الجمعة، 13 نوفمبر 2020

قوة الشعوب الناعمة، وفرنسا!

موقع صفحة أخيرة
26-10-2020
عماد أحمد العالم



غرد "ماكرون" عبر حسابه في تويتر بالعربية قائلاً: "لا شيء يجعلنا نتراجع، أبداً. نحترم كل أوجه الاختلاف بروح السلام، لا نقبل أبداً خطاب الحقد وندافع عن النقاش العقلاني، سنقف دوماً إلى جانب كرامة الإنسان والقيم العالمية".
فيما أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بياناً يستنكر دعوات المقاطعة ومطالبة بوقفها، وهو ربما المؤشر والدليل على انفراج في الأزمة وبداية تحرك رسمي لاحتوائها، ليس لكون المقاطعة بدأت التأثير في الاقتصاد الفرنسي فهذا مستبعد الآن، وتأثيره سيكون على المدى الطويل مع استمرار الزخم الشعبي بالالتزام بها.
ليس من مصلحة فرنسا خلق عداوة مع العالم العربي والإسلامي، وخصوصا مناطق نفوذها بالمغرب العربي وأفريقيا، كما أنها تعي أن شعوب تلك المناطق لم تُشفَى بعد من جراح حقبتها الاستعمارية، فيما تزايد موجات العداء لها ستؤثر على أجندتها وسياساتها ومصالحها الاستراتيجية بتلك المناطق، ولن يشفع لها المواقف الرسمية التقليدية الداعمة لها والمتصالح معها.
تعي باريس أن حملة المقاطعة لها، والعداء المتزايد لمواقف "ماكرون" وتصريحاته ومعه المؤسسة الحاكمة ذو خلفية دينية لا سياسية، وهذا يعني أنها مست عقيدة الشعوب التي لم تكن لتكترث لو كان الحديث عن خلاف سياسي أو التطرف الديني، بل مست مقام الرسول الكريم، الرمز الديني الأوحد لجميع طوائف المسلمين على اختلافها وتفرقها العقائدي.
تجدر الإشارة إلى أن حجم التعامل التجاري الفرنسي مع العالم العربي والإسلامي والأفريقي كبير، لكن أغلبه مع الحكومات على شكل التسليح والتقنية المتطورة؛ وهو الذي لا يمس الشعوب بشكل مباشر، ولذلك تأثير المقاطعة الاقتصادية محدود على المدى القصير، وينحصر فعليا بجهة مصدري المنتجات الغذائية والزراعية والصناعية الاستهلاكية والسيارات والكماليات، مما يستدعي إيصال الرسالة الشعبية للكيانات الاقتصادية الفرنسية التي يهمها السوق الشعبي الإسلامي والعربي، وبيان أن موقف المسلمين منها متعلق بالرسول الكريم واحترام مكانته لدى المسلمين وعدم المساس بها تحت ذريعة حرية التعبير، كما الاستفادة منها لتشكل لوبيات ضغط على الحكومة الفرنسية لسن القوانين التي تُجَرِّم الإساءة له كما جرى سابقا مع الهولوكوست ومعاداة السامية.
يجب أن يتم التواصل مع النقابات العمالية وتجمعات رجال الأعمال والملاك الفرنسيين الذين يبيعون منتجاتهم للعالم الإسلامي، واستقطابهم للضغط على "ماكرون" والمشرع الفرنسي لتغيير موقفه من جزئية ما يسميه حرية الإساءة للمعتقد والمتعلقة بالرسول الكريم، كما يتحتم على مسلمي فرنسا مسؤولية القيام بدور مهم في التوعية الشعبية الفرنسية تجاه قضاياهم، وهذا يُحَتم اندماجهم في المؤسسات الرسمية والمجتمع المدني والقضاء والسلك العسكري والنقابات، واستغلال نفوذهم فيها لصك القوانين مع مراعاة قيم الجمهورية الفرنسية واحترامها والاندماج بها.
يعي "ماكرون" أن علاقات فرنسا الرسمية مع الدول الإسلامية والعربية لن تتضرر كثيرا، فالحاكم لها القوانين والعلاقات والتبعية والمصالح المتبادلة، لكنه يعي أيضا أنها لا تكفي وقد تكون مدمرة إن تماست مع الشعوب، ولذلك يتوجب استغلال ذلك في تبيان موقف المسلمين من حرية الإساءة لرموزهم الدينية.
أخيرا؛ يتوجب على مسلمي فرنسا أن يستقطبوا أتباع الديانات الأخرى الفرنسيين من يهود وغيرهم وخصوصا الحقوقيين وذوي النفوذ منهم تجاه مطالبهم، وليُكوِّنوا جبهة واحدة داخلية تدعوا لسن القوانين المُجَرِّمة لجزئية الإساءة للأديان والمعتقدات.


المصدر: موقع صفحة أخيرة - https://www.saf7a-a5era.com/2020/10/public-soft-power.html



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...