن يتأخر اليوم الذي سنرى فيه إيران مقسمة ومفكّكة تعمّها الفوضى وهي الهشة من الداخل بسبب تنوعها العرقي وتفرقتها التي تمارسها الأثنية الفارسية المتحكمة بالسلطة تجاه الأحوازيين والبلوش والعرب والسنّة والأكراد والتركمان.
حجج التجنيس في البحرين التي تتذرع بها المعارضة وتنمي فيها العداء بين أبناء الوطن الواحد، حجج بغيضة وعنصرية وفي غير محلّها، وتقوم على التهويل والمبالغة بشأن إجراءات اعتيادية في كل الدول بما أنه من حق أي حكومة وهي التي ترسم السياسة العامة للدولة أن تسعى لعمل كل ما تراه مشروعا لمصلحة البلد وأمنها واقتصادها. كما يجب أن يتذكر الجميع أن العالم بأسره أصبح قرية صغيرة وأن كل الدول وحتى الأكثر قوة مؤلّفة من أناس لا يعني أحدا التثبت في أصولهم ماداموا مواطنين صالحين.
الدروس المستفادة من تجارب فاشلة للربيع العربي في بعض الدول التي ثارت على حكامها بدون استراتيجية وخطط مدروسة، خير دليل على أن التغيير عن طريق الوسائل الديمقراطية، وهي متاحة في البحرين عبر الانتخابات، هي بالتأكيد أنسب وسيلة لنيل المطالب. فالمظاهرات العبثية وقتل الآمنين والتخريب لن يوصل لأي نتيجة إيجابية، وسيجعل من السلطة أكثر صرامة في حماية كيان الدولة، ليكون الحال بسبب تصرفات المعارضة وبالا على الناس وسببا في انفضاض الجمع من حولها.
أما محاولات تدويل “القضيّة” فهي بدون أي فائدة بعد إن استوعب العالم أن المطـالبة بالحقوق بخلفية طائفية وبدعم من غريب ذي مطامع لـن تجدي نفعا، بل ستكون مفتاحا للفتن والقلاقل ومزيدا من الشغب الـذي ستحدثه في دول الجوار الآمنة والمستقرة. ولنا في العراق خير دليل، وهو الذي دمّره وفكّكه وقسّمه تدخّل الملالي في السياسة وتسييسهم للمذهب، بدعم سافر من الجار الإيراني الذي أوغل في جراح العراقيين وفرّقهم وهم من لم يُعرف عنهم إلا التعايش المشترك طوال تاريخهم وحتى في أشدّ الفترات ديكتاتورية.


المصدر: صحيفة العرب اللندنية - http://www.alarab.co.uk/?id=39607

الثلاثاء، 2 ديسمبر 2014

شكراً نيوزيلندا

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الجزيرة 02-12-2014



ماذا لو تبرعت إحدى الفتيات من ذوات القد المياس والوجه المملوح وقررت أن تعيد تمثيل التجربة الأمريكية والنيوزيلندية في أحد بلداننا العربية، لتستكشف مدى اهتمامنا بالمرأة عدا حقوقها طبعا، وهل يا ترى سنكون كالسادة النيوزيلنديين أقل تحرشاً بها، أم كالنيويوركيين حين تعرضت السيدة شوشانا روبرتس البالغة من العمر أربعة وعشرين عاماً والمرتدية أزياء عادية حسب ما شاهدناه في المقطع، وبالطبع تتماشى مع ثقافتهم وانفتاحهم، ومع ذلك وفي عشر ساعات من تجولها في نيويورك؛ تعرضت لأكثر من مائة حالة تحرش لفظي، هذا بالطبع عن الغمز واللمز!
في نيوزيلندا قررت صحيفة هيرالد إعادة التجربة في مدينة أوكلاند ولكن هذه المرة على يد عارضة أزياء شابة مملوحة الطلة ومتغندرة، تجولت طوال ساعات في الشوارع، مع مراقبتها بكاميرا سرية، لمعرفة عدد الرجال الذين سيظهرون اهتماماً بها, المفاجأة كانت أنها لم تثر فضول أحد عدا اثنين وثالث سألها عن عنوانٍ ما. عدا ذلك، فقد تمخطرت وتمشت دون أن تتعرض لأية حالة تحرشٍ أخرى تجعلها تخشى على نفسها، أو تبكيها وتحزنها لأنها شعرت بانتهاك إنسانيتها!
في حاضرتنا العربية، ولن أحدد المكان لتشابه العقلية الذكورية وعلى ما أظن وأتمنى أن أكون مخطئاً؛ لن تنعم أي أنثى أو أغلبهن براحة البال وسعة الطريق مهما كان عرضه إن مرت بجوار أي تجمعٍ لشباب أو حتى عواجيز، فسواء كانوا من الجالسين على مقهى لشرب الشاي والنرجيلة أو متجهين بسياراتهم لمقاصدهم، ستنال أعينهم من كل أنثى تلاحظها، وستلتهمها من أخمص قدميها لأعلى رأسها بحثاً عن نقطةٍ فيها تشبع نهمهم، ولن يكترث العديد منهم إن كانت حتى تمشي بجوار أخيها أو والدها وزوجها، فاللمز والغمز حادث، أما إن كانت وحيدة وذات تحرر في اللبس والهندام، فلن تكون الآهات وحدها ما ستسمعه، وقد يتعدى التحرش اللفظ للمس وأمام الجميع الذي قد لا يبادر أي منه (إلا من رحم ربي) لأي ردة فعل أو شهامة تجاه أنثى تتعرض أمامه للتحرش. قد يعلل بعضهم ذلك لتبرجها ولزينتها المبالغة فيها وللبسها، الذي استفز الشباب للتعرض لها. فيما قد يعبر آخرون عن خشيتهم من المشاكل والدخول فيما لا يعنيهم، وخصوصا في ظل غياب قوانين صريحة تجرم التحرش وتعاقب مرتكبه بعقوبة تجعله يندم على ارتكابه لفعلته الدنيئة.
لو بحثنا في الأمر من وجهة نظر بيولوجية لوجدنا أن سكان نيوزيلندا خليط من المهاجرين مختلفي الثقافات والمرجعية العرقية، ومع ذلك أظهرت التجربة تمتعهم بأخلاقيات المجتمع المثالي الذي تتساوى فيه المرأة مع الرجل في الحقوق، ولديهم التزام أخلاقي بالحرية الفردية واحترامها وعدم التعدي على الآخرين، كرسها بالطبع قانون صارم وواضح وثقافة إنسانية تربى عليها الجميع في المجتمع، أصلت احترام المرأة وعدم التعرض لها بأذى. ثقافة مجتمعهم عمل على إنشائها والدعوة لها نظام تعليمي مميز، وإعلام مُصلح، ومؤسسات مجتمع مدني متفانية لإيصال رسالتها، وحكومة بقانونيها ورجال أمنها صارمون في تنفيذ القانون وغير متساهلين مع كل منتهك لحرمة الإنسان.
على غرار ما حدث بأوكلاند النيوزيلاندية، أثبتت نيويورك أنها مدينة لا تتمتع بأخلاقيات الغرب المتحضر وبالتحديد فيما يتعلق بالمرأة والتحرش بها علناً، رغم كونها هي الأخرى مدينة تتشكل من مزيج كبير من المهاجرين مختلفي الثقافات والأعراق. فرغم صرامة القوانين، إلا أن الثقافة المجتمعية تعكس حالة اللاأخلاقية، وعدم تمدن الشباب وجهل عام للحقوق واحترام الآخر، كرسها جميعا نظام تعليمي لم يحقق المنشود منه، وتفرقة عنصرية منتشرة، ونسبة عالية لارتكاب الجريمة، وشبه غياب لثقافة مجتمعية واحدة يؤمن بها الجميع ويحرص على ألا تنتهك أبدا.
اما بالنسبة لواقعنا العربي، فالغريب أن الأغلبية هم من دين واحد وعرق عربيٍ واحد وثقافة وعادات وقبلية واحدة، ومع ذلك فالتحرش ظاهرة منتشرة بكثرة، لا تنعم المرأة بسببها بحقوقها كإنسانة من حقها أن تشعر بالأمان في حلها وترحالها وتجولها وتمشيها في الطريق وفي الأماكن العامة؛ وتتعرض باستمرار وبمرأى من الجميع لمختلف المضايقات، الذي سينشغل العديد منهم في تصوير المقطع وبثه فيما بعد على مواقع التواصل وبرامج المحادثة، دون أدنى شعور بالذنب لانتهاك خصوصية الآخرين وفضحهم والتشهير بهم، وما قد يتسبب لهم بأذى وضرر نفسي ومعنوي حال انتشار المقاطع المصورة، وبالطبع أنا لا أتحدث هنا عن المعتدي والجاني، بل عن الضحية، وهي المرأة التي تم مضايقتها والتحرش بها وانتهاك آدميتها من قبل وحوش بشرية، لا تتمتع بدين أو أخلاق، وتظن أن حرمات الآخرين حلال لها طالما لا تمت لها بصلة قرابة، ولا تشعر بوخز ضمير لما فعلت، ولا تخشى العقاب لأن القانون متساهل والمجتمع يتغاضى عن أخطاء الرجل ويغفر له ويجب كل ذنبه!


المصدر: جريدة الجزيرة - http://www.al-jazirah.com/2014/20141202/rj6.htm

الجمعة، 21 نوفمبر 2014

اليمن ونهاية الحوثي

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة العرب اللندنية 21-11-2014



ظن الحوثيون أن الدخول لمعترك السياسة في اليمن يكون بسهولة احتلالهم للعاصمة صنعاء والحديدة وعمران، لكن ما تخفيه الأيام لهم هو خسارتهم التي لن تطول لتتحقق، وسيغرقوا كل يوم أكثر وأكثر في دوامة الصراع المسلح في اليمن، التي لم تعرف الاستقرار منذ استقلالها وحتى توحدها. فهي غارقة في وحل التفكك بسبب القبلية والفساد الحكومي والفقر المدقع رغم وفرة الموارد، كما أنها ترزح تحت ثقافة سلطة شيخ القبلية ووجهاء المدن وسياسة المحاصصات والتوافقات البعيدة عن الالتزام بروح القانون ونصوص الدستور، الذي بحاجة إلى أن يُعاد كتابته بما يتناسب مع احتياجات اليمن اليوم، بشماله وجنوبه الطامح للاستقلال، بعد أن عانى من التهميش والإهمال الحكومي المقصود.
ربما يكون من السهل، كما حصل مع جماعة الحوثي، أن تشكل تنظيما وميليشيا مسلحة، وأن تحصل على الدعم لذلك من قوى خارجية تملك مصالح، وحتى داخلية من الوطن نفسه لاستخدامهم في تحقيق مآربها، وهو الذي تحقق لهم في الآونة الأخيرة وبشكل لا يخلو من الريبة والشك.

لكن الأصعب والأخطر، وهو الذي لم يدر بخلدهم على ما يبدو، هو مدى قدرتهم على البقاء في الساحة وبنفس القوة التي دخلوا بها والنفوذ الذي تحقق لهم، وهل يا ترى سيكون بمقدورهم تحمل الخسائر الناجمة عن دخولهم معترك السياسة في اليمن، والذي كان لهم وأسهم في فرض شروطهم بالقوة التي ما كانت لتحصل لولا التخاذل والتآمر والطمع في السلطة ولو كانت على حساب تدمير الوطن وجعله ساحة جديدة للمطامع الإيرانية الطامحة للسيطرة على مضيق باب المندب بجانب هرمز.
بعد حين، سيدرك القائمون على هذا التنظيم وعلى رأسهم عبدالملك الحوثي أنهم لم يكونوا سوى حجارة على رقعة الشطرنج من صنف الجنود يتم التلاعب بها وتسييرها وفقا للأهواء، وسيتم التخلص منهم حالما ينتهي دورهم، وهو ما سيقرره الحليف قبل العدو لهم، فهم أقرب ما يمكن وصفهم به أنهم كطالبان الأفغانية التي ظهرت من العدم وأنهت وفي فترة قصيرة حالة الحرب الأهلية التي عاشتها أفغانستان بفعل تحارب تحالف الشمال مع بعضه البعض، والذي ما لبث بعد فترة أن وضع يده مع الولايات المتحدة والغرب وتحالفوا فأسقطوا حكم طالبان التي لم نعد نسمع عنها أي خبر في وسائل الإعلام!
حال الحوثيين الآن ومكاسبهم الآنية لن تصمد طويلا حين ينفك الدعم لها، ولن تتحمل حجم الخسائر التي ستنجم عن مواجهاتهم العسكرية ليس مع الجيش اليمني، وإنما مع القوات الموالية للقبائل اليمنية ومعها، بالطبع، تنظيم القاعدة، الذي يرى في حربه مع جماعة الحوثي قتالا عقائديا لا صلح فيه أو تنازل، وهو بمثابة محاربة أميركا والغرب بالنسبة إليه، فهو يراهم ممّن ساهموا في زرع هذه الجماعة الوليدة وحديثة العهد في خاصرة اليمن، لتنفيذ أجندة دولية استبقت توجه الشارع اليمني نحو الأحزاب ذات التوجه الإسلامي، ومن ثم سيطرتها على الحكم عقب نجاح الثورة في الإطاحة بحكم علي عبدالله صالح.
الحكومة المركزية برئاسة عبد ربه منصور هادي فشلت، أو أُفشلت، في الإسهام في تنفيذ بنود المبادرة الخليجية التي كانت الأنسب للانتقال باليمن إلى حالة الاستقرار الممهّدة لقيام الجمهورية الديمقراطية الثانية، بدستور توافقي يقسّم اليمن إلى ستة أقاليم، ويعيد الحقوق لجنوبه، ويكرس سلطة القانون ونزاهة الانتخابات التي كان من المفترض أن ينتج عنها برلمان ديمقراطي يشكل الحكومة المرتقبة.
تصنيف جماعة الحوثي كأحد المنظمات الإرهابية من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة ستتبعه خطوات مماثلة من دول خليجية أخرى في القريب، وهو ما سيزيد من الضغوط الدولية على الجماعة، وسيسهم في تحويلها من فئة ثورية (كما تسمي نفسها) إلى جماعة خارجة عن القانون وستكون خارج اللعبة السياسية، ولن تنجح إيران في جعلها ذراعها الطويلة في اليمن كحزب الله في لبنان. أما حزب المؤتمر الشعبي العام، فستشهد الأيام القادمة عودته بقوة إلى الساحة السياسية وإن كانت بغير شخص الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ولكن بمؤيدين له وبشكلٍ يُماثل ما حدث في تونس بعد فوز حزب نداء تونس بالأغلبية البرلمانية وهو الذي كان يُحسب على نظام زين العابدين بن علي.
الفترة المقبلة ستشهد اندحارا لقوة المعارضة اليمنية الحالية وعودة إلى للتحالف بين الحكم السابق في اليمن والقبائل وبعض التيارات الإسلامية، ولكن هذه المرة بطريقة قد تكون الأقرب إلى الديمقراطية من سابقاتها، كما ستشهد بعد انفضاض الجمع من حول الحوثي، محاكمات ستطال قيادات له تلطّخت أيديها بدماء اليمنيين.
مع العلم أن إيران التي أوجدت هذه الميليشيا قد تكون أول من يتخلى عنها إذا تحقق لها الوصول إلى اتفاقية مرضية بشأن برنامجها النووي تسهم في رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها، ولو بشكل جزئي، مع السماح لها بسحب أرصدتها المجمدة لدى البنوك الغربية، بالرغم من كون الجماعـة تمثل بالنسبة إلى حكام طهران خيارا استراتيجيا إلا أنها مستعدة لخسارتها مقابل مكاسب أخرى، وهو الدال على أن جنون الحكم الفارسي هو، وبشكلٍ أساسي، المسيّر لسياسات إيران الخارجية وإن كانت تستغل المذهبية والانتماء للطائفة الشيعية في تحقيق ذلك وإيهام الشيعة العرب!


