الأربعاء، 30 أكتوبر 2019

للكبار فقط.. الزمن الجميل!

جريدة الرؤية
18-10-2019
عماد أحمد العالم



حين نشاهد فيلما قديما من أيام الأبيض والأسود نشعر بالحنين للماضي، وحين نقرأ رواية لنجيب محفوظ من أمثال الثلاثية؛ تلتهب مشاعرنا بحقبة الزمن الجميل، يماثلها بذلك حين نستمع لأغنية تتحدث عن الماضي، وحياتنا فيه كذكرى جميلة نفتقد إليها في حاضرنا، لا تختلف عن هيامنا حين يطربنا عبدالحليم في أحد أفلامه، حيث البساطة والعفوية وأوائل الانفتاح على العالم من شوارع القاهرة النظيفة والبسيطة وغير المزدحمة بالناس، الذين يرتدي كلا منهم زيا رسميا وكأنهم ذاهبون لمناسبة مهمة، رغم كونه سلوكاً عاديا يظهر ما كانت عليه ثقافة المظهر بأوائل ومنتصف القرن الماضي.
الحنين إلى الماضي أو كما يسمى نوستالجيا، لا علاقة له بالطبع هنا باستذكار حضارتنا القديمة ولا استدعاء فتوحاتنا وانتصاراتنا، كما أنها لا تعني ذكر ابن سينا والرازي وابن خلدون، فذاك زمان ولى لا علاقة له بعصور ظلمتنا الحديثة، التي لست بصدد التباكي عليها؛ فما يتبادر الآن لذهني هو ذاك الوهج من الصدق فيه والبساطة والعفوية رغم عدم كماله بالطبع، لكنه يمتلك بريقاً مختلفا عن الحاضر الأكثر تقدما في شتى العلوم، ومع ذلك ورغم ما يوفره من سبل أكثر وأسهل لبلوغ المرام إلا أن به شعاع من قتامة تجعل منه مثار مقارنات بالماضي، تأخذني لأجد المبرر لطائفة الآمش المسيحية المنشقة عن طائفة المينونايت؛ ببساطة عيشتها ونأيها عن المدنية وأحدث مظاهر التكنولوجيا والتنافس المادي وانتهاجها الانعزال، وعدم الاختلاط بغيرها بمجتمع مغلق يعمل معظمه بالزراعة.
لكم أن تتخيلوا لو لم يتم اختراع الهاتف الجوال لكنا الآن ما نزال نمارس عادة كتابة الرسائل الورقية بما فيها من شجن وعتب وحب وندم واعتراف وسؤال وتطمين ودردشة، ومعها نرفق البطاقات البريدية بأحر الأماني؛ عوضا عن الرسائل النصية اللحظية التي مكنتنا منها الهواتف الخلوية ومعها تطبيقات التواصل المشبعة بالرموز والإيموجي المختصرة للكلمات بدلا من الجمل المنمقة والمعبرة لما يعتمر في نفس كاتبها، لتستغرق بعد ذلك رحلة بحرية وجوية وبرية لتصل إلى مقر لها بين يدي منتظر يجد فيها الإجابات والأخبار، فيطويها جيدا بعد قراءتها ليحتفظ بها في درج مكتبه أو صندوق رسائله المحتل لمكان بعينه في خزانة ملابسه..


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2090389/آراء/للكبار-فقط-الزمن-الجميل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...