الأربعاء، 3 فبراير 2016

تجارة الوهم

بقلم عماد أحمد العالم

مقاله تم نشرها في جريدة الكويتية 03-02-2016

 
 
يُقال ولا أنكركم القول إني من المصدقين لما يُقال إن أسرع الطرق للإثراء الآن هو أحد طريقتين؛ فإما أن تتاجر بالدين، والطريقة سهلة عبر أن يكون لك "ستايل" بعينه، وإما أن تكون مفسر أحلام أو قارئ رقى للمساكين الذين يعانون من أمراض نفسية وعضوية، فيما السكة الثانية وهي التي بينها وبين الأولى سباقٌ محموم تتمثل في طب العطارين "والعشبيين"، وعباقرة الخلطات السحرية لكافة الأمراض والعلل، من أعتاها الذي لم يتمكن العلم من فك شفراته، لأدقها الذي يتداخل مع الجينوم والخلية!
 
الفوز الأكبر لمن يجمع المهنتين الاثنتين، فبذلك يكون بمظهر الصلاح، فجمع الدين والطب والعلم، ليزدهر سوقه وتتنوع إعجازاته، فيصعب حينها الوصول "لعبقري زمانه" إلا بالواسطة والمعرفة، وإلا فسيكون عليكم انتظار موعد بعد شهور لنيل شرف لقاء سعادته، وسيخرج منه المعتلُ بما هو مقريٌ عليه، إلى جانب خلطة أعشاب سحرية المفعول، تم عملها من الأعشاب النادرة من غابات الأمازون أو براري الصحراء الكبرى.
 
الغريب أننا كشعوب عربية مستعدون للسفر لأقاصي الأرض إن سمعنا أن فلانا يمتلك العلاج لمرضٍ ما "عافانا وعافاكم الله"، لكننا غير مستعدين لتقبل فكرة أنه لو كان بالفعل مفيداً لما بقي خلف الأضواء، ولكان في اليوم التالي تقام له المؤتمرات وتخصص له الأبحاث والميزانيات الضخمة، ليخرج للأسواق كدواء معتمد عالمياً، بعد أن تم إجراء جميع الفحوص المخبرية والسريرية والإكلينيكية عليه، وعلى الحيوانات أولاً ومن ثم على البشر.
 
خلطات ووصفات تفوق الإشاعة قوةً في الانتشار يتم تداولها كل يوم، تتناقلها ألسن المجتمعين على الإفطار أو في ساعة الغداء بالعمل، أو أثناء مشاركتك لسيارة أجرة أو حديثٍ مع عابرٍ يشكو همه. جميعها تُبشر بالخير، ولنأخذ واحدةً منها مثلاً "من اختراعي" تقول: اطحن قشر رمان بنصف كوب ماء دافئ، مع ملعقة زيت زيتون ونقطتين خل، وأضف لهم البردقوش مع حبة البركة وعسل سدر أصلي، ثم تضربهم بالخلاط وتجففهم، وتتناول بعد ذلك ملعقة على الريق كل صباح وأخرى بعد تناول وجبة العشاء، أؤكد لكم وفي غضون أسبوعين أن من يتناولها سيشفى من السكر والضغط والبهاق والنقرس وضعف الدم والبواسير، وأضيف لهم الكحة والرشح والجيوب الأنفية، أما إن أضيف لها بذور الطماطم، فستشفي من الصرع والصداع النصفي والتشنجات الحرارية والحول!
 
بكل أمانة، لا أقصد الاستهزاء بأحد، ولا الانتقاص من الطب الشعبي، لكني بت أرى موجة من "استغباء" الناس والضحك عليهم، واللعب على أوجاعهم بغرض الإثراء، فكل من خلط مجموعة من الأعشاب ببعضها أصبح مداويا، قد تكون المصادفة لعبت دوراً معه بشفاء أحدهم، إلى جانب قوة العامل النفسي العلاجية، ودون أن تكون الوصفة السبب، ليتم الإشادة بعد ذلك بها، فتشتهر وتنتشر، حينها يكون الضرر.
 
أذكر قصة عشت أحداثها مع أحدهم الذي كان يعاني من السكر والضغط، فأشار عليه صديق له بأن لديه العلاج المداوي لعلاته، ونصحه بأن يشرب كل يوم ستة أكوابٍ من الشاي المخلوط مع القرفة لمدة أسبوع، والنتيجة أن الرجل كاد يُصاب بفشل كلوي، وارتفعت قراءة السكر عنده لحوالي 500 مع عدم انتظامٍ في النبض، وارتفاعٍ خطير في الضغط، جعله يتناول أكثر من ثمانية أنواعٍ مختلفة من الأدوية لتدارك حالته الصحية ومنعاً لتفاقمها.
 
علاجات التخسيس وما يسمى بأدوية الرشاقة والصحة العامة أيضاً علة جديدة دخلت القائمة، وخصوصاً إن أشارت إلى أن مصدرها الصين، وهي كما تراها العامة البسيطة أحد أهم علامات الجودة في الطب الشعبي، وكثيرا ما يُنسب لإبرها وأعشابها أنها تمتلك حلولاً سحرية لكل أمراض الدنيا، لتكون بذلك وعلى أرض الواقع استحقت جملةً كنا نصف بها سوء أي منتج بكونه "تايواني"، أما الآن فقد غدا يطلق عليه بالصيني، الذي أدرك جيداً كل مروجٍ لتجارة الوهم أنها خير ما يُستدل بها لإضفاء طابعٍ سحري على منتجاته!
 
 

المصدر: جريدة الكويتية - http://www.alkuwaityah.com/Article.aspx?id=343726

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

أوروبا وفقدان البوصلة الأخلاقية

  موقع ميدل إيست أونلاين 10-11-2023 بقلم: عماد أحمد العالم سيستيقظ الأوروبيون ودول أوروبا ولو بعد حين بعد انتهاء الحرب الدائرة في غزة على حق...