المصدر: صحيفة العرب اللندنية - http://alarab.co.uk/?id=38488

الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

الرياضة والتعصب والعنصرية ..

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة الحوار المتجدد 18-11-2014



من منا لم يتعصب يوما لرأي أو لموقف وقضية، وتشنج بسببها وأرعد وزبد، وخسر فيما خسر صديقا واحترام آخرين، لكنه ومع ذلك لم يكترث واستمر بنهجه الذي أملاه عليه فكره، وجعله مقتنعا بأنه هو الصحيح وما سواه على خطأ!
غالباً ما نشتكي ونتذمر من التفرقة والعنصرية, ونذكر السامعين بقول المصطفى الكريم عليه صلوات الله وسلامه "دعوها فإنها نتنة"، لكننا وفي المقابل, نمارسها ما استطعنا اليها سبيلا, وحججنا في ذلك لا تُحصى ومنها أن الناس مقامات، والاحترام واجب وصاحب المعالي يتطلب ذكره منا أن نطأطأ له رؤوسنا احتراما وتبجيلا. في المقابل, نحرص على أداء الصلوات في أوقاتها, وهي فرض وواجب وركن علينا الامتثال له, لكننا جعلناه قاعدة لنا للصلاح فقط وأسقطنا سواها وتناسينا أن بجانب أداء العبادات تتجلى اخلاق المسلم الحق، فالدين المعاملة, وابتسامتك في وجه أخيك صدقة.
وسم وجوهنا بكشرة واتزان وادعاء الزهد في كل أمر والمبالغة في الجدية وشبه تحريم الضحك ولوم الناس على مرحهم وانشغالهم فيما لا يلهيهم عن ذكر الله سبحانه; أحد أسباب النفور أو الخوف التي يبديها ليس صغار السن من الجنسين, وإنما من مختلف الأعمار تجاه تصرفات فردية لأشخاص وحجتهم فيما يفعلوا التدين!
إسلامنا جميل ووسطي ويدعوا للاستمتاع بالحياة والسعي فيها كما العمل للآخرة، لم يهمل شأنا على حساب آخر, ولم يدعو للتشدد والإسراف، بل كرس الوسطية والاعتدال، الذي بتنا نفتقده في أغلب شؤوننا....... حتى الرياضة، وهي التي وجدت لإضفاء البهجة علينا وزرع روح التنافس الخلاق, حولناها لتعصب أعمى, وفئوية وقبلية وانتماء وحتى وطنية، لتنقلب إلى عنصرية وكره وتغييب للأخلاق التي يجب على الجميع الاتسام بها، ليس فقط الرياضيين وإنما المشجعين أيضا، والذي باتوا الآن وللأسف ومن يقف خلفهم من مسؤولين;  رأس حربة في أيقادها وزرعها في النفوس والتشجيع عليها، وكأن الخصم ولو كان من أبناء العم هو عدونا لو لم يكن في صفنا!
في مباراة الهلال وسيدني الأسترالي على اللقب الآسيوي الأخيرة، برزت الى السطح مظاهر لم تُعهد يوما على الشارع الرياضي السعودي، الذي اتسم على الدوام بالحماس ولكن بدون تعصب، فالمنتخب السعودي وعلى سبيل المثال ومنذ إنشائه, ضم في صفوفه لاعبين من مختلف أطياف الدولة ومدنها دون تفرقة أو قبلية أو مناطقية، والقائمون عليه لم يمارسوا اي نوع من العنصرية، بل تعاملوا مع الجميع كأبناء الوطن الواحد دون أي تفرقة!......
لم تحول الحال الآن وانقلبت الأندية ومشجعيها لدائرة من الصراع الكروي بدلاً من أن يكون التنافس الحرّ النزيه, الذي يهنئ فيه المغلوب المنتصر, ويواسي فيه من نال الفوز من مُني بالخسارة؟
ربما هو الإعلام ودوره الذي لم يعُد حياديا بعد الآن, أو تشدد بعض المحللين والرياضيين والكتاب; هو من أسهم سلباً في تأجيج الجماهير, والذي أغلبهم يطمح بأن يستمتع بمشاهدة مباراة كرة قدمٍ ينتصر فيها فريقه, ولكن إن غذيته بأي مشاعر سلبية واستفززت فيه التعصب, حينها قد يخرج الأمر عن نطاق السيطرة, ونرى مشجعا لنادي النصر مثلا قد خرج مضروبا مهانا من مدرجات الهلال كما حدث في المباراة الأخيرة كونه لبس شعار ناديه, وهو الذي قد حضر ليؤازر فريق وطنه بدون أي تعصب وإنما محفوفا بواجب الوطنية.
الرياضة سواء كانت كرة قدم أو ملاكمة; هي أخلاق وحسن تصرف وسلوك, وإنسانية يجب أن تُزرع في نفس النشأ أولاً, فتتكرس حينها روح المنافسة وتقبل الخسارة واحترام الآخر.......هي (أي الرياضة), كما القيادة: فن وذوق وأخلاق!



المصدر: صحيفة الحوار المتجدد - http://www.hewarmag.com/first/8834.html

الخميس، 13 نوفمبر 2014

جيرونيمو .. ونصفنا الآخر

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 13-11-2014

 


أول مرة سمعت فيها هذه الكلمة أو المصطلح كانت في فيلم نظرية المؤامرة لميل جيبسون وجوليا روبرتس، ومن يومها استخدمتها كمعرف واسم رمزي لي، ما لبثت أن تخليت عنه فيما بعد لأسباب مجهولة!
المهم، مثلت لي «جيرونيمو» حينها رمزية الحب الضائع بين جنون الوهم وحقيقة تحققه في عالم مادي، لم يعد يقتنع بقصص الحب الأسطورية ولا جنون العشق، الذي يجعلك تمتلك جناحين يمكنانك من الطيران، ودون أن تتعرض للأذى رغم يقينك بأن ما تقوم به هو الجنون بعينه، لكنك تمارسه وكلك سعادة وكأن ارتطامك بالأرض هو لحظة عناق الحبيب.
مع أن قصة الفيلم سياسية ناقدة تحاكي واقعاً استخباراتياً، هو في ظاهره أمني ووحشي مقيت؛ إلا أنه ولو أتيحت الفرصة لي يوماً كي أكون ناقداً لوصفته من روائع الأفلام الرومانسية، التي بات مفهومها لدى الجميع محصوراً في العلاقة التي يتم تتويجها جسدياً، وكأن الغريزة هي المحصلة النهائية للمشاعر الإنسانية الجميلة التي تربط بين ذكر وأنثى، متناسين أن تلاقي الأرواح وانجذابها وانصهارها معاً في جسد واحد طرفه جسدان، هي من أمتع ما قد تكون عليه العلاقة يوماً بين رجل وامرأة. وهي التي وإن تحققت قد لا تعدو كما كانت ناراً ملتهبة وأشواقاً تحرق، مسيطرةً على المشاعر والأحاسيس، لكنها ستتحول حينها إلى الاندماج التام الذي يخلقه الحب بين طرفين يسعى كل منهما لإنجاحه، ولو على حساب نفسه ومبادئه وقناعاته!
صُناع السينما ومنتجو الفنون هذه الأيام، أو أغلبهم، وكلما رأوا لقطات من أعمال الزمن الجميل التي صورت بالأبيض والأسود، لا تنتابهم غصة ولا تتحشرج الكلمات في أفواههم، بل تعتريهم لحظات ضحك واستهجان لما يسمونه بالافتعال والابتذال العاطفي، وقصور التمثيل الذي ينتج عنه بلاهة في المشاعر تظهر، على حد وصفهم، على شكل حب من النظرة الأولى وإعجاب لتصرف عزة وشهامة يبدر عن أحد المحبين، فيتعلق قلب الآخر به، لتبدأ بعدها الأحداث شبه المستحيلة للوقوف في وجهيهما وثنيهما عن الاستمرار، حتى يتمكنا في دقائق العمل الفني الأخيرة من الفوز على كل من يقف بطريقهما، أو بشكل أصح، وكما وصفها نزار قباني، بالرواية التي بختامها يتزوج الأبطال!
ذاك النمط، الذي بات مفقوداً الآن ورغم كونه موغلاً في المثالية، إلا أنه هو ما يُحرك فعلاً المشاعر حين مشاهدتك له. هو بالفعل حب الزمن الجميل الذي بتنا نفتقده الآن، ولا نشعر به في فن المؤثرات الصوتية والمرئية، والإخراج والفلاتر والأبعاد الثلاثية.
بصراحة، وحتى مع تطور تقنيات الإنتاج الفني، لم نعُد نصدق افتعالهم ولا تمثيلهم، ولم نعد نستمتع كما كنا بروايات زمانٍ مضى يصعب تصديق بعضها وربما تنتفي واقعيتها، لكنها كانت من علمنا أن نُحِب ونُحَب ونستمتع بلذة الحب وشقائه وعذابه واستحالة تحققه، والتي بدورها تجعل من أبطال القصة خارقين قادرين على صنع المستحيل وتذليل عقباته، في مقابل نيل ود الحبيب أو الحبيبة!
وسائل العشق وطرقه هي هي لم تتغير منذ الخليقة وحتى اللحظة، وإن كانت وسائل تطبيقها تغيرت. فالمحبون، وعلى مر التاريخ، كتبوا لبعضهم كلمات كانت فيما سبق على شكل رسائل تُنقل سواءً بواسطة الحمام أو البريد. الأكثر استخداماً لها الآن عبر رسائل الجوال وتطبيقات المحادثة الفورية ووسائل التواصل الاجتماعي. هي التقنية التي أوجدت الاختلاف، لكن القاعدة واحدة، وفيها تفيض مشاعر المحب ليعبر عنها بكلمات شاعرية يصف بها المحب حبه ولوعته واشتياقه وغربته، طالما لا يحظى برفقة من يحب ويأنس برؤياه.
المشاعر الجميلة والأحاسيس الراقية هي ما يضفي على الحياة طعماً لا متعة بدونه، وهي التي تكرس إنسانيتنا، وهي التي تمتعنا في لحظات مللنا، وتسعدنا في قنوطنا، وتعطينا الدافع والحافز كي نتقدم وننجز، وحتى ننسى ونتناسى طالما نعلم ونحن على يقين بوجود شخص في مكانٍ ما يمثل لنا نصفنا الآخر.. الأجمل والأحلى والأروع .. شريك حياتنا.


 

المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/11/13/196053/%d8%ac%d9%8a%d8%b1%d9%88%d9%86%d9%8a%d9%85%d9%88-%d9%88%d9%86%d8%b5%d9%81%d9%86%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%a2%d8%ae%d8%b1/

الأربعاء، 12 نوفمبر 2014

أنا وليلى مجدداً

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في مجلة فكر الثقافية العدد التاسع لشهر نوفمبر سنة 2014

 


يقولون: ليلى في العراق مريضةٌ؛ فيقول يا ليتني كنت الطبيب المداويا........
هي ليلى مجددا التي اتحدث عنها وأجعل منها رمزا خصصته ليكون أيقونة العشاق من الرجال المحبين والمصابين بجنون الهوى الذي لا يعرف الحدود والفواصل، فهوى أنفسهم أقوى من أن تحجر عليه ظروف قاهرة، رغم أنها نفس الظروف التي ستنجح يوما في منعهم من تحقيقهم مرادهم ونيلهم ود محبوبتهم وخطفهم لها؛ ولن أقول على حصانٍ ابيض، فتلك رؤى باتت مستهلكة ولا تعبر عن جموح عاشق ومحبة لم يكن الحظ يجاورهما او يمر بجانبهما لينالا وداً تمنيا أن يجمعهما سويةً.
ليلى الأنثى هي واحدة كاسم وإن تعددت مسمياتها وأزمان تواجدها. من العامرية ليلى التي تصغر عاشقها قيس بأربعة أعوام وولدت في بلدة أسمها النجوع وتسمى اليوم باسمها والتي هي عاصمة محافظة الأفلاج بمنطقة الرياض. تربت مع قيس ورعيا الغنم سويةً، فلما كبرت حجبت عنه فأزداد هياما بها ورفض أهلها أن يزوجوها به ليس لأنها غنية وهو فقير كعادة المسلسلات العربية وإنما لاشتهار حبهما بين العرب، فهام المسكين على وجهه ينشد الأشعار ويتغنى بحبها إلى أن وجد ملقى بين أحجار وهو ميت.
فيها ومما قال أذكر يائيته التي أورد بعض أبياتها:
أَعُدُّ اللَيالي لَيلَةً بَعدَ لَيلَةٍ
وَقَد عِشتُ دَهراً لا أَعُدُّ اللَيالِيا
وَأَخرُجُ مِن بَينِ البُيوتِ لَعَلَّني
أُحَدِّثُ عَنكِ النَفسَ بِاللَيلِ خالِيا
أَراني إِذا صَلَّيتُ يَمَّمتُ نَحوَها
بِوَجهي وَإِن كانَ المُصَلّى وَرائِيا
وَما بِيَ إِشراكٌ وَلَكِنَّ حُبَّها…
وَعُظمَ الجَوى أَعيا الطَبيبَ المُداوِيا
أُحِبُّ مِنَ الأَسماءِ ما وافَقَ اِسمَها
أَوَ اِشبَهَهُ أَو كانَ مِنهُ مُدانِيا
إِذا اِكتَحَلَت عَيني بِعَينِكِ لَم تَزَل
بِخَيرٍ وَجَلَّت غَمرَةً عَن فُؤادِيا
هِيَ السِحرُ إِلّا أَنَّ لِلسِحرِ رُقيَةً
وَأَنِّيَ لا أُلفي لَها الدَهرَ راقَيا
عَلى مِثلِ لَيلى يَقتُلُ المَرءُ نَفسَهُ
وَإِن كُنتُ مِن لَيلى عَلى اليَأسِ طاوِيا.
حاول والده كما يُقال ان ينسيه محبوبته، فأخذه لمكة، فما كان من العاشق الولهان أن تعلق بستار الكعبة و قآل:
اللهم زدني بليلى حبا و بها جنونا
و كلفا ولآ تنسني ذكرهآ أبدا
في زمنٍ آخر وفي قصيدة مصطفى محمود التي لا تنسى "الليل يا ليلى" كانت ذكرى ليلى مسائية، يعاتب المساء فيها محُباً ويسأله عن ليلى، فيما طيور باحته تفتقد ليلى وذكراها، وتسأل المحب لها عن حالها، أو يا تُرى ان كانت قد سافرت ليلى....! يعود بعدها وبمدة حسن المرواني ليحكي لنا قصة "أنا وليلى" التي عذبت محبها بعد أن تركته يعاقر حزنه الذي يعصره في مغبر آهاته...هي نفس ليلى الاسم ولكنها ليلى أخرى فاتنة بشفاهٍ مختلفة مكتنزه، ظن معشوقها أن رحيقها سيكون من نصيبه، لكن ضعف الحال أو قلته كانت سببا لتكون ليلى من نصيب غيره من الرجال الذين تمتلئ جيوبهم بما يزغزغ عيون أي ليلى ويجعلها تؤثر راحتها على نيل قلب محبوبها!
اسم ليلى لمن لا يعرف معناه يعني نشوة الخمر أو بدء السكر أو النشوة. وأم ليل هي الخمر السوداء. وقد يكون الاسم المختوم بالألف الممدودة دالاً على الليلة الواحدة، فيكون أصله "ليلة"، وعلى هذا المعنى نُقل الاسم إلى الإنكليزية.
يبدو ان اسم ليلى ارتبط لدى المحبين بالشقاء والعذاب، فكل محبي ليلى أو على الأقل من تداعوا لمسامعنا تجرعوا مرارة الهوى وحسرة الفراق والم البعاد؛ لكنهم وفي نفس الوقت ودون أن يعوا قد تركوا لنا تراثا شعريا يحببنا بليلى وكل ما يمت لليلى. فقيس العاشق العظيم الذي اتهموه ظُلماً وبُهتاناً بالجنون وقد كان عاقلاً مُخلصاً في حبه ذاق من هوى ليلى ما كفل له المرارة ان تكون مزامنة لاسمه كلما ذُكر، والشاعر المرواني وكما يُقال (وقد يكون إشاعة) قرض قصيدته بعد تجربته الشخصية التي مرّ بها، ويُقال أيضاً أن ليلى الحقيقية محبوبته قد بكت حين استمعت لها في الأمسية الشعرية التي قرأ بها القصيدة!
طبعا قد يكون هذا القول او تلك القصة من نسج خيالنا الذي يرى في لوعة الحب إحساسا أجمل من الحب ذاته؛ لكن إحساسي يقول لي دوما أن الليل وليلى مرتبطان ومتلازمان وبينهما عهد من عهود الهوى الغير المعلن، ولهما وقعٌ وهاجسٌ في نفس  المُحب، وان لم يكن من العدل حصر الهوى بليلى، الا أني أجد أنها »أي ليلى« أسعدتنا برمزية الحب لها وأن كانت قد لوعت محبيها..



