الأربعاء، 30 أكتوبر 2019

الأساطير والدين والوثنية

جريدة الرؤية
04-10-2019
عماد أحمد العالم



يُرجع العلماء نشأة الوثنية للعصر الحجري ـ الذي حُدد بمليون سنة قبل الميلاد ـ إلى خمسة آلاف سنة ق.م، حيث كان الإنسان القديم يسعى للتأقلم مع الظروف التي وجد بها، ومعرفة أسرار الكون الذي يعيش فيه مرتبطاً فكرياً وعقلياً، بالعوامل الخارجية المؤثرة بالبيئة التي يعيشها، حيث كان يرى الشمس والقمر والنجوم والمطر والنور قوة للخير عظمى، فيما يخشى الرعد والبرق والظلام ويتجنب شرها وسطوتها، لكنه وفي مسعاه لتمجيد الخير واتقاء الشرّ ألّهها جميعاً، وقدم لها القرابين لشكر الأولى واتقاء شرّ الثانية، فكوّن بذلك مفهوم الرغبة واللذة والمتعة والألم والخوف، التي أدت بدورها لتشكيل فهمه للدين والعبادة وارتباطها الوثيق بكينونة الحياة ونمط عيشه، بما لها من محاذير وواجبات.
يرى هوميروس أن الآلهة من أبناء آدم، في حين يعتقد باحثون أن أولى مظاهر التقديس البشري والممارسة الدينية، قد جاءت بسبب تبجيل أبناء القبيلة لأميرهم ورئيسهم فعبدوه، وبالتالي تكون «عبادة السلف أساس الأديان جميعاً» كما وصفها الفيلسوف هربرت سبنسر.
لكن الإنسان القديم الذي بدأت فكرة العبادة تتكون لديه نتيجة الحاجة والخوف والشكر، وحين تعاقبت أجياله تحولت الممارسات التي انتهجها كتوقير لغلوٍ على يد اللاحقين، الذين كوَّنوا المفهوم الوثني الحقيقي لعبادة الظواهر والخوارق والأشخاص والكائنات الحية من حيوانات ضارية ورعوية، فتناقلوا الأساطير المختلقة حولها التي منحتها المكانة المتوارثة بعد ذلك عبر الأجيال المتلاحقة، فوهبوها ما تصوروا لها من قوى خارقة تتحكم بحياتهم، ومن هنا جاء انقيادهم لعبادتها وإنشاء المعابد، التي يقوم عليها الكهنة، وفيها تقدم القرابين قربى لها وطلباً لمساعدتها وشفاعتها.
لعبت الأساطير، وكان أول من ابتدعها السومريون، دوراً أساسياً في تشكيل الديانات الوثنية الأولى، وعادة ما كان محورها يتركز حول تفسيرات ما وراء الطبيعة وقواها وخلق الإنسان والكون والطوفان الذي قضى على البشرية وسرد القصص بشأنها، مُشكلة من الخرافات التي كان أبطالها الإنسان والجن، وفيها يُحكى عن مغامرات وبطولات خارقة بمبالغة كبيرة، فيما الحكايات الشعبية التي يتم تداولها بين الناس في تلك الفترة، فكانت تستوحي شخصيات الآلهة في مهام وأدوار الحياة اليومية.

إجمالاً تبقى الأساطير في مفهوم الصدق كذباً، ولكنها تمنحنا الوسيلة لفهم كيف كان يفكر إنسان العصور الأولى والقديمة التي سبقتنا وزالت، لكن البعض من آثارها لا يزال قائماً.


المصدر: صحيفة الرؤية - https://www.alroeya.com/article/2066076/آراء/الأساطير-والدين-والوثنية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...