الاثنين، 15 سبتمبر 2014

الإنسانية لا تعرف التمييز

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 15-09-2014



لكي تكون إنساناً متعايشاً مع نفسك ومتصالحاً مع الآخرين ممن حولك وتعرفهم، ومع الآخرين ممن لا تعرفهم ولم ترَهم في حياتك، فأنت لست بحاجةٍ إلى أن تتشارك مع أحدهم المذهب أو الدين أو العرق أو اللون نفسه .. ولكي تتفاعل بإنسانية تجاه حدثٍ ما لا يعني أن تكون قد مررت بالحدث نفسه .. ولكي تتأثر بحدوث أمر محزن أو كارثة طبيعية وقعت في بقعةٍ ما فهذا لا يعني أبداً أن تنظر لما تملكه معهم من صفاتٍ مشتركة، لكي تهب للمساعدة أياً كانت طبيعتها ولو حتى بالتعاطف قولاً ودعاءً.
الإنسانية لا تعرف التمييز ولا التعصب الذي استحدثناه بيننا نحن بني البشر، ولا تعرف أن تلك الفئة من البشر تستحق أن نتعاضد معها ونتكاتف فقط لأنها تمت لنا بصلة ديناً أو عرقاً. ولا يُمكن أن تتقبل ذرائعنا التي أقنعنا بها أنفسنا بأن الناس مقامات وكذلك الشعوب، فمنهم من هو أدنى منا والجدير به بالتالي هو تبجيلنا؛ ومجموعات أخرى أعلى نسعى صاغرين لاحترامها والتزلف لها!
الإنسانية ليست بالقول والفعل فقط، وليست بالمشاركة المادية والمعنوية، وإنما هي بذرة يجب أن تنبت أولاً وتسقى في روحك، لتجعلها متآخية ومتآزرة مع الآخر أياً كان ومهما اختلف عنك بكل المقاييس الوضعية الدنيوية التي جُبلنا عليها!
الإنسانية هي أن تكون راعياً لمن حولك وقدوة لأبنائك بأن تنشئ فيهم مفهوم الخير وعمله والعطف على الآخر وعدم القسوة عليه، والإحسان للضعيف دون إشعاره بالمهانة أو إذلاله أو إجباره على أن يخسر كرامته.
قوانين العالم المتحضر التي صانت للإنسان حقوقه وحفظت له كرامته لم تخرج فجأة، ولم تُقنن إلا بعد تجارب أليمة لعقودٍ من التجبر والظلم وشريعة الغاب والاقتتال والسلب والسبي والاستعباد والإقطاعية والتفرقة العنصرية والعرقية وسطوة المؤسسات الدينية، وما اتبعه بعضها من محاكم تفتيشٍ فرضت وصايتها على عقائد الناس وأطرت العقاب على الدين والهوية. قام على إصدارها نخبة من المجتمع الذي آمن بضرورة احترام الإنسان وعدم انتهاك إنسانيته كقاعدة أولى راعوها قبل التشريع، ليضمنوا أن دروس ومآسي عقودهم المنصرمة لن تتكرر مع جيلهم وأجيال المستقبل. هي نظام حياة وشريعة أرادوها أن تحكمهم ليسود العدل والمساواة، فهما أساس الملك والحكم، ولن تقوم الدولة بدونهما والعمل بهما وتأطيرهما.
الإنسانية هي ما نفتقده في تعاملاتنا اليومية وفي حواراتنا وفي اختلافنا وحتى في توافقنا. إن عملنا بها فسنرى مقدار التغيير الذي سيطرأ علينا وعلى أسلوبنا وعلى تعاملنا مع القريب والبعيد، وستتكفل هي نفسها بأن ننعم بالسلم المجتمعي وبالتوافق وباحترام الآخر المختلف عنا أياً كان.



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/09/15/179452

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...