المصدر: مجلة فكر الثقافية  العدد التاسع- http://www.fikrmag.com

الثلاثاء، 11 نوفمبر 2014

حزب الله لم يتعلم الدرس بعد

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة العرب اللندنية 11-11-2014

 


ألم يستوعب حزب الله بعد، وإيران من خلفه، أن تدخلهما في سوريا سيكونان وبالا عليهما وسيدخلان اللبنانيين ودولتهم والمنطقة في فوضى أمنية وهجمات انتقامية كان لها أول ولا أظن أن لها نهاية في القـريب المنظور.
ألا يرى الحزب، وكل جهة تدخلت طائفيا في سوريا، أن الدم حين يُزهق دون سبب سيكون نارا ولعنة على كل من أهدره؟ أين هي مخابرات حزب الله التي كان يفتخر باكتشافها لخلايا التجسس الإسرائيلية، وأين هي شبكة اتصالاته التي كاد أن يدخل لبنان في حرب أهلية بسببها؟ هل ما زالت على قوتها، أم أن حربها السورية قد استهلكتها، وهل ما زال الحزب يملك من القوة على الساحة اللبنانية ليفرض العماد ميشيل عون رئيسا للجمهورية في ظل تشتته بين الشأن الداخلي والسوري؟

حزب الله وكل من تدخل ضد ثورة الشعب السوري سيدفع الثمن، وسيعلم الذين ظلموا كيف أدخلهم نظام طهران في خندق مظلم أوله نور وآخره هلاكٌ لهم، ولن تكون الخسائر اليومية لمقاتليهم على الصعيد البشري وحدها من سيخلخل الإجماع الشعبي حوله، بل التكلفة المالية للحرب والتي ستقلل من تدفق الأموال التي كان الحزب يستخدمها في الإنفاق على برامجه الاجتماعية والتنموية، وعملت على الدوام على التفاف الجموع الفقيرة حوله، وهي التي تشكل أغلب أتباعه.
القتيل والمشرد والمصاب السوري الطامح منذ أكثر من ثلاث سنوات للحرية سينتقم لنفسه بقدر ما يستطيع ومتى ما سنحت له الفرصة، وبقدر ما يراه هدفا مشروعا له، واستهدافه لأهداف لبنانية وإيرانية أو تابعة لها هي رسالته لطهران، التي يريد أن يخبرها من خلاله أن سياستها في تصدير ثورتها التي تدعي إسلاميتها، ستحرقها أيضا، ولن تنفعها قنبلتها النووية، التي تسعى لها، في حمايتها من كل الشعوب التي عانت من تدخلاتها وظلمها وتجبرها عليها.
سوريا التي كانت دوما أولى الوجهات السياحية المفضلة للعرب باتت الآن دولة مدمرة، تخيم عليها أجواء القتل وتزكم الأنوف روائح البراميل التي تلقيها مروحيات النظام في كل يوم، حاصدة العشرات من الأرواح البريئة، بدعم عسكري لم يعد خفياً، والهدف منه هو الإبقاء على نظام حزب البعث في الحكم، حتى لو كان سبيل ذلك دماء السوريين، الذين لن ينسوا، أبدا، تدخل حزب الله والميليشيات الشيعية العراقية والحرس الثوري الإيـراني في قتالهم إلى جانب النظام ودعمهم له وهو الذي كان آيلا للسقوط بيد قوات المعارضة المسلحة.
آجلا أو عاجلا ستنتقل الحرب، وما يتبعها من إرهاب ودمار وخراب واقتتال وتفجيرات واغتيالات، من سوريا لتستهدف جميع الأطراف التي تدخلت في الشأن السوري وسينقل السوريون ثأرهم للداخل اللبناني، وسيعي حينها مؤيدو الحزب ومن تخاذل عن ردعه حجم الضرر الناتج عن ذلك، ولن تجدي نفعا عملية ينفذها مقاتلوه تجاه إسرائيل في استعادة شعبيته التي ضحك بها على العامة سابقا، ولن تعيد له مكانته “البروباغندا الثورية” التي يريد أن يثبت من خلالها أنه ما زال نصير المقاومة، رغم أنه لم يتجاوب مع حماس في حرب غزة الأخيرة ورفض طلبها قصف إسرائيل، فهو لم يتلقّ التعليمات من طهران لذلك، وهو الذي يتبع لها بالولاء عقيدة وأيديولوجيا حسب البيان التأسيسي للحزب الذي ينص على: “الالتزام بأوامر قيادة حكيمة متمثلة بالولي الفقيه، وتتجسد بالإمام المسدد آية الله العظمى روح الله الإمام الخميني”.
فرض حل للأزمة السورية ليس بالأمر المستحيل، بل من الممكن وبسهولة إن حصل الإجماع الدولي على ذلك، ولكن بالطبع ليس على غرار مفاوضات جنيف واحد وإثنين، التي وجد النظام فيها وسيلة للمناورة والعبث وتسويق سيناريو الإرهاب الذي لا يُصدق، وإنما عبر قرارات أممية ملزمة ووفق البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ومع فرض حظر جوي وعزل السلطة الحاكمة وتسليم السلطة لحكومة انتقالية، تقوم على إعادة اللحمة الوطنية وتأسيس جيش وطني لا عقائدي، وسحب السلاح من الجميع، ومحاكمة ثورية للوردات الحرب، وتأسيس للعدالة الانتقالية على غرار ما فعلت أول حكومة سوداء في جنوب أفريقيا عقب تسلمها للسلطة من البيض. حينها وإن حصل، سيكون لنا حديث آخر، لكن الآن، وعلى ما يبدو، بعد أن دخلت “داعش” على خط الأزمة، فسيبقى الحال للأسف على ما هو عليه، وستبقى الأزمة السورية نارٌ تحرق، وطائفية تفرّق، ومفرخة للإرهاب الذي يصفه كلٌ حسب تفسيره ورؤياه.


المصدر: صحيفة العرب اللندنية - http://alarab.co.uk/?id=37669#

الأحد، 9 نوفمبر 2014

«داعش» والأهداف غير المعلنة

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 6-11-2014



وجهات نظر عديدة صادرة عن جماعات وجهات متباينة التوجه الديني، وحتى تنظيمات عادة ما توصف بالتطرف اختلفت مع إيديولوجيا وفكر تنظيم داعش الإرهابي. في مجملها توحدت الآراء واتفقت ألا ترتضي داعش منهجاً ولا سلوكاً.
أصل الخلاف مع داعش يتمركز حول ما عُرف عنه من التكفير بدون مسوغٍ شرعيٍ سليم، وقتل الناس بغير حق، والكذب والجهل الذي يتصدر فيه قليلو العلم والخبرة المشهد العسكري والديني. يُضاف إلى ذلك أنهم مخترقون على مستوى القيادات التي تنطبق عليها غالبية هذه الصفات. أما الأتباع فهم في أغلبهم شباب مغرر به ولكن ابتلي بالجهل وعصفت به الحماسة غير المنضبطة التي سهلت تجنيده واستقطابه للانضمام إلى التنظيم الإرهابي، بالإضافة إلى من تعرضوا لعنف طائفي ممنهج وقمع وتعذيب واستبداد بالآخر، ليجدوا في تنظيم داعش وسيلة للانتقام وتفريغ الكم الهائل من التعبئة التي ترغب في الثأر من الضيم الذي تعرضت له.
في سوريا يعرف عنهم استهدافهم للفصائل المقاومة للنظام السوري التي تشاركوا معها الجبهات أوائل الثورة وحاربوا معهم جنباً لجنب في خندقٍ واحد، لكنهم فيما بعد انحرفوا وبدأوا بقتال الشعب السوري وفصائله المسلحة المختلفة معهم في الفكر؛ فاستباحوا دماءهم وانشغلوا بذلك عن قتال النظام وهو الهدف الأساسي للثورة.
يحارب تنظيم داعش الإرهابي حالياً القوات العراقية والصحوات التابعة لها وقوات البشمركة الكردية ووحدات حماية الشعب الكردية، وحزب العمال الكردستاني وفصائل أخرى.
في سوريا يقول «داعش» إنه يحارب جيش الأسد وداعميه من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله (اللبناني)، لكن فصائل المقاومة السورية الأخرى تتهمه بأنه صوب سلاحه نحو الجيش الحر والجبهة الإسلامية وغيرهما.
يتهمه البعض ويصفه بأنه جهاز مخابراتي أوجدته مصالح دول لخلق فوضى في مناطق بسوريا والعراق من أجل ضرب الحراك فيها، معتمدين في ذلك على استقطاب الغلاة والحمقى والصبية الذين يسهُل تلقينهم ويُضمنُ ولاؤهم. آراءٌ أخرى تجدهم نتاج محصلة للفكر الديني المتطرف وتلصقهم بالسلفية.
بأي الأحوال .. وأياً كانت أسباب نشوء داعش أو أي تنظيم متطرف الفكر والتطبيق، أتمنى أن يقرأوا الآية الكريمة التي خاطب الله سبحانه وتعالى فيها رسوله بالقول الكريم: «ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر».



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/11/06/194055/%d8%af%d8%a7%d8%b9%d8%b4-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%87%d8%af%d8%a7%d9%81-%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b9%d9%84%d9%86%d8%a9-2/

الأربعاء، 15 أكتوبر 2014

صنعاء مقابل الموصل

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة العرب اللندنية 15-10-2014

 


تحول اليمن السعيد كما عرفناه وقرأنا عنه إلى يمن آخر تعيس وحزين ومفكك تعمه الفوضى والاضطرابات، ولم يهنأ كما يتمنى شعبه بالسلم والرفاه. تحول إلى يمن يكون الولاء فيه للقبيلة لا للوطن، وللطائفة لا للوطن، وللإقليم لا للوطن، وللخارج بمطامحه وأطماعه، أما الجيش العتيد ورغم حرفية أفراده وبأسهم إلا أنه مُحزب ومقسم ومتعدد الولاءات، والحكومة المركزية فيه تفتقد القوة لحسم النزاع، كما أن أغلبها والمتعاقب منها ومنذ استقلال اليمن إلى توحده لم يسع إلى سيادة الدولة من منطلق قومي وطني وإنما من بابٍ للتكسب والاستئثار وفرض النفوذ.
المشكلة في اليمن لم تعد فقط في تنظيم القاعدة، ولا في خطف الرهائن ولا انتشار الفساد والمحسوبية والانهيار الاقتصادي والظلم الاجتماعي والتضخم وغلاء السلع، ولا في الجنوب وحراكه الساعي إلى الانفصال مجددا بعد أن كره التهميش واستئثار الشمال بالسلطة، ولا في طائرات الدرونز الأميركية التي تقتل من تشاء دون حسيب ولا رقيب، وبتصريح مفتوح من الحكومة طالما أنها تستهدف من يُسمون بالإرهابيين، بل المشكلة الآن باتت بالذات في تنظيم لم يسمع به أحد قبل ثلاثة عقود، ولم يكن يملك أي نفوذ، وكان الغرض منه الدعوة إلى التعريف بالمذهب الزيدي، لكنه تحول، بقدرة قادر، إلى ميليشيا مسلحة احتلت صنعاء في أيام وما فعله الحوثيون بها أسوأ مما مارسه الغزاة بحق المدن التي احتلوها، وفرضوا حلا سياسيا يعطيهم مكاسب أكبر من حجمهم ولم يكن لينالوها أبدا في تجاربهم الانتخابية السابقة.

عبدالملك الحوثي أو “حسن نصر الله اليمن” وعلى ما يظهر هو نجم الساحة الآن، بعد أن أتته الفرصة التي لم يكن يتخيل فيها أن يُسهل له قيادات في الدولة والجيش (أو على الأقل تخاذلوا في اتخاذ موقف) دخول قواته لعدة مدن يمنية واحتلال المقرات الحكومية فيها، والاستيلاء على أسلحة الجيش الذي تركها هدية تم الاتفاق مسبقا عليها. هذه الميليشيا المدعومة من إيران والتي تدرب العديد من قادتها وأفرادها على يد الحرس الثوري الإيراني، بات أفرادها القوة التي لا تقهر رغم قلة عددهم مقارنة بالآخرين، وباتوا يسعون وراء غنائم انتصارهم السريع، فانتهكوا وسرقوا وخربوا ظنا منهم أن الأمر قد استقر لهم، لكنهم نسوا أن اليمن دولة وشعبا قد قهر الغزاة على مر التاريخ، وما جرى ليس سقوطا بمقدار كونه تعبيرا عن غضب الأكثرية الصامتة من الشعب اليمني التي ملت الخداع والفساد والوعود الكاذبة المتعاقبة من السياسيين والأحزاب والحكومات لتحسين حياتهم والنهوض بيمنهم الذي لم يكبُ أساسا حتى ينهض مجددا.
الانتفاضة الشعبية على الحوثيين مسألة وقت، بعد أن اتضح للشعب أن حكاية الاحتجاج السلمي التي رفعوها شعارا، والمطالب الممثلة في تغيير الحكومة، ووقف قرار تخفيض الدعم عن المحروقات، لم تكن إلا سبيلا لقلب نظام الحكم والاستيلاء على السلطة. هم ليسوا أكثر من فقاعة سرعان ما ستتبدد بعد أن ينتهي دورها الذي رسمته لها دول إقليمية، طمعا في تحجيم قوى سياسية يمنية لوحظ تنامي قوتها في الآونة الأخيرة.
ساعدهم ما آل إليه حال الربيع العربي والفوضى الناتجة عنه وتغير حسابات الدول ذات المصالح في بناء كيان قد يبدو قويا لكنه هش، وسرعان ما ستتبدد آمال إيران فيه بأن تكون قوتها الضاربة في اليمن والقريبة من الحدود السعودية، والتي ستتلاعب بها لخلق قلاقل مع الجار ذي الثقل الأقوى خليجيا وإسلاميا. فضلا عن مساعي طهران لاستخدام ما يجري في اليمن في سياق مساومات سياسية تخص سوريا، ومحاولة تعويض التراجع في العراق بعد سيطرة تنظيم “داعش” على الموصل وعدد من المحافظات، وكأنها تشترط المعادلة: “صنعاء مقابل الموصل”.
الرئيس عبدربه منصور هادي ومن قبله طولبوا دوما بكسر شوكة تنظيم القاعدة المتواجد بخلاياه وعناصره الظاهرة والمتخفية، وهي التي تقوم بين الحين والآخر ببعض التفجيرات والعمليات النوعية وغير المؤثرة أيضا، لكنها دوما تضخم لضمان استمرار الدعم الخارجي، لكن الرئيس الآن سلم واستسلم لإرادة الحوثي، ومن خلفه من دول دعمته حتى وصل إلى الأضواء وفرض أجندته، التي من أحد بنودها حسب الاتفاق الأخير أن يكون من مستشاري الرئيس حوثيون يكون لهم الحق في المشاركة بالرفض والقبول في اختيار وزراء الحكومة القادمة، وفي تعطيل واضح لبنود المبادرة الخليجية التي أنهت حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ونصّت على إنشاء كيان يمني جديد بستة أقاليم، وأوصت بإنجاز دستور توافقي يرضي الجميع ويُحقق التوافق السياسي والمجتمعي وينهي الصراع القائم.
اليمن هو البلد العربي الذي تُرك بتعمد ليكون مرتعا لكل تنظيم متطرف، ولكل فكر متشدد، وحين يبرز خطره يتداعى الغرب وأميركا لمحاربته، وتسايرهم في ذلك حكومتهم، التي اعتقدت أن بقاءها مضمونٌ دوما باستمرار فزاعة الإرهاب، لكنها تناست أن حرب الآخرين على أرضها لن تزيدها إلا تأخرا وفقرا وتهميشا للأغلبية لصالح أقلية ضالعة في خراب بلدهم!


