السبت، 16 أغسطس 2014

حقوق الضعفاء ما بين التاريخ والحاضر

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الرؤية 16-08-2014



لم يعُرف لاضطهاد الأقليات وهضم حقوق الضعفاء والعنصرية تاريخ نشأةٍ ولا ازدهار، فهي من القدم أن واكبت الخلق وازدهرت في كل زمانٍ ومكانٍ وجدت فيه، وإن تعالت أصوات مطالبة برفضها إلا أنها كانت ومازالت جزءاً من نمط الحياة التي تعيشها أمم وخلائق مختلفة العرق والدين واللون. حرّمتها بعض الأديان ونهت عنها وحذرت منها، فيما أكدتها أفكار أخرى ودعت لها باسم الدين واعتبرت أتباعها جزءاً من العقيدة، فتشدق بها الكثير.
لم تعرف تلك الأمور بعرقٍ بذاته ووصفها يحتمل العديد من التأويلات وتدخل فيه الكثير من المسميات والتصرفات. العامل المشترك فيها جميعاً أنها نمت ووجدت لدى كثير من المجتمعات والشعوب والطوائف والقبائل. إن ذهبنا شمالاً وجدنا أوروبا والأمريكتين وبالذات الشمالية منها قد استعبدت سكان البلاد الأصليين وطهرتهم عرقياً عبر إبادةٍ ممنهجة ومقننة. فبعد أن كانت أعدادهم تتجاوز عشرة ملايين نسمة في القرن الخامس عشر الميلادي، أصبحت في منتصف القرن التاسع عشر لا تتجاوز ثلاثمئة ألف نسمة حسب إحصائية رسمية صادرة عن الأمم المتحدة.
أوروبا من قبلهم أطرت العنصرية بمرسومين باباويين في القرن الخامس عشر الميلادي، أولهما المرسوم الكنسي المعروف بـ Romanus Pontifex الذي أصدره البابا نيكولاس الخامس إلى الملك ألفونسو الخامس ملك البرتغال عام 1452 والذي أعلن فيه الحرب على كل من هو غير مسيحي في أنحاء العالم وأجاز وشجع على استغلال الدول غير المسيحية واستباحة أراضيها وشعوبها واستعمارها ونهب ثرواتها. أما المرسوم البابوي الثاني والمسمى Inter Caetera الذي أصدره البابا أليكساندر السادس في العام 1493 لملك إسبانيا وملكتها، فهو الذي أنشأ السلطان المسيحي على العالم الجديد عبر دعوته إلى إخضاع السكان الأصليين وأراضيهم، وتقسيم الأراضي المكتشفة في وقته والتي لم تكتشف بعد إلى قسمين مشاطرة بين إسبانيا والبرتغال.
إذاً مدنية القارة العجوز في الحاضر قد قامت بشهادة التاريخ على دماء الشعوب وثرواتهم واستعمارهم واستعبادهم عبر إجازة الكنيسة لذلك بل والتشجيع عليه. وهو ما مهد فيما بعد للقوانين الوضعية ذات الصبغة الدولية القانونية، والتي أجازت لأوروبا استغلال آسيا وأمريكا اللاتينية وأفريقيا واستعمارها وتقاسمها عقب الحرب العالمية الأولى والثانية.
واقع الحال لم يختلف كثيراً في أمريكا الشمالية سواء من الولايات المتحدة أو كندا التي تعد واحة للحريات وحقوق الإنسان. لكنها في الماضي قننت العنصرية. وأوجدت قوانين أتاحت للسلطات إرسال أبناء السكان الأصليين إلى مدارس داخلية لا يحق لهم فيها الاتصال بذويهم. ويعمل من فيها على غسل أدمغة الجيل الناشئ منهم ومسح لغتهم وعاداتهم وكل ما يختلف مع قيم المستعمر الجديد. في الولايات المتحدة مثلاً، تعتبر العنصرية والتطهير العرقي والتفرقة والاستعباد جزءاً لا ينسى من تاريخها حتى لو بالغ قانونيوها وصناع قرارها في إرضاء الأقليات عبر سن القوانين التي تحفظ حقوقهم وتعاقب كل من يتهم بالتفرقة العرقية والإثنية.
لقد بلغت المبالغة لديهم حداً مزعجاً ولكن ذلك محاولة منهم لطي صفحة ماضٍ عنصري بغيض أحل لهم كل المنكرات وتمادى في الطغيان والتفرقة على أساس لون البشرة لدرجة أن الملونين لم يكن لهم الحق بالأكل في مطاعم البيض ولا الجلوس على نفس موائدهم ولا استخدام وسائل النقل ولا التعليم. حتى الكنائس كانت جزءاً من عزلهم. فلم يكن للأفارقة السود المستعبدين الحق في التعبد في دور العبادة نفسها.
لأهل الشرق والعرب والمسلمين أيضاً نصيبٌ من القمع والاضطهاد والعنصرية التي مورست داخلياً وتمادت فيها شعوب على أخرى بحججٍ واهية، فتارةً باسم الأصل والفصل والمدنية وأخرى بالقبلية والعائلة والبادية والمدينة والنسب والطبقة والمستوى الاجتماعي والمادي والتعليمي.
المتتبع لحالة التطور الإنساني للمجتمعات العربية قبل وبعد الإسلام، وكذلك بالنسبة للفترة التي شهدت استعمارها وما تلاها من استقلال، يجد فيها الآن دلالات واضحة على أننا لم نبلغ النضج الإنساني الذي كرسته تعاليم ديننا الحنيف، فمازال البعض متمسكاً بدواعٍ مثلاً أن الناس طبقات، وأن المقامات هي مقياس مكانتك الاجتماعية. المساواة الإنسانية لا تعني أبداً إلغاء الحواجز والحدود والمفهوم المتبادل للتوافق، لكنها تحد من العنجهية والغرور والفوقية والاستخفاف بالآخر والتكبر والتجبر، كما أنها تؤصل القناعة للجميع على مختلف مشاربهم بأن الأيام دول ودوام الحال من المحال، وبأن المعيار هو الأخلاق!
المتتبع ليوميات الحوار العربي والمفردات المستخدمة في أحاديث العامة (والخاصة) يجد أننا ابتكرنا واخترعنا طرقاً للتعبير تعدت كونها للاحترام أو تقدير المقام، لتكون نوعاً بغيضاً من النفاق والتزلف والتذلل، الأمثلة كثيرة ولست بصدد تعدادها، فبيت القصيد أننا يجب ألا نتحول من مجتمعات تؤسس الاحترام المتبادل إلى مجتمعاتٍ مصابة بعقدة الأنا، وبالدخل والمكتسبات المادية، متناسية قول العلي الكريم «إن أكرمكم عند الله أتقاكم».



المصدر: جريدة الرؤية الإماراتية - http://alroeya.ae/2014/08/16/171387

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...