الاثنين، 11 أغسطس 2014

سَرْيَنة العراق!

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة اللواء اللبنانية 11-08-2014



التطوّرات الميدانية على الأرض في العراق وإن أشارت الى قرب وصول الثوار لبغداد، وهروب الجيش وانسحابه من العديد من مواقعه وثكناته لتعزيز جبهة العاصمة الا انها ستكون فاتحة للتجييش الطائفي الذي قد يؤدي لتقسيم العراق وانجرافه لحرب أهلية لن تنتهي بسرعة، ولن يكون حسمها سهلاً، فيما الثمن سيكون الأغلى ليس على العراقيين أنفسهم ولكن على العالم، الذي يصدر له العراق ملايين براميل النفط والغاز!
فتاوى المراجع الدينية، وكذلك الصدر ورجال دين شيعة آخرين حوّلت الصراع في العراق من ثورة للعشائر تطالب بحقوقها المهضومة إلى حرب ستكون طائفية ولن يحمد عقباها, وسيسهل تفسيرها على أنها صراع سني - شيعي على السلطة, فيما هي وفي وجهة نظر الطرف الثائر مطالبة بالحقوق المسلوبة في ظل أكثر من عشر سنوات على السيطرة السياسية الشيعية على الحكم في البلاد.
منطقيا، سيكون الأكراد المستفيد مما يحصل الآن، وقد يدعم موقفهم من بيع النفط مباشرةً دون سيطرة الدولة, بل قد يقود إلى مطالبات بالاستقلال عن الوطن الأم إن قُسم طائفياً; فيما المتضرر هم العراقيون ودولتهم وبنيتهم التحتية واقتصادهم الذي سيستمر في الانهيار بعد استغلال المالكي لمقومات الدولة في حربه التي لن تكون قصيرة المدى، بل طويلة ومكلفة.
أما أميركا فعلى ما يبدو انها لم تحسم أمورها بعد بشأن الطرف الذي ستقف معه في العلن. فلو ساهمت مع الجيش العراقي بضربات جوية تشنها طائراتها القابعة على بارجتها جورج بوش التي تحركت أخيرا صوب المنطقة؛ ستكون حينها قد أطرت الحرب الطائفية التي يسعى لها المالكي الآن وشرعنتها فتاوى رجال الدين الشيعة, التي وصفت الأمر بالجهاد الكفائي لمواجهة من سمتهم «بالتكفيريين» من اتباع الدولة الإسلامية في العراق والشام. قد يكون لداعش دور في بعض الانتصارات الميدانية, ولكنه صغير ومبالغ جدا فيه، وما محاولات صبغ ثورة العراقيين بأنها بقيادتها الا الورقة التي يتضرع بها المالكي وإيران والمرجعيات الشيعية في النجف وغيرها.
إن ظنت اميركا واوروبا ان مصلحتها في الحكم الحالي والمدعوم من إيران، فستقف معه وستتحالف مع طهران؛ العدو الذي طالما وصفها بالشيطان الأكبر، لكنه الان وبحسب تصريحات روحاني الأخيرة مستعد للتدخل وتناسي الخلافات وتأسيس حلف مع أميركا وأوروبا لمحاربة من تسميهم بالإرهابيين الذين يهددون السلم العام!
في جميع الأحوال سيكون العراقيون الخاسر الأكبر ولو طالت المعركة، وقد يكون الشيعة بالذات ومعهم إيران ورجال الدين أمثال الصدر والحكيم والسيستاني مساهمين في هذه الخاسرة التي اكتسبوها عقب الغزو الأميركي للعراق ومكّنتهم من فرض نفوذ لطالما حرمهم إياه حزب البعث على امتداد سنوات حكمه.
تعدد الجبهات التي أدخلت طهران نفسها فيها سيكون الأسلوب الذي سيستفيد منه الغرب في كسر شوكتها، وهي التي رمت بنفسها وجيشها واقتصادها وثقلها خلف ثلاث جبهات، أولاها حزب الله وثانيها سوريا. أما العراق فهي التجربة المكررة لدعم النظام السوري.
حزب الله الذي أشغل نفسه بالحرب السورية، سيخرج منها ليس كما دخل، وإنما بانفضاض القاعدة الشعبية التي يتمتع بها، بعد أن يعي اللبنانيون ان الحزب رمى بأبنائهم في اتون حرب وان طالت ستنهي حكم الأسد, أو بأقل تقدير ستفرض معادلة جديدة في الحكم لن يكون فيها داعمين للحزب ولا مؤيدين لسياساته.
العراق وعلى ما يبدو مقبل على سيناريو «سَرْيَنته»، فهل يتحرك العرب قبل تكرار التجربة السورية ام سيكتفون ببيانات ودعوات ضبط النفس وعقد قمم تصدر عنها بيانات لن تقدّم أو تؤخّر؟



المصدر: جريدة اللواء اللبنانية - http://www.aliwaa.com/Article.aspx?ArticleId=214854

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...