المصدر: صحيفة العرب اللندنية - http://alarab.co.uk/?id=35420

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2014

الصراع الطائفي وتفادي حتميته

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة العرب اللندنية 30-09-2014

 


دائما ما أحاول أن أنأى بنفسي عن الطائفية، وعن الخوض فيها لقناعةٍ مبكرة تعلمت منها أن كليهما (أي السني والشيعي) وهما المكونان الأساسيان لمسلمي العالم، لن يتخلى عن قناعاته وعقيدته وإيمانه وفطرته التي ولد عليها وترعرع، ولن يزيده انتقاد الآخر له وهجومه عليه إلا قناعةً وتمسكاً أكثر بطائفته، وإصرارٌ بعزم لا يتزحزح على تضليل الآخر، في حين لدى البعض قد يصل الأمر حدود التكفير والعداء المطلق الداعي إلى التصادم والاقتتال.
من الحكمة أن يسعى العقلاء من الطرفين، دوماً، لتستمر جلسات الحوار الهادف إلى التقارب من أجل السلم والتوائم والعيش المشترك تحت مظلة وطنٍ واحد، يكون المعيار فيه الانتماء إلى البلد لا للطائفة كمقياسٍ للوطنية، ولا يستخدم فيه بعض المتعصّبين من رجال الدين مشاعر العامة البسيطة والمسيّرة في أغلبها عبر فتاوى الترغيب والترهيب لتنفيذ أجندتها التي لا يغيب عنها استغلال السياسيين لتحقيق سياساتٍ لطالما أسهمت في عمق الفجوة بين الطائفتين، وليس أفضل من حال العراق أن يُضرب كمثال هنا، وبالطبع أيضا لبنان، الذي عملت بعض الأطراف فيه، وبإيعاز من دول لها مصالح لا تخفى على أحد، على تأجيج الفصل الطائفي القائم على تجييش أتباع المذهب، وحشوه بشعارات كاذبة لكنها قادرة على دغدغة عواطفه وتسييره ليكون داعما لقياداته التي زجت به أخيرا في أتون الحرب السورية، التي لم تعد فقط لنيل الحرية وخلع النظام الأسدي، وإنما ساحة لاستعراض القوى، وتصفية الآخر، والمساومة وبسط النفوذ، وفرض الإرادة.

تدخل حزب الله السافر في الشأن السوري، والذي ربط استمراره الأمين العام للحزب حسن نصر الله ببقاء بشار الأسد في الحكم، واكبه أيضاً إشراك لقوات من الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية العراقية كعصائب أهل الحق وقوات البطاط وجيش المهدي، بالإضافة إلى متطوعين شيعة تم تجييشهم من دولٍ إسلامية كأفغانستان وباكستان؛ يجبرني مرغماً على التطرق لما تمنيت إنكاره ورفض حدوثه واستبعاده، ألا وهو طبيعة وشكل الحرب القادمة، وهل ستكون (إسلامية- إسلامية) بين أتباع المذهبين بخلفيةٍ طائفية بحتة، بعيداً عن المعتقدات الفكرية الحزبية، أو أنها ستكون أيديولوجية متزمتة تمثلها بعض الجماعات المسلحة الثائرة على الأنظمة، ومدنية تمثلها الدولة الساعية لوأد ما تراه مهددا لوجودها عبر الجماعات المسلحة ذات الفكر الديني.
قد تمثل الحرب الأميركية التي بدأت منذ أيام على تنظيم ما يسمى بالدولة الإسلامية “داعش”، صائبةً في إطار الحرب بين الحكومات والجماعات التي تسميها بالإرهابية.
نتيجتها ما زالـت غـير محسومـة، ومخطئ من يظن أن بإمكان دول العالم القضاء على تنظيم بقوة الطائرات فقط، فمثل هذه الجماعات تعتمد في وجـودها على الفكر الذي يستقطب الشباب ويجعل منهم خلايا نائمة يسهل إيقاظها حال الضرورة لها، وستنفذ بعقيدة قوية أوامر قادتها وملهميها ولن تكون أجسادها غالية في نظرها، لأن تفجّرها ضد أي هدف تعده كافرا من وجهة نظرها، سيصعـب اقتفـاء آثار منتسبيها وكشفهم، فهذه التنظيمـات قـد تعلمت من دروس المـاضي وألغت المركـزية في بعض مواقعها، واعتمدت بدلا من ذلك نمط الخلايا الصغيرة من مجموعة من الأفراد تُرك لها حريـة التصرف، كما أنها لم تعد كـالسابـق يسهل كشفها، فهي مختلطة في مجتمعـاتها ومنـدمجة ولا تعطي أي انطباع أبدا عن كينونتها لا في المظهر والشكل فقط، وإنما في تبنيها العلني أيضا لأي فكر.
قد تنجح الحرب على “داعش” في تقزيم نفوذها على الأرض، وقد تنهي تواجدها العسكري لفرض حل للأزمة السورية، لكنها لن تقضي على فكر متشدّد نشأ لأن الحكومات قد وضعت أمام الآخر خيار العيش في ظل الاستبداد أو الإرهاب أو الفوضى، وهو ما سيتمخض عنه، على الدوام، فكر يدعو للتغيير بالقوة المسلحة!
على الجانب الآخر، وما قد يسهم يوما في إشعال الحرب الأهلية الطائفية واسعة النطاق، مواقف التنظيمات الموالية لإيران وأذرعها في المنطقة العربية كحزب الله مثلا، والـذي ما فتئ قادتـه يقومـون بتبرير تدخلهـم في سوريا وتنازلهم عن شعار زوال إسرائيل التي قامت على قتالها أيديولوجيات الحزب، وبسببها تلاعب بمشاعر المسلمين حول العالم وبمختلف طوائفهم وانتماءاتهم ونال تأييدهم، لكنه رمى بقواته صوب الداخل السوري الساعي لتنفس حريةٍ غابت عن هوائه أكثر من أربعين سنة، عاشها في ظل حكم حزب البعث وزبانيته!
لنفترض جدلا صحة حجج الحزب وتبريره لتدخله، ولكن هل من الحكمة أن تترك قواته الأرض اللبنانية مفتوحة لأي اختراقات إسرائيلية لتصول وتجول فيها، إلا إن كانت له المقدرة (وأشك في ذلك) على فتح أكثر من جبهـة بما فيهـا مـع إسرائيـل في حال محاولة الأخيرة ضرب عناصر الحزب ومواقعه في الجنوب اللبناني، أو تصفية عناصر أو قيادات تابعه له في الداخل.
التجييش الطائفي الذي انتهجه نوري المالكي في العراق سبب آخر كان من الممكن أن يتجه بالعراقيين أيضا صوب الحرب الطائفية، التي ستنهي بدورها حالة التعايش السلمي والإنساني بين السنة وإخوتهم الشيعة، وقد تتسبب في إشعال صراع طويل يصعب إنهاؤه أجَّجَه هضم حقوق طائفةٍ على حساب أخرى، مع أن كلاهما محسوبان على دينٍ واحد؟.
لتفادي ذلك، فالكرة بالفعل هذه المرة تقع في الملعب الشعبي، لمن يسمونهم “حزب الكنبة” من الشعب، إلى الجماهير الصامتة المطيعة، التي إن تخلت عن التبعية العمياء والانقياد لفتاوى القيادات المحرّضة، وحاولت العودة إلى نمط العيش المشترك، وتركت عنها التعصب الأهوج لمذهبها، والنواح على ماضٍ بعيد لم يعد من المجدي تذكره ولا الانتقام له؛ حينها وبكل تأكيد لن تجدي نفعا دعوات التعصب والتزمّت، وسيكون الانتماء للوطن القاعدة والمعيار، وسيتراجع رجال دين ضالعون في السياسة والمذهبية، ليكون دورهم محصوراً، كما يفترض، في أماكن العبادة فقط.


المصدر: صحيفة العرب اللندنية - http://www.alarab.co.uk/?id=34259

السبت، 20 سبتمبر 2014

هل نكره إيران

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة العرب اللندنية 20-09-2014



هل حقا أكره إيران؟ أو لنقل بصيغة الجمع لا المفرد، كفرد عربي سني يمثلني الملايين من نظرائي الذين تنتابهم تلك المشاعر المتضاربة أحيانا، في لوم نفسها عن نقمتها تجاه مواقف الجمهورية الإسلامية (وليس إيران)، التي يقوم على حكمها مجموعة من رجال الدين أو ما يُعرف بالحكم الثيوقراطي منذ أربعة عقود؛ أم أننا نكره سياسات إيران التي احتلتها الثورة الإسلامية عام 1979، وابتدعت فيها تصدير ما يسمى بالثورة الإسلامية التي ما خفتت منذ اندلاعها حتى الآن. الدلائل بإمكاني التذكير بها حتى لا أتهم بالتجني وبث نار الفرقة أو التهمة الجاهزة التي طالما فرقتنا وهي محاربة الإخوة من الشيعة، وهم بلا تملق أخوة الدم وشركاؤنا في كل وطن عربي حملوا جنسيته.
في البداية كانت الحرب العراقية الإيرانية من نتائج تلك السياسة، والتي راح ضحيتها أكثر من مليون ونصف المليون إنسان، رغم أن العراق وفي سنوات ما استضاف الخميني ورعاه في منفاه به. تزامن ذلك مع التدخل الإيراني في لبنان، ومحاولتها تأسيس دولة شيعية داخل الدولة اللبنانية عبر حركة أمل، التي تلاها في الدور حزب الله الذي جيّش أتباع طائفته وخلق كيانا مسلحا داخل لبنان، يفوق في تسليحه جيش الدولة نفسها. فرض نفسه على الاستقرار عبر كيان لا يقوم التوافق إلا بالعبور من خلاله، أو بما يتوافق مع توجهات السفير الإيراني في بيروت.

الدليل هو عبر تصريحات قديمة للسيد حسن نصر الله قال فيها: “إن انتماءنا ليس للبنان وإنما لولاية الفقيه في طهران”، وبهذا يكون قد كسر نظام القانون في الدولة وأقام دولة مسلحة داخل الدولة ولاؤها ليس للبنان، وإنما للطائفة التي ينتمي إليها، لتنتفي شعارات المقاومة، التي منها اكتسب شعبيته لدى الجماهير بكافة انتماءاتها وطوائفها.
في اليمن، أنشأت إيران ميليشيات الحوثي ودعمتها بالمال والسلاح، واستضافت عناصرها الذين دربهم الحرس الثوري الإيراني، ليعودوا في ما بعد كقوة مسلحة تثير القلاقل، بدأتها بمناوشاتها الفاشلة مع المملكة العربية السعودية، ومحاولاتها إثارة الفتنة في جنوبها، ففشلت بعد تصدي الجيش السعودي لها، فانتقلت لقتال الجيش اليمني الذي أشغلته عن حفظ الأمن في الدولة واستهلكت طاقته ومقوماته في حربها. قتل أيضا وبسبب ذلك المئات من اليمنيين وادعى الحوثيون أنهم ممن سموهم بالتكفيريين، فيما هي كانت توغل جراحا عانى منها الشعب اليمني ولا يزال.
في الآونة الأخيرة، دعا عبدالملك الحوثي أتباعه للزحف صوب العاصمة وإعلان العصيان المدني، واضعا إياهم في مواجهة أغلبية الشعب والجيش، وفي أتون إشعال حرب داخلية لن يعرف اليمن بسببها استقرارا، مسلحين بما بعثته لهم إيران من عتاد وأسلحة كشف عنها الرئيس اليمني، وضرب بأحدها مثالا السفينة المرسلة التي تم اعتراضها، وفيها أسلحة تكفي للقضاء على أربعين مليون يمني على حد وصفه.
في العراق، وما إن أُسقط حكم البعث، حتى تحول إلى ساحة خلفية لطهران أوصلت الموالين لسياساتها للحكم، وأنشأت ودعمت وجيشت الميليشيات الشيعية المسلحة كعصائب أهل الحق وجيش المهدي وفيلق بدر وأكثر من أربعة عشر فصيلا مسلحا، أوغل جميعها في الحرب الأهلية وبث الفرقة بين سنة العراق وشيعته، فانتشرت التفجيرات والقتل على الهوية والتهجير على الطائفة، حتى تحولت مدن العراق إلى كانتونات مسلحة ممتنعة عن العيش المشترك الذي طالما حظي به العراقيون، ليكون حصيلة القتلى ما يزيد عن المليون قتيل لم يستثنَ منهم طفل أو امرأة ولا كبار السن.
عودة إلى السعودية، نذكر حوادث التفجير الإرهابية التي حدثت في أحد مواسم الحج، حيث راح ضحيتها أكثر من خمسة آلاف حاج في نفق المعيصم وأصيب أكثر من عشرة آلاف، واعترف المجرمون بإلقائهم لمواد كيماوية سببت هذا العدد الكبير من الضحايا الذين جاؤوا لأداء حجة الإسلام. في عام 1989، حدثت المجزرة التي لم تغب عنها أصابع إيران في الحرم المكي ونشرت حينها الصحف الإيرانية صورة علقت عليها بعبارة: “هنا مرقد أولياء الله الصالحين”.
في سوريا أعلنت إيران منذ اللحظة الأولى وقوفها مع نظام بشار الأسد، وأمرت حزب الله بالدخول في المعركة وكذلك الميليشيات العراقية الشيعية وحرسها الثوري، وتحملت نفقات حرب الحرية السورية حتى لا تخسر إحدى أذرعها التي دعمتها في المنطقة، وعملت من خلالها على تقويض الإجماع العربي بحجج الممانعة والمقاومة.
في البحرين وعبر مسرحية دوار اللؤلؤة دعمت إيران الانقلابيين وحاولت قلب نظام الحكم، كما أنها تحتل جزرا عربية ثلاثا من الإمارات وترفض أي مفاوضات بشأنها أو حتى الاحتكام إلى محاكم دولية.
لم تسلم الكويت من المؤامرات الإيرانية، وتعرض أميرها الشيخ جابر الصباح عام 1985 لمحاولة اغتيال فاشلة على يد انتحاري من حزب الدعوة العراقي المدعوم إيرانيا، واتهمت الكويت صراحة إيران بوقوفها خلف العملية بسبب وقوف الكويت مع العراق إبان حربه مع إيران.
مثال آخر، هو الأحواز العربية التي احتلتها إيران بتواطؤ بريطاني في 25 أبريل عام 1922 والتي كانت دولة عربية معروفة تزيد حضارتها عن سبعة آلاف عام، ومع ذلك ألغيت وطُمست هويتها العربية بشكل كامل، مع أن سكانها قبائل عربية صرفة.
الأحواز سلة الغذاء التي يرزح أهلها تحت فقر منهجته الدولة الفارسية مع تنعمها بخيرات الإقليم ومقوماته، ورغم ذلك يمنع استخدام اللغة العربية والأسماء والمناداة بكل ما هو عربي أو إظهاره فيها، ويُعاقب بموجب ذلك قانون مُستحدث لإذلال السكان وسجنهم وإعدامهم.
محاولات تصدير الثورة الإيرانية كثيرة، ولم تكن كما يُدعى لها لنشر التشيع، بل هي محاولات لقلب الأنظمة وخلق قلاقل باسم الأقليات الشيعية في بعض الدول العربية التي اندمجت مع مجتمعاتها لقرون وتعايشت ونالت حقوق المواطنة دون تفرقة.
إجابة على السؤال الذي طرحته في أول المقالة أقول: لسنا نكره إيران ونتمنى السلم الإنساني معها ونطمح لجوار حسن العلاقة معها، كما بالطبع نحب إخوتنا من المسلمين الشيعة، ولكننا نكره سياسات ساسة متطرفين، ورجال دين ضالين ومضللين زرعوا الشوك في علاقاتنا معهم، واستغلوا المذهب في تجييش العامة المُغيبة المُحاطة بفتاوى التكفير والقتل لضمان تنفيذ سياساتهم.


