الخميس، 20 يونيو 2019

روايات متمردة .. وآراء متعصبة

جريدة الرؤية
07-06-2019
عماد أحمد العالم



قليلة هي الروايات التي تترك أثراً في قارئها يتعدى السعادة والحزن لما جرى بها ولشخصياتها؛ إلى حالة من المتعة التي تتجاوز النشوة وتمتد لأيامٍ بعد ذلك، فتبقى مع مطالعها متشابكةً مع أفكاره ومتمازجةً مع أحاسيسه، تتبادر لذهنه على فترات يستحضر بها أحداثاً وحوارات وأفكاراً ومشاعر، يتصورها بمخيلته وتراها عيناه كأنها واقعٌ يحدث أمامه، ليجد نفسه جزءاً منها يدلي برأيه بها، الذي يمتد لمحاولات عقله تغيير مجراها على غير ما سارت عليه لتتخذ مناحٍ أخرى تتناسب مع رغباته.
دأبت على النأي في الأغلب عن قراءة الروايات التي تثير جدلاً من نوع المحرم بمجتمعاتنا العربية، وتركها لتخمد عواصف النقد التي تترافق معها، لقناعتي أن الحملات الإعلامية والمجتمعية رغم قدرة الفرد المحصن على النأي بنفسه عن تأثيراتها؛ فإنه وباحتمال لا بأس به قد يناله قسط من قناعات سابقة، في حالٍ تتشابه بها الظروف مع هيئة المحلفين في المحاكمات، الذين يحرص القضاة على توجيههم بعدم التأثر بما يثيره الإعلام حول القضية، إلا أنهم بشرٌ في النهاية ولا بد أن ينالهم جانب من التأثير الخارجي على قراراتهم.
بعد أن يطال النسيان ذاك العمل الروائي، وتتوقف المقالات والندوات والكتب التي تنال منه أو تؤيده وتدافع عنه؛ أعود لأقرأه بعيداً عن أية أفكارٍ مسبقة، نحيتها لأتفرد بالعمل بروح قارئ يرضي نهمه للاطلاع.. غالباً ما أكتشف بعد الانتهاء منه أن الكثير مما قيل من كلا الضدين المدافع والمناوئ؛ بني على أفكارٍ مسبقة متسرعة ولا موضوعية، أخذت الرواية بمفهوم ضيق قائم على سطور وأفكار محدودة جدلية تاركةً الكُّل، ومتغافلةً عما يُراد قوله.
التركيز الانتقائي على الاختلاف هو ما يذكي الانتقاد الانتقائي، الذي يظلم نتاجاً مميزاً بسبب خروج مؤلفها عن تابوات ممنوعة ومحرمة، يتعرض كل من يرويها حسب مفهومه لهجوم مبني على موروثات دينية وثقافية ومجتمعية قد تكون على صواب، تقابلها أخطاءٌ للراوي، الذي بعد أن أشار البعض لعمله بغفلةٍ عن الأغلبية غير المنتبهة وحتى التي لا تكترث؛ تحول لفجور بالخصومة وإثم أخذت العزة صاحبه.
حين تتقادم القصة أو الرواية المميزة المثيرة للجدل، تزداد قيمتها الأدبية وتتضح أكثر أفكارها، حينها يكون الحكم عليها قائماً على المنطق والعقل بدلاً من الحمية اللحظية، التي يغذيها التعصب والاستنتاجات المحسومة مسبقاً.


المصدر: صحيفة الرؤية: - https://www.alroeya.com/article/2049154/آراء/روايات-متمردة-وآراء-متعصبة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...