الثلاثاء، 9 ديسمبر 2014

فضوليون

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 09-12-2014



فضوليون ولا دواء شافياً حتى اللحظة، ولا نصائح وتوجيهات باتت تجدي نفعاً مع مارة يلفت انتباههم حدث ما أو حادث وقع في الشارع، ليهرعوا مباشرة لإيقاف سياراتهم والتضييق على الآخرين لمعرفة ما جرى.
مشهد يتكرر كل يوم ونراه يصدر من الآخرين فنحرك رؤوسنا استنكاراً له لما قد يتسببون به من إرباك للجهات الرسمية التي تباشر الحادث أياً كان نوعه؛ لكننا وفي الوقت نفسه نرتكب الخطأ نفسه وبالفضول نفسه نهرع أيضاً لرؤية ما يجري، فنسبب ربكة في الشارع ونضيق على أصحاب الشأن ونزيد من ارتباكهم وألمهم بأسئلتنا المتكررة لهم وعما جرى، لنتبع ذلك بنظرياتنا وتحليلنا وتفسيرنا، وطبعاً في كل مرة ينقل الحدث لسائل جديد نضيف عليه أحداثاً لم تحصل مع نكهة شخصية تنطبق والراوي ومدى خصوبة خياله.
في المقابل، هناك فئة لا مبالية وغير مكترثة ولن تتحرك وتبدي أي استعدادٍ للمساعدة ولو احترقت الدنيا أمام أعينها طالما لم يصبها من الضرر شيء!
لا وسطية في كلا الفريقين ولا وعي وإدراك بأهمية تقييم الموقف، وهل يستدعي التدخل والمساعدة أو ترك الأمر لذوي الشأن للقيام باللازم؟
 الفضول جزء من طبيعتنا الإنسانية التي إما تخاف المجهول ولا تتمنى حدوثه لها، وإن صار للغير تسعى لأن تراه ومن ثم تبحث عن مبرر له في نفسها حتى تتقبل صدمة مشاهدتها له، أو لتروي رغبة في رؤية ما تعرض له الآخرون من ضرر وشكله وعواقبه.
في نظري، ليس منا من لا يملك فضولاً ولكن الفرق يكمن في مدى تمكنه من الشخص وسيطرته على تصرفاته وردات فعله. على النقيض وفي الجانب الآخر، هناك أناس لا يملكون أي ذرةٍ منه، ولا يعنيهم ما يحدث حولهم طالما لم يكونوا طرفاً فيه، وغير مستعدين أن يدخلوا نقاشاً ليسألوا عن أمرٍ ما، أو يتوقفوا لمشاهدته وإن حتى حدث أمامهم.
ثقافتنا العربية تناولت الموضوع، وتحدثت عنه الأمثال بالعربية والعامية. بعضها واضح وسهل الفهم ولا يحتاج لترجمة كمثال: «من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه»، لكن أخرى صعبة الفهم أو ظريفة ومضحكة وإن كانت تصب في المعنى نفسه، يقول المثل: «ضب راسك عند مناوشة الدول» و«واحد مربي لحيته والثاني متثقل منها».
الشعوب الأخرى كان لهم الإسهام نفسه في وصف الفضول والحديث عنه، فيقال مثلاً في الإنجليزية: Curiosity killed the cat أو «الفضول قتل القطة»، والتي رغم كونها كما يعلم مربيها ومحبيها أنها تتمتع وكما يقول المثل الشعبي بسبعة أرواح إلا أنها ومع ذلك قد تفقدها في لحظات نسميها بالعامية «لقافة».
وعلى ذكر «اللقافة»، ليس هناك (وحسب رأيي الذي بالتأكيد قد أكون مخطئاً فيه)؛ أسوأ من صديق أو زميل يمطرك بأسئلته التي لا تنتهي أثناء حديثك معه عن موضوعٍ ما، يقوم بجرفك عنه بعيداً كلما استرسلت في كلامك، فيقاطعك مستفسراً ببلاهة عن تفصيل صغير ليس له أي علاقة بالموضوع ولن يفيد في شيء، فينسيك في لحظات سردك آخر ما قلته. تتناسى ما فعل، لكنه ما يلبث مجدداً أن يكرر فعلته التي ستنتهي على الأغلب باختصارك الحديث وإنهائه لعلمك أن استمرارك فيه قد يكون سبباً لفقدان أعصابك وغضبك وربما خسارتك لصديق صدوق لكنه فضولي!
أطفالنا وفي سنيهم الأولى لديهم نهم لاستكشاف ما حولهم، قد نسهم إيجاباً في صقله وإفادتهم وتعليمهم وتفتيحهم وتوسيع مداركهم وتنمية ذكائهم؛ أو سلباً في قصقصة أجنحتهم ولجمهم عن السؤال والتذمر من تكراره والشكوى من فضولهم الذي يستلزم التفاعل معه اقتطاع لحظات منا. قد نبخل عليهم بها متجاهلين أهميتها في تفتح عالمهم الصغير على الدنيا، ونحن نصرخ بهم أو نضربهم وننهاهم، رغم أن فضولهم هو فعلياً الرغبة بالمعرفة بما ينفع وهو المفروض دعمه وتشجيعه، متناسين أنفسنا وسوء تفاعلنا وتدخلنا نحن الكبار فيما لا يعنينا حال رؤيتنا له أو سماعنا عنه!



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/12/09/202783/%d9%81%d8%b6%d9%88%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%86/

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...