المصدر: صحيفة العرب اللندنية - http://www.alarab.co.uk/?id=33439

الاثنين، 15 سبتمبر 2014

الإنسانية لا تعرف التمييز

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 15-09-2014



لكي تكون إنساناً متعايشاً مع نفسك ومتصالحاً مع الآخرين ممن حولك وتعرفهم، ومع الآخرين ممن لا تعرفهم ولم ترَهم في حياتك، فأنت لست بحاجةٍ إلى أن تتشارك مع أحدهم المذهب أو الدين أو العرق أو اللون نفسه .. ولكي تتفاعل بإنسانية تجاه حدثٍ ما لا يعني أن تكون قد مررت بالحدث نفسه .. ولكي تتأثر بحدوث أمر محزن أو كارثة طبيعية وقعت في بقعةٍ ما فهذا لا يعني أبداً أن تنظر لما تملكه معهم من صفاتٍ مشتركة، لكي تهب للمساعدة أياً كانت طبيعتها ولو حتى بالتعاطف قولاً ودعاءً.
الإنسانية لا تعرف التمييز ولا التعصب الذي استحدثناه بيننا نحن بني البشر، ولا تعرف أن تلك الفئة من البشر تستحق أن نتعاضد معها ونتكاتف فقط لأنها تمت لنا بصلة ديناً أو عرقاً. ولا يُمكن أن تتقبل ذرائعنا التي أقنعنا بها أنفسنا بأن الناس مقامات وكذلك الشعوب، فمنهم من هو أدنى منا والجدير به بالتالي هو تبجيلنا؛ ومجموعات أخرى أعلى نسعى صاغرين لاحترامها والتزلف لها!
الإنسانية ليست بالقول والفعل فقط، وليست بالمشاركة المادية والمعنوية، وإنما هي بذرة يجب أن تنبت أولاً وتسقى في روحك، لتجعلها متآخية ومتآزرة مع الآخر أياً كان ومهما اختلف عنك بكل المقاييس الوضعية الدنيوية التي جُبلنا عليها!
الإنسانية هي أن تكون راعياً لمن حولك وقدوة لأبنائك بأن تنشئ فيهم مفهوم الخير وعمله والعطف على الآخر وعدم القسوة عليه، والإحسان للضعيف دون إشعاره بالمهانة أو إذلاله أو إجباره على أن يخسر كرامته.
قوانين العالم المتحضر التي صانت للإنسان حقوقه وحفظت له كرامته لم تخرج فجأة، ولم تُقنن إلا بعد تجارب أليمة لعقودٍ من التجبر والظلم وشريعة الغاب والاقتتال والسلب والسبي والاستعباد والإقطاعية والتفرقة العنصرية والعرقية وسطوة المؤسسات الدينية، وما اتبعه بعضها من محاكم تفتيشٍ فرضت وصايتها على عقائد الناس وأطرت العقاب على الدين والهوية. قام على إصدارها نخبة من المجتمع الذي آمن بضرورة احترام الإنسان وعدم انتهاك إنسانيته كقاعدة أولى راعوها قبل التشريع، ليضمنوا أن دروس ومآسي عقودهم المنصرمة لن تتكرر مع جيلهم وأجيال المستقبل. هي نظام حياة وشريعة أرادوها أن تحكمهم ليسود العدل والمساواة، فهما أساس الملك والحكم، ولن تقوم الدولة بدونهما والعمل بهما وتأطيرهما.
الإنسانية هي ما نفتقده في تعاملاتنا اليومية وفي حواراتنا وفي اختلافنا وحتى في توافقنا. إن عملنا بها فسنرى مقدار التغيير الذي سيطرأ علينا وعلى أسلوبنا وعلى تعاملنا مع القريب والبعيد، وستتكفل هي نفسها بأن ننعم بالسلم المجتمعي وبالتوافق وباحترام الآخر المختلف عنا أياً كان.



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/09/15/179452

الأربعاء، 10 سبتمبر 2014

الشعب في خدمة الشرطة

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة العرب اللندنية 10-09-2014



خبر طريف ومثير للاستهجان “لنا كعرب” وإن كان سبب حزنا عميقا للأيسلنديين… قرأته ومفاده أن الشعب الأيسلندي تعرض لحالةٍ من الصدمة جراء قتل الشرطة لشخص فقد عقله، وأصر على أن يتبادل النيران مع دوريتين حضرتا، إثر شكوى السكان من سماعهم لإطلاق الرصاص داخل شقته. قابل محاولتهم التفاوض معه بإطلاق النار عليهم، وهم عزّل لا يحملون معهم سوى الهراوة والغاز المسيل للدموع، مما دعاهم لاستدعاء وحدة التدخل السريع الوحيدة في البلاد، علها تسيطر عليه دون أن تصيبه، لكن إصرار الرجل على إمطارهم بوابل من الرصاص أدى لمقتله بعد محاولات حثيثة لإنقاذ حياته!
المهم ، وعلى ذمة الراوي، أنه استيقظ حينها شعبهم على هول الصدمة، فهي الحادثة الأولى منذ استقلال أيسلندا عام 1944 التي تتسبب فيها داخليتهم بقتل مواطن، حتى لو كان خطرا يهدد الآخرين. فدولتهم التي “لا نسمع عنها إلا كل خير دوما” لا حراسة فيها للمسؤولين بمن فيهم الرئيس ووزرائه، وبإمكان المواطن دخول البرلمان دون أن يعترضه أحد أو يفتشه عدا الطلب منه، بكل تهذيب، أن يغلق هاتفه النقال حتى لا يسبب إزعاجا للنواب!

أثارت الحادثة فضولي فتساءلت عن الطريقة التي تتعامل فيها شرطتهم مع المتظاهرين، وهل سمعت من قبل عن أسلوب “شل أمله” والذي يرتبط بالقفا والأيدي والأرجل وكل جزء في الجسم، أو أنها تطبق استراتيجية الضرب النفسي والمعنوي للزجر والنهي فقط والدفاع عن النفس دون إرهاب المقابل.
قبلها بفترة قصيرة أدانت محكمة ألمانية فردين من الشرطة بتهمة الإفراط في استخدام خرطوم المياه في فض مظاهرة.
طبعا الأمر يدعو للتندر، وذلك لأننا تربّيْنا على مفهوم مختلف، وصورة أخرى محفورة في الذاكرة عن قوى الأمن وخصوصا الإخوة في جهاز الشرطة. مرجعيتنا هي أن الشعب وخصوصاً “الغلبان” منه والمغلوب على أمره في خدمة قطاع الشرطة من المخبر وأصغر جندي حتى أكبر رتبة. واجب الجموع تجاههم هي أن ترفّه عنهم وتبدد الملل، وإن كان ذلك على حساب الكرامة أو الحرية والإنسانية والمواطنة.
في العالم الذي وضع نصب أعينه حماية آدمية مواطنيه، يلعب قطاع الشرطة دورا في السلم والأمان، ويعزز الحرية الفردية بأفراد لا يعدّون أنفسهم فوق القانون، ولا يتكسبون من المنصب، ولا يتجبرون على خلق الله بسبب ما أعطاهم الزي الذي يرتدونه من صلاحيات وقوة.
التعذيب هو أسوأ ما يمكن أن يمارسه بشر، والتجبّر على الناس بسبب سلطة القانون هو انتهاك للإنسانية. لن تتطور أمة وتنعم بالسلام إلا إذا كرست قوانينها وجرّمت كل مرتكبٍ له، وفعلت من دور هيئات الرقابة، وقننت الشكوى والعقاب والمطالبة بالحقوق، وفعلت الجزاء الصارم لكل متجاوز أياً كان. فقوى الأمن مثلها كأي وظيفة حكومية خدمية تؤمنها الدولة، والغرض منها القيام على راحة مواطنيها وإشعارهم بالأمن والأمان، وليس ترهيبهم وتخويفهم وقمعهم والحد من حريتهم وانتهاك آدميتهم باسم القانون، الذي منح مواطناً حقاً ليمارس فيه التجبر ولا يحاسب إن أخطأ، بينما من حقه أن يحاسب من يشاء دون حسيبٍ عليه أو رقيب!
في خبر آخر غريب علينا كعالم عربي ثالث، لكنه ليس بغريب على الدولة الإسكندنافية “السويد”، فقد أفادت صحيفة الغارديان البريطانية، أن الجهات المختصة بالسويد، أغلقت أربعة سجون ومركز للسجن الاحتياطي، نتيجة تدني معدل أشغالها، وقلة عدد النزلاء الذين لم يتجاوز الخمسة آلاف سجين من مجمل عدد السكان البالغ قرابة التسعة مليون ونصف. هذا في الوقت الذي تسعى فيه بعض الدول (التي لا حاجة لذكرها) لبناء المزيد من السجون، حتى تستوعب من يُزجَّ بهم كل ساعة من قبل داخليتها وأجهزة مخابراتها، وبالطبع دون أن ننسى الجرائم الجنائية من الحسبة، والتي تشهد ازدياداً كبيراً في ظل الظلم الاجتماعي والفقر والفساد والمحسوبية وسطوة المال على القانون.


المصدر: صحيفة العرب اللندنية - http://alarab.co.uk/?id=32603#

السبت، 16 أغسطس 2014

حقوق الضعفاء ما بين التاريخ والحاضر

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 16-08-2014



لم يعُرف لاضطهاد الأقليات وهضم حقوق الضعفاء والعنصرية تاريخ نشأةٍ ولا ازدهار، فهي من القدم أن واكبت الخلق وازدهرت في كل زمانٍ ومكانٍ وجدت فيه، وإن تعالت أصوات مطالبة برفضها إلا أنها كانت ومازالت جزءاً من نمط الحياة التي تعيشها أمم وخلائق مختلفة العرق والدين واللون. حرّمتها بعض الأديان ونهت عنها وحذرت منها، فيما أكدتها أفكار أخرى ودعت لها باسم الدين واعتبرت أتباعها جزءاً من العقيدة، فتشدق بها الكثير.
لم تعرف تلك الأمور بعرقٍ بذاته ووصفها يحتمل العديد من التأويلات وتدخل فيه الكثير من المسميات والتصرفات. العامل المشترك فيها جميعاً أنها نمت ووجدت لدى كثير من المجتمعات والشعوب والطوائف والقبائل. إن ذهبنا شمالاً وجدنا أوروبا والأمريكتين وبالذات الشمالية منها قد استعبدت سكان البلاد الأصليين وطهرتهم عرقياً عبر إبادةٍ ممنهجة ومقننة. فبعد أن كانت أعدادهم تتجاوز عشرة ملايين نسمة في القرن الخامس عشر الميلادي، أصبحت في منتصف القرن التاسع عشر لا تتجاوز ثلاثمئة ألف نسمة حسب إحصائية رسمية صادرة عن الأمم المتحدة.
أوروبا من قبلهم أطرت العنصرية بمرسومين باباويين في القرن الخامس عشر الميلادي، أولهما المرسوم الكنسي المعروف بـ Romanus Pontifex الذي أصدره البابا نيكولاس الخامس إلى الملك ألفونسو الخامس ملك البرتغال عام 1452 والذي أعلن فيه الحرب على كل من هو غير مسيحي في أنحاء العالم وأجاز وشجع على استغلال الدول غير المسيحية واستباحة أراضيها وشعوبها واستعمارها ونهب ثرواتها. أما المرسوم البابوي الثاني والمسمى Inter Caetera الذي أصدره البابا أليكساندر السادس في العام 1493 لملك إسبانيا وملكتها، فهو الذي أنشأ السلطان المسيحي على العالم الجديد عبر دعوته إلى إخضاع السكان الأصليين وأراضيهم، وتقسيم الأراضي المكتشفة في وقته والتي لم تكتشف بعد إلى قسمين مشاطرة بين إسبانيا والبرتغال.
إذاً مدنية القارة العجوز في الحاضر قد قامت بشهادة التاريخ على دماء الشعوب وثرواتهم واستعمارهم واستعبادهم عبر إجازة الكنيسة لذلك بل والتشجيع عليه. وهو ما مهد فيما بعد للقوانين الوضعية ذات الصبغة الدولية القانونية، والتي أجازت لأوروبا استغلال آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا واستعمارها وتقاسمها عقب الحرب العالمية الأولى والثانية.
واقع الحال لم يختلف كثيراً في أمريكا الشمالية سواء من الولايات المتحدة أو كندا التي تعد واحة للحريات وحقوق الإنسان. لكنها في الماضي قننت العنصرية. وأوجدت قوانين أتاحت للسلطات إرسال أبناء السكان الأصليين إلى مدارس داخلية لا يحق لهم فيها الاتصال بذويهم. ويعمل من فيها على غسل أدمغة الجيل الناشئ منهم ومسح لغتهم وعاداتهم وكل ما يختلف مع قيم المستعمر الجديد. في الولايات المتحدة مثلاً، تعتبر العنصرية والتطهير العرقي والتفرقة والاستعباد جزءاً لا ينسى من تاريخها حتى لو بالغ قانونيوها وصناع قرارها في إرضاء الأقليات عبر سن القوانين التي تحفظ حقوقهم وتعاقب كل من يتهم بالتفرقة العرقية والإثنية.
لقد بلغت المبالغة لديهم حداً مزعجاً ولكن ذلك محاولة منهم لطي صفحة ماضٍ عنصري بغيض أحل لهم كل المنكرات وتمادى في الطغيان والتفرقة على أساس لون البشرة لدرجة أن الملونين لم يكن لهم الحق بالأكل في مطاعم البيض ولا الجلوس على نفس موائدهم ولا استخدام وسائل النقل ولا التعليم. حتى الكنائس كانت جزءاً من عزلهم. فلم يكن للأفارقة السود المستعبدين الحق في التعبد في دور العبادة نفسها.
لأهل الشرق والعرب والمسلمين أيضاً نصيبٌ من القمع والاضطهاد والعنصرية التي مورست داخلياً وتمادت فيها شعوب على أخرى بحججٍ واهية، فتارةً باسم الأصل والفصل والمدنية وأخرى بالقبلية والعائلة والبادية والمدينة والنسب والطبقة والمستوى الاجتماعي والمادي والتعليمي.
المتتبع لحالة التطور الإنساني للمجتمعات العربية قبل وبعد الإسلام، وكذلك بالنسبة للفترة التي شهدت استعمارها وما تلاها من استقلال، يجد فيها الآن دلالات واضحة على أننا لم نبلغ النضج الإنساني الذي كرسته تعاليم ديننا الحنيف، فمازال البعض متمسكاً بدواعٍ مثلاً أن الناس طبقات، وأن المقامات هي مقياس مكانتك الاجتماعية. المساواة الإنسانية لا تعني أبداً إلغاء الحواجز والحدود والمفهوم المتبادل للتوافق، لكنها تحد من العنجهية والغرور والفوقية والاستخفاف بالآخر والتكبر والتجبر، كما أنها تؤصل القناعة للجميع على مختلف مشاربهم بأن الأيام دول ودوام الحال من المحال، وبأن المعيار هو الأخلاق!
المتتبع ليوميات الحوار العربي والمفردات المستخدمة في أحاديث العامة (والخاصة) يجد أننا ابتكرنا واخترعنا طرقاً للتعبير تعدت كونها للاحترام أو تقدير المقام، لتكون نوعاً بغيضاً من النفاق والتزلف والتذلل، الأمثلة كثيرة ولست بصدد تعدادها، فبيت القصيد أننا يجب ألا نتحول من مجتمعات تؤسس الاحترام المتبادل إلى مجتمعاتٍ مصابة بعقدة الأنا، وبالدخل والمكتسبات المادية، متناسية قول العلي الكريم «إن أكرمكم عند الله أتقاكم».



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/08/16/171387

الاثنين، 11 أغسطس 2014

سَرْيَنة العراق!

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة اللواء اللبنانية 11-08-2014



التطوّرات الميدانية على الأرض في العراق وإن أشارت الى قرب وصول الثوار لبغداد، وهروب الجيش وانسحابه من العديد من مواقعه وثكناته لتعزيز جبهة العاصمة الا انها ستكون فاتحة للتجييش الطائفي الذي قد يؤدي لتقسيم العراق وانجرافه لحرب أهلية لن تنتهي بسرعة، ولن يكون حسمها سهلاً، فيما الثمن سيكون الأغلى ليس على العراقيين أنفسهم ولكن على العالم، الذي يصدر له العراق ملايين براميل النفط والغاز!
فتاوى المراجع الدينية، وكذلك الصدر ورجال دين شيعة آخرين حوّلت الصراع في العراق من ثورة للعشائر تطالب بحقوقها المهضومة إلى حرب ستكون طائفية ولن يحمد عقباها, وسيسهل تفسيرها على أنها صراع سني - شيعي على السلطة, فيما هي وفي وجهة نظر الطرف الثائر مطالبة بالحقوق المسلوبة في ظل أكثر من عشر سنوات على السيطرة السياسية الشيعية على الحكم في البلاد.
منطقيا، سيكون الأكراد المستفيد مما يحصل الآن، وقد يدعم موقفهم من بيع النفط مباشرةً دون سيطرة الدولة, بل قد يقود إلى مطالبات بالاستقلال عن الوطن الأم إن قُسم طائفياً; فيما المتضرر هم العراقيون ودولتهم وبنيتهم التحتية واقتصادهم الذي سيستمر في الانهيار بعد استغلال المالكي لمقومات الدولة في حربه التي لن تكون قصيرة المدى، بل طويلة ومكلفة.
أما أميركا فعلى ما يبدو انها لم تحسم أمورها بعد بشأن الطرف الذي ستقف معه في العلن. فلو ساهمت مع الجيش العراقي بضربات جوية تشنها طائراتها القابعة على بارجتها جورج بوش التي تحركت أخيرا صوب المنطقة؛ ستكون حينها قد أطرت الحرب الطائفية التي يسعى لها المالكي الآن وشرعنتها فتاوى رجال الدين الشيعة, التي وصفت الأمر بالجهاد الكفائي لمواجهة من سمتهم «بالتكفيريين» من اتباع الدولة الإسلامية في العراق والشام. قد يكون لداعش دور في بعض الانتصارات الميدانية, ولكنه صغير ومبالغ جدا فيه، وما محاولات صبغ ثورة العراقيين بأنها بقيادتها الا الورقة التي يتضرع بها المالكي وإيران والمرجعيات الشيعية في النجف وغيرها.
إن ظنت اميركا واوروبا ان مصلحتها في الحكم الحالي والمدعوم من إيران، فستقف معه وستتحالف مع طهران؛ العدو الذي طالما وصفها بالشيطان الأكبر، لكنه الان وبحسب تصريحات روحاني الأخيرة مستعد للتدخل وتناسي الخلافات وتأسيس حلف مع أميركا وأوروبا لمحاربة من تسميهم بالإرهابيين الذين يهددون السلم العام!
في جميع الأحوال سيكون العراقيون الخاسر الأكبر ولو طالت المعركة، وقد يكون الشيعة بالذات ومعهم إيران ورجال الدين أمثال الصدر والحكيم والسيستاني مساهمين في هذه الخاسرة التي اكتسبوها عقب الغزو الأميركي للعراق ومكّنتهم من فرض نفوذ لطالما حرمهم إياه حزب البعث على امتداد سنوات حكمه.
تعدد الجبهات التي أدخلت طهران نفسها فيها سيكون الأسلوب الذي سيستفيد منه الغرب في كسر شوكتها، وهي التي رمت بنفسها وجيشها واقتصادها وثقلها خلف ثلاث جبهات، أولاها حزب الله وثانيها سوريا. أما العراق فهي التجربة المكررة لدعم النظام السوري.
حزب الله الذي أشغل نفسه بالحرب السورية، سيخرج منها ليس كما دخل، وإنما بانفضاض القاعدة الشعبية التي يتمتع بها، بعد أن يعي اللبنانيون ان الحزب رمى بأبنائهم في اتون حرب وان طالت ستنهي حكم الأسد, أو بأقل تقدير ستفرض معادلة جديدة في الحكم لن يكون فيها داعمين للحزب ولا مؤيدين لسياساته.
العراق وعلى ما يبدو مقبل على سيناريو «سَرْيَنته»، فهل يتحرك العرب قبل تكرار التجربة السورية ام سيكتفون ببيانات ودعوات ضبط النفس وعقد قمم تصدر عنها بيانات لن تقدّم أو تؤخّر؟



المصدر: جريدة اللواء اللبنانية - http://www.aliwaa.com/Article.aspx?ArticleId=214854

الاثنين، 4 أغسطس 2014

الجنون فنون !

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في مجلة فكر الثقافية العدد الثامن لشهر أعسطس-2014

 


النخب هم مرآة الأمم وسمعتها "وثيرموميتر" تقدمها وازدهارها. لطالما افتتنت الشعوب بهم وبإنجازاتهم الأدبية والفنية والثقافية, هم من تقام لهم المعارض والمؤتمرات والأماسي لتخليد ذكراهم والتمتع بإبداعاتهم. تكتب عنهم الدراسات وتؤلف الكتب التي تسجل سيرتهم الذاتية, فيما ينال بعض الباحثين والدارسين الدرجات العلمية العليا في حديثهم عن انجازاتهم وأعمالهم. بعضهم والحديث هنا عن المبدعين; قد قضى مشرداً مهملاً من مجتمعه ومن حوله, لكنه وبعد سنين طالت أو قصرت تم تكريمه بعد أن حان الوقت ليكتشف أحدهم إبداعه الذي تغافل عنه من كان في زمنه, ليمسي ما تركه محل بحثٍ ورغبةٍ في اقتناء من معجبٍ مستعد لكي يدفع في الحصول عليه ما لا يمكن أن يتوقعه مبدع العمل نفسه. على هذه الشاكلة عرفنا العديد من الكتاب والرسامين والفنانين, لكن للقاعدة شواذها وإن كثر عددهم, فآخرين نالوا ما استحقوا وأكثر في حياتهم بما لا يحظاه سوى العظماء من القادة والرؤساء والمحررين.
الرغبة في معرفة المزيد عنهم تُلهم بعض الكتاب لينشر عنهم ما قد يثير فضول المعجبين, في كتبٍ فيها من الخيال والاختلاق أكثر من الواقع أحياناً. تصف حياتهم الشخصية, وأسلوب معيشتهم, ونمط تعاملهم وتفاعلهم مع المجتمع والآخرين. تسرد أسرارا لا يمكن التأكد من صحتها عن حياتهم الخاصة, وعن غرامياتهم ومغامراتهم, عما عانوه من مشاكل نفسية أو صفاتٍ مستهجنة عانى منها المقربون منهم. يتلقف معجبيهم المعلومة بشغفٍ أكبر سعياً في معرفة المزيد. بعضهم تحول لأسطورة ورمز للشباب والمحبين, آخرين خُلدوا كأيقونةٍ للكفاح والنضال الوطني والشعبي ومناهضة الاستعمار والاقطاعية والحكم الديكتاتوري كتشي جيفارا.
وصل الجنون ببعض معجبيهم أن تداولوا عنهم ما لا يصدقه العقل, لكنه جموح هوى النفس حين يتحول إعجابها إلى حبٍ خرج عن إطار السيطرة, وتعلق بالخرافات كي يرضي حبه ونهمه لسماع ما يسعده عن من هو معجبٌ به.
أحدهم كان الفيس بريسلي وهو أحد النجوم اللامعة الذين تمكنوا من احتلال قمة المجد الفني في تاريخ الموسيقى العالمية، أشتهر بلقب ملك "الروك أند رول" وكان عامل إبهار للشباب عبير تحفيزهم في موسيقاه للتعبير عن رغباتهم ومشاعرهم. قضى بجرعة مخدراتٍ زائدة, لكن العديد من معجبيه دأبوا القول أنهم شاهدوه في أماكن عدة, مؤكدين عودته مجدداً.
لم يمنع ما عانوه بعض المشاهير من نوبات اكتئابٍ حادة وأمراض نفسية أن ينطلقوا بنا لما لا يمكن لنا العيش بدونه أو تخيل حياتنا سواه. وُصف ابداع بعضهم بتزامنه مع ما اُطلق عليه الجنون المؤقت!
يروي الرسام والكاتب المصري المهاجر جورج بهجوري حكايةً طريفةً حدثت معه ويقول: دعيت لإسبانيا للمشاركة في مسابقةٍ للرسم الكاريكاتوري; أعطيت فيها للجنة التحكيم رسمةً لم أكملها بعد, وأصدق ما يمكن أن أصفها به هو "خربشة مجنونة", لكنها كانت سبباً في أن أنال عليها الجائزة الذهبية الدولية للرسم الكاريكاتيري!
عموماً وإن كان البعض يبالغ بتصويرها, إلا أن للكثير من الرسامين  ما يسمى "بلزماتهم", التي تظهر على هيأتهم وطريقة لبسهم وتصفيف شعرهم وأسلوب معيشتهم. تلحظ ما قد يُظن سرحاناً أو ابتعاداً عن الواقع وانفصالا عنه. بعضها تصرفات شاذة غير مقبولة كما فعل الرسام الهولندي الشهير فينسنت فان غوخ المصنف كأحد رسامي الانطباعية حين قطع جزء من أذنه اليمنى ليهديه لمن يحب. هو الذي عرف عنه ايضاً معاناته من نوبات متكررة من المرض العقلي الذي أثير حوله العديد من النظريات المختلفة. في ظروفٍ ومكان وزمانٍ آخر عما عاناه فان جوخ في حياته, نال رسامٌ إسباني عزا ورفاهاً  وشهرة لم ينلها سواه في حياته ولعقودٍ طويلة بعد رحيله. هو بابلو بيكاسو; الرسام والنحات والفنان التشكيلي الذي يُعد أحد أشهر الفنانين في القرن العشرين وينسب إليه الفضل في تأسيس الحركة التكعيبية.
كان مستوى بيكاسو المدرسي بطيئا, فقد كان يرفض القيام بأي عمل سوى الرسم حتى كان بالكاد يقرأ ويكتب حين أخرجه والده من المدرسة وهو في العاشرة من عمره, مما دعى أبوه للتوسط له للانتظام في كلية الرسم والفنون التي نجح بتفوق في امتحان الدخول إليها, لكنه هجرها لشعوره بالملل والضجر, ليبدأ بعدها بدراسة الرسم في مدريد وباريس مكافحاً حتى دمغ بصماته الخالدة على الفن العالمي.
الحديث عن الرسم والرسامين والفن شيق ولا يُمل منه, قد يكون بسبب ما متعنا ولا زال به, وقد يرجع إلى ما أثار استهجاننا أو تندرنا بسبب شرود مبدعيه واختلافهم عنا; لكنه وبجمع الأحوال يبقى من أجمل ما يسعدنا ويثري حياتنا ويضفي عليها رونقاً لا نرى للمتعة سبيلاً دونه حتى وإن تحقق فيه القول: الفنون جنون!



المصدر: مجلة فكر الثقافية - http://www.fikrmag.com

لبنان الأصغر مساحة والأكثر استباحة

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة العرب اللندنية 04-08-2014



الدولة اللبنانية بصفتها العملية لا الرسمية مغيبة تقريبا ودون مبالغة منذ استقلالها. لا مرجعية لها فعليا إلا في المحافل الدولية والمؤتمرات والزيارات وأحيانا في قضايا الغاز والكهرباء وبعض هموم الحياة ومشاكل المواطن البسيط. أما في ما يختص بسيادتها وقرارها وأمنها الداخلي وسياساتها الخارجية، فالآراء متعددة ومتباينة ومختلفة تعدد الطوائف والانتماء الحزبي والإيديولوجي في بلد هو الأصغر عربيا على صعيد المساحة، لكنه الأكثر استباحة سياسيا وانقساما.
على مدى عقود لبنان الحديث، لم يتمتع البلد بتوافقٍ شعبيٍ واحد على أحد القرارات المصيرية إلا ما ندر، والمحصلة هي حرب أهلية امتدت لأكثر من خمسٍ وعشرين سنة، لا يزال المواطن اللبناني يحيا تبعاتها. فبعد أن فقد فيها وأصيب ثلث السكان وهجر الثلث الآخر، لا تزال بعض القوى تلعب دورا في عدم الإستقرار والفوضى الأمنية، فهي وباعتقادها أن الساحة اللبنانية بمثابة ورقة للمرابحة والمفاوضة، كما أنها وكما يبدو ملعبا لقوى أجنبية لتصفية الحسابات وعقد الصفقات والتفاهمات، تارةً سوريا التي تواجدت فيها بقواتها وعتادها وجنودها وسياسيها ومخابراتها وأزلامها لأكثر من ثلاثين سنةٍ، وأخرى أيران التي أوجدت لنفسها ذراعاً طولى عبر حزب الله; الممثل لسياساتها الخارجية والراعي الرسمي العسكري لمواقفها في المنطقة، والمنفذ لأجندتها.

الجيش اللبناني قد لا نكون مخطئين إن أطلقنا عليه اسم الحيادي المُغيب. لو تساءلتم معي: كيف تكون لجيش الدولة هيبة في ظل وجود أكثر من طرف منظم ومسلح، بعضه بشكلٍ أقوى وأحدث من الجيش الوطني نفسه؟، وكيف تكون له سطوة وسلطة أمنيا إن كانت ردات فعله معروفة ومحسومة مسبقا لتكون محايدة ومختصرة ومحصورة فقط في فض الاشتباك!
الجيش في كل دول العالم ليس بلجنة حكماء ولا هو حيادي تجاه أمن الوطن، وإنما هو عصا غليظة لكل من عصا وتجبر وأخطأ وتمادى، لكل من “فرد عضلاته” على حساب الآخر، لكل من يهدد السلم الأهلي والاستقرار، لا كبيرعليه، وإنما يصغر الكبار له. بياناته لا تحمل عبارات الرجاء، بل هي تحذير نهائي، يليه عمل كل ما يلزم لحفظ الأمن والاستقرار والحفاظ على مصلحة الوطن دون أي انتهاك أو تعدٍ خارجيٍ كان أو داخلي.
ما معنى أن يقتل العديد في الأراضي اللبنانية وتعم الفوضى وتحدث اشتباكات بين أطراف وجماعات مختلفة الانتماء وخصوصا في طرابلس؟ وما معنى أن يكون سكان أحد أحيائها شوكةً في عنق الآخر؟ كيف يسمح الجيش الوطني لنفسه بأن يرى بعينيه الأسلحة مرفوعة دون أن يحرك ساكنا!
لن تقوم للبنان قائمة ولن تطرد طيور الظلام من ترابه إلا وأولا بجيشٍ عربيٍ لبناني ممثل بأساس الوطنية، مدني الإيديولوجيا، عسكري الهوى، كالأعمى والأصم لايرى الظاهر ولا يستمع للأخر بل يعمل على هدفٍ واحد هو استقرار أرضه ونماؤها وسلامة مواطنيه والمحافظة على مكتسباتهم وكسر قدم كل من يتجرأ على لبنان وترابها الوطني. في ظل وجوده، لا قوة أو سلاح أو قول يعلو فوق مصلحة الوطن، لا استخبارات إلا ما يتبع له، ولا معسكرات تدريب ومخازن أسلحة إلا ما يخصه.
على لبنان أن ينفض من يديه ساسته المخضرمين، وأن يشد إزر جيشه، وأن يعمل لنبذ تقسيمته السياسية الداخلية القائمة على المحاصصة الحزبية والطائفية والمناطقية، فأوانها قد ولى واستمرارها ضمانة أكيدة لاستمرار مسلسل الفوضى وتبعاته من حالة التشرذم والانقسام وإعطاء الفرصة للغريب بأن يتحكم في شعبه وأرضه وينقل صراعاته الداخلية وأزماته إلى الأرض اللبنانية.
الاستحقاقات الانتخابية في لبنان أبعد ما تكون عن الديمقراطية بروحها والغرض منها، فهي على الدوام شللٌ سياسي، من انتخاب رئيس الجمهورية إلى التوافق على رئيس الحكومة وتشكيلها، فالبيان الحكومي، الذي لا يعدو كونه حبرا على ورق، إلا أنه يأخذ من الوقت والتشدد والشد والجذب، وقد يعطل الحياة السياسية فترةً من الزمن حتى يتم التوصل إلى صيغةً توافقيةٍ له!
لبنان رغم صغر مساحته وضعف موارده الطبيعية إلا أنه قادر، إن حسنت النية، على أن يكون متطورا مستقرا ومزدهرا، فلديه كفاءات إنسانية متميزة، وبنية تحتية سياحية مستقطبة للسياح من كل العالم، وأراضٍ زراعية إن استغلت تكفي لتكون سلة غذاء.
لو تناسى اللبنانيون السياسة عقدا من الزمن وركزوا على التنمية وبناء اقتصادٍ قوي، ستختلف المعادلة السياسية فيه، وسيكون المعيار لدى مواطنيه هو الانتماء إلى الوطن، وستندحر الطائفية، وسيرى مواطنوه استقراراً ونماءً لطالما راوداهم كحلمٍ آثر هواهم إطالته فلم يفلحوا، فتركوه خلف ظهورهم وهاجروا إلى دولٍ أخرى منحتهم الاحترام والاستقرار!


المصدر: صحيفة العرب اللندنية - http://alarab.co.uk/?id=29535

داعش والتشدد المذموم

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 04-08-2014

 


ما يسمى الدولة الإسلامية في العراق والشام أو «داعش» في رأيي ومن دون أن أشعر بوخز ضمير أو تجنّ هم دُعاة إحياء التكفير والهجرة بأفعالهم وأقوالهم وتصرفاتهم وما يبدر منهم وإن لم يعلنوا ذلك أو يدّعوه، وهم بالمقارنة بالجماعة المصرية التي انطلقت دعوتها أواخر ستينات القرن المنصرم على يد الشيخ علي إسماعيل في السجون المصرية وسمت نفسها بالمسلمين، في حين أطلق عليها الإعلام لقب التكفير والهجرة لأنها اتخذت من التكفير قاعدةً شرعيةً لها فيما تُعدُ الهجرة العنصر الثاني في تفكيرهم، ويقصد بها اعتزال المجتمع الجاهلي عزلة مكانية وعزلة شعورية، سيجد المتتبع لكلتا الجماعتين أوجه التشابه الكبير بينهما في التصرف والأسلوب المتمرد في الخصام والقتال.
أوصاف جميعها قد لا تكفي لوصف هذه الجماعة حديثة النشأة، والتي يكتنفها الغموض وتدور حولها الروايات وتنسج لها الأفعال التي لا يتقبلها عقلٌ ولا منطقٌ ولا دين. هي الفكر الشاذ نفسه الذي يتمسح بالإسلام ويجعل منه رايةً لتحقيق أهدافه، فيما أصحابه من أكثر من يعمل على الإساءة لهذا الدين، وهو براء منهم ومن أفعالهم ومن همجيتهم وبدائيتهم. اشتهروا بمقاطع قطع الرقاب والأيدي، وجلد الناس، وحرق التلفزيونات، وتميزهم بهيئتهم التي تظهر الصلابة والقوة، بسواد ملبسهم وجلافتهم، وبادعائهم العمل على إقامة دولة الخلافة، وتلقيبهم لقادتهم بالأمراء، وولائهم الأعمى لمن أعطوه الهيئة والبيعة ليكون قائداً لهم.
المضحك المبكي فيما يخص «داعش» هو أن تنظيم القاعدة يتبرأ منهم ويعدهم بل يسميهم الفئة الضالة، وينفي أي علاقةٍ له معهم، أو أي ارتباط عسكري وفكري بإيديولوجية التنظيم وأهدافه! جبهة النصرة بدورها رفضت الانضواء مع التنظيم وأعلن زعيمها أبو محمد الجولاني رفضه لفكرة الاندماج مع الدولة التي أعلن عنها في وقتٍ سابق قائدها أبو بكر البغدادي.
في سوريا، تثار الشكوك حول الأهداف الحقيقية لها عدا ما تعلنه، فالمتتبع لتحركاتها واستراتيجيتها العسكرية يلاحظ بنود تفاهمٍ غير معلن بينها وبين النظام السوري، كما أن تسليحها المتقدم، وتمتعها بمعلومات استخباراتية لا يمكن أن يكونا لها لولا علاقاتها بأطراف دولية لها مصلحة بإطالة عمر الأزمة السورية، والإبقاء على النظام الحالي.
كون هذا التنظيم إرهابياً ومخرباً قد لا يعني أن جميع من انتسبوا إليه كذلك، فالعديد من الشباب المتحمس المُغرر به والساعي للجهاد انضم له ظاناً أنه اللبنة الأولى لإقامة دولة الخلافة الإسلامية، وفي اعتقادي أن العديد منهم صدم بمعتقداتهم وأفعالهم بعد معاشرته لهم، ولكنه طريق اللاعودة، وصعوبة تركهم هي ما يجعلهم عالقين مع هذا التنظيم، منغمسين أكثر فأكثر في إجرامه ووحشيته.
لم يوجد في أزمةٍ إلا واتخذ منه الجانب المُعتدي ذريعةً لقمعه وتجبره. في العراق، يتحجج المالكي به للقضاء على ثورة العراقيين الذين ملوا الطائفية والإقصاء والفساد والعمالة والتبعية لإيران، وفي سوريا وفي كل خطاب لمندوبها «الجعفري» في الأمم المتحدة هي دائماً حاضرة في الخطاب للتدليل على أن دولة القمع الأسدية تحارب الإرهاب الداعشي!
أتمنى ألا يتحول هذا التنظيم لغول عقدنا هذا، وألا يكون سبباً لتعرضنا لحروب ومؤامرات وهمية بحجة القضاء عليه، كما أتمنى أن تتضافر الجهود لإعادة استقطاب الشباب المغرر بهم، والذين التحقوا به وإعادة احتوائهم وغسل أدمغتهم من كل ما عبث بها داعش وقادته وإرهابه!



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/08/04/167841 

بديل القومية العربية

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 02-08-2014



ما هو البديل للقومية العربية في ظل فشلها في جمع العرب تحت راية واحدة وموقف حاسم تجاه ثورات الربيع العربي، هل هي اليسارية أم العلمانية أم الإسلام السياسي أم ماذا؟
 ألم ينل كلا التيارين سابقاً وهما اليسار والقومية فرصتهما في الحكم ولم ينجحا في الاحتفاظ به في تلك الدول، كما لم يحققا النهضة المرجوة لشعوبهما، بل ارتكبا الكبائر في حقهم باسم الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة.
هل تستحق حقاً تلك الشعوب العربية ما تنشده من حرية، وهل نجحت ثوراتها الأخيرة في قلب المعادلة، وكسر حاجز الخوف الذي تعايشت وتواءمت معه عقوداً طويلة ومنذ استقلالها؟
على المواطن العربي أن يعي أن الديمقراطية مستحقة، ولكنها غير مكتسبة. والمعنى، قد تقوم ثورات للمطالبة بها ومن ثم تنالها، لكنها قد تؤدي لحكم أكثر استبدادية، والاستبدادية هي نتيجة حتمية لشعب حركته العواطف والتلاعب بها من قبل أفراد، ولم يحركهم فكر حر رصين وأجندة تنهض بهم.
سامحوني، ولكني أشعر أحياناً بأن الشعوب العربية غير مؤهلة فكرياً لأن تعيش الديمقراطية بنص معناها الذي تطالب به الآن، فبعضهم وللأسف في داخلهم فوضويون وانتقائيون وعنصريون، كما أن تصرفاتهم كمن صمت دهراً ثم نطق كفراً.
أعمتهم عيونهم عن رؤية الصواب وغرر بهم الآخرون. طموحهم الحكم لا الإصلاح، وتنفيذ أيديولوجياتهم هو محل اهتمامهم بغض النظر عن مشاكل وهموم المواطن (الغلبان) والبسيط الذي تحركه العاطفة، فتلاعبوا بها ودغدغوها، فغرروا به وأضاعوه ولم يقدموا له ما ثار من أجله.
القومية كفكر لا خلاف عليه، ولا أظن له حُرمة، فوحدة العرق جميلة، لكن المشكلة في من حكم باسمها وأذل شعبه وقمعه. ومع ذلك ما زال البعض يمجده ويراه الخيار الأفضل، متناسياً عقوداً طويلة ازدهرت فيها سجونه وامتهنت فيها الكرامة وفرض عليها نخباً ضالة ثارت لنفسها ضد الاستعمار باسم الشعب، لكنها هي من امتهنت كرامته وأذلته، وقطعت الألسنة وخونت كل من خالفها وجهة النظر وانتقدها.
النتيجة كانت حتمية وحتى لمن تغافل عنها، فالتاريخ يسجل لأولئك القوميين إضاعتهم لكل ما حاربوا من أجله ودعوا له. ولكن، هل الديمقراطية فكر وسياسة وممارسة لا بد من الابتعاد عنها وعدم ترك الفرصة لأي مغتنم يحاول المناداة بها لاستغفال الشعوب العربية ومن ثم خلق العداوة والبغضاء بينها ومن يخالفها، أم حق لا بد منه رغم كل ما نرى من إساءة لاستخدامها؟



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/08/02/167385

الخميس، 3 يوليو 2014

روسيا وأوروبا والتصحيح في أوكرانيا

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 01-07-2014



رغم نقمتي على روسيا، بسبب موقفها من سوريا ودعمها للنظام وتزويده بالسلاح الذي ما زال يبقي جيشه صامداً قاتلاً لشعبه بالبراميل المتفجرة، ورغم شماتتي لخسارة الروس لإحدى جولات الصراع في أوكرانيا لمصلحة المعارضة الأوكرانية المدعومة من الغرب والولايات المتحدة، إلا أني ضد كسر شوكتهم وضد فقدانهم لنفوذهم التاريخي في دول الاتحاد السوفييتي السابق ومع بقائهم كقوة عالمية، فتفرد الغرب وأمريكا كقوة واحدة من دون وجود مواز لها وضاغط ومعادل للكفة، أمر غير محبذ وخطأ سياسي سيسبب وجود قطب واحد قوي في العالم ومتحكم.
في الفترة التي سبقت عزل الرئيس الأوكراني، دعمت روسيا سلطات كييف بأكثر من ١٥ مليار دولار في محاولات منها للحفاظ على نفوذها وما تسميه دوماً بمصالح الأوكرانيين من أصل روسي والذين يمثلون ما يعادل ١٥ في المئة من السكان، إلا أن ذلك لم يكن كافياً للوقوف في وجه ثورة شعبية ترى في نفسها جزءاً من أوروبا، وتطمح لأن تتخلص من الوصاية الروسية ووجدت الدعم من القارة العجوز، لتحقيق ذلك.
أحد الأخطاء التي اقترفها الرئيس الأوكراني المعزول فيكتور يانوكوفيتش وترتب عليها الأزمة الحالية تتمثل في عدم الموازنة بين رغبات الجار القوي الذي يعتبر أوكرانيا امتداداً لمصالحه، والمحيط الأوروبي الطامح للتخلص من السيطرة الروسية عليها والمطالب الشعبية الداخلية التي ترى في الانضمام للاتحاد الأوروبي حلماً يشاء الروس إطالته مع عملهم على عدم تحققه.
الدب الروسي أسهم في الاستفتاء الأخير لانفصال القرم وانضمامها للاتحاد الروسي في موقف شبيه بدعم تركيا لقيام كيان سياسي وجغرافي للقبارصة الأتراك، لم تعترف به أي دولة في العالم سوى تركيا نفسها.
كما قامت روسيا بحشد قواتها على الحدود الشرقية لأوكرانيا ووقفت خلف انفصال ما يسمى «جمهورية دونيتسك» التي لم يعترف بها أحد، في حين أعلنت الأخيرة التزامها بوقف إطلاق النار، والذي دعا له بوتين أيضاً وشدد عليه، وذلك ينظر له المشككون بكونه ورقة جديدة للمفاوضات والضغط على الحكومة الأوكرانية وداعميها (الغرب والولايات المتحدة) إلى جانب التهديدات المستمرة بقطع إمدادات الغاز عنها إن لم تسدد ما عليها من مستحقات لشركة غاز بروم.
الأيام المقبلة ستكون لعبة للشد والجذب بين الروس والغرب، لن تكون أوكرانيا هي السبب بها فقط، بل سيدخل اللعبة قضايا دولية وعربية، وبالتأكيد سوريا والبرنامج النووي الإيراني والعراق سيكون أحدها.
سيتحتم على الروس تقديم تنازلات في بعضها، لتحقيق رغباتها في أخرى، ولكن ما يهمنا كدول عربية وإسلامية هو هل سيكون لأي من تلك التوافقات بين مختلف الجهات ضرر أو فائدة لنا؟ أتمنى ذلك مع خشيتي أن نكون نحن أيضاً الخاسرين في لعبة الحرب الباردة الجديدة.



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/07/01/160311

الخميس، 19 يونيو 2014

التحرش ظاهرة لا بد أن يقلق منها المصريون

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في موقع كلمتي 19-06-2014



بصراحة وبدون زعل أو حساسيات:
 هل باتت مصر على اعتاب ان يطلق عليها بلد المليون متحرش؟ ام من الحميّة إنكار هذا القول وشتم صاحبه، أم الأولى القضاء على هذه الظاهرة التي باتت مصر تعرف بها حصريا وبشهادة المؤسسات الدولية والتقارير التي أشار اكثرها تحفظاً إلى أن ما لا يقل عن نصف المصريات قد تعرضن إلى شكل من أشكال التحرش اللفظي او الجسدي أو الإيحائي.
مصر اعتلت قمة القائمة وغابت عنها دول أخرى تسودها شريعة الغاب!...., أمر محزن ولا بد لحلٍ له دون المزيد من المؤتمرات أو اللجان أو المحاضرات والندوات الشكلية. مجرد ذكر مصر هذه الأيام على شاشات الأخبار سيخطر على البال مشاهد يا إما للرقص أو لجموع من الكلاب "المسعورة" وهي تهاجم فتيات وتحاول اغتصابهن والتحرش بهن على الملأ وأمام الجميع، الذي آثر العديد منهم الوقوف والمشاهدة وتصويره، دون أن يعترض لمنع ما يحدث أو دون وقوعه; وذلك من قبل مجموعات البلطجية الذين لم يعرف لهم عمر, بعد أن تناولت الأخبار القبض على قصر وكهول في حادث التحرش الأخير بميدان التحرير.
تلك المشاهد المأساوية لما تتعرض له البنات والتي انتشرت مؤخراً عبر اليوتيوب ومواقع التواصل الاجتماعي قد لطخة سمعة بلدٍ بيد  ابنائها; الذين هم إما جناة او متفرجين سكتوا وأبوا التدخل والحيلولة دون الوقوف في وجه مثل هذه التصرفات التي باتت مصر تعرف بها اكثر من ذي قبل, وتحتل القائمة الأعلى في تقارير المنظمات الدولية والنسائية والحقوقية ذات الصلة بمتابعة الانتهاكات بحق المرأة.
المشكلة في ظاهرة التحرش بمصر ليس سببها الانفتاح والحرية المطلقة التي يتمتع بها الجميع في اللبس والحركة، فالعديد من الدول العربية والغربية والآسيوية تعيش التحرر ذاته ودون أن نسمع عنها أو نرى فيها ما يحدث الآن ومن سنوات في مصر، التي باتت الأولى عالميا تقريبا في قائمة التحرش.
أستغرب ممن يدعون الى دراسة ظاهرة التحرش في مصر دون أن تكون دعواتهم الى معالجة مسبباتها التي باتت معروفة للجميع، حيث يمثل البلطجية فيها رأس الحربة التي يستخدمها رجال المال والسياسة لخلق حالة من الذعر وسط أوساط الشعب. تكاثر البلطجة وازدهار اعمالها زاد من عدد الشباب والأفراد المقبلين على الالتحاق بهذه المهنة المربحة، التي يمارسوا فيها القتل والشغب والسرقة والتحرش وجميع الأعمال المخلة بالأدب والدين والعرف والقانون.
المؤسف والغريب أن الاختلاف السياسي بات في مصر الآن مبررا للبعض للتشمت لمثل هذه التصرفات وذلك لمجرد الاختلاف في الرأي، وكأننا نرى مصر تشهد عودةً للحقبة الرواندية حيث حدثت ابشع المجازر في افريقيا، وارتكبت إحدى قبائلها ابشع جرائم القتل والاغتصاب في حق اتباع القبيلة الأخرى!
التحرش بأمانة لم يمسي فقط ظاهرة مصاب بها المجتمع المصري بل هو وباء منتشر ومتفشي ولن يشفى منه أو يستأصل بقانونٍ فقط  وانما بثورة أخلاقية واعادة صياغة لأخلاقيات المصريين ونظرتهم للمرأة, التي بات خطورة ما تواجهه تعديه للمعاكسات اللفظية البسيطة إلى جرائم عنف جسدي وجنسي جماعية يرتكبها عشرات الرجال بالأماكن العامة على مرأى ومسمع دون خوف أو وازع أو رادع!


المصدر:موقع كلمتي - http://klmty.net/174146-التحرش_ظاهرة_لا_بد_أن_يقلق_منها_المصريون.html

الجمعة، 6 يونيو 2014

رسالة أم إسفاف

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 05-06-2014



الفرق بين الفن الهادف والخاسر هو ما يتركه في نفسك من أثر بعد مشاهدتك له، إن دغدغ عواطفك وتركك في حالة تشبه أحلام اليقظة ورغبة بأن تكون وحدك سرحان وهائماً، لا تعرف في ما تفكر، لكن نشوة غريبة تعتريك وأنت بين يدي نفسك، ترقبُ «لا شيء» وتنتظر حلماً لا تعرفه، تنتابك حالة من السكون الغريبة .. يتراءى لك فيها صورة ضبابية، يلهث إحساسك خلفها ليعرف ما وراء ضبابيتها. أشبهها بحالة التصلب لرؤية لوحة فنية رسمت بالماء أو الزيت كمثيلاتها، لكنها اختلفت عنهم بتكبيلها لك ما إن يقع ناظرك عليها.
الفن رسالة وإبداع وسمو روحي أفتقده كثيراً في معمعة الحاضر ولا أجد له طريقاً إلا ما ندر. مللت من الضحك والكوميديا والرومانسية المصطنعة، وكل ما أرادوا تصويره لنا، وأبت نفسي أن تعطيهم فرصة أخرى، فقد تلاعبوا بكوننا بشراً وروجوا لبضاعتهم الخائبة. إن حاورتهم لترشدهم وتقومهم، قالوا لك: نحن رسل الفن الراقي، ومع كل احترامي هو الإسفاف الذي فتح العيون على مارد الغريزة العمياء الشاذة والحب الأفلاطوني والبطل الذي لا يقهر.
يتجلى مفهوم الإبداع حين يخلق حالة من الجذب لا تستمر للحظة، بل لعقود وأجيال، كمسرحية شكسبيرية ترجمت لكل اللغات ومثلها أقوام وأقوام، ومازالت حتى اللحظة تحظى بقبولنا وتحرك مشاعرنا وتشد انتباهنا، مع علمنا وكامل درايتنا بنهايتها، لكنك حين تشاهدها تجبرك أن تعيش اللحظة معها، فتنسى نهايتها حتى تصل لها!
الهوى في عرفنا أمسى كرواية شرقية بختامها يُزوجُ الأبطال، فحتى عنترة وعبلة زوجوهما في نهاية القصة، ولم يبق لهم إلا أن يصححوا لنا معلومة أن طرفة بن العبد قضى مفتدياً الحبيبة من رصاصة طائشة كادت تصيبها أثناء «الزفة».
هوليوود وبوليوود وبالطبع العربية منهما أوصلتنا لمرحلة فقدنا فيها الاستمتاع، فاستبدلته بالترفيه، فنما منا جيل الفكر المفقود فارغ العقل والحديث، لكننا نصفق لتفاهتهم ونسعى لهثاً وراء أخبارهم، في حين هم صغار ونحن من رفع مقامهم!
إن أردت أن تستمتع بلحظات فنية شيقة، ابحث عن فيلم أيرلندي سياسي، وحبذا أحد تلك الأفلام التي تتحدث عما قبل اتفاق «الجمعة العظيمة»، واحرص على أن تناله رقابتك، فبخلاف ما في بعضها من انحلال أخلاقي.. (تجاوزه)، وركز في العرض وفي الإخراج وفي تجسيد الشخصية وفي سرد الحدث، والنقد دون «الصواط والزعيق» (التي اعتدنا عليهما في فننا المجيد!).. أروع ما فيها أنها تشبه الأفلام ثلاثية الأبعاد، تجبرك أن تكون المشاهد والشاهد والبطل والعدو، حتى تشعر ببركان من الحرارة يكاد ينفجر في داخلك، رغم كونها «أيرلندية» تتمتع ببرودة قارسة تتنافى مع نشاطنا كعرب إلا أنها والحق يُقال فيها من الحركة ما يحرك مشاعرنا.
إن أردتم أن تصل لكم الفكرة فتخيلوا معي طائرة ورقية تلهو بها طفلة في جو ربيعي مشمس معتدل الريح وصحو، تتحرك بأناملها الصغيرة فلا تفقدُ بها السيطرة عليها، وتوجهها دون أن تضطر أن تجري خلفها لتمنع ابتعادها عنها أو فقدانها لها. تمتع ناظرها بها، لا تشعرها بالملل أو التعب، بل تقودها للحظات سعيدة تنهيها بأن تجذب أصابعها الصغيرة الخيط لتقربها منها، ومن ثم تلملمها لتحفظها في مكان آمن، أملاً في نزهة أخرى يتجدد بها اللقاء .. وحتى حينها تبقى ذكراها حاضرة.
هل اتضحت لكم الصورة، فنحن الطفلة، والفن الراقي هو الطائرة الورقية!



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/06/05/154600

الاثنين، 2 يونيو 2014

الحرب الفيروسية حقيقة أو وهم

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في صحيفة العرب اللندنية 02-06-2014



لم يعد السلاح الوسيلة الوحيدة، ولا القوة العسكرية والجيوش، السبيل الأنسب، لفرض السياسات وإحكام الأجندة التي يسعى لفرضها القوي دائما على الضعيف، والضعف هنا لا يقصد به الفقر فقط أو ضعف القوة، وإنما انعدام المقدرة على التصرف باستقلالية وبعيداً عن الآخرين، ودون الرجوع إليهم في أوقات الأزمات والكوارث.
دخل الإعلام اللعبة وأصبحت قوته توازي الجيوش العتيدة، بسلاحٍ واحدٍ فقط وهو التوجيه الفكري، الذي يخاطب العقول بغرض السيطرة عليها وتسييرها وفق الأهواء المُراد لها إتباعها، فكانت نجاحاته التي لم تكن لينالها لولا ثقافة التغييب التي جعلت من الشعوب ملقمة وتابعة دون تفكيرٍ وإرادةٍ ورأيٍ مستقل.
والأخطر من الاثنين السابقين، والأشد فتكاً، هو السلاح الذي سأُسمّيه “الفيروسي”، وهو الذي يشيع الخوف في قلوب الجميع دون استثناء، ويتملك تفكيرهم، ويلهيهم عما سواه أياً كانت أهميته، ودون أن يستثني أحداً من المجتمع، مستنزفاً لمقوماته وقدراته وطاقاته المادية والعملية. الخوف من المرض وما قد ينتج عنه، فطرة إنسانية يتشاركها الجميع، والسعي للصحة طموح ومنى كل إنسان رغم كل العادات السلبية التي يمارسها، والتعلق بالحياة سُنّةٌ جُبلَ عليها البشر. من هنا ينبع الخوف، الذي تمّ استغلاله للسيطرة على الدول اقتصادياً أو سياسياً، عبر تعبئة الرأي العام في دول مختارة كل فترة تجاه أحد الأوبئة والأمراض الفتاكة، التي باتت الصفة المشتركة لها جميعا هي الڤيروسات!…..لم نكد نفيق من أخبار “سارس” الذي ضرب الصين إبان وهجها الاقتصادي وإعلانها امتلاك أعلى احتياطي نقدي للدولار في العالم العام ٢٠٠٣، وسبب لها كسادا سياحياً اضطرها لتسيير رحلات مجانيةٍ دعائيةٍ لأراضيها لتطمين السياح، حتى نالت الطيور من الوباء جانبا، وتم تعريفنا بانفلونز الطيور.
ضربت مصر وأعدمت على أثرها ملايين الطيور من الدجاج وأصابت تجارتها الكساد ومنعت تجارة الدواجن الحية من المزاولة، وتحولت مصر على إثرها إلى دولة مستوردة وهي التي كانت على أعتاب الاكتفاء الذاتي والتصدير للخارج. وللعلم، فيروس انفولنزا الطيور ضعيف، وكان يكفيه طبخ الطيور جيدا على درجة حرارة مرتفعةٍ لفترةٍ زمنيةٍ معينةٍ لقتله، مع غسلٍ لليدين وللأواني المستخدمة بالكلور المخفف بالماء، والذي يُعرف عنه أنّ يتمتّع بقدرة على الحماية من أشد أنواع البكتيريا والفيروسات. الدواء السحري لعلاجه كان ما أنتجته شركة “ميرك شارب” للأدوية “تاميفلو” وحققت بسببه معدلات مرتفعة جداً في المبيعات ورفعت من القيمة السوقية لأسهم الشركة في البورصة.
سلالة جديدة من الانفلونزا تلتهم، ولكن هذه المرة أطلق عليها مسمى الخنازير، بثت الرعب في قلوب البشر، وتربعت كفقرة أولى في جميع نشرات الأخبار حول العالم. استنفذت طاقات وزارات الصحة والهيئات والمؤسسات والجمعيات، وشغلت العلماء والباحثين، حتى أنتجت لها شركة “نوفارتس” اللقاح الشافي، والذي كان سبباً في اتّخام حساباتها بما يعادل الستة مليارات من الدولارات، وهو قيمة ما أنتجته وسوقته من هذا العقار!
من باب الحدس، ولا أقول أني أملك معلومات إحصائية دقيقة، أظن والله أعلم، أن أغلب تلك الكميات المشتراة لتلك الأدوية والأمصال العلاجية أُتلفت دون أن تستخدم بعد أن انتهت صلاحيتها!
في عامنا هذا، بدأ “كورونا” أو متلازمة الشرق الأوسط التنفسية باحتلال الصفحات الأولى من اهتمام المواطنين، وانتشر الذعر منه، وتسارعت وتيرة الإصابات به، وانشغل الناس بما يفعله هذا الفيروس بالمصابين به، في إعادة لنفس السيناريوهات السابقة، التي تثير الخوف والذعر، الذي لا يمكن وصفه “بغير المبرر” ولكن ربما “المبالغ فيه”. هو واقع لا يمكن إنكاره أو تجاهله، ولكن يتوجب عدم تضخيمه، والعمل بدلا عن ذلك باحتوائه والقضاء عليه قبل انتشاره، ووضع الخطط الصحيحة للتعامل معه، بكل شفافية وحرفية.
الأمثلة السابقة قد تقود البعض منا لأن يبرز مجدداً نظرية المؤامرة، التي بكل أمانةٍ لا أميل إليها، وأجدها سبباً في كثيرٍ من الأحيان ومسماراً نعلق عليه فشلنا وكسلنا، إلا أن الأمر هنا جدير بالدراسة والتحليل! فلو تساءلنا مثلا: لم لا تظهر هذه الأوبئة “الفقاعة” في الدول الأفريقية الفقيرة والآسيوية المعدمة، مع أنها بسبب ما تعانيه من فقر وانعدام للبنية التحية الصحية وعدم توافر للغذاء؛ تُشكل بيئةً خصبة للأمراض والأوبئة! ولم لا تضرب في الأغلب إلا الدول الغنية، أو القادرة على شراء ما ستنتجه لها شركات الأدوية العملاقة من عقاقير وأمصال؟ لماذا يتم تضخيمها دائما وكأنها وباء مع أن أعداد الإصابة بها ربما لا تساوي أعداد من تقضي عليهم الأنفلونزا العادية في الولايات المتحدة سنوياً، والمقدرة بعشرات الآلاف!…..هذا ما قد يخطر على البال من جانب نظرية الحدوث والانتشار والإصابة؛ أما في ما يتعلق بالتعامل، فالواجب هو أولا إيجاد البنية الصحية القادرة على التعامل مع المرض حال حدوثه، والتي ستكون عبر توفير الرعاية الصحية السريعة والمناسبة والمتزامنة مع توفر الأجهزة الطبية المتقدمة، والكوادر القادرة والمؤهلة وذات الخبرة. جميعها بالتزامن مع تضافر الجهود الحكومية والمؤسسات البحثية لاحتواء أولى الإصابات، والعمل سريعا على عزلها ومعرفة كيفية إصابتها. جهود لن يكتب لها النجاح بعد مشيئة الله سبحانه وتعالى، إلا إن سارت على خطط عمل تم وضعها مسبقاً لمواجهة الأزمات والكوارث، يقوم عليها خبراء وعلماء وباحثون، نتاج عملهم ليس وليد اللحظة، وإنما عبر عمل مستمر على مدار سنوات، الغرض منه مباشرة الحلول حال حدوث الخطر.
لا بد أن يؤسس أيضاً هيئات صحية مستقلة ذات صلاحيات واسعة جداً، يُناط بها التصرف بسرعة لاحتواء الأوبئة والإشراف على الأمراض والفيروسات القابلة للانتشار، أو التي تظهر حديثا، تعمل باستقلالية، ولها مراكزها البحثية ذات الصلة بنظيراتها في الدول المتقدمة، وصاحبة الخبرة والريادة.
كوننا بشر نحيا على الأرض بكل أخطائنا وتقدمنا وتطورنا وصناعتنا ونتكاثر; يعني أننا على الدوام معرضين لأخطار صحية ناتجة عن العادات الخاطئة وسوء استغلال العلم أو المناعة الطبيعية التي تكتسبها بعض الفيروسات, أو تطور الأخرى وتمكنها من الانتقال من الحيوانات للإنسان, وعدم استجابتها للأمصال والأدوية المعالجة; يحتم علينا أن نكون أكثر احترافية ومهنية في التعامل مع ما يخص الصحة العامة, وشفافية بمشاركة الجمهور واطلاعه وتوعيته وتصحيح أخطائه وتنبيهه لإتباع التعليمات الصحية وتجنب المحاذير التي تسهم في انتشار الأمراض والأوبئة.



المصدر: صحيفة العرب اللندنية - http://alarab.co.uk/?id=24